الصفحات

الأحد، 10 مارس 2013

إخوان السعودية... الكيان غير المرئي


البداية كانت بانتداب المدرسين
الإخوان السعوديين فضلوا الصمت والعمل من خلال ما يتاح لهم من منافذ فكرية
ودعوية، كما حرصوا على افتعال معركة إيديولوجية مع تيارات الحداثة بغاية كسب ودّ المجتمع السعودي.
 
في أواخر عقد الثمانينيات كان المشهد الإسلاموي في السعودي موسوما بالانقسام بين تيار سلفي عريض وتيارات حركية كالإخوان والسرورية تعمل في الظل لا خوفا من السلطة فحسب بل أيضا على شرعيتها المعرضة للخطر أمام سطوة التيار السلفي العريق في السعودية.
كانت بدايات الحضور الإخواني في السعودية محلّ خلاف بين المهتمين بتأريخ الحركات الإسلامية الخليجية عموما والسعودية بشكل أكثر تحديدا. ولذلك برزت اتجاهات ثلاث لتحديد نقطة انطلاق وجود الجماعة في السعودية.
لحظة البنا
الاتجاه الأول كان يرجع الوجود الإخواني في السعودية إلى لحظة حسن البنا في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث حرصت الجماعة –منذ نشأتها عام 1928- على "التمدد" الإقليمي والدولي، ويتجلى ذلك في محاولة انتداب البنا للتدريس في السعودية وهو ما أكده بنفسه في مذكراته حينما أشار إلى أن الشيخ حافظ وهبة -مستشار الملك عبد العزيز- حلّ بالقاهرة للبحث عن بعض المدرسين، ومن ثمة حصل الاتصال بحسن البنا الذي وضع شروطا خاصة تتيح له ممارسة نشاطات خارج وظيفة التعليم، وهو ما حال دون انتدابه للتدريس.
الثابت أن هذا التصور الذي يعيد الحضور الإخواني إلى بدايات الجماعة في مصر ويربطها بمسألة انتداب المدرسين، لا يقدم دلائل واضحة على أن ذلك يتم في إطار مشروع "التمدد"، لأن مرحلة تشكل كلّ الحركات الاحتجاجية تكون محصورة عادة في نطاق جغرافي ضيق، ويسمى ذلك في العرف الإخواني مرحلة "التمكين".
زمن الهجرة
يركز هذا الاتجاه على أن نقطة انطلاق الحضور الإخواني في السعودية حدثت مع فترة الهجرة التي ترتبت عن توتر علاقة الجماعة مع السلطة الناصرية في مصر، فكانت السعودية مقصدا مفضلا لدى هؤلاء لاعتبار سياسي يتمثل في أن النظام السياسي القائم في المملكة آنذاك كان معارضا ومختلفا مع عبد الناصر القومي والاشتراكي. ولاعتبار اجتماعي يتمثل في أن المجتمع المتدين كان يتمسك بثقافته الدينية السلفية ولا يكترث بأي منافسة في ظل محافظته على شرعية ثقافته القائمة بدورها على شرطي الهوية الدينية والسيادة الاجتماعية.
الحضور الإخواني في السعودية حسب هذا التصور ينطلق كذلك من الأطر التعليمية والتدريسية، إلا أن وجودهم ونشاطهم حافظ على السرية بسبب المرحلة الحرجة التي مروا بها في أوطانهم، وخوفهم من رفض المجتمع السعودي فضلا عن هيمنة سلطة الخطاب السلفي الذي كان يرى في تشكيل أحزاب وتنظيمات مدنية ضربا من الخروج على نظرية "طاعة أولي الأمر". هذه الاسباب المتداخلة أدت إلى بقاء جماعة الإخوان في فترة كمون طويلة لم يعكر صفوها سوى أحداث سياسية خارجية مثل الثورة الإسلامية في إيران أو غزو صدام حسين للكويت.
التقيّـة الإخوانيّـة
