الصفحات

السبت، 10 نوفمبر 2012

الدية و اقسامها

الدية(1) غرامة مالية شرِّعت كجزاء على ارتكاب الجناية.

و هى مشروعة بالكتاب و السنّة القطعية.
و تنقسم الى المقدَّرة شرعاً و غيرها.
و هى ثابتة فى موارد خاصة.
و المستند فى ذلك:
1ـ أما أنّ تحديد الدية ما تقدم، فهو من واضحات اللغة و الفقه.
و أما أنّها مشروعة، فهو من ضروريات الاسلام. و يدل عليه قوله تعالي: «و من قتل مؤمنا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ و دية مسلّمة الى أهله»،(2) و الروايات الكثيرة التى تأتى الاشارة الى بعضها.
2ـ و أما انقسامها الى المقدَّرة شرعاً و غيرها، فباعتبار أنّ الجناية تارة يكون لها تقدير شرعى و اُخرى لايكون لها ذلك. و يصطلح على الأول بالدية و على الثاني بالأرش أو الحكومة.

1 ـ بكسر الدال و تخفيف الياء.
2 ـ النساء: 92.
(261)

و يتمّ تعيين الأرش وفق طريقة يأتى بيانها فى ما بعد إن شاء الله تعالي.
و الدية بكلا قسميها تؤخذ من الجانى إن كانت الجناية عمدية أو شبه ذلك، و من العاقلة إن لم تكن كذلك.
3ـ و أما موارد ثبوتها، فهي:
أ ـ الخطأ المحض و الشبيه بالعمد. و ثبوت الدية فيهما دون القود أمر متسالم عليه بيننا. و يدل عليه قوله تعالي: «و من قتل مؤمنا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ و دية مسلّمة الى أهله»(1)، فإنّه بإطلاقه يشمل الخطأ بكلا قسميه. و يمكن استفادة ذلك من الروايات أيضاً ـ و لكن الطابع العام عليها ضعف السند ـ كرواية الفضل بن عبدالملك عن أبيعبدالله عليه‏السلام : «سألته عن الخطأ الذى فيه الدية و الكفارة، هو الرجل يضرب الرجل و لايتعمد؟ قال: نعم...»(2) و غيرها.
هذا وقد تقدمت فيبداية البحث عن‏القصاص الإشارة الى خلاف مالك فلاحظ.
ب ـ الموارد التى لايثبت فيها القصاص بالرغم من كون القتل عمداً، كقتل الأب ولده أو المسلم الذمي. و قد تقدمت الإشارة الى وجه ثبوت الدية فى مثل ذلك في بداية البحث عن القصاص.
ج ـ الموارد التى لايمكن فيها القصاص، كبعض الجروح التى لايمكن ضبطها. و قد تقدّمت الإشارة الى ذلك فى نهاية البحث عن القصاص.
د ـ موارد القصاص فيما اذا تراضى الطرفان على الدية. و قدتقدّمت الإشارة الي ذلك فى مبحث القصاص تحت عنوان «من أحكام قصاص النفس».

1 ـ النساء: 92.
2 ـ وسائل الشيعة: 19 / 28، باب 11 من ابواب القصاص فى النفس، حديث 19 .
(262)

مقادير الديات

الديات المقدَّرة شرعاً هى على أنحاء مختلفة نشير الى بعضها:(1)

دية القتل عمداً

دية قتل المسلم عمداً ـ إذا تمّ التراضى عليها ـ أحد اُمور ستة:
* مائة من الإبل الفحولة المسنّة.(2)
* أو مائتا بقرة.
* أو ألف دينار ذهب.(3)
* أو عشرة آلاف درهم فضة.(4)
* أو ألف شاة.
* أو مائتا حلّة(5)، و كل حلّة ثوبان: ازار و رداء.
و استيفاؤها يكون ضمن فترة سنة.
و يجوز الاستيفاء بالأوراق النقدية المتداولة فى زماننا مع تعذر الستة أو تراضي الطرفين على ذلك.

