الصفحات

الجمعة، 26 يونيو 2015

الحزيمي لـ"سبق": ندمت لعدم إبلاغ السلطات عن موعد اقتحام "جهيمان" للحرم المكي

الحزيمي لـ"سبق": ندمت لعدم إبلاغ السلطات عن موعد اقتحام "جهيمان" للحرم المكي 9 جمادى الثانية 1435-2014-04-0909:37 PM
كشف تفاصيل "المهدي المنتظر" وعملية اقتحام الحرم المكي والتعذيب في سجون المباحث
- جهيمان صاحب فكرة احتلال الحرم وهو قائد العملية وشخصيته مؤثرة على أتباعه

- أفراد الجماعة باعوا مزارعهم وعقاراتهم وأراضيهم واشتروا بأموالها
الأسلحة المهربة من اليمن
- اختيار فجر يوم  1 / 1/ 1400هـ  هـ للاقتحام يعود للهوس الكبير بقرب يوم الساعة

-  الشيخ ابن باز و"المهدي المنتظر" جعلاني أنسحب قبل اقتحام الحرم بأشهر

- في سجون المباحث بـ"عليشة" لم نتعرض للضرب أو نعذَّب كما يتردد

- وصف الأمير سعود الفيصل لهم بأنهم حركة مهووسة.. أدق تعبير

- الأمير نايف وجَّه بتزويدنا بأجهزة راديو وكتب ومعاملتنا باحترام في السجون

- جهيمان كان مهرباً للسجائر من الكويت للسعودية قبل تدينه

- اقتحام الحرم وتفجيرات 11 سبتمبر يعبِّران عن أزمة "الهوس الفكري" وطموح الإسلام السياسي لدى الأمة

- المساجد والمدارس السعودية كانت حلبة صراع بين جماعة التبليغ والإخوان المسلمين و"السلفية" في السبعينيات

- محمد المسعري يذكرني بجهيمان فهو مأزوم والكآبة "ضاربته" وقريباً سيعلن المهدي المنتظر

