الصفحات

الاثنين، 24 نوفمبر 2014

ماذا لو كان فهد الأحمدي في مجلس رسول الله ؟!

في جريدة الرياض عدد الثلاثاء 30مارس 2010م ، وفي إحدى الأعمدة اليومية طالعنا فهد الأحمدي بحديث بعنوان " لا تصدقوا أكاذيب التراث " يقول في آخره :

أما المفارقة الفعلية فهي أن العلم الحديث يتواضع (رغم تقنياته المتقدمة) عن تفسير 99% من ألغاز الكون والخلق وبدء الحياة .. وفي المقابل تحاول كتب التراث إقناعنا بأكاذيب وخرافات حول ياقوت أخضر، أو قرن ثور تقف فوقه الأرض، أو قرني شيطان تشرق بينهما الشمس، أو نيل وفرات يخرجان من عين في الجنة, ثم تنسب كل هذه لأبي هريرة وابن عباس أو تُقدم للناس كأحاديث نبوية صحيحة ( هي في الحقيقة موضوعة أو ضعيفة نصا وعقلا )!!!

واضح أن الكاتب يريد من اصطلاح الموضوع والضعيف مجرد المعنى والدلالة عند المحدثين، من غير تبني المنهج الذي عليه يبنى حكم الوضع أو الضعف عندهم ، أعني من غير نظر في الإسناد والرجال ، وسأجاريه في الكلام لنرى صدق دعوى الوضع هل تصح على محض المعقول ومن غير التفات إلى الإسناد .

طبعا هنا سنغض الطرف عن المفارقة في الجمع بين صحيح البخاري وكتاب الأغاني ، ولن نتهم النوايا , وأيضا سنتجاوز الأحكام والمصادرات في نحو القول بقبول المسلمين بخبر الياقوت وقرن الثور ,وسنختصر فقط على مسألة شروق الشمس بين قرني شيطان وحديث الفرات والنيل... لسبب لا أظنه يخفى على أحد ,وهو أننا كمسلمين أهل سنة نشركه الرأي قولا واحدا ، لا لشيء إلا لأننا نأخذ ديننا من البخاري لا من الأغاني !!..

أبدأ من حيث مسلّمة أرى - وهو الواقع بإذن الله تعالى - أن لا جدال فيها ، وهي أن محمدا نبي مرسل من الله تعالى ، وأن ما يقوله صادر فيه عن ربه عز وجل ، فهو أمين على ما يقول صادق فيما يقول .

فلنسقط الإسناد إذن جملة . دع عنك الأصفهاني والبخاري ,بل دع عنك أبا هريرة وابن عباس . ونكلمه صلى الله عليه وسلم كفاحا من دون واسطة .
أقول للكاتب الكريم ، فلنسترسل في خيال بليغ ,ونفترض أنك في جملة من عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنك من شهد مجالسه وطالع وجهه الأزهر الشريف .
إذا صح التصور ...

نقول بينما أنت جالس يوما آخذا موقعك بين الصحابة في مجلسه صلى الله عليه وسلم ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبتدر القوم بخبر عمّن مضى ... يقول : بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها ,فأقبلت عليه ,فقالت :إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحراثة ..

الآن لنفترض أنه كان بجوارك منافق خبيث الطوية ,فقال لك متهكما على وجه الاستخفاف والسخرية :ما رأيك في هذا الخبر ؟
سنضع خيارات الإجابة ولاحظ أنا نتحرك داخل دائرة التصديق وسنتصور أنك مندفع بكل حماس وإيمان لتسكت الوسواس الخناس عن صدور الناس وتقول :...

" قبلته على ما فيه من أمور لا يحيل العقل وقوعها ، فأني ولو سلمت أن العقل لا يستطيع استقلالا إثباتها ، فهو كذلك لا يملك أدوات نفيها وإثبات عدم صدقها ، فهو على أقل الأحوال يجب أن يظل محايدا . طبعا هذا عند الجاحد الذي يطعن في النبوة ، لكني والله إني كما لا اتهم آذاني في أني سمعته من النبي ، لا أشك كذلك في إيماني به ، وأنه صادق في ما يقول لا يكذب على ربه أبدا , ونحن في مثل ذلك إنما على محض الإيمان والتصديق نتكىء ".

قلنا : أحسنت لكن اطرد قولك في جميع ما تسمعه مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن داخلك شك وريبة ,فإن الطمأنينة في اختبار الرجال ,حيث القوم سمعوا كما سمعت وصدقوا كما صدقت ، فإن اختلال الخبر هنا عندك من اختلال النقل لا من جهة العقل ، كيف ؟ وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله , وقبل عقلك منه ما وعي منه سمعك ، فكيف تنكر ذلك على غيرك إذا رواه إليك مسندا.
فأين العقل هنا وقضية الحكم بالوضع ...

