الصفحات

الثلاثاء، 30 أبريل 2013

قبل أن تحرق القاعدة ميدان الثورة

    حين تحدثنا مبكراً عن خطورة أي تغلغل للقاعدة في الميدان الثوري السوري وبرنامجه العسكري كنّا
نطرح الرؤية من خلاصة عميقة لمتابعاتنا لدور القاعدة الكارثي على أفغانستان منذ تطور مشاركة العرب الشباب في 1983م حتى تأثيراتها على برنامج المقاومة الوطنية التي قادتها طالبان بانضباط توالى في توصيات الملا عمر وفي تحذيراته من ما سمّاه طاعة الآخرين وتشديده على عصمة المدنيين ورفضه لتفجير مواقع مدنية ومساجد قبل أن يتداخل فكر القاعدة وسلوكها مع بعض عناصر طالبان الذين حذرهم الملا عمر بوضوح. 

وهذه الإشارات من الملا عمر المتواترة في خطابه دلالة على إشكالية تأثير ثقافة القاعدة الفوضوية الدموية على مسار أي دفع إسلامي أو وطني, وهي الرؤية التي كتبناها في مقالات عديدة عن مآلات العراق بعد انتصار المقاومة الإسلامية الوطنية على قوات الاحتلال الأميركي في فصائل منضبطة بالمنهج السُني الشرعي أهمها ما أطلق عليه فصائل التخويل للمشروع السياسي الذي قاده الشيخ حارث الضاري أمين هيئة علماء المسلمين.

ويسعى الإعلام القاعدي بعد تلك النهاية المروعة للعراق والتي ساعدت واشنطن بالنجاة من تبعات هزيمتها وتسليم إيران الملف السياسي لاحتلال العراق, إلى خلط قضية حركة الجهاد والمقاومة العراقية مع حركة الصحوات, وهنا نُفصّل المسألة لفهم ما جرى جيداً حتى تسلم سوريا بعون الله من أي تبعات مماثلة.


إن فصائل الجهاد والمقاومة لم تتداخل مطلقاً مع حركة الصحوات بل نابذتها سياسياً وفاصلتها ميدانياً وحمّلت د. طارق الهاشمي وعرابيها كما توحش القاعدة مسؤولية هذا الاختراق لمحاضن السُنة التي ولّدت المقاومة الشرسة في مواجهة أعتى احتلال, لكنّ هذه الفصائل كانت تعيش أزمة مناطق السُنة من تغوّل القاعدة مستغلة محاصرتهم من الاحتلال الإيراني والأميركي الوحشي, ومع هذا الضغط المزدوج الذي كان يترتب عليه تصفية المئات من أبناء السُنة أو مطاردتهم من غير دليل ولا تهمة وصولا لإعلان مناطق تخضع لما أسموه دولة العراق الإسلامية وحمل فصائل المقاومة على البيعة المزعومة التي لا تُقرها ضوابط الشريعة فضلاً عن أهلية المجهول الذي يدعون لبيعته.


وبالتالي اثخنت القاعدة في الجسم السُني وقتلت من عساكر المرور أو الشرطة أو حتى من كان يستدرج عن طريق لقمة العيش لترك السلاح فضلاً عن قيادات الصحوات التي كانت تتحمل مسؤولية هذا المشروع الذي لعب به الائتلاف الطائفي عن طريق العرابين السُنة حتى مهّد الأرض لهم للنفاذ من مشروع المقاومة وأهليته السياسية التي تُمنح للمنتصر وشعبه, وعَبَرت إيران عبر سلاح القاعدة المتوحش ومليشياتها الطائفية الإرهابية وخيانة الصحوة الحمقاء.


إن أهم عنصر ولّد هذه الأرضية ونبهّت عليها المقاومة الإسلامية الوطنية في حينه كان تعب الناس ولأوائهم من فروض القاعدة عليهم وعلى مناطقهم حتى التقط زعيم عشائري هذه المشاعر ونظمها فصّبت عليه واشنطن من مليارات نفط العراق ثم جنّدت الصحوات بعد توطئة من قيادات سنية بارزة, ومن أُستهدف في هذا المشروع مركزيا هو انتصار المقاومة العراقية والبناء عليه سياسيا بحسب ظروف المرحلة, لكن هدم المشروع السياسي للمقاومة عبر تلك الشراكة لتقاطعات الأعداء القاعدة وإيران.


