الصفحات

الأحد، 16 نوفمبر 2025

*مفتاحُ الرِّياض يفتحُ مَغاليقَ البيتِ الأبيض*

مَشى القائدُ نحو التَّاريخ: ولادةُ سوريا الجديدة*
1= *طريقُ الشَّرْع للبيتِ الأبيضِ.. البوصلةُ سعوديَّةٌ*
.
كنتُ، ككثيرين غيري، أترقّب بلهفةٍ لقطات استقبال الرئيس السوريّ أحمد الشرع في البيت الأبيض يوم الإثنين (10 نوفمبر 2025). وبمجرَّد أن سقطت عيني على المشهد، أيقنتُ أنّه أكبَر من مجرَّد ضيفٍ يزور واشنطن؛ لقد كان دويًّا سياسيًّا حقيقيًّا تردّد صداه في الإقليم كلّه.
.
*يا له من محظوظٍ هذا الشرع، ويا لحظِّ سوريا به!*
فلأول مرةٍ منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1946، يدخل رئيسٌ سوريٌّ من الباب العريض إلى المكتب البيضاويّ. والأهمّ، أنّه لم يدخل كـ«ملفٍّ أمنيٍّ» يُطرح على طاولة الأمريكيين، بل كشريكٍ يجلس قبالة الرئيس دونالد ترامب، في ذات المكتب الذي شهد جلوس روزفلت ولينكولن، متحدثًا عن إعادة الإعمار، والاستثمار، وطيِّ صفحة «قيصر» بتوقيع الاتفاقيات الرسمية.
.
*تذكّروا: المكتب البيضاويّ لا يفتح أبوابه إلّا لمن يملك مفاتيح المستقبل، والشرع حملها بيدٍ واثقة*.
.
قلتُ -بكثيرٍ من الاعتزاز- لصديقي السوريّ الذي كاد يطير فرحًا: "سامحني..هاته اللحظة لم تُولد في واشنطن. جذورها الحقيقية عندنا، هنا في الرياض". هل تتذكّر تلك الصورة التي أبهرت العالم وأخرست الأعداء؟ الصورة الثلاثية لـ الأمير محمد بن سلمان، والرئيس ترامب، وأحمد الشرع، يقفون جنبًا إلى جنب في الرياض.
.
نظر إليَّ صديقي وقال: "وهل ينسى سوريٌّ حرٌّ ذلك اليوم؟ (14 مايو 2025). لن ننسى أبدًا وقفة الأمير محمد بن سلمان عاقدًا يديه على صدره، والسعادة تملؤه، والقاعة تضج بالتصفيق. كانت تلك اللحظة التي سكنت وجداننا، حين أعلن ترامب، بضمانةٍ سعوديةٍ، نيته إطلاق مسار تعليق عقوبات «قانون قيصر» تمهيدًا لإلغائها".
.
*يا سادة: التاريخ لا يكتبه مَن يحضر المشهد الأخير، بل مَن يكتب سطره الأول*.
---------------
2=
*الشَّرْع و"ماست".. الماضي يبَدِّل خوذته*
.
أتساءل مَلِيًّا: ما الذي فعله الشرع بدونالد ترامب؟ هذا الزعيمِ الصلبِ، الحادِّ في تصريحاته التي تصل حدَّ "الفجاجة" أحيانًا (ونتذكّر جميعًا ما فعله بزيلينسكي وغيره)، كيف نال منه كلَّ هذا الثناء، وتلك الصور في المكتب البيضاويّ، مُحتفيًا ومُمازحًا، وراشًّا العطر عليه، ومُهديًا إياه قبّعته الحمراء التي ناضل بها الانتخابات؟
.
تلك الحميمية الواضحة لم تكن مجاملةً. فحين يصف ترامب الرئيسَ الشرع بأنّه "قائدٌ قويٌّ جدًّا"، ويشير إلى أن "ماضيه القويّ" هو بالضبط ما سيساعده على الإعمار، فأنت تدرك أنّهما يتحدثان لغةً واحدةً: لغة القوة والإنجاز.
.
