الصفحات

الجمعة، 19 أبريل 2013

خداع المصطلحات

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،
هناك عبارات كثيرة تنتشر بين الناس وقد يكون لها معاني سليمة، وقيم جميلة، ولكن يطلقها البعض على عواهلها بلا تفكّر في معناها الحقيقي!!

وعلى إثر تلك العشوائية، خرج لنا من يستخدم تلك العبارات لتمرير مفاهيم مغلوطة وليحرفها عن معناها الذي أُنشِئَت له أو اشتُهِرَت به!

ومكمن العبث هو في تحريف المصطلح عن معناه الحقيقي أو في استخدامه في غير موضعه، وقد يكون الخلل في نفس المصطلح! إمّا لأنه موهم أو لأنه لا معنى له أصلاً!

وفيما يلي أذكر بعض الأمثلة:

"رجلٌ مؤدلج" عبارة يطلقها الكثيرون يلمزون بها المختلفين معهم، ولكن بعض الليبراليين يقتصرها على من يعتز بالإسلام وينطلق من القرآن والسنة في كلامه ومبادئه وتصوراته. بمعنى آخر: "رجل ليس بعلماني".

وكذلك عبارة"أرفض وصاية الرجل" والتي يطلقها بعض الإعلاميات، وقد يقصد بها أكثرهن رفض الظلم، ولكن بعض الليبراليات يهدفن منها "رفض قوامة الرجل" والتي شرعها الله!

ومن العبارات التي انتشرت، عبارة"رجل حزبي" بالطبع هناك من يصدُق عليه هذه التهمة,, لكن بعض المغرضين يطلقونها حتى على من ينصر المسلمين بمختلف جنسياتهم، وكأنهم يقصدون: "رجل غيور على دينه"!لكن هؤلاء لا يفهمون شعور الجسد الواحد،، لأن أجسادهم بين المسلمين أما مشاعرهم يمسحون بها بلاط السلاطين ويتغزلون بها أعين الغربيين،،

وتأمل معي أخي الكريم جمال هذه الجملة "أرفُض تأجير عقلي" والتي يستخدمها الكثيرون للإشارة إلى استقلاليتهم عن بعض الأفكار والأشخاص،، لكن واقع (بعضهم) يعكس عبارة "أرفض التسليم للنص الشرعي" وعندما ترى تقديسه لمقولات فلاسفة الغرب تشعر أن لسان حاله يقول "أرفض التسليم لغير النص الغربي"

أما عبارة "شخص محايد" فهيعبارة جميلة تطلَق على الشخص المتزن والمتحكم بعاطفته،، لكنها تطلَق أحياناً على الذي ليس لديه قدرة على إبداء رأيه إمّا لخوفه أو لضعف فهمه.

تلك هي بعض المصطلحات الموهمة، وأجزم أن كل فرد منّا يستطيع سرد الكثير مثلها.

المقصد، أن لا ننخدع بالعبارات الرنّانة، والتي يكررها البعض بقصد تمرير مفاهيم مغلوطة،،

فكم هي الخلافات المثارة حول بعض المصطلحات الرنّانة والتي سببها ليس الاختلاف على القيم الجميلة -والتي ربما تتضمنها- ولكن على التطبيقات الحقيقية والترجمة العملية لتلك العبارات،،

ومن أعظم التوجيهات القرآنية اتجاه العبث في المصطلحات هو قوله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا، وقولوا انظرنا} البقرة 104

ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم (راعنا)ويقصدون منها السخرية به صلى الله عليه وسلم، فيلمزونه بالرعونة –حاشاه- وقيل يلمزونه برعي الغنم، لكن الصحابة لم يعلموا بمقصد اليهود، فاستخدموها مع رسول الله ظنّاً منهم أنها كلمة مؤدّبة وتوقعوا أن اليهود كانوا يعظّمون بها أنبياءهم ،،

فجاء التوجيه السماوي بالنهي عن استخدام هذه الكلمة لأنها تحتمل معانِ أخرى، ولئلّا يستغلها المغرضون لتمرير سخريتهم ومفاهيمهم،،

تأمّل معي أخي الكريم،،

لم يأمرنا الله بإطالة الجدل حول مقصد أصحاب تلك العبارات الموهمة بل أمرنا بتركها بالكلّية حتى لا ينشغل الناس بالصراع حول معناها!