إنّ نظرية الأرض المحروقة التي تتبناها القاعدة وانتهت إليها الصومال بعد العراق وتمّت تصفية الوجود العلمي والمنهجي للحزب الإسلامي السلفي بالصومال, وبالتالي لم تتحقق أي نتيجة لصالح الشعب ولا القوى الإسلامية التي طردت القوات الإثيوبية عبر حركة المحاكم الإسلامية فجاءت حركة الشباب ليتحول ذلك النصر إلى حرب أهلية أنهت حقبة مهمة كان بالإمكان أن يؤسّس عليها لوحدة حركة المقاومة الإسلامية في الصومال والبناء المدني عليه في مشروع وطني شامل يرتضى إسلاميا حتى لو اختلف عليه سياسياً عوضاً عن آلاف الضحايا التي أسستها ثقافة القاعدة من جديد.


ولفهم هذه الأُسس نعيد التقعيد على قضايا شرعية كبرى يختطفها اللغط القاعدي في ظل مشاعر الغُبن التي يعيشها المسلمون في مناطق عديدة مذكرين بخطابات الملا عمر النقدية وبقراءة ياسر الزعاترة للنقد الذاتي الذي وُجد في رسائل الشيخ أسامة بن لادن والذي يحوي مراجعات مهمة في الموقف من القتل والدموية أو مواجهة أطراف إسلامية أو حتى جماعات مدنية وحديث الناطق والقيادي السابق باسم القاعدة أبو حفص الموريتاني مع الجزيرة عن الخلاف بين منهجين في القاعدة معتدل برؤية شرعية يخالفها الناس أو يوافقونها ومتطرف بالمنهج الدموي تحرق الأرض, وحجم وفداحة اختراق شخصيات هذا الخط المحسوب على أيمن الظواهري ودخول الجهاد المصرية وسيطرتها على الرؤية العالمية للمقاومة الدولية.


ومن هنا نركز التفصيل عبر الآتي:
1- إن ماتعمّمه القاعدة في جناحها الدموي الوحشي على عدم إسلامية فصائل الجيش الحر أو المقاومة الإسلامية الوطنية في العراق أو من ينتقدهم من حركات علمية شرعية لم تخضع لسلطان سياسي ولكن لها رؤيتها المستقلة عن العنف وعن فقه السلاطين, هو في حد ذاته استباق لتعزيز قاعدة تكاد تعصم الظواهري وفريقه وفروعه عن النقد وتسعى للتشكيك في أي رؤية تعتمد مصادر الشرع وفقه الدعوة وميزان السنة والسيرة النبوية لتقابل ضلوع متطرف يتجاوز حدود وفقه مجندي القاعدة السطحي, حتى لا يتمكّن الشاب المتحمس المتعاطف مع ميادين الثورة والمقاومة من الاستماع لرؤية النقد وإضفاء تعظيم يكاد يعصم القيادات بل ويمنع طرح أخطاء كارثية للقاعدة .


2- إن رؤية الفكر الإسلامي الآخر سواء سلفيا أم خلفياً مقاوماً أو مدنياً تنطلق من أسس شرعية تُقدر عبرها موقفها المدني أو مشروعها النهضوي الذي يعتمد المقاومة كأحد مدارات الجهاد الشرعي وتأسيس برنامج مدني إسلامي يصنع حقوق المواطنة الشرعية التي أسست في الدستور العملي للخلفاء الراشدين وعدالة عمر بن عبد العزيز في الحقوق المدنية لأوطان تستقر لا حرائق للأنفس والبلدان وليسوا جماعات علمانية متخلية عن التأصيل الشرعي حسب ما تتهمهم به القاعدة, لتبرير تكفيرهم أو تضليلهم أو الخلاص من مسؤولية النقد والرد المنهجي الذي يتطلب إفادة واضحة للشباب المتحمس الفدائي لنصرة الدين والمستضعفين, وبالتالي إخراج من ينقدهم من الدائرة الإسلامية وتصنيفه كمعاد ولا قيمة لأي مقاومة أو إسلاميين أو شرعيين أو محللين سياسيين لا يعتمدون بتزكية القاعدة حتى لا يقرأ الشباب الجهادي الرسالة.


