الصفحات

السبت، 18 فبراير 2012

ما رأيكم في مَن ينكر إطلاق ألقاب "شيخ" ، " عالِم" ، "رجل الدين" ؟

عاجل إليك فضيلة الشيخ عبدالرحمن السحيم
أرجوا افادتي حول صحة هذا المقال فأنا غير مقتنعة بما ذكر
البعض يقول الشيخ فلان، والآخر يقول العالم فلان، والثالث يقول رجل الدين، ناهيك عن سيل الألقاب

التي تنهال على المتحدث أو الضيف، فهو العالم العلامة والبحر المدقق الفهامة، مفتي الناس وإمام الأمة، وحيد عصره وسابق أوانه.
أولاً: كلمة"شيخ" مفردة، جمعها أشياخ وشِيخان وشُيوخ ومَشايخ. والشيخ: وفق ما جاء في لسان العرب هو:منْ استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب، ويوافق هذا قوله تعالى في سورة القصص أية 23 "لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ" فضعف الشيخ الكبير"شُعيب" اضطر بناته للسقاية.
وقال تعالى في سورة هود آية 72 " قَالَتْ يا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ".أي تتعجب أن تلد وزوجها كَبرُ وشاخ.
وقال تعالى في سورة يوسف آية 78 " قَالُواْ يأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ". وقد تُطلق كلمة "شيخ" على الشخص المتزوج جاء في الآية المنسوخة " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما".
ويقول أبي أمية الحنفي:
زعمتني شيخاً ولست بشيخ
إنما الشيخ من يدب دبيبا
ثانياً:"عالم" مفرد جمعه عُلماء، ويقول الزجاج: لا واحد لعالَمٍ من لفظه لأَن عالَماً جمع أَشياء مختلفة،فإِن جُعل عالَمٌ لواحد منها صار جمعاً لأَشياء متفقة، وعَلَم نقيضُ جَهَل، فعالم بالتجارة وعالم بالزراعة وغيره، والعالِم الذي يَعْملُ بما يَعْلَم، فعن ابن مسعود أَنه قال: ليس العلم بكثرة الحديث، ولكن العِلْم بالخَشْية، وعلى قول بن مسعود هذا فإن الخشية يعلمها الله، ولا عالم إلا منْ علمه الله واختاره يقول تعالى "إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ من عبادِه العُلَماءُ" وهو وحده سبحانه"عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادةِ".
ثالثاً: "رجل دين" كلمة تُقال لرجل الكنيسة القائم بشؤونها ولا يجوز أن تُقال لمسلم، وترجمتها بالإنجليزية (Religion Scholars) وهي تعني رجال الأكليروس.
وقد أسس رجال الدين بالكنيسة -باطلاً- مُبرر وجودهم وهو "التوسط بين الله والخلق" وهذا مبدأ لديهم يقتضي ألاَّ يذهب الإنسان إلى رجل الدين ليعلمه كيف يعبد إله، بل ليعبد الله بواسطته وكذلك ليس للمذنب أن يتجه بتوبته إلى الله طالباً الصفح والمغفرة، بل عليه أن يتجه إلى رجل الدين مُعترفاً أمامه بذنبه ليقوم بالتوسط لدى الله فيغفر له.
ختاما لغتنا العربية غنية بمفرداتها، وقد ضاع العامة أمثالي بين المتحدثين وضيوفهم، كما ضاع جاهلي القوم بين صفحات الشبكة العنكبوتية.



الجواب :
بعض الكُتّاب حينما يقرأ حرفا أو معلومة فإنه يبني عليها أحكاما أو أقوالاً تكون خاطئة ؛ لأنه يكون حَفِظ شيئا وغابت عنه أشياء !
ومثله هذا ، مع ما فيه من الخطأ فإن فيه تعالُمًا ! باستثناء ما يتعلق بالمصطلح الثالث ، فإن مُصطلح " رجل دِين " أصله مُصطلح نصراني ، كما ذُكِر .

قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد حفظه الله في " معجم المناهي اللفظية " :
الدين في الفكر الغربي بشتى مذاهبه ودياناته يعني : العبادة المصحوبة بالرهبة أو الوحشة . ومعنى هذا أن رجل الدين لا يصلح لِفَهم أمور المعاش بسبب انقطاعه عن محبة الناس ، وليس كذلك في مفهوم الإسلام الذي لا يعترف بأن هناك رجل دين له نفوذ واختصاص ، فكل مسلم رجل دِين ودُنيا .
فالدين في المفهوم الإسلامي هو : ما شرعه الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما ينظم صلة العبد مع ربه ومع عباده على اختلاف طبقاتهم ، وينظم أُمور معاشه وسلوكه ، من غير وجود وساطة بشرية .
ولهذا فلا تجد في المعاجم الإسلامية ما يسمى برجال الدين ، وإنما تسربت بواسطة المذاهب المادية وخاصة : العلمانية . وقد بسط الأُستاذ الحوالي عن هذه الاصطلاح في كتابه (( العلمانية )) فشفى ، ويرجع إليه . والله أعلم . اهـ .

أما ما يتعلق بِمصطلح ( شيخ ) فهذا ليس صحيحا أنه لا يُطلق إلاّ على من كَبُر سِنّـه وشاخ .
قال الراغب الأصفهاني في " المفردات في غريب القرآن " :
( شيخ ) يُقال لمن طَعَن في السن : الشيخ ، وقد يُعبر به فيما بيننا عَمَّن يَكْثُر عِلْمه لما كان من شأن الشيخ أن يَكثر تجاربه ومعارفه . اهـ .

وقد يُطلق من باب التبجيل .
قال الفيروزآبادي في " القاموس " : وشَيَّخَهُ : دَعَاهُ شَيْخاً تَبْجيلاً .
وقال ابن منظور في " لسان العرب " : وشَيَّخْته : دَعَوْتُه شَيْخاً للتبجيل .


وكذلك ما قيل في مُصطلح ( عالِم ) ، فإنه لا يلزم من الوصف بالعِلْم التزكية ، ولا الوصف بالخشية ، فقد وُصِف بالعِلْم من طلبه لأجل الدنيا .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر : إياكم والمنافق العَالِم ! قالوا : وكيف يكون المنافق عَالِمًا ؟ قال : يتكلم بالحق ، ويعمل بالمنكر .

قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِىُّ : الْعُلَمَاءُ ثَلاَثَةٌ : فَرَجُلٌ عَاشَ فِى عِلْمِهِ وَعَاشَ مَعَهُ النَّاسُ فِيهِ ، وَرَجُلٌ عَاشَ فِى عِلْمِهِ وَلَمْ يَعِشْ مَعَهُ أَحَدٌ ، وَرَجُلٌ عَاشَ النَّاسُ فِى عِلْمِهِ وَكَانَ وَبَالاً عَلَيْهِ . رواه الدارمي .
وروى الدارمي أيضا عن سُفْيَان قَالَ : كَانَ يُقَالُ الْعُلَمَاءُ ثَلاَثَةٌ : عَالِمٌ بِاللَّهِ يَخْشَى اللَّهَ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَعَالِمٌ بِاللَّهِ عَالِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ يَخْشَى اللَّهَ فَذَلِكَ الْعَالِمُ الْكَامِلُ ، وَعَالِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِاللَّهِ لاَ يَخْشَى اللَّهَ فَذَلِكَ الْعَالِمُ الْفَاجِرُ .

وقد وَصَف النبي صلى الله عليه وسلم حَمَلة العِلْم من بعده بذلك .
فقال عليه الصلاة والسلام : إن العُلَماء هم وَرَثة الأنبياء . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه .

وأخبر عليه الصلاة والسلام أن قَبْض العِلم يكون بِقَبْض العلماء ، في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا ، فَسُئِلُوا ، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا . رواه البخاري ومسلم .

قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما : هَلْ تَدْرُونَ مَا ذَهَابُ الْعِلْمِ ؟ قال قابوس : قُلْنَا : لاَ . قَالَ : ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ . رواه الإمام أحمد والدارمي .
وقال أَبِو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه : مَا لِى أَرَى عُلَمَاءَكُمْ يَذْهَبُونَ وَجُهَّالَكُمْ لاَ يَتَعَلَّمُونَ ؟ فَتَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ ، فَإِنَّ رَفْعَ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ .
قال هلال بن خباب : سألت سعيد بن جبير قلت : يا أبا عبد الله ما علامة هلاك الناس ؟ قال : إذا هلك علماؤهم . رواه ابن أبي شيبة .

وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم مِن طَلَب العلم من أجل مُجاراة العلماء أو مماراة السفهاء ، فقال عليه الصلاة والسلام : مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ . رواه الترمذي من حديث كَعْبِ بْنِ مَالِك رضي الله عنه ، وقال الألباني : حَسَن .
ورواه ابن ماجه من حديث ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما .

قال عليه الصلاة والسلام : ليس من أمتي من لم يُجِلّ كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويَعرف لِعَالِمِنا حقه . رواه الإمام أحمد .

ويصح إطلاق وصف ( عالِم ) على العالم بالعِلْم الشرعي ، وهو المراد عند إطلاقه في النصوص ، وفي كلام أهل العلم .

قال الراغب الأصفهاني في " المفردات في غريب القرآن " :
العِلم : إدراك الشيء بحقيقته ، وذلك ضَرْبان :
أحدهما : إدراك ذات الشيء .
والثاني : الْحُكْم على الشيء بوجود شيء هو موجود له ، أو نفي شيء هو مَنْفِيّ عنه .
فالأول : هو المتعدي إلى مفعول واحد نحو : (لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) .
والثاني المتعدي إلى مفعولين نحو قوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) .

ولا يَزال العلماء منذ أكثر من ألف عام يَصِفُون العالم بذلك ، ويصفونهم بالشيوخ أيضا .
وبناء على ذلك فإن قائل ذلك القول يلزمه تخطئة علماء الأمة منذ أكثر من ألف سَنَة ، فإنه يَصِفُون العالِم بمثل هذه الأوصاف ( شيخ ) و ( عالِم ) .
صحيح أن السلف كانوا يتحاشون مثل تلك الأوصاف التي ذُكِرت في أوّل الكلام ، مع غزارة عِلْمهم ، إلاّ أن وصف العالِم بهذا الوصف ، أو وصفه بـ " الشيخ " ليس مما يُنكَر لُغة وعُرْفا .
إلاّ أنهم كانوا يُطلِقون على العالِم وصف ( عالِم ) .

قَالَ أَبِو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه : وَمَا نَحْنُ لَوْلاَ كَلِمَاتُ الْعُلَمَاءِ ؟ رواه الدارمي .

روى الإمام مالك في الموطأ من طريق سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ، فَسَأَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ ، فَوَجَدَ : عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ، وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ ... الحديث .

فهذا وصف شائع منذ زمن الصحابة ، يُوصَف به الواحد من أهل العلم ، وهو كما رأيت جاء في الأحاديث النبوية وفي آثار السلف ، ولا يُشكل عليه ما جاء في قوله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ، فإن العالِم بالله حقًّا هو من يخشى الله عزّ وَجَلّ .
وتقدّم قول سُفْيَان قَالَ : كَانَ يُقَالُ الْعُلَمَاءُ ثَلاَثَةٌ : عَالِمٌ بِاللَّهِ يَخْشَى اللَّهَ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَعَالِمٌ بِاللَّهِ عَالِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ يَخْشَى اللَّهَ فَذَلِكَ الْعَالِمُ الْكَامِلُ ، وَعَالِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِاللَّهِ لاَ يَخْشَى اللَّهَ فَذَلِكَ الْعَالِمُ الْفَاجِرُ .


والله تعالى أعلم .


المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..