1 ـ حيث إنّ الديات المقدّرة شرعاً كثيرة جداً، و استيعابها يوجب التطويل و يورث الملل اقتصرنا على البعض المهم منها.
2 ـ المسنّة من الإبل ـ على ما قيل ـ هى ما دخلت فى السنة السادسة.
3 ـ المقصود الدينار الشرعى الذى مقداره مثقال ذهب بوزن 18 حمصة. و قيل انّ الدينار الشرعى يعادل أربعة غرامات ذهب و ربع تقريباً، فالدية على هذا أربعة كيلوات من الذهب و ربع الكيلو تقريباً.
4 ـ المقصود الدرهم الشرعى الذى هو من الفضة و يعادل 6/12 حمصة. و قيل انّ الدرهم الشرعى يعادل ثلاثة غرامات إلاّ ربع عشر الغرام تقريباً، فالدية على هذا ثلاثون كيلواً إلاّ ربع الكيلو من الفضة تقريباً.
5 ـ الحُلَّة ـ بضم الاول ـ مطلق الثوب أو خصوص الثوب الساتر لجميع البدن. و الفقهاء فسّروها بالثوبين، بل قيل: إنّ ذلك هو معناها لغة.
(263)

و المستند فى ذلك:
1ـ أما أنّ دية القتل عمداً ما تقدم، فممّا لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج: «سمعت ابن أبى ليلى يقول: كانت الدية فى الجاهلية مائة من الإبل فأقرّها رسول الله صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، ثم إنّه فرض على أهل البقر مائتى بقرة، و فرض على أهل الشاة ثنية(1)، و على أهل الذهب ألف دينار، و على أهل الورق عشرة آلاف درهم، و على أهل اليمن الحلل مائتى حلّة. قال عبدالرحمن بن الحجاج: فسألت أباعبداللّه‏ عليه‏السلام عما روى ابن أبى ليلي، فقال: كان على عليه‏السلام يقول: الدية ألف دينار ـ و قيمة الدينار عشرة دراهم ـ و عشرة آلاف لأهل الأمصار، و على أهل البوادى مائة من الإبل و لأهل السواد مائتا(2) بقرة أو ألف شاة»(3) و غيرها.
و موضع الاستشهاد نقل ابن الحجاج عن الإمام عليه‏السلام و إلاّ فما نقله ـ فى صدر الصحيحة ـ عن ابن أبى ليلى ليس حجة كما هو واضح.
و منه يتضح أن مستند عدِّ مائتى حُلّة من جملة أفراد الدية ينحصر بالتسالم الفقهى على ذلك و إلاّ فكلام ابن أبيليلى ـ الذى ذكر فيه ذلك ـ ليس حجة.
ثم إنّ المذكور فى الصحيحة أنّ على أهل السواد مائتى بقرة و على ... و هذا لا ينبغى أن يفهم منه التعيين، بل هو وارد مورد الارفاق و التسهيل كما هو واضح.
و ينبغى الالتفات الى أنّ المعروف بين الفقهاء بل ادّعى عدم الخلاف فيه أن التخيير بين الأفراد الستة ثابت للجانى دون أولياء المجنى عليه. و هو إن لم‏يستفد


1 ـ الثنية من الغنم: ما دخل فى السنة الثالثة.
2 ـ الوارد فى الطبع القديم من وسائل الشيعة: مائة بقرة. و هو اشتباه، فانّ الموجود فى المصادر الاصلية للصحيحة و هى الكتب الأربعة: مائتا ـ مائتى ـ بقرة.
3 ـ وسائل الشيعة: 19 / 141، باب 1 من ابواب ديات النفس، حديث 1 .
(264)