وإن قلت : أنا لا أتصور صدور هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء ، لكونه منافيا لبداهة العقول , فلا أفترض أساسا ما يخالف المعقول وأنسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .قلنا : مخالفته المعقول من أي و جه هو ؟ والحديث صحيح روي مسندا عند النسائي وغيره.

قطعا ليس من جهة امتناعه من جهة تعلقه بالإرادة أو القدرة الإلهية ، فإن هذا يخرجنا إلى خارج دائرة التصديق والإيمان في هذا الحوار ، لذا هو مستبعد عندنا مهجور .
لم يبق إلا أن يقال : إنه خارج سنن العادة ، فليس مما يعقل الإنسان كلام الحيوان .

نقول : وما الضير في ذلك ، فالقرآن هو في منزلة عندك لا يستريب عاقل أنه كلام الله تعالى ومن داخله شك أو ريب فإنما يعرب عن حظه من العقل بحسب ما داخله من الإرتياب !!...
وقد أخبر القرآن بأمور كثيرة خارج سنن العادة وأنت تصدق بها وتؤمن ، مثل دابة تتكلم ، ومخلوق قادر على أن يجوب الأرض أسرع من سرعة الضوء ، ورجل نام ثلاثة قرون في غير افتقار إلى مقومات غذائية وعينه مفتوحة لا ترمش , ومع ذلك لم ينضب ماؤها و حمار انتصب يمشي بعد أن تماهت أجزاؤه في أحشاء دود الأرض.

أحسبك تقول : هذا حق لا شك فيه, فإن القرآن لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، ولكن كل ذلك معجزات ، والمعجزة لا تكون معجزة إلا إذا اخترقت سنن العادات لبيان صدق الأنبياء . أين هذا من بقرة تتكلم ؟ والرجل ليس نبيا ,وليس الأمر لتقرير صدق نبي ؟!

أقول : هذه الأمور في جملتها لم تقع لنبي في سبيل إثبات نبوة أو تقريرها ، وهي كما ترى أمور وقعت على أيدي أناس غير أنبياء ، فما الفرق بين حدث اختراق السنن عند بقر أو عند حجر أو عند بشر !!!

إذن ادعاء مناقضة العقل يجر هنا إلى إدعاء ما يجب الاحتشام من مجرد التفكير فيه ، ومدافعته أبدا عن النفس والخاطر , إذ الحكم بالوضع على هذا النحو من التفكير سيجر لزاما إلى القول بأن القرآن يلحقه ما اجترأت بالتفوه به في أحاديث مسندة إلى الرسول.

أحسب أننا انتهينا إلى طريق مسدود في هذا الاتجاه لن يقودك إلا إلى ما تكره الإقرار به , وهو أن العقل عليه أن يستقيل عن النظر المجرد في المعاني ، وأن سلسلة الرجال هي السبيل الوحيد إلى تقرير المعقول من المرذول. فلنسلك طريقا آخر في الافتراضات
أن ما يصدقه العلم ، ولا يستعدي ضرورايته أصدقه .

أقول : هذا خروج عن الفرضية التي وقع التسليم لها وأجرينا الحوار عليها .. فلا تنس أبدا أنك سمعت هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم كفاحا من غير واسطة ,لا تخطئه عينك ولا يفوتك كلامه .
وأن مثل هذا الكلام السافر في وجهه صلى الله عليه لا يتصور إلا خارج الدائرة التي نحن نتحرك داخلها . أرجو أن تعي ما تقول وتتريث قبل إرسال الكلام .

ستقول : إنما أنا أنفي فرضية أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابتداء ، لمعارضته ضروريات العلوم .
أقول : وسنفترض جدلا قيام التعارض ، هل تحاكم الخبر إلى علوم عصرك أو لعلوم عصره صلى الله عليه وسلم .

قطعا الأولى خارج نطاق الفرضية التي دخلنا بها الحوار ، والآخرى من أين يقوم التعارض عندك وهي علوم لم تظهر إلا في القرن العشرين ؟!!!
بمعنى آخر لو أنه قدر لك الوجود في القرن السابع عشر الميلادي مثلا ، كيف كنت ستقبل عقليا نفي حديث خروج الشمس بين قرني شيطان ، وليس في العلم ما يثبت خلافه على قاعدة تحكيم العلوم في المنقول.

إذن افتراض التعارض ابتداء لمسوغ قبول الخبر من عدمه غير وارد بالتصور الذي ارتضيناه في دخول الحوار .
سأقرب لك بمثال يعكس لك بدهيات العلوم المعاصرة في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم -.

لنفترض النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته في مجلسه ذاك والنبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس عن أنه سيكون في قادم الزمان السفر بصندوق معدني يطير في الهواء ينقل الناس من مكان إلى مكان يقطع البحار ويجوب الفضاء ,ويحط بهم وقد اختصر رحلة الشهر في ساعة .

