الصفحات

الاثنين، 22 سبتمبر 2014

هل كان قرار "كبار العلماء" مع المواطن؟

انطلقت الأقلام الغاضبة تشنع على هيئة كبار العلماء بعد موقفها من رسوم الأراضي البيضاء وصلت لتخوينهم وتتهمهم في أماناتهم وأنهم انحازوا للأمراء الكبار أصحاب الأراضي المليونية وللاقطاعيين
والهوامير. .

تلمست الصدمة الكبيرة التي سربلت المناخ المجتمعي العام مساء الثلاثاء الفارط، إذ كانت النفوس مستوفزة، والحواس منتبهة، والأقلام مستعدة لتحبير انطباعات أصحابها المتلهفين للقرار،
والكل منتظر حسم قضية القضايا اليوم، المتمثلة في أزمة السكن عبر فرض رسوم على الأراضي البيضاء، وقد عقد المجتمع آمالا عريضة في حلها، وهي التي استنزفت جيوب الطبقات الوسطى والفقيرة، والتهمت "تحويشات العمر" لهم.
ردود أفعال متباينة انهالت تعليقا على قرار هيئة كبار علمائنا الأجلاء، التي حولت الملف إلى المجلس الاقتصادي الأعلى لدراسته وإبداء رأيه فيه، وبالطبع سالت الأحبار بالتساؤلات، وتداول الناس رسائل "الواتس" و"تويتر" التي تحكي ألماً ممضّا للشرائح المتضررة،
والفجيعة من هذا الموقف الذي بدا لوهلته الأولى ضد المواطن، وانحيازا للإقطاعيين والهوامير، وتطاول بعضهم بطريقة فجة على هاماتنا التي نفخر بها، وخوّن آخرون - كما هي عادة الرعاع للأسف - ونالوا من أمانات علمائنا.
أعترف أنني كنت أحد المصدومين، لأننا من أوائل من طرحنا الموضوع في برنامج "البيان التالي" وتاليا في "حراك" عبر اقتصاديين وناشطين قبل أربع سنوات، تنادوا وقتها بفرض الزكاة على تلكم الأراضي الشاسعة التي تظهر كبثور قبيحة في وسط المدن الكبرى،
وعندما جوبهنا حينها بأن الزكاة لا تنخرط في مثل هذه القضايا، طُرح الموضوع باسم الضريبة أو الغرامات أو الرسوم، القصد منه؛ إجبار هؤلاء الهوامير الذين مُنحوا تلك الأراضي المليونية، على تخطيطها وبيعها، وحلّ أزمة السكن التي يعاني الوطن منها،
وطرحنا هذا الموضوع رغم حساسيته وقتها لأربع أو خمس مرات فضائيا، ولم يقصر الزملاء الإعلاميون أيضا في طرحه في الصحف والفضائيات، بعد أن بات قضية رأي عام.
سارعت بمراسلة أحد أعضاء هيئة كبار العلماء عقب القرار، ممن يبادلونني الحب في الله، والتقدير الجمّ، لأسأله عن السبب في خذلان المجتمع، فأجابني بكل هدوء وثقة وتواضع العالم الشرعي بقوله: "أخي عبدالعزيز: الموضوع شائك، وتبين لنا أن احتمال ارتفاع الأسعار وارد، وكان على وزارة الإسكان استشارة جهات اقتصادية، لذلك تم تحويل الملف للمجلس الاقتصادي، فتحويله للمجلس الاقتصادي يزيل الشك بالنسبة لنا، ليصدر القرار عن اطمئنان".
بالطبع أقنعني، وشكرت لهم هذا الموقف الشجاع، الذي يعطي رسالة واضحة في استقلاليتهم، فلم ينحازوا لمن أحال لهم الموضوع، أو حتى المجتمع الذي يضج في منتدياته ومجالسه متوقعا الموافقة الحاسمة التي ستحلّ له مشكلته والسكن، فكان هذا التصرف الحكيم من العلماء بأن يتثبتوا أولا أن القرار لصالح الشرائح المتضررة بالدرجة الأولى،