الاتجاه الثالث وهو الذي يتبناه إخوان السعودية أنفسهم، ويصرون -كلما أثير موضوع حضورهم في السياق السياسي السعودي- على أن الجماعة الأم لم تشكل أي صلات في المملكة باعتبار علاقاتها الجيدة بالسلطة السياسية القائمة، وباعتبار تبينها لخصوصية المجتمع السعودي السلفي وموقفه من تشكيل الأحزاب والتنظيمات. هذه "التقية الإخوانية" المرتبطة بحال التنظيم في السعودية وتاريخه لم تنته إلا بعد أحداث 11 سبتمبر من خلال كتابات مجهولة على الأنترنت. وبذلك انتقلت هذه التقية المنكرة للحضور الإخواني في المملكة من طور الإنكار–في البداية- إلى الإقرار بوجود التنظيم من قبل عديد أعضاءه. وكان الأمر الطاغي على هذا الانتقال هو الكتابة على الانترنت وبأسماء مستعارة وهو أمر شائع في التاريخ الثقافي لجماعة الإخوان، وظهرت مؤخرا على الانترنت دراسة مطولة عن الإخوان في السعودية وكانت تهدف إلى حثّهم على تغيير استراتيجية الإنكار والسكوت والخروج من حالة "الكيان غير المرئي".
في هذا السياق كتب عمر العزي (وهو اسم مستعار) بحثا أكد فيه أن غياب الإخوان عن الفاعلية لا يعني بالضرورة أنهم غير موجودين وأرجع ذلك إلى دواع عديدة؛ أولا سيطرة التيار السلفي على المؤسسات الرسمية وعلى آليات التحرك وسط الجماهير. ثانيا اختفاء القيادات الإخوانية السعودية من الظهور الإعلامي والفكري. ثالثا بروز التيار السروري وسيطرته على أوساط الشباب. رابعا صعوبة الانسلاخ الكلي من العباءة السلفية التي تغطي معظم الشعب السعودي، فكان ظهور تيار إسلامي حركي في مجتمع سلفي يؤدي إلى ضرب من الاستهجان.
هذه العوامل مجتمعة أفرزت حالة من الضمور الإعلامي والجماهيري لدى التيار الإخواني السعودي، لكن ذلك لا يمنع من الإقرار بأنه كان ينمو عموديا حركيا.
سلفيون بمسحة إخوانية
أشار الكاتب الإسلامي خالد المشوح إلى أن الإخوان السعوديين فضلوا دائما الصمت والعمل من خلال ما يتاح لهم من منافذ فكرية ودعوية، كما حرصوا على افتعال معركة إيديولوجية مع تيارات الحداثة والليبرالية بغاية كسب شريحة أكبر من المجتمع السعودي المحافظ. لكن السؤال الملحّ الذي يجدر طرحه يتعلّقُ بأن الفكر الإخواني يقوم على المشاركة الشعبية والسياسية وعلى التصريح العلني بالانتماء للمرجعية الإخوانية، وهو الأمر الذي يغيب عند إخوان السعودية: فهل هو تكتيك سياسي أم استراتجية مغايرة؟
في نفس مسار البحث عن دواعي اختيار إخوان السعودية "البقاء في الظل"، يؤكد الصحفي السعودي نواف القديمي بأن حركة الإخوان المسلمين هي حركة كبيرة ممتدة على كامل أرجاء العالم الإسلامي ولذلك تحملُ قدرا من المرونة الفكرية، ويستدلّ على ذلك بأن الإخوان المسلمين في السعودية هم في الحقيقة سلفيون بمسحة إخوانية، والإخوان في تونس هم ليبراليون يؤمنون بالمرجعية الإسلامية وهكذا.
ويعود كل ذلك إلى أن جماعة الإخوان تقوم أساسا على إطارين؛ الأول يعتمد على مرونة فكرية وفقهية. أما الثاني فيعتمد مسارا إيديولوجيا أكثر دقة وتحديدا يرتكز على فكرة "تكوين حركة منظمة تهدف إلى استعادة الحياة الإسلامية ومن ثمة إقامة الدولة الإسلامية"، وهو ما يفسّرُ وجود تباينات تشق جماعات الإخوان في الدول العربية والإسلامية حسب البيئة التي تعمل في إطارها كل جماعة وحسب طبيعة وضعها السياسي في تلك الدولة. إلى درجة أن بعض الحركات الإخوانية العربية صار همها الرئيسي السعي لمجرد بقاءها وتماسكها أمام قمع السلطة، وهذه المرونة التي تميّز جماعة الإخوان يمكن اعتبارها هشاشة فكرية وقوة سياسية وتنظيمية في آن واحد.
البحث ليوسف الديني "الإخوان المسلمون السعوديون المشروعية المؤجلة" نشر ضمن كتاب المسبار "الإخوان المسلمون والسفليون في الخليج" تموز 2010.

ميدل ايست أونلاين

قراءة: عبد الجليل معالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..