3- إن هذا النقد لإدارة القاعدة لمشاريع تَدخُل على مناطق العالم الإسلامي المنكوبة وتنحيتها للقيادات الإسلامية الوطنية وفرض رؤيتها عليهم هي مدارات النقد لهذا المنهج, وليس الموقف من شاب قرر فداء الشعب السوري ونصرته ثم مضى في غير فتنة ولم يوجّه سلاحه لبريء يخط بدمائه خاتمة حياته فهذا اختلف الناس مع مقدمه لسوريا أو أي مكان أو اتفقوا فهو خلاصة الأمم وبركة السماء في ميدانه وأشلائه يباركها الله حيث يطّلع على نيته ويبارك على جثمانه.


4- إنّ الخلاصات التي أدت لها كل تجارب القاعدة في فقه الوعي الإسلامي بحسب ميزان ودلالة منهجية رسول الله صلى الله عليه وسلم ودقة فقهه في قتال المشركين فضلاً عن دماء المدنيين التي أُثبتت في سيرته في الرجوع عن فتح مكة بعد الحديبية وفي موقفه من سيف خالد فيها وفي مراعاته لذمام الأرض وأهلها ما يصعب حصره من دلالات شرعية تثبت حق الاجتهاد والتأسيس والتروي لثوار سوريا في التعامل مع شعبهم وصناعة الدولة بعد إسقاط النظام وترجح رأيهم, ولكن هذا التيار لا يريد أن يسمع فضلاً عن أن يُناقش, وعليه فإن ما هو من دلالات التشريع الكبرى بتقدير المصالح والمفاسد ومراعاة أهل الذمم أو جماعات المسلمين, والنفوذ إلى مصالح الوحدة وتحقيقها تحت قاعدة فقه شرعي ووعي إنساني من ذات أصول الدين لا يُسمع لدى هذا التيار القاعدي فضلا عن أن يُقبل.


من هنا وحرصاً على مستقبل الثورة السورية كان لا بد لهذا القلم من أن يكتب خلاصته تنبيها ودعماً لمشروع الثورة السورية للوصول إلى هدفها الإسلامي والوطني والذي يقوم على مصالح الناس برؤية الشرع في حروب أراضي المسلمين مع المستبدين أو قوات الدعم الإيراني وغيرها والتي بحسب التجربة أفادت كثيراً من فوضوية تيّار التكفير التفجيري في القاعدة.


غير أن ما التقطناه من رصد لموقف جبهة النصرة وموقف الجيش السوري الحر وموقف حركة أحرار الشام وجبهات إسلامية عدة يعطي مداراً أوسع وأفضل من مآلات الحالة العراقية وإن كانت قضية استنساخ التجربة العراقية مطروحة بحسب بيان زعيم فصيل دولة العراق الإسلامية وبيعة الجولاني للظواهري, إلا أن هناك مساحة بالإمكان أن تعبر منها سوريا الثورة وتُحيّد حريق القاعدة حتى تنتصر سوريا وهو ما يؤيده هدوء القيادة المركزية للثوار في قيادة الجيش الحر ومباحثاتها مع الفصائل الإسلامية الأخرى مع إعلانها الصارم لرفض بيان القاعدة وبيعة الظواهري.


ونجمل ذلك في العناصر التالية:
1- رغم انّ التوقيت يخدم المحورين الإسرائيلي والإيراني ويفيدهم في تفتيت مركزية قيادة الثورة السورية في رئاسة أركان الجيش الحر الميدانية وحلفائها خاصة في جميع المجالس العسكرية ومن هنا نفهم تهديد نتنياهو الأخير لتسليح الجيش الحر, إلا أنها كانت رسالة إعداد مهمة لمواجهة هذه الأزمة وتعزيز وحدة فصائل الجيش السوري الحر أمام خطورة الفوضى الميدانية على الثورة وعلى مصالح الشعب السوري ووحدته, وهو ما سُجل ميدانياً في هذا التوقيت الدقيق الذي تتقدم فيه قوات الثوار.


