الصفحات

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

حرية التعبير عندما تتعلق بمقدسات المسلمين

حرية التعبير عندما تتعلق بمقدسات المسلمين"يجب على الحكومات التصدي لكل قائد، سياسي، أو شخصية عامة، تُنْكر، أو تقلِّل من أهمية المحرقة أو تقوم بالسخرية منها، وتشجيع المجتمع المدني على مراقبة هذه الظاهرة والتنديد بها بشكل قاطع... على الحكومات تطوير مواد تعليمية في مواضيع المحرقة، العنصرية، اللاسامية، والتمييز، التي يتم شملها في البرامج التعليمية الوطنية للمدارس... على الحكومات اتخاذ الإجراءات الملائمة واللازمة لمنع بث برامج لاسامية في قنوات التلفزيون على الكوابل، وتشديد الضغوط على الدول التي يتم البث من أراضيها، من أجل منع بث البرامج اللاسامية"[1].


ما تقدّم جزء من "إعلان لندن حول مكافحة اللاسامية" الذي صدّره واضعوه بقولهم: "نحن، ممثلو البرلمانات في كل أنحاء العالم، الذين اجتمعنا في لندن من أجل عقد مؤتمر وقمة لمحاربة اللاسامية...".

وهنا مكمن التناقض... حيث ازدواجية معايير الحكم لدى ما يسمى بالعالم "الحر" عندما يتعلق الأمر بالمقدسات عند المسلمين... فالمقدّس اليهودي الموقف حياله: "لا مِساس"... تُسنّ القوانين لحمايته وتُطبّق بحق مخالفيها العقوبات... ولا يعتبر ذلك تعدّياً على الحريات!!!

ولا عجب بعد ذلك أن يصدر عن أوباما رئيس "أكبر دولة" ما صدر من ادِّعاء العجز عن حظر الفيلم المسيء الذي أُنتج في أميركا بحجة مبدأ "حرية الرأي والتعبير"، حيث قال: "أوضحتُ أن ليس للحكومة الأمريكية أية علاقة بهذا الفيديو.. إنه إهانة ليس للمسلمين فقط بل لأمريكا أيضاً"، مضيفاً: "دستورنا يحمي حق حرية التعبير"، لافتاً إلى أن هذا هو السبب الكامن وراء عدم منع الشريط!![2].

ولا عجب أن تربح (مبادرة الدفاع عن حرية الأمريكيين) الدعوى لنشر إعلان مسيئ للإسلام في محطات لمترو الأنفاق بنيويورك رغم مساعي مسؤولي النقل لمنعها. يقول الإعلان: "في أي حرب بين الإنسان المتحضر والإنسان الهمجي: ادعم الإنسان المتحضر... ادعم إسرائيل... اهزموا الجهاد" رويترز - نيويورك".

إن حرية التعبير - أيها الرئيس، وأيها المجتمع الأميركي "المتحضر" - لا تعني "الاعتداء" على الحقائق العلمية والتاريخية لدى الآخرين والإساءة لمعتقداتهم ولشخصياتهم المادية والمعنوية... "الحرية" عندنا مرادفة لمفهوم "المسؤولية"... وهي تعني: انتهاء حدود حريتك عندما تبدأ "حقوق" الآخرين...

حرية التعبير في ديننا مكفولة وفق قواعدها وأصولها التي تضمن حقوق كل إنسان بغضّ النظر عن معتقده أو جنسه أو صفته... ولعل موقف المرأة التي اعترضت عمر بن الخطاب عندما كان خليفة المسلمين في قضية المهور  وهو يخطب في المسجد وما كان منه رضي الله عنه عندما اعترف بصوابها وخطئه عندما قال: "أصابت امرأة وأخطأ عمر" لعلها تجسّد حرية التعبير في أرقى صورها... فليتعلم العالم أجمع والمسلمون قبل غيرهم الأدب في التعبير والتواضع في تلقّي الرأي الآخر دون تعصّب للأنا...

في الحقيقة، لا تضير الإسلامَ كلُّ وسائل التحريض ومحاولات التشويه وقد حفظه الله: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، وكذلك لا يضير رسولَ الله [إساءاتُ السفهاء فهم مهما تطاولوا يبقَوْن كالطفيليات العالقة عند أسافل الشجرات الباسقات... وقد كفاه ربّه جل وعلا: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95].. وإنما يسوء الأمة أن يُنال من إسلامها وكذا من حبيبها وشفيعها ]...