من الصحيحة المتقدمة فيكفى لإثباته كونه مقتضى الأصل.
و ينبغى الالتفات أيضاً الى أنّ المسألة تشتمل على روايات اُخرى قد تدل علي مضامين اُخرى تغاير مضمون الصحيحة المتقدمة من بعض الجهات، و لكن لأجل عدم القائل بذلك و هجران الأصحاب لها تكون ساقطة عن الحجية.
2ـ و أما أنه يعتبر فى الإبل أن تكون فحولة مسنّة، فهو رأى معروف. و تدل عليه صحيحة معاوية بن وهب: «سألت أباعبدالله عليه‏السلام عن دية العمد، فقال: مائة من فحولة الإبل المسان...»(1) و غيرها.
3ـ و أما أنّ استيفاء دية العمد يكون ضمن فترة سنة، فممّا لا خلاف فيه، و تدل عليه صحيحة أبيولاّد عن أبيعبداللّه‏ عليه‏السلام : «كان على عليه‏السلام يقول: تستأدى دية الخطأ فى ثلاث سنين، و تستأدى دية العمد فى سنة».(2)
4ـ و أما جواز الاستيفاء بالأوراق النقدية مع التعذر أو التراضى، فواضح؛ لأنّه مع التعذر حيث لايحتمل سقوط الدية رأساً فيتعين الرجوع الى البدل الأقرب و هو الأوراق النقدية.
وأما أنّه مع التراضى يجوز ذلك، فأوضح؛ لأنّ الحق لا يعدو الطرفين.
ثم إنّه لو فرض وجود بعض الأفراد الستة و عدم التراضى بالأوراق النقدية، فهل يحقّ للجانى الالزام بها؟ المناسب هو العدم؛ لأنّ ظاهر الصحيحة الالزام بالأعيان نفسها فمع التمكن منها لا وجه للالزام بالبدل.

1 ـ وسائل الشيعة: 19 / 146، باب 2 من ابواب ديات النفس، حديث 2 .
2 ـ وسائل الشيعة: 19 / 150، باب 4 من ابواب ديات النفس، حديث 1 .
(265)

دية الشبيه بالعمد

دية القتل الشبيه بالعمد هى أحد الاُمور الستة المتقدّمة، غير أنّه يعتبر فى الإبل أن تكون: أربعون منها خَلِفة من بين ثنية الى بازل عامها، و ثلاثون حقة، و ثلاثون بنت لبون.(1)
و تستوفى من الجانى خلال سنوات ثلاث.
و المستند فى ذلك:
1ـ أما أنّ دية القتل الشبيه بالعمد هو أحد الأفراد الستة أيضاً، فباعتبار إطلاق صحيحة عبدالرحمن المتقدمة.
2ـ وأما أنّه يعتبر فى الإبل ماذكر من الأوصاف، فهو رأى معروف. و تدل عليه صحيحة عبدالله بن سنان: «سمعت أباعبداللّه‏ عليه‏السلام يقول: قال أمير المؤمنين عليه‏السلام في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر، إنَّ دية ذلك تغلظ و هى مائة من الابل: منها أربعون خلفة من بين ثنية الى بازل عامها، و ثلاثون حقة، و ثلاثون بنت لبون»(2)
و هى إذا كانت ضعيفة السند ببعض طرقها، ففى بعضها الآخر كفاية فلاحظ.
3ـ و أما أنّها تستوفى من الجانى دون العاقلة، فهو المشهور بين الأصحاب. و


1 ـ الخلفة ـ بفتح الحاء و كسر اللام ـ هى الحامل من النوق.
و الثنية من الابل: ما دخل فى السنة السادسة.
و البازل من الابل: ما دخل فى التاسعة. يقال: هو بازل، أى طلع نابه. و اذا دخل فى العاشرة قيل هو بازل عام.
و على هذا يكون المقصود أنه تجب أربعون من الابل الحامل التى عمرها بين ست الى عشر سنوات.
و الحقة هى الناقة الداخلة فى الرابعة. سميت بذلك لأنها استحقت أن يحمل عليها.
و بنت اللبون هى الناقة الداخلة فى الثالثة. سميت بذلك لأن أمّها قد وضعت و صار لها لبن.
2 ـ وسائل الشيعة: 19 / 146، باب 2 من ابواب ديات النفس، حديث 1 .
(266)

يدل عليه إطلاق الآية الكريمة: «و من قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ و ديةٌ مسلّمةٌ الى أهله»(1)، فإنّها ظاهرة فى أنّ الدية ثابتة على الجاني، و بإطلاقها تشمل كلا قسمى الخطأ، غايته خرج الخطأ المحض ـ الذى تجب فيه الدية على العاقلة ـ بالدليل الخاص.
4ـ و أما أنّها تستوفى فى سنين ثلاث، فلصحيحة أبيولاّد المتقدمة.
هذا، و لكن المشهور أنّها تستوفى فى سنتين لا ثلاث، إلاّ أنّه لا دليل على ذلك سوى الإجماع المدّعى من بعض. و عليه فالمناسب العمل بالصحيحة بناءً على أنّ إعراض المشهور عن روايةٍ لايوجب سقوطها عن الاعتبار.

