القطاع الخيري يطلق عليه القطاع الثالث ، لأهميته ومقارعته للقطاعين الحكومي والخاص ، وبالمقارنة أعلاه يتبين أن عدد الجمعيات الخيرية ونسبتها لعدد السكان لدينا مخجل ، فالجمعيات الخيرية مناط بها عمل جليل وكبير ، وفي دول كثيرة تقوم بدور مساند للمؤسسات الحكومية في مجالات عديدة اجتماعياً وإغاثياً وتعليمياً وتوعوياً ودينياً ، وعمل الخير فطرة لدى البشر فكيف وهو لدينا في شريعتنا (فرض) كالزكاة ، و(أمر) كالصدقة ، وحق طبيعي لكل إنسان بكفالة الله له .المملكة العربية السعودية ينظر لها العالم الإسلامي أجمع على أنها مهبط الوحي ومنبع الرسالة وخادمة الحرمين ، ولا يمكن فصل هذا كله عن دورها الخيري الرسمي والشعبي في العالم أجمع ، ولا عن توقعات الآخرين من هذا البلد الكريم ملكاً وحكومة وشعباً ، وقد قامت المملكة على الخيرية وشعارها شهادة التوحيد ، لذلك فممارسة دورها الطبيعي الخيري كأغنى دول العالم الإسلامي متوقع ومطلوب ، مع التأكيد على الضبط اللازم الذي يحمي الدولة والمجتمع من أي شر قد يحدث جراء استغلال ذلك من قبل الأشرار .جدير بالذكر أنه في خضم الحرب على الإرهاب كانت المؤسسات الخيرية هدفاً صريحاً وواضحاً ، كأحد الأهداف الإستراتيجية للقضاء على الإرهاب ، وبعد مرور أكثر من ١٠ سنوات على الحادي عشر من سبتمبر ، تم تبرئة جميع المؤسسات الخيرية السعودية التي تم اتهامها بدعم الإرهاب ، بل وحتى أن الأشخاص الطبيعين ذوي العلاقة لم تثبت تهمة على أي منهم حتى الآن ، وبالتالي فإن ايقاف أو تعليق التصريح للمؤسسات الجديدة لا مبرر له ، فضلاً عن الإستمرار في التضييق على المؤسسات القائمة والمرخصة .ولا يعقل أن يحدث في مملكة الإنسانية ، كما سماها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ، بأن يكون بذل الخير لإخواننا في الإنسانية داخل المملكة أو خارجها غير متاح أو جريمة أو حتى شبهة قد يعاقب فاعلها بسبب فعل الخير .بل والأدهى والأمر وهذا ملاحظ الآن ؛ بأن فعل الخير أصبح “فوبيا” عند البعض ، لا يطيق حتى الحديث عنه ، وفاعله متهم حتى تثبت براءته ، حتى أصبح العمل الخيري مكروهاً عند البعض خوفاً من إتهام هنا أو وصمة بالإرهاب هناك .خلال هذه العشر سنوات ونتيجة لما سبق الحديث عنه ، فقدنا كسعوديين حكومة وشعباً مواقع عديدة في جميع أنحاء العالم ، كانت بمثابة منارات للعلم والعبادة وبذل الخير ، بعض هذه المواقع اختطفت من قبل مؤسسات ودول أخرى ، استثمرت تقاعسنا ، فتولت إدارته وسيطرت عليه .العمل التطوعي والخيري ، أحد الوسائل الفعالة لتهذيب النفوس ، واستثمار الطاقات ، واستغلال الأوقات ، وتدريب الشباب ، بل والمساهمة في تشغيل المواطنين والقضاء على البطالة .لو أردت اليوم تأسيس مؤسسة خيرية في الداخل ، فلن تستطيع ، إما بحجة عدم الحاجة أو بحجة أن هناك مؤسسة قائمة بمثل النشاط ، أو أن النظام لا يسمح ، أو أن الطلب تحت الدراسة ، وغالباً لا تنتهي هذه الدراسة .