الصفحات

الأحد، 8 يوليو 2012

حول (حِراك) مسلسل الفاروق حجة الهبدان تهاوت أمام منطقية القرشي !!

بتقديري الشخصي أن الأستاذ عبد الله القرشي مدير عام قناة (دليل) نجح في إقناع شريحة كبيرة من المشاهدين بأنه لا إشكال في (مسلسل عمر بن الخطاب) ، المزمع عرضه في رمضان هذا العام إن شاء الله على
بعض القنوات العربية ، رغم تجسيد شخصية الفاروق رضي الله عنه في هذا المسلسل ما ُيعد سابقة في تاريخ جميع المسلسلات والأعمال التاريخية ، مؤكداً أن الحكم الموضوعي على المسلسل يكون بعد عرضه وتقويمه بتجرد وعقلانية ، من حيث مستوى النص والأداء والمشهد عموماً ، ومدى ارتباط ذلك بالإساءة لشخصية الفاروق أو إبرازها بشكل إيجابي ، وذلك من واقع الحوار الثري الذي أداره الدكتور والإعلامي القدير عبدالعزيز قاسم في برنامج (حـِراك) على شاشة (فور شباب) ، يوم الجمعة 16 شعبان 1433هـ (6 يوليو 2012م) ، بين الأستاذ القرشي والشيخ الدكتور محمد الهبدان المعارض تماماً للمسلسل جملة وتفصيلا .
جزئية الإقناع التي أعتقد أنها تشكلت في ذهنية كثير من المشاهدين تكمن في منطلقات الأستاذ القرشي التي جعلها الأرضية الصلبة التي يقف عليها في حواره مع الهبدان ، وبالذات في مسألتين ، الأولى (تحريم تجسيد شخصيات الصحابة في الأعمال التمثيلية) ، بمعنى أنه لا يوجد نصاً قطعياً ُيحرم ذلك ، وأن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يطرأ عليها ما يحيلها إلى دائرة التحريم ! فإذا كان هناك علماء وفقهاء معتبرين قد حرموا أو رفضوا هذا المسلسل وأمثاله ، ففي المقابل هناك من أجاز ولم يرى التحريم ، فالعبرة في المقاصد والمصالح لأن المسألة خلافية ! والمسألة الأخرى هي (مسألة التمثيل) بما في ذلك شخصيات الصحابة الكرام ، فهي معاصرة في زمانها ، واجتهادية في طبيعتها ، وأن التمثيل بعمومه لا يعتبر انتقاصاً أو عملاً مرفوضاً ، بحيث يكون تطبيقاته إساءة .
كما أشار القرشي إلى ناحية مهمة في شأن المسلسلات التاريخية ، التي تُبرز فترة القرون المفضلة وبالذات الصحابة الكرام ، وهي أن الدراما صارت واحدة من أبرز الوسائل التوعوية والتثقيفية للناشئة والأجيال المعاصرة ، الذين لم تعد القراءة تستهويهم ، أو ُيقبلون على معرفة التاريخ بأسلوب التلقين التعليمي ، خاصة ً في ظل طفرة الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة وتبادل المعلومات العابرة للعقول ، فما بالك وهناك من يحاول استعمار عقول الأجيال من خلال الأعمال التاريخية ، وتحديداً الحضور الإيراني السينمائي القوي الذي راح يختطف تاريخنا الإسلامي ، وبالذات فترة صدر الإسلام وُيعيد صياغتها وتشكيل أحداثها وإظهار شخصياتها وفق رؤيته المذهبية المتفقة تماماً مع أهدافه السياسية ومشاريعه القومية الصفوية ، ويكفي أن نعرف أن غلاة الشيعة ومسئولي القنوات التلفزيونية في إيران والعراق ولبنان قد جُن جنونهم من مسلسل (الحسن والحسين) الذي عرض في رمضان العام الفائت ، ليس بسبب تجسيد شخصيتي هاذين السبطين ، إنما لأن المسلسل أظهر شخصية معاوية رضي الله عنه بطريقة إيجابية تعارض تماماً روايتهم وأكاذيبهم المعتادة . كما ضرب الأستاذ القرشي مثالاً بفيلم (عمر المختار) ، الذي أثرّ في الذهنية العربية بشكل كبير عن هذا المجاهد العظيم ، ما يعني أن المشاهد يُدرك الفارق بين الشخصية الحقيقية والشخصية الافتراضية (الممثل) فدورها تقريب الفكرة وليس التعبير عنها .
في المقابل لفت نظري في حوار (حراك) أن الشيخ الهبدان ركـز على نقطتين ، الأولى الحوار بمنطق العاطفة وبالتالي محاولة استقطاب المشاهد لدائرة حجته الرافضة للمسلسل ، من خلال تأكيد أن تجسيد شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه هي إساءة تنافي الغيرة عليه بقيام إحدى الممثلات بدور زوجته في المسلسل مستشهداً بحادثة الرسول صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج وحديثه عن غيرة عمر ! ثم سؤاله هل يرضى أحد أن يمثل دورك أو دور زوجتك ؟ وهنا نسي الشيخ الهبدان فارق الشخصيتين بين الفاروق وبين محاوره في الأستوديو ! فالفاروق رضي الله عنه رمز لكل الأمة ، التي تتوق لمعرفة تاريخه ومناقبه وتسترشد بسيرته العطرة ، بينما لا يمثل القرشي لدى الأمة أية رمزية ! فالقياس هنا لا يستوي . النقطة الأخرى أن الدكتور الهبدان كرر أكثر من مرة مسألة استئذان عمر في تجسيد شخصيته ! وهو هنا يضع المستحيل أمام القائمين على المسلسل أو المؤيدين له ! في المقابل يمكن للمؤيدين القول : وهل الهبدان أو الرافضين يملكون حق الحديث باسم عمر ؟ .
أخيراً هناك نقطة مهمة كان من المفترض على الدكتور محمد الهبدان أن يركز عليها وبها تقوى حجته مقابل الأستاذ عبد الله القرشي ، وهي مسألة عدم ضمان تغيير نصوص أو مشاهد تعارض الرواية الصحيحة لسيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ! فإذا كان القائمون على المسلسل لا يضمنون ذلك ، فهذا دليل على أن المسلسل فيه مشكلة فعلية منذ البداية وقبل العرض ! بل يمكن الطعن في نواياهم ! لأن ذلك يخالف تصريحاتهم التي يؤكدون فيها أن قصدهم إبراز الشخصية العظيمة للفاروق رضي الله عنه .
 
محمد بن عيسى الكنعان *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..