دية الخطأ المحض

دية الخطأ المحض أحد الاُمور الستة المتقدمة ـ غايته يلزم فى الإبل أن تكون ثلاثون منها حقة، و ثلاثون بنت لبون، و عشرون بنت مخاض(2)، و عشرون ابن لبون ـ و تستوفى من العاقلة خلال سنين ثلاث.
و المستند فى ذلك:
1ـ أما أنّ دية الخطأ المحض أحد الاُمور الستة السابقة أيضاً، فلنفس ما تقدّم في القتل الشبيه بالعمد.
2ـ و أما أنّه تلزم فى الإبل الاوصاف السابقة، فهو المشهور بين الأصحاب. و تدل عليه صحيحة عبداللّه‏ بن سنان: «سمعت أباعبداللّه‏ عليه‏السلام يقول: ... و الخطأ يكون فيه


1 ـ النساء: 92.
2 ـ بنت المخاض هى الناقة التى دخلت فى الثانية. و سمّيت بذلك لأنّ اُمّها قد حملت.
(267)

ثلاثون حقة و ثلاثون ابنة لبون و عشرون بنت مخاض و عشرون ابن لبون ذكر».(1)
3ـ و أما أنّها تستوفى من العاقلة، فأمر لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة الحلبي: «سألت أباعبداللّه‏ عليه‏السلام ... و الاعمى جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين فى كلّ سنة نجماً ...».(2)
و أما أنها تستوفى فى سنوات ثلاث، فللصحيحة المذكورة و صحيحة أبى ولاّد المتقدمة.

دية الجوارح

فى الجناية على العين الواحدة نصف الدية و على كلتيهما الدية كاملة. و هكذا الحال في الجناية على الأذن الواحدة و الأذنين، و الشفة الواحدة و الشفتين، و اليد الواحدة و اليدين، و الرجل الواحدة و الرجلين. و فى استئصال اللسان الدية كاملة.
و المستند فى ذلك:
إن ما ذكر ممّا لا خلاف فيه و تقتضيه قاعدة «أنّ كلّ ما كان منه فى الجسد واحد ففيه الدية كاملة، و ما كان فيه اثنان ففى كل واحد منهما نصف الدية، و فيهما معاً الدية كاملة» المستفادة من صحيحة عبدالله بن سنان عن أبيعبدالله عليه‏السلام : «ما كان فى الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية، مثل اليدين و العينين. قلت: رجل فقئت عينه ، قال: نصف الدية، قلت: فرجل قطعت يده، قال: فيه نصف الدية ...»(3) و غيرها
و من ذلك يتضح الوجه فى حكم البقية.

1 ـ وسائل الشيعة: 19 / 146 ، باب 2 من ابواب ديات النفس، حديث 1 .
2 ـ وسائل الشيعة: 19 / 306، باب 2 من ابواب العاقلة، حديث 1 .
3 ـ وسائل الشيعة: 19 / 214، باب 1 من ابواب ديات الاعضاء، حديث 1 .
(268)

دية الأصابع

فى قطع كل واحد من أصابع اليد عُشر دية اليد، و فى قطع كل إصبع من أصابع الرجل عُشر دية الرجل.
و المستند فى ذلك:
بعد كونه هو المشهور صحيحة عبدالله بن سنان عن أبيعبدالله عليه‏السلام : «أصابع اليدين و الرجلين سواء فى الدية فى كلّ إصبع عشر من الإبل»(1) و غيرها.
و فى مقابل ذلك صحيحة ظريف عن أمير المؤمنين عليه‏السلام : «... ففى الإبهام اذا قطع ثلث دية اليد ... و فى الأصابع فى كل إصبع سدس دية اليد ...».(2)
إلاّ أنّ الصحيحة المذكورة، لإعراض المشهور عنها(3)، ساقطة عن الاعتبار بناءً على تمامية كبرى سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عنها، و تعود الصحيحة الاُولى بناءً على ذلك سالمة عن المعارض و يتمّ رأى المشهور.

دية الضرب

دية اللطمة على الوجه اذا احمرّ دينار و نصف، و إذا اخضرّ فثلاثة دنانير و اذا اسودّ فستة دنانير.(4) و اذا كان ذلك فى البدن فالدية نصف ما فى الوجه.