الآن لنتصور مبادرة المنافق الذي يجلس بجوارك في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم : ولنتصور أنه محيط بعلوم اليونان : سيقول وهو يبدي عن إندهاشة ساخرا :قول مناكف للعقل ، ويكذبه العلم ، و يتنافي مع بدهيات ما قرره بطليموس في علوم الطبيعة والفلك.

الآن ننظر جواب رجل في القرن العشرين ، وقد جاءه الخبر مسلسلا مسندا بالرجال ، لكنه مطابق لإلههم العلم وضرورياته : إذا جاءنا من المنقول ما يوافق المعقول قبلناه ، وليس في هذا الأثر ما ينافي العقل ، بل العقل والحس يصدقه ، لذا نحن نقبله .
ولاحظ أنه خبر محض وليس فيه حكم إلا بما يدعو إليه التصديق من امتثال لما وراءه من أحكام وأخبار صادرة عن نفس المشكاة .

لكن الرجل يواصل ويقول : وهذه قاعدة كلية ، و فائدة ذهبية ، وهو أننا بهذا المنحى سنُعرِّف الغرب كيف أن الإسلام سبق الأحداث ,وأخبر بما سيكون عليه العلم بعد أربعة عشرة قرنا ، فهذا دليل أن الإسلام هو دين العلم ، فكيف يراد لنا أن نقبل ما ينافي قضايا العلم لمجرد أن رواه البخاري أو مسلم ؟!

طبعا هذا الرجل يقر أن خبر الصندوق الطائر لم ينطبع في ذهنه على وجه معجزة وصلته مباشرة بالقائل مخترقة جدار الزمن والتاريخ ، وهذا يعني ببساطة أنه أخذه عن نقل , ولولا النقل لم تكن هناك اندهاشة ولا اندفاع في التودد للعلم الحديث بأن يقبلنا كدين تقدمي منفتح على العقل , ما دمنا نخبر عن حقائق العلوم قبل أن يكون العقل أصلا مؤهلا لإدراكها بزمن .
فالمفارقة هنا إذن ، أن هذا الرجل في الوقت الذي يرفض النقل ويستقل بأحكام العقل في إثبات الأثر مع هدر الإسناد ، يزهو بالنقل ويفاخر به على فرض صحته ، ويوجب على العقل نقله قبل أن يكون العقل قادرا على أن يثبته عقلا مفارقا عن نقل .

بمعنى آخر قريب أنا لو قدرنا هذا الرجل في عصر وسيط في إسناد هذا النقل ، وهو نقل فريد/غريب - رجل واحد يرويه عن رجل واحد - ولم يقبله عقله فضن بالحديث من باب رعاية عقول العامة عن التراهات ، وكتمه وانقطع الإسناد عنده ، غيب الخبر عن من بعده ، وحرم منافق العصر الحديث من الابتهاج من موافقة العلم والزهو بالحديث أمام مجتمعات العقل المنفتح .

وهذا يدل على أن الأمر في كل الأحوال محتاج للإسناد عندها سيقرر هذا الرجل في الوقت الراهن وهو يخاطب ذاته في العصر الوسيط قاعدة بمبدأ عقلي بسيط : أن ما جاءك نقلا لا يقبله عقلك ، قم بالأمانة فيه ومرره نقلا إلى عقل يقبله بعدك ,وقادر على أن يثبته عقلا موافقا للعلوم حتى لا تحرم من بعدك من بهجة موافقة المنقول للمعقول .

أظن الكاتب سيكون وصل معي إلى حقيقة بدهية لا يجب التعالي عليها :
أن العقل في إعمال العقل في الإسناد ,كما أن العقل في الإيمان بالوقوف عند ما يثبته النقل وإن قعد العقل عن درك ما تضمنه.

لكن هناك سؤال يبدد هذا الجهد الحواري العقلاني وهو :
أن الكاتب أقر أن العلم لم يتوصل إلى معرفة السر في هذه الظواهر الكونية ، ومع ذلك فهو لا يسلم بما جاء في التراث المسند الصحيح متعلقا بنفس هذه الظواهر . هنا يبدو ليس هناك تعارض أصلا مع التقنية المتقدمة ، ومع ذلك يصر الكاتب على ردها ويتخذ موقفا مسبقا ضد النقل.

إذا لم يكن رد هذه الأمور استنادا لعقل ، وهو كذلك ليس استنادا إلى نقل أعني نقد إسناد ورجال ، ما هو المرجع الذي حكم به الكاتب على هذه الأمور أنها أكاذيب ؟!!!
طبعا التشهي لا يمكن أن يصنف إلى عقل كما لا ينسب إلى نقل ، فالقسمة ثنائية أبدا ... ولا ثالث !!!


01-02-1436 11:42
موقع المثقف الجديد - أمين العطبري :
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..