لكنَّ هاته "الكاريزما السحرية" التي يمتلكها الشرع، يقينًا، لم تكن وليدة لقاء ترامب. فثمة زعماء ومعارضون ألدّاء له، بمجرد جلوسهم معه، ينقلبون بالكامل. ولعلَّ أقوى مثالٍ على ذلك حدث قبل يومٍ واحدٍ فقط من لقاء البيت الأبيض، في قصةٍ تكاد تكون سينمائيةً.
.
كانت العقبة الكأداء أمام رفع "قانون قيصر" عن سوريا تتمثّل في رجلٍ واحدٍ: الجمهوريِّ براين ماست، الصوت الأبرز والأشدِّ تأثيرًا في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب. 
.
*وهو ليس أيَّ رجلٍ؛ إنّه محاربٌ قديمٌ، فقدَ ساقيه في قندهار بأفغانستان، وكان أشدَّ المعارضين لرفع العقوبات*.
.
بترتيبٍ ربانيٍّ، تمَّ على يد الناشطة السورية (ذات الأصول الكردية) ياسمين نامو، عُقد لقاءٌ حميميٌّ بين الشرع وماست. ماذا دار بينهما؟ لا نعلم التفاصيل، لكنّنا نعلم النتيجة. خرج ماست، الرجلُ الذي لا يلين، ليُصدر بيانًا رسميًّا هزَّ واشنطن، قال فيه:
"مساء أمس، تشاركتُ الخبز والملح (Broke Bread) مع الرئيس السوريِّ الجديد أحمد الشرع... كلانا جنديان سابقان، وعدوّان سابقان... لقد سألتُه مباشرةً: لماذا لم نعد أعداء؟ فكان جوابه أنّه يرغب في التحرّر من الماضي، والسعي النبيل لشعبه وبلده، وأن يكون حليفًا عظيمًا للولايات المتحدة".
.
وغرّد قائلًا إنَّ الشرع "غيّر وجهة نظري تمامًا"، ووصف اللقاء بأنّه "حوارٌ بين محاربٍ ومحارب".
.
*يا له من مشهدٍ هوليوديٍّ بحقٍّ!* 
محاربٌ أمريكيٌّ فقد ساقيه، يجلس قبالة مقاتلٍ سابقٍ تحوّل اليوم إلى رئيس دولة. هنا بالذات، نفهم لماذا يصف المراقبون الشرع بأنّه يمتلك كاريزما "تسحب الخصوم إلى طاولته" مهما بدوا متصلّبين في البداية.
.
*يا أحبة: لا يمكنك إقناع إنسانٍ ما لم تتحدث بلغته؛ لغة ترامب هي "القوة"، ولغة ماست هي "الجرح"، وقد أتقنهما الشرع كلتيهما.*
---------------
3= 
*حين نزلَ الشَّرْعُ من المَوكبِ... وصَعدَ إلى القلوب*
.
دعكم من الكاريزما، فتلك هباتٌ من الله. وتعالوا إلى لقطةٍ أكثر عمقًا ودلالةً، لقطةٍ تكشف جوهر الرجل لا بريقه فحسب.
.
فبعد انتهاء اجتماع الساعة والستِّ والثلاثين دقيقة داخل البيت الأبيض، وبعد أن صمتت الكاميرات، وصار كلُّ شيءٍ جاهزًا لرحيل الموكب الرئاسيِّ بصرامته وبروتوكوله، انطلق صوتٌ آخر أعلى من صرير الإطارات؛ صوت الشارع.
.
لم يكن شارعًا عاديًّا، بل كان خلاصة الشتات السوريِّ. آلافٌ تقاطروا عابرين المحيطات والقارّات الداخلية، من كاليفورنيا إلى ميشيغان، جاؤوا ليُحيّوا قائدهم في لحظةٍ تاريخيةٍ، ملوّحين بالأعلام، وهاتفين باسمه.
.
هنا، وفي لحظةٍ فارقةٍ، لم يتردّد الشرع. كسر القيد البروتوكوليَّ دون تفكيرٍ، وأمر السائق بالتوقّف، ثم نزل راجلًا نحوهم. 