وهنا لُب القضية:
فلقد انتفضت الأمة انتصاراً لرسولها، وهذه الغضبة واجبة ولكن... لا بد من ترشيدها وتوجيهها حتى يكون العمل مثمراً بحيث نحصد نتائجه صيانة للإسلام ولرسوله: [ فتمزيق الإنجيل، والتعدي على الممتلكات العامة، والتصرفات والأقوال الغوغائية الهوجاء الارتجالية غير المدروسة التي تصدر من البعض... كل هذا ليس في نصرة الرسول ] في شيء... بل إنه يزيد من التشويه ومن سوء الفَهم ومن توتر العلاقات بين الإسلام وغير المسلمين وما هو بالمقصود...

إنما الذي يُسهم في النُصرة اتخاذ إجراءات استباقية رادعة تحذّر كل مَن تسوّل له نفسه التطاول؛ مثل السعي لتشكيل مجموعات ضغط لاستصدار قانون دولي يجرّم مثل هذه الإساءات ويعاقب عليها... وما حصّل اليهود على قوانين بشأن المحرقة واللاسامية إلا من خلال مجموعات الضغط (Lobbies) المتمركزة في أميركا وأوروبا.

والذي يُسهم أيضاً أن نبادر إلى تَمَثُّل الإسلام وفرائضه وحدوده وأخلاقياته وقيمه واقعاً مشهوداً لا تخطئه عينُ مراقب. وقد صدق الداعية الحكيم الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله حين قال: (أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تَقُمْ على أرضكم)... وعندما تقوم على أرضنا فلن يجرؤ مخلوق على التطاول على إسلامنا أو النَّيل من نبيِّنا؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن... كما قال الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

والذي يُسهم في النُّصرة تكثيف الجهود الجماعية للتبشير بديننا الإسلامي وإحياء سُنة رسولنا ونشرها وتطبيقها والتعريف بشخصيته - صلى الله عليه وسلم -: رسولاً وقائداً ومعلِّماً ومربِّياً... وهذا يكون مسار حياة وعلى مدار العام وليس ردة فعل آنية لا تلبث أن تنطفئ في الوقت الذي يُعِد أعداؤنا فيه لجولة جديدة... بل لجولات من الصراع.

والذي يُسهم أيضاً: مَد جسور الحوار البنّاء مع شخصيات ومؤسسات غربية منصفة غير معادية للإسلام على مستوى جماعي مدروس تُنتدَب له شخصيات متخصصة متميّزة من مؤسساتنا وأكاديمياتنا وكلياتنا وجمعياتنا... فلا تنفع المبادرات الفردية الارتجالية التي لا تهدف في غالبيتها إلا إلى الشهرة، والتي غالباً ما تكون نتائجها عكسية...

وأخيراً، الذي يُسهم في النُّصرة أيضاً أن نَهُبّ لنُصرة إخواننا في سورية وفي بورما وفي فلسطين بالمال والدعاء مع تكثيف الحملات الإعلامية الهادفة إلى فضح الجرائم المرتكبة بحقّهم، والوقوف إلى جانب النازحين ومواساتهم مادياً ومعنوياً وإشعارهم بأنهم ضيوف وليسوا متسوّلين... ومِن نصرة إخواننا ألاّ نسمح باعتبار إغاثة النازحين ودعم الثورة جريمة يُعتقل صاحبها ويُضرب ويُهان ويُسجن كما فُعِل بكثيرين في لبنان؛ وكذا أن ننتفض عندما يُجبَر المسلمون المضطهدون في سوريا على الكفر بالله، وعندما تُغتَصب الحرائر، وعندما تُنتهك حرمة المسجد الأقصى... فكلّ هذا يصب في نُصرة الله ورسوله، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].

أمتنا تحتاج للمزيد من الوعي بذاتها ومكانتها وقُدُراتها وأسباب نصرها وهزيمتها، والوعي بالواقع من حولها، لكي تتحرّك على بصيرة... وقد صدق الله العظيم حين قال:﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].

تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبرالداعيات)













سهاد عكّيلة

 

تاريخ الإضافة: 8/11/2012 ميلادي - 23/12/1433 هجري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..