في المقابل والحقيقة المعلومة أنه لن يستطيع كائناً من كان أن يمنع فعل الخير ، قد لا نراه ، أو لا نعلم عنه ، ولكنه بالتأكيد يحدث ، كما لا يستطيع أحد أن يفرض الوصاية على فاعل الخير بكيفية توجيه صدقاته ، ما دامت عملاً مشروعاً وجائزاً في الأوجه الشرعية .أبسط مثال على العمل الداخلي غير المرخص هو الصناديق العائلية ، والتي تقوم بدور مهم وفعّال مساند للضمان الإجتماعي والتعليم وتوفير المسكن وتخفيف أعباء الحياة على فروع الأسرة الواحدة ، مثل هذه الصناديق لا يعطى لها ترخيص من أي جهة ، فتجدها تعمل متخفية تحت غطاء آخر .قد يرى البعض ان وضع الدولة المالي ممتاز ، وأن الجهات الحكومية كافية للقيام بالدور التي تقوم به الجمعيات الخيرية ، ولكن بالمقابل تاريخياً لم تكن الدول هي الجهات الوحيدة التي تتولى هذا الدور بفعالياته الإجتماعية والإقتصادية والدينية ، بل وحتى مع الحجم الكبير لميزانية المملكة التاريخية لا زال الفقر والعوز موجوداً لدى قطاع لا يستهان به في المجتمع ، حتى بناء المساجد وصيانتها يتم الأغلب منه بأموال المحسنين بعيداً عن ميزانية الجهات المختصة ، والأهم من ذلك أن هذه المؤسسات الخيرية التي يتم تأسيسها في وقت الرخاء يعول عليها القيام بأدوار أهم وأشمل وأكثر حاجة في وقت الشدة ، حين تحتاج الدول الى موارد اضافية لتغطية الحاجة المتزايدة عن قدرتها على الإنفاق .أحاول أن أكون مستقلاً ، وبدون أن أخفي تعاطفي مع العمل الخيري أياً كان ، وهذه (أي التعاطف مع العمل الخيري) جبلة خلقها الله في البشر ، ولكن مع التضييق الذي تم على العمل الخيري في الداخل ، توجه الناس تلقائياً إلى البدائل التي أدت الى المحظور ، وبدلاً من أن يكون العمل الخيري في الفضاء الرحب ، توجهت كثير من الأموال كتبرعات في الغرف الخلفية ، والتي كان بعضها مظلماً ، وبالتالي فقدت الدولة أهم سبل الرقابة وهي المؤسسات الرسمية والتي تعتمد على المستند والإثبات والرسمية ، لذلك أرى أن من أهم وسائل الرقابة على العمل الخيري هو في فتح المجال على مصراعيه للمؤسسات الخيرية تأسيساً ونشاطاً لتعمل في الداخل والخارج ، وأقترح لذلك تأسيس هيئة عامة للعمل الخيري والتطوعي ، تكون مسئولة عن التراخيص والرقابة والإشراف والتنسيق لهذا القطاع ، عمل هذه الهيئة المقترحة سيكون مماثلاً لما تطبقة مؤسسة النقد بإشرافها على القطاع المصرفي والمالي وقطاع التأمين ، أو هيئة السوق المالية بإشرافها على سوق المال والشركات الإستثمارية .أخيراً .. إنني لأعجب من رجل يستطيع أن يكون بوابة خير فيغرف من أجر العمل الخيري غرفاً ، ثم ينصرف عن ذلك ، وجل ما هو مطلوب منه تسهيل إجراء ، أو تقديم مقترح ، أو شفاعة حسنة ، فهو يتاجر مع الله بجاهه ويحصد من هذا الخير الى يوم الدين ، ولا أعجب منه إلا رجل ملكه الله مسئولية وسلطة استعملها في أغلاق هذه الأبواب المفتوحة ، وبالتالي فقد أغلق على نفسه وعلى الناس باب أجر وخير تحمل هو وزره الى يوم الدين .الكاتب : فهد بن عبدالله القاسم
الصفحات
▼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..