مشهدٌ أوقع الحرس الأمريكيَّ في حيرةٍ لا تخلو من إعجاب، وهم يرون هذا الفعل التلقائيَّ الذي يتحدّى كلَّ الإجراءات. وضع شالًا سوريًّا حول رقبته، كرمزٍ يلفُّ به جراح الشتات ويؤكّد وحدة الانتماء، ومضى بينهم.
.
*باختصار: الشرع غادر مبنى البيت الأبيض، ليجد وطنه الحقيقيَّ على رصيفٍ في واشنطن*.
.
لم تكن أذناك لتلتقط سوى دعواتٍ صادقاتٍ تضجُّ بها الأرصفة: "الله يديمك يا أحمد"، "سوريا حرّةٌ بفضلك". كانت صرخات حبٍّ عميقٍ من أولئك الذين فرّوا من الظلم ووجدوا فيه أملًا بالعودة. 
.
انتشرت مقاطع الفيديو كالنار في الهشيم، ولا يُسمع فيها إلّا ترحيبٌ دافئٌ، ودموعٌ مكبوتةٌ، وحرّاسٌ يبتسمون رغم حيرتهم، بينما يمدُّ الرئيس يده لكلِّ سوريٍّ كأنّه يلتقي بعائلته المفقودة بعد طول غياب.. تشعر بأنَّ لقاء الساعة والنصف منحه اعترافًا سياسيًّا، لكنَّ لقاء الدقائق المعدودة مع مواطنيه منحه شرعيةً أبديةً.
.
*هذا التواضع ليس مصطنعًا؛ إنّه جوهر رجلٍ عرف معنى الغربة والحرب.* 
.
الرسالة كانت أوضح من أيِّ بيانٍ صحفيٍّ: هذا الرجل لم يأتِ لصور "البيت الأبيض"، بل أتى لأجل هؤلاء الناس. بوقفته تلك، أكّد أنّه يستمدُّ شرعيته الحقيقية من هذا الحبِّ، من شعبه لا من المقاعد الوثيرة.
.
*وحده مَن عاش الغربة، يُدرك أنَّ النشيد الحقيقيَّ لا يُعزف، بل يُهتف من بين الدموع.*
---------------
4= 
*وقتما يُصبحُ "الفلولُ" أفضلَ دعاية*
.
وهنا، لا يسعني إلّا أن أضحك ملءَ فمي، موقنًا بأنَّ أحمد الشرع رجلٌ محظوظٌ حقًّا… لا فقط بحلفائه، بل حتّى بخصومه!
.
جوقة «الفلول» – كما بات السوريون اليوم يسمّون بقايا المعارضة التي عكفت لأربعة عشر عامًا على التسوّل في دهاليز العواصم ومن انضمَّ لهم من الأقلويات وكلاب الأسد الهارب – لم تترك تهمةً إلّا وعلّقتها في عنقه: ماضيه الجهاديّ، تحالفاته الإقليمية، صفقات الاستثمار التي نعتها بعضهم بـ«بيع البلاد». 
.
لكنّهم – في غمرة تهجّمهم – لم يدركوا أنّهم يمنحونه مجّانًا ما لا تُعطيه كبريات شركات العلاقات العامة: شرعيةً جماهيريةً شعبيةً تزداد كلّما انهالوا عليه بالشتائم. 
.
*أحيانًا، يصنع الخصوم أقوى أسباب الشرعية، حين يفضحون أنفسهم -بغبائهم وحمقهم- قبل أن يفضحوا غيرهم.*
.
الشعب السوريُّ المكلوم، الذي أنهكته طوابير الخبز ومخيمات النزوح وصفوف "المنظمات"، لا تهمُّه "حرب الشعارات" بقدر ما يهمُّه أن يعود لحياةٍ تشبه الناس: وظيفةٍ، وسقفٍ، وشارعٍ آمنٍ، ومدرسةٍ لأطفاله. وعندما يرى أنَّ البديل عن مشروع الإعمار هو الاستمرار في حفلات الشتم والتشكيك والتسوّل، فإنّه – ببساطةٍ – يختار من يعده بالحياة.
.