2- إن الثورة السورية في نشاطها السياسي والعسكري والاجتماعي مهما جرى منها خلاف وجدال لكنها في نهاية الأمر استطاعت تشكيل هيكل سياسي واجتماعي وتنسيق عسكري يمنع من تحقيق اختراق للنظام وتل أبيب وطهران عبر فوضى إعلان القاعدة, وهذه الوحدة والمشروع جرى عليه تحريض ساذج من أطراف خليجية أهلية دينية لكن جملة الموقف الشعبي العربي وتياراته مع هذه الوحدة الهيكلية المهمة التي تضم علماء شرع سوريين وجسما مركزيا للحركة الإسلامية والتيارات الوطنية كحلف من أساسيات فقه الفضول الذي لا يرد مظلمة فحسب بل ينقذ شعبا وينقذ دولة, وأن ما يقدمه الشيخ معاذ الخطيب والتكاتف الإسلامي الوطني الواعي للمؤامرات الدولية يأتي في قلب هذا الفقه الدقيق للعبور بالثورة, هو ما يتطلب منهم المزيد من التضامن والالتزام بالشراكة حتى لو وجدت خلافات.


3- حديث الشيخ معاذ الخطيب عن دفع بعض الدول لشبابها ونعتقد أنه دفع لبعض التوجهات في هذه الدول أي أن هناك في الدول الحليفة للثورة السورية توجهان لا توجها واحدا, الأول يرى ضرورة دعمها مع مراعاة الغرب لكن قد لا يستجيب لكل شروط الغرب بل يتجاوزها خشية على مصالحه القومية من هزيمة الثورة السورية، والثاني في ذات الدولة يجنح لإعادة استخدام الاختراق الأمني لمجموعات قاعدية لتحقيق فوضى وحريق في سوريا يمنع النصر ويمنع التفوق الإيراني, ومع سذاجة هذا التقدير إلا أن دلالات حراكه موجودة بحكم أن ميزان التقدير لديهم يعتمد الفوضى الخلاّقة لدفع الشباب الجهادي بعيدا عن أرضهم على حساب سوريا، وأن البرنامج الزمني قد يخلق لهم خيارا نهائيا بعد ذلك كالنموذج اللبناني بعد الحرب الأهلية, أما الآن فهم يخشون من نصر الثورة ومن الشباب العائد معا, وتسجيل الشيخ معاذ الخطيب لفهم قيادة الثورة لهذا الملف أعطى إشارة مهمة ودلالة وعي متقدم يجب البناء عليه.


4-الجسور التي اعتمدتها قيادة الجيش الحر مع كتائب أحرار الشام ومع القيادات الميدانية للنصرة, مؤهلة للنجاح كحالة هدنة وفي حديث الجولاني إشارة لذلك, ويبقى أن نفهم بوضوح أن هذه الثورة لها شارعها الحاشد وميدانها وذراعها العسكري الذي خرج من قلب الثورة وقلب معاناتها, وأن تضخيم القاعدة أو جبهة النصرة ولو خاضت معارك باسلة في مواجهة الأسد وإيران لكنها لا تمثل أبدا سياقا موازيا للثورة ولذراعها العسكري رغم الدعم الضخم الذي تلقته القاعدة عبر مناصريها في الخليج والحصار الذي فُرض على الجيش الحر.


5-إن عدم التهويل من قبل قيادات الثورة لإعلان القاعدة موقف ذكي ومحسوب ويُحيّد استغلال الإسرائيليين والإيرانيين له, وتجنّب المصادمة العسكرية قاعدة مهمة جداً في هذه المرحلة مع تدعيم مسارات الوحدة للهيكل العسكري والميداني والسياسي للثورة الذي سيكون قادرا على احتواء جبهة النصرة وإقناع أطراف قيادية فيها لتحالف شرعي وبديل لمخاطر الأرض المحروقة.


وفي الختام نؤكد على أن المسؤولية لم تعد في خذلان وتآمر أنظمة حكم عربية مع الحصار العالمي الشرس ضد مدنيي سوريا، لكن مع تورط أطراف أهلية وخاصة في الخليج بدعم مشروع القاعدة للأرض المحروقة, وهو ما سيوجب عليهم إعادة حساباتهم وقراءة حصائد فوضى العنف في المنطقة وجسرها المخابراتي الخطير, وسيبقى رهان سوريا التي أسقطت كل المؤامرات الأسطورية على الثورة هو رايتها الكبرى المنتصرة بأشلاء شهدائها وعزائم ثوراها وبركة رب السماء على أحرارها.



 الجزيرة نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..