1 ـ وسائل الشيعة: 19 / 294، باب 39 من ابواب ديات الاعضاء، حديث 4 .
2 ـ وسائل الشيعة: 19 / 229، باب 12 من ابواب ديات الاعضاء، حديث 1 .
3 ـ لاستيضاح ذلك لاحظ: كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية: 205 .
4 ـ مرَّ المقصود من الدينار تحت عنوان «دية القتل عمداً».
(269)

والمستند فى ذلك:
بعد كونه هو المشهور بين الأصحاب موثقة اسحاق بن عمار ـ برواية الشيخ الصدوق ـ عن أبيعبدالله عليه‏السلام : «قضى أمير المؤمنين عليه‏السلام فى اللطمة يسود أثرها في الوجه أنّ أرشها ستة دنانير، فإن لم‏تسود و اخضرَّت فإنّ أرشها ثلاثة دنانير، فإن احمارَّت و لم‏تخضرَّ فإنّ أرشها دينار و نصف. و فى البدن نصف ذلك»(1) و غيرها.
والوارد فى الموثقة و إن كان هو كلمة «اللطمة» الظاهرة فى الضرب باليد إلاّ أنّ‏المناسب هو التعدّى الى غير الضرب و الى غير ماكان باليد للقطع بعدم الخصوصية لذلك.

دية الحمل

فى اسقاط الحمل إذا كان نطفة عشرون ديناراً، و إذا كان علقة فأربعون ديناراً، و إذا كان مضغة فستوّن ديناراً، و إذا كان فيه عظم فثمانون ديناراً، و إذا كُسى لحماً فمائة دينار، و إذا ولجته الروح فألف دينار إن كان ذكراً و خمسمائة إن كان اُنثي.
والحكم المذكور يعمّ ما إذا زاولت الاُم نفسها عملية الاسقاط ولو بشرب دواء و نحوه.
و المستند فى ذلك:
1ـ أما أنّ دية الحمل ما ذكر، فهو المعروف بين الأصحاب. و تدل عليه صحيحة ظريف عن أميرالمؤمنين عليه‏السلام : «جعل دية الجنين مائة دينار، و جعل منى الرجل الى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء، فاذا كان جنيناً قبل أن تلجه الروح مائة دينار، و ذلك أنّ الله عزّوجل خلق الانسان من سلالة و هى النطفة فهذا جزء، ثم علقة فهو جزآن، ثمّ مضغة


1 ـ وسائل الشيعة: 19 / 295، باب 4 من ابواب ديات الشجاج و الجراح، حديث 1 .
(270)

فهو ثلاثة أجزاء، ثم عظماً فهو أربعة أجزاء، ثمّ يكسا لحماً فحينئدٍ تمَّ جنيناً فكملت لخمسة أجزاء مائة دينار، والمائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين ديناراً، و للعلقة خمسى المائة أربعين ديناراً، و للمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين ديناراً، و للعظم أربعة أخماس المائة ثمانين ديناراً، فاذا كسا اللحم كانت له مائة كاملة، فاذا نشأ فيه خلق آخر و هو الروح فهو حينئذ نفس بألف دينار كاملة إن كان ذكراً و إن كان اُنثى فخمسمائة دينار ...»(1) و غيرها.
2ـ و أما أنّ الحكم المذكور يعمُّ ما إذا زاولت الاُم نفسها عملية الاسقاط، فباعتبار إطلاق الصحيحة المتقدمة. و تدفع الدية ـ كما هو واضح ـ الى الأب.

من احكام القتل و الديات

تجب على القاتل عمداً ـ مضافاً الى الدية لو تَمَّ التراضى عليها ـ كفارة الجمع.
و تجب أيضاً فى القتل الشبيه بالعمد و الخطأ المحض ولكنّها مرتّبة، فيجب العتق، فإن لم‏يمكن فصيام شهرين متتابعين، فإن لم‏يمكن فإطعام ستّين مسكيناً.
و الجناية تارة يكون لديتها مقدّر شرعى و اُخرى لايكون.
و يصطلح على الأول بالدية و على الثانى بالأرش أو الحكومة.
و يتمُّ تعيين الأرش بواسطة الحاكم الشرعى بعد استعانته بذوى عدل.
و دية المرأة نصف دية الرجل فى القتل. و أما فى غيره فديتها تساوى دية الرجل ـ فيما إذا كان لها مقدرّ شرعى ـ ما لم‏تبلغ الثلث و إلاّ رجعت الى نصف دية الرجل.
والعاقلة التى يلزمها تحمّل دية الجناية فى الخطا المحض هى عصبة الجاني، اى الرجال


