الصفحات

الاثنين، 24 نوفمبر 2014

التعصب الرياضي.. "ما في الحمض أحد"

تذهل عندما ترى شيخا شرعيا أو مثقفا نخبويا ينحدر للتعصب اذا فتحت موضوع الكرة والهلال والنصر والاتحاد. .بعض الانطباعات من محاورات سيدني والهلال ..

هتفت بهذا المثل الشعبي الشهير، بعد حوارات عديدة مع نخب متنوعة حول التعصّب الرياضي الذي
شهدناه – ولا نزال - منذ كارثة فريق "سيدني" الأسترالي وممثلنا الأزرق، ولم أصل في حواراتي لأية نتيجة.
لا أتابع الكرة المحلية أبدا من ثلاثة عقود ونصف، ولا أشجع أو أميل لأي ناد محلي، ولم أدر عن هذه الآسيوية إلا بعد زعيق الزملاء في مجموعات "واتس أب" و"تيلجرام" وصراعاتهم، وهم الذين تعالت صيحاتهم قبل المباراة، تحليلا وتفنيدا بتشنج عال الرتم، جعلني أذهل وأنا أرى قامات ثقافية - بعضها شرعية - تنزلق لوحل التعصّب الرياضي، ويا سبحان الله كيف يتحول المثقف أو الشرعي إلى شخص آخر إذا فتح موضوع الكرة!!.
حتى الطرائف التي يتحفنا بها الزملاء على جوالاتنا اليوم، أفسدها "سدني"-قبحه الله - بامتياز، وبت أنتظر نهاية كل طرفة لأجمع حروف ذلك النادي الذي دخل تأريخنا الكروي، وأطالع ختامها التافه: "وراك وراك يا أبو الطاقية"، ولا والله لا أدري ما "الطاقية" تلك ولا العالمية المستعصية.
ولم يتوقف الأمر عند هذه الطرائف، بل تجاوزت إلى مقاطع الفيديو التي آتيها وأقبل عليها ظنا أنها مادة علمية أو تاريخية مفيدة، وفجأة وأنت بوسط انسجامك تفاجأ بانقطاعها عليك، ليصدمك مقطع هدف فريق "سيدني" أو رؤية جمهور الهلال المكلوم أو لاعبيه المنكسرين.
ربما إلى هذه الحدود يتقبل المرء كل تلك التهكمات، فالسجالات الرياضية والمناكفات مستوطنة دول العالم، ودونكم في الغرب المتحضر، الصحافة الرياضية الصفراء المليئة بأشنع من ذلك، ولكن ما ينكره المرء السوّي في بلادنا هو ذلك التجاوز اللا أخلاقي الذي شهدناه إبان نهائي آسيا. شيء لم أكن أتصوره على الإطلاق، بل وفجعت بصور مركبة، وبطريقة غاية في الانحطاط الأخلاقي، دون مراعاة لقيم أو دين أو أثارة من خلق، تلصق بمسؤولين كبار في النادي المنهزم أو لاعبيه.
من فجيعتي مما رأيت، كتبت مباشرة في موقعي بـ"تويتر" أناشد سمو الأمير الخلوق عبدالرحمن بن مساعد الاستقالة، والابتعاد عن هذه الساحة التي لا تليق بشاعر مرهف مثله، فقد كنت أحد معجبيه قبل دخوله الميدان الرياضي، والرجل كان يتفنن ويخوض في أغراض الشعر بشاعرية مثلى، ولا أنسى له بعض القصائد المحافظة والناقدة، لذلك كانت الصورة الذهنية عن سموه صافية وذات جاذبية، بيد أن المناخ الرياضي اليوم، الموبوء بالتعصّب والقذف والطعن وعدم احترام مقامات الناس، جعلني أناشده وغيره من الفضلاء الاستقالة والابتعاد، حتى تفعّل القوانين التي تجرّم أمثال هذا التطاول والتجاوز، ولكي يعمل وأمثاله في جو آمن، محفوظة لهم فيه مقاماتهم وتصان أعراضهم..
بالطبع ردّ عليّ بعض الأصدقاء المشتغلين في الساحة الرياضية، بأنه إن خرج سمو الأمير عبدالرحمن وأمثاله ممن نعول عليهم في إصلاح الساحة الرياضية، سيزداد الأمر سوءا على سوء. بل بالعكس، فوجود أمثاله يرتقي بتلك الساحة، ويبث في مفاصلها كثيرا من الوعي والخلق المطلوبين.