فاحتمالية أن يضيف الهوامير هذه الرسوم على المواطن المسكين واردة جدا، ويقول بها أساطين الاقتصاد عندنا، بل وأتذكر أحد الاقتصاديين في حلقتي الفضائية عن الموضوع، قال على الهواء بأنه سمع أحد هؤلاء الاقطاعيين متهكما ومقسما بأنه سيضع الرسوم على المشتري، ولا إشكال لديه في بقاء أرضه حتى يرتفع سعرها مضاعفا، وليس لديه النية بالبيع في الوقت الراهن.
وأكثر من ذلك؛ أن هؤلاء الهوامير عددهم بالعشرات فقط على مستوى المملكة، ويمكن لهم التآمر بكل سهولة ويسر للاتفاق بعدم البيع، وهم بالتأكيد ليسوا محتاجين للسيولة - التي تفيض من خزائنهم أنهارا تلمع تبرا - كي يضطروا للبيع، فيظل المواطن يلوب في هذا التيه والنزف، وربما حينها ستتضاعف الأسعار على المواطن، ولا يجد سوى علمائنا الفضلاء ليصب عليهم سخطه وتذمره،
وستتهم ذات الأقلام المهاجمة اليوم بأن العلماء كانوا بقرارهم ضد المواطن، لأنهم لم يدرسوه جيدا، فيكونوا حينها المشجب الذي يعلق عليه تبعات القرار، ويفلت المسؤول الحقيقي.
وإنني إذ أشكر سماحة الوالد مفتي عام المملكة، وبقية علمائنا الغرر في هيئة كبار العلماء، على هذا القرار الحكيم منهم، إلا أن لي عتب محب، بأنه كان من الأجدر أن ينبري أمين هيئة كبار العلماء د. فهد الماجد، ليظهر في وسائل الإعلام مباشرة، ويبين هذه الأسباب النبيلة التي دعت العلماء لتحويل الملف للمجلس الاقتصادي الأعلى،
سيما وأن القضية تتعلق بالمواطن في قضية يعاني الأمرّين فيها، ولو أوضحت وقتها الأسباب، ستتفهم النخب، ويمتن المواطن، وتخرس الأصوات المغرضة التي تصطاد في الماء العكر.
الكرة الآن في المجلس الاقتصادي، والكارثة ما سمعته من أحد الملمين بالقضية، بأنها ستدخل في دورة بيروقراطية تعيسة، وتبدأ رحلة مضنية ربما تمتد لسنوات، عبر لجنة إلى لجنة من لجنة، تتوالد منها لجان فرعية، ترسم لنا رحلة في فسيفساء إدارية متخلفة، يبكي المواطن البسيط حظه، ومعه وزير الإسكان يحفظه الله، الذي نشهد بدوره الكبير في هذا الموضوع.
أتساءل مع كل الذين جأروا احتجاجا: عندما طبقت الداخلية نظام "ساهر" لم تأخذ رأي العلماء فيه، لأنه شيء متعلق باختصاصها، وعندما قامت وزارة العمل بفرض رسوم الـ"2400 ريال" الشهيرة على الشركات، لم تأخذ رأي العلماء فيها، وخذ نظام "ساند" وأنظمة عديدة، فيها رسوم وغرامات، لم تحول إلى هيئة كبار العلماء، فلماذا يحال هذا الموضوع تحديدا لها؟ وتلك الغرامات مقدمة على أنها رسوم وليست زكاة شرعية كي يفتوا فيها؟
نلجأ إلى الله تعالى ثم لأب هذا الوطن، فبيده القرار الحاسم، ومن مثل أبي متعب يحفظه الله لنا في حنوه على شعبه.
مقالة اليوم تبحث في صوابية موقف العلماء من عدمه.
الوطن أون لاين ::: عبدالعزيز قاسم :::
 
المصدر
-------------------------------------
     بقلم:عبدالعزيز قاسم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..