ولعل من الحِكَم في ذلك هو قطعُ الطريق على أعداء الدين من تمرير مشروعاتهم وأفكارهم المنحرفة تحت تلك العبارات،، ولأننا حتى ولو استطعنا تحرير معناها اليوم فقد يغيب ذلك عن الأجيال القادمة،،

وللأسف! ها نحن اليوم لا نزال ندفع ضريبة الانسياق وراء العبارات الرنّانة الخداعة،،

ولنأخذ على سبيل المثال عبارة (مكافحة الإرهاب)والتي يرفض السياسي الغربي إعطاء محددات لها،، وللأسف لا يزال المسلمون يكررونها! برغم أن الواقع يثبت كل يوم أن الغرب استخدمها كمظلة لمكافحة انتشار الإسلاموقتل معاني العزة والجهاد والدفاع عن الأوطان المسلمة! ولِوَأْدِ أي محاولة لردع الهيمنة الغربية،،

ومن تلك العبارات الخداعة مصطلح (حقوق الإنسان)والتي تعني بها بعض الحكومات الغربية (حقوق الإنسان الغربي)أما الإنسان السوري والأفغاني والصومالي فهم يتعاملون معه وكأنه ليس بإنسان يستحق الحياة!

ومن ذلك عبارة (حقوق المرأة)والتي تقصد بها بعض الحكومات الغربية حق السافرة أو العاهرة أما المنقّبة فلا حقّ لها في قاموسهم!

يحاول أعداء الإسلام سلخ الإسلام من قيمه تحت مقصلة مصطلحاتٍ خدّاعة يستغفلون بها الجهلة من المسلمين!

ومن أطرف المشاهد المتكررة أن تستمع لأحدهم في لقاء تلفزيوني مطوّل وهو يسخر بالدين وينتقد النصوص الشرعية، ويحرّف القرآن، وينتقص الصحابة، ويرفض تحكيم الشريعة، وبعد ساعة كاملة من الانتقاص للإسلام يختم حديثه بجمله يستخف بها عقول مستمعيه: أناً لست ضد الدين ولكني ضد أهل الدين!!عجباً!!

خلاصة القول،،

بالطبع، لا أعني بهذا المقال أننا نتهم نية من يستخدم تلك المصطلحات! ولا أعني إلغاء استخدامها! لكنفي ظل هذا الانفتاح الإعلامي نحن أحوج ما نكون إلى (منخلِ الوعي) لمنع مرور أي مصطلح يردده الآخرون دون فحصه وفهم خلفياته ومسبباته،، وأن نزن كل مصطلح على حِدَه،،

فهناك ما يحتاج إلى تفسير وهناك ما يحتاج إلى تعديل وهناك ما لا حاجة لنا إلى استخدامه،

وهناك ما هو مستورد وهناك ما هو أصيل،

وهناك ما هو صريح وهناك ما هو مخادع،

وهناك ما هو شرعي وهناك ما هو غير شرعي.

وأزعم أن من أهم المهام والتي لا تزال بحاجة إلى مزيد دراسة من قِبَل المؤسسات البحثية الإسلامية هي مهمة تحرير وتنقيح تلك المصطلحات والمفاهيم!

بل إن الأمل يحدونا إلى ما هو أكثر من ذلك ألا وهو: تصدير مصطلحاتنا ومفاهيمنا وفرضها على الواقع الغربي والشرقي، عوضاً عن هدر أوقاتنا في فهم وتفسير وتبرير والانصياع لمصطلحاتٍ ومفاهيم مستوردة!!

اللهم ارزقنا الفهم والعلم الحكمة،،

اللهم ارزقنا الفقه في الدين وعلّمنا التأويل،،


أخوك المحب

أمين بن بخيت الزهراني

جمادى الثانية 1434 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..