العداء الأحمق يُنجِبُ البطل، وهكذا ساهمت هجماتهم في صعوده أكثر، دون أن يفطنوا إلى أنّهم – من حيث لا يعلمون – يحشدون له الأنصار أكثر من خطبه الرسمية. صدّقوني، حين يُصبح الهجوم الإعلاميُّ هو الوقود الذي يرفعك، فاعلم أنَّ خصومك باتوا جمهورك من حيث لا يدرون.
.
*يا سادة: السياسة لا ترحم الحمقى؛ فهم غالبًا مَن يصنعون خصومهم أبطالًا بأيديهم.*
---------------
5= 
*وإذْ وَجدتْ سوريا قاطرتَها… تحرَّك التَّاريخ*
.
أقولها يقينًا، وأنا على ثقةٍ من وعد الله: لن تكون سوريا التي عرفناها هي سوريا بعد خمس سنوات.. وبعد حقبةِ جيلٍ واحدٍ فقط؛ سيتسلّم الأبناءُ أو الأحفادُ بلدًا في مصافِّ العالم الأول.
.
السرُّ أنَّ أحمد الشرع عرف المفتاح؛ لقد أدرك أنَّ نهضة بلاده تبدأ من الرياض، وأنَّ قاطرة المنطقة العربية بأسرها هي السعودية. فجعل الأمير محمد بن سلمان بوصلته، واصطفَّ خلف رؤيةٍ لا تحدُّها حدود بلاده، بل تمتدُّ لتشمل المنطقة برمتها.
.
ومَن كان في معيَّة وثقةِ الأمير محمد بن سلمان؛ لن يُخذل بإذن الله، وسيلقي الدعم المطلق بلا دعايات، فالقيادة السعودية لا تمنُّ ولا تتباهى، بل تعمل بصمتٍ، مستندةً إلى قيمٍ راسخةٍ وضعها الأب المؤسِّس، يرحمه الله.
.
*بيقينيةٍ مطلقةٍ أؤكّد: مَنْ وضع يده بيد محمد بن سلمان؛ أمسك بمفتاحٍ يفتح لبلاده أبواب المستقبل*.
.
والدليل الأوضح، لمن أراد أن يستمع، جاء على لسان مندوب سوريا في الأمم المتّحدة، إبراهيم علبي، الذي كشف النقاب عن جوهر ما دار في البيت الأبيض، حين صرّح:
"*الرئيس ترامب أبلغ الرئيس الشرع أنَّ وليَّ العهد الأمير محمد بن سلمان يقف إلى جانب الشعب السوريِّ، وأنّه (أي الأمير) كان من دعا وأصرَّ على رفع العقوبات"*.
.
أمّا أولئك الذين ما زالوا يقفون على الرصيف، يقتات بعضهم على "حنينٍ مكسورٍ" ويلقي بعضهم الشتائم، فسيأتون -شاءوا أم أبوا- فُرادى ووُحدانًا، يبحثون عن مقعدٍ في القطار الذي ظنّوه لن يتحرّك.
.
وحين يصلون، سيكتشفون أنَّ التاريخ لا ينتظر المتردّدين طويلًا. سيعرفون أنَّ تلك اللحظة في البيت الأبيض لم تكن مجرَّد "صورة بروتوكول"، بل كانت إعلانًا صريحًا بأنَّ زمن التسوّل باسم الثورة قد انتهى، وأنَّ زمن البناء قد بدأ.. وسيندمُ البعضُ منهم ولاتَ ساعةَ مَندم!
.
وهمسةً أخيرةً لهم: 
القطار تحرّك، ومن لم يصعده في الوقت، سيجري خلفه طويلًا… دون أن يلحق. وكتب التاريخ تقول: لا يوجد مقاعد للمتردّدين؛ إمّا أن تكون في قلب القاطرة، أو تدهسك عجلاتها وأنت تحلم على الرصيف. 
.
*أيها الأحبة: المشهد ليس بروتوكولًا.. بل إعلان ولادة دولةٍ جديدةٍ من رحم الرماد.*

.
بقلم: عبدالعزيز قاسم
إعلامي وكاتب صحفي
---------------------------


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..