على الجانب الآخر وجدت من أيّد رؤيتي وقال: "هؤلاء الفضلاء يأتون بتلك الصورة الذهنية التي تتحدث عنها، ولكنهم سرعان ما يذوبون في أتون وحمى الملاسنات، وينحدرون بدلا من أن يرتقوا بالساحة". ويستدرك هؤلاء بأن الأمير عبدالرحمن بن مساعد لا يزال يضرب مثالا رائعا في عفة اللسان، والحديث بمنطق وموضوعية.
رددت: "في كل الأحوال، هؤلاء يدفعون من سمعتهم وصحتهم، بل ويتعدى الأمر إلى أن الأبناء والأسرة يشاركونهم دفع تلك الأكلاف الباهظة".
أقمت في العام الماضي حلقة فضائية خاصة بالتعصّب، وفوجئت بعد الحلقة بهجوم شديد عليّ، يتهمونني بأن معظم من اخترتهم ضيوفا كانوا سدنة التعصّب الرياضي في الساحة، وهممت هذا العام بعد كل تلك الأحداث والاحتقان الذي لمّا يزل يضرب بأطنابه في جنبات المجتمع الرياضي أن أقيم حلقة تعالج وتقدم بعض الحلول، كواجب مهني يسهم في حل المشكلة،
واستعرضت الأسماء المقترحة، ولم يسلم لي أحد ممن اخترته، فكل صديق يخرج مثالب الشخصية التي اخترتها للحلقة، مما جعلني أؤجلها وأنا أضرب كفا بكف، وأقول: "آمنت بحقّ أنّ جذر التعصّب في بلادنا هو من الإعلام الرياضي".
سأكون واقعيا وأعترف بأن التعصّب في مجال الرياضة مستشر في كل العالم، بل وفي الدول المتقدمة كلها بلا استثناء – الأوروبية خاصة - يحترمهم الاحتقان، ونرى منهم لليوم من يشهر "الموزة" سخرية باللاعبين ذوي البشرة السمراء، بل وتلحقهم بعبارات عنصرية تهتف بها المدرجات،
بل والأطم ما فعلته جماهير الناديين الأشهرين: "ليفربول" و"مانشستر يونايتد"، فالتعصب والكراهية بينهما وصلت لأن تهتف جماهير "ليفربول" ضد جماهير "اليونايتد" تذكرهم بكارثة "ميونخ" الشهيرة، وتحطم طائرة فريق الشياطين الحمر في عام 1958، التي لقي فيها 20 شخصاً من 44 مجموع من كانوا على متن الطائرة حتفهم. فتقوم جماهير "مانشستر" بالهتاف شماتة ضد كارثة "هيلسبروه" التي شهدت مقتل 96 مشجعا ليفربوليا و766 جريحا في نصف نهائي كأس إنجلترا بين فريقي "ليفربول" و"شيفيلد وينزداي" في 1989.
لا أسوأ ولا أحطّ من الشماتة بالموت، والأدهى أنها في بريطانيا مهد الديموقراطية وحقوق الإنسان.
بالطبع سردت تلك الحادثة، لا لأسوغ التعصّب لدينا، بقدر ما أودّ أن أشير بألا نصل لتلك المرحلة من الانحطاط الخلقي والإنساني بالشماتة بموت بشر، لكني أعود إلى ساحتنا الرياضية التي يجمع كثير من الزملاء الذين حاورتهم، على أن السبب في ارتفاع وتيرة التعصب الرياضي، وجود "تويتر" وانفتاح وسائل "الميديا"، وإن كان ثمة تجاوز، فهناك جهة قضائية، من المفترض تفعيلها، واللجوء إليها للحد من تلك التجاوزات، ففي النهاية الكلمة الفصل هي للقضاء.
ما زلت حائرا لا أعي كل هذه الاتجاهات والتعصب في ميدان الكرة، وسأعود للمثل الشعبي الذي عنونت به مقالتي لأسرد قصته التي تقول بأن أربعة رجال من قبيلة "جهينة" كانوا يطاردون أحد السرّاق، فانتدبوا أحدهم للذهاب إلى وادي الحِمْض، (الحمض عشب تأكله الإبل)، وهو واد مشهور شمال "رضوى"، وانتظروا رفيقهم طويلا، وأتى بعد فترة، وبادروه: "هل رأيت أحدا؟". فأجاب بذلك القول الذي سار مثلا: "ما في الحمض أحد".
وها أنا أعترف لكم بعد سجالاتي وحواراتي مع نخب متعددة حيال التعصب الرياضي: "ما في الحمض أحد"، ولكن ابدؤوا الحلّ من الإعلام الرياضي.


المصدر
------------------------------------
    بقلم :عبدالعزيز قاسم
         صحيفة الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..