1 ـ وسائل الشيعة: 19 / 237، باب 19 من ابواب ديات الاعضاء، حديث 1 .
(271)

المتقربون اليه بالاب، كالاُخوة و الاعمام و اُولادهم و ان نزلوا. و ليس من العاقلة الصبي والمجنون و المرأة.
و التقسيم على افراد العاقلة يتم بالتساوى من دون فرق بين الغنى و الفقير و القريب و البعيد.
و المستند فى ذلك:
1ـ أما أنّه تجب على القاتل عمداً ـ مضافاً الى الدية اذا تَمَّ التراضى عليهاـ كفارة الجمع، فهو ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب. و تدل عليه صحيحة عبدالله‏بن سنان: «قال أبوعبدالله عليه‏السلام : كفارة الدم إذا قتل الرجلُ المؤمنَ متعمّداً فعليه أن يمكّن نفسه من أوليائه، فإن قتلوه فقد ادّى ما عليه إذا كان نادماً على ما كان منه عازماً على ترك العود. و إن عفا عنه فعليه أن يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستّين مسكيناً، و أن يندم على ما كان منه و يعزم على ترك العود...»(1) و غيرها.
2ـ و أما أنّ الكفارة مرتبة فى قتل الخطأً بكلا قسميه، فلصحيحة عبدالله بن سنان أيضاً: «قال أبوعبدالله عليه‏السلام : ... و إذا قتل خطأً أدّعى ديته الى أولياءه ثم أعتق رقبة، فإن لم‏يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم‏يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً. و كذلك إذا وهبت له دية المقتول فالكفارة عليه فيما بينه و بين ربّه لازمة».(2)

الأرش و الحكومة

3ـ و أما أنّ الدية قد لايكون لها مقدّر شرعي، فيجب دفع ما يصطلح عليه


1 ـ وسائل الشيعة: 15 / 579، باب 28 من ابواب الكفارات، حديث 2 .
2 ـ وسائل الشيعة: 15 / 559، باب 10 من ابواب الكفارات، حديث 1 .
(272)

بالأرش أو الحكومة، فهو من المسلّمات فإنّه لايحتمل عدم ثبوت دية فى الموارد التى ليس فيها مقّدر شرعى و إلاّ يلزم إمّا ذهاب دم المسلم هدراً أو نقصان الاسلام فى تشريعه، و كلاهما غير محتمل.
و يمكن استفادة ذلك من صحيحة عبدالله بن سنان عن أبيعبدالله عليه‏السلام : «دية اليد إذا قطعت خمسون من الابل. و ما كان جروحاً دون الاصطلام(1) فيحكم به ذوا عدل منكم».(2)
4ـ و أما أنّه يتم تعيين الأرش بواسطة الحاكم الشرعى بعد الاستعانة بذوى عدل، فيمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة، فإنّها و إن لم‏تصرح بأنّ المتصدي لتعيين الأرش هو الحاكم إلاّ أنّ ذلك هو المقصود جزماً، فإنّه لابدَّ من وجود شخص يتصدّى لتعيين العدول و اتخاذ القرار بعد ذلك. بل من دون افتراض مثل الشخص المذكور يلزم ازدياد المشاكل تعقيداً، و القدر المتيقن من ذلك الشخص هو الحاكم الشرعي. و لا إطلاق فى الصحيحة من هذه الناحية ليمكن التمسك به لإثبات الاكتفاء بتصدّى أى شخص عادل لذلك.
يبقى شيء، و هو أنّ أى طريق يسلكه العدلان لتعيين الأرش؟ ان ذلك لم‏تتعرض له الروايات. و المعروف فى كلمات الأصحاب ـ كما فى الشرائع(3) و غيرها ـ أنّ المجروح يفترض مملوكاً ثم يقوّم صحيحاً تارةً و معيباً بالجرح اُخري، و يؤخذ من دية النفس بحساب التفاوت بين القيمتين.

1 ـ الاصطلام: الاستئصال.
2 ـ وسائل الشيعة: 19 / 299، باب 9 من ابواب الشجاج و الجراح، حديث 1 .
3 ـ شرائع الاسلام: 4 / 1045 .
(273)

دية المرأة

5ـ و أما أنّ دية المرأة نصف دية الرجل فى القتل، فلا خلاف فيه بين الأصحاب. و تدل عليه صحيحة عبدالله بن مسكان عن أبيعبدالله عليه‏السلام : «إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت به. و إذا قتل الرجل المرأة فإن أرادوا القود أدّوا فضل دية الرجل على دية المرأة و أقادوه بها، و إن لم‏يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة. و دية المرأة نصف دية الرجل»(1) و غيرها.
و أما أنّ دية المرأة فى غير القتل تساوى دية الرجل ما لم‏تبلغ الثلث و إلاّ رجعت الى نصف دية الرجل، فتدل عليه صحيحة أبان بن تغلب: «قلت لأبيعبدالله عليه‏السلام : ما تقول فى رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة، كم فيها؟ قال: عشرة من الابل. قلت: قطع اثنتين؟ قال: عشرون. قلت: قطع ثلاثاً؟ قال: ثلاثون. قلت: قطع أربعاً؟ قال: عشرون. قلت: سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون و يقطع أربعاً فيكون عليه عشرون! إنّ هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله و نقول: الذي جاء به شيطان. فقال: مهلاً يا أبان هذا حكم رسول الله صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ، إنّ المرأة تعاقل(2) الرجل الى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت الى النصف. يا أبان إنّك أخذتنى بالقياس، و السنّة إذا قيست محق الدين»(3) و غيرها من الروايات الكثيرة.

العاقلة

6 ـ و أما أنّ العاقلة تختص بالمتقربين بالأب و لاتشمل المتقرّبين بالاُم، فهو


1 ـ وسائل الشيعة: 19 / 59، باب 33 من ابواب القصاص فى النفس، حديث 2 .
2 ـ كلمة «تعاقل» مشتقة من العقل بمعنى الدية ـ سميت بذلك إما لأنّ من معانى العقل المنع، و الدية تمنع صاحبها من الجرأة على الجناية، أو باعتبار أنّ الدية كانت إبلاً تعقل عند ولى المقتول ـ و المقصود أنّ المرأة تستحق العقل و هو الدية بمقدار دية الرجل و تساويه فى ذلك الى حدَّ الثلث.
3 ـ وسائل الشيعة: 19 / 268، باب 44 من ابواب ديات الاعضاء، حديث 1 .
(274)

المشهور بين الأصحاب. و وجهه: أنّ ذلك هو معنى العصبة لغة.
7 ـ و أما أنّ الصبى و المجنون ليس من العاقلة، فهو ممّا لا خلاف فيه. و يدل عليه حديث رفع القلم حتى بناءً على اختصاصه بقلم التكليف، فإنّ ثبوت الدية علي العاقلة تكليف محض و من البعيد أن يكون حكماً وضعياً.
و أما أنّ المرأة ليست من العاقلة، فباعتبار اختصاص العاقلة لغة بالذكور.
8 ـ و أما أنّ التقسيم يتمّ بالتساوى، فباعتبار أنّ ما دلَّ على كون الدية علي العاقلة يدل بنفسه على ذلك، فإنّ التقسيط بشكل آخر يحتاج الى دليل، وهو مفقود.
و قيل: إنّ أمر التقسيم بيد الإمام عليه‏السلام أو نائبه.
و قيل: إنّ على الغنى نصف دينار و على الفقير ربعه.
و كلاهما لا دليل عليه. والمناسب ما تقدّم.
9 ـ و أما عدم الفرق بين الغنى و الفقير، فلعدم الدليل على الاختصاص بالغني. أجل، إذا كان الفقير عاجزاً عن الدفع اختصّ العقل بغيره؛ لأنّ ثبوت الدية علي العاقلة ـ كما تقدّم ـ تكليف محض، و هو لا يعمّ العاجز.
10 ـ و أما عدم اختصاص العقل بالقريب، فلأنّ لفظ العاقلة يشمل البعيد أيضاً، و لا دليل على التقييد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..