- الفقر لا يولد العنف فأسامة بن لادن ملياردير والظواهري ابن أسرة عريقة

- لا بد من حملة وطنية جادة ومخلصة لتوجيه دفة خطابنا الإسلامي إلى الوسطية

أجري الحوار:  شقران الرشيدي (تصوير: عبدالله النحيط) - سبق- الرياض: يقول ناصر الحزيمي، أحد أفراد الجماعة السلفية المحتسبة سابقاً، التي أقدمت على اقتحام الحرم المكي عام 1400هـ، وهو الباحث والكاتب الحالي في التراث والصحفي في صحيفة الرياض، إن صاحب فكرة اقتحام الحرم المكي كان جهيمان العتيبي، وهو من خطط لها، وقادها بنفسه ميدانياً، وحدد تاريخها إيماناً منه بأن يوم القيامة قريب. ويشير الحزيمي في حواره مع "سبق" إلى أن الهدف الرئيسي من اقتحام الحرم المكي هو تحقيق ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن "أشراط الساعة"، وأن الجماعة كانوا مهووسين بقرب يوم الساعة، وآخر الزمان، وتجديد الدين. ويؤكد أنه اعتُقل وسُجن في سجن المباحث بـ"عليشة" لمدة 6 سنوات، لم يتعرض خلالها للتعذيب أو الضرب كما يتردد، بل وجّه الأمير نايف بن عبد العزيز – رحمه الله- بتزويدهم بأجهزة الراديو والكتب رغم أن القضايا كبيرة، ومختلطة. ويتناول الحوار العديد من الموضوعات حول اقتحام الحرم المكي، والجماعة السلفية المحتسبة، وأسباب انسحابه منها، وندمه على عدم التبليغ، ومعلومات شخصية عن جهيمان العتيبي، وأزمة الهوس الفكري، وخطاب الأمة الديني، وربط الفقر بالعنف، والجماعات الإسلامية المتشددة، والتراشق اللفظي بين المختلفين، وتفجيرات 11 سبتمبر، وواقع المساجد والمدارس السعودية في السبعينيات الميلادية.. فإلى تفاصيل الحوار:
 *بعد 35 سنة من اقتحام "الجماعة السلفية المحتسبة" بقيادة جهيمان العتيبي للحرم المكي، هل قلت كل شيء في كتابك "أيام مع جهيمان.. كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة" أم لا يزال في الذاكرة بقايا لا ترغب في البوح بها؟
في الحقيقة حاولت أن أقول كل ما يهم القارئ عن تلك الفترة، وتسجيل موقف من أحداث الساعة، وبعدما صدر الكتاب اكتشفت أنني نسيت بعض الأمور لم أذكرها.
* مثل ماذا؟
قضايا لم أتطرق لها بتعمق، كالخلاف الكبير بين جهيمان العتيبي وسليمان الشتيوي ومجموعة الشيخ أبو بكر جابر الجزائري داخل الجماعة.. وتذكرت أن من ضمن الأمور التي كانت تحدث أن جهيمان كان "يتصدد" من الاجتماعات، ولا يريدها، وكان يتعمد الخروج في "سفرات" دعوية عديدة؛ كي لا يحضر اجتماعات مجلس إدارة "الجماعة السلفية المحتسبة"؛ والسبب أنه يحمل للشيخ أبو بكر جابر الجزائري مواقف سلبية، ولأن الجزائري كان يخاف من سحب جنسيته السعودية التي حصل عليها. وغير ذلك من القضايا الأخرى.
* من كان صاحب فكرة اقتحام الحرم المكي عام 1979م؟ هل هو جهيمان أم صهره محمد القحطاني "المهدي المنتظر" أم طرف آخر؟
جهيمان هو صاحب الفكرة، وهو مخططها، وقائد العملية، وكان يملك "الكاريزما" القيادية القوية في الجماعة. أما محمد القحطاني فعلى الرغم من دراسته الجامعية حتى السنة الأخيرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلا أنه يفتقر للصفة القيادية.
* هل اقتحام الحرم المكي من الجماعة المحتسبة كان بهدف إثبات موقف تجاه أحداث معينة أم البحث عن السلطة.. أم ماذا كانوا يهدفون له؟
الهدف الرئيسي من اقتحام الحرم المكي هو تحقيق ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من "أشراط الساعة"، واعتقادهم الشديد بقرب يوم القيامة، وكانوا ينتظرون هذه "الأشراط"، ويؤمنون بها.. وأتذكر عندما قال – آنذاك- الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية تعليقاً على اقتحام الحرم المكي: "إنها حركة مهووسة".. بالفعل كانوا مهووسين بقرب يوم الساعة، وهذا أدق تعبير.
* ما سبب اختيار "الجماعة" فجر يوم 1 / 1/ 1400هـ لاقتحام الحرم المكي؟
السبب الرئيسي استنادهم للحديث الذي رواه أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأْس كل مائة سنة من يجدد لها دِينها". وهو حديث صحيح؛ لذا تم اختيار فجر هذا اليوم ليخرجوا على الأمة، ويجددوا لها دينها.. وهذه القضية ومفاهيمها المختلفة لا يمكن استيعابها إلا بقراءة حديث "أشراط الساعة" وتفسيراتها المتعددة حتى تُفهم مسارات الأمور. وفي ذلك التاريخ كانت عوامل التجديد للأمة متكاملة في نظر جهيمان، فاليوم بداية القرن الهجري الجديد، وصهره ورفيقه محمد بن عبد الله القحطاني "المهدي المنتظر".
* انسحبت قبل عملية الاقتحام بـ6 أشهر تقريباً.. لماذا الانسحاب؟ وعلى ماذا اختلفتم؟
اختلفت أنا ومجموعة معي مع مجموعة جهيمان على نقطتين: الأولى رفض جهيمان أن ندرس على يد الشيخ ابن باز- رحمه الله. وثانياً اختياره لمحمد عبدالله القحطاني أن يكون "المهدي المنتظر". ورفضت فكرة "المهدي المنتظر" لتأثري برأي شيخي علي المزروعي الذي رفضها رفضاً تاماً؛ وانسحبنا، ولم نقتحم الحرم مع الجماعة.
* يقال إن السلاح الذي ضُبط مع الجماعة التي قامت بعملية اقتحام الحرم المكي كان كثيفاً ومتنوعاً.. من أين كانوا يأتون بالأسلحة؟
الأسلحة كانت تهرَّب من اليمن عن طريق مجموعة سعيد القحطاني أخ محمد القحطاني.
* من أين كانوا يأتون بالمال اللازم لتمويل العملية؟ وهل كان هناك من يمولهم خارجياً كما تردد؟
 جميعها أموال ومبالغ من داخل الجماعة، فمنهم من باع مزرعته، وآخر تصرف في عقاراته، وهكذا لأنهم يتصورون أنهم في آخر الزمان.. أما التمويل الخارجي فأؤكد لك أنه غير موجود نهائياً، ولا علاقة لأي من رجال أعمال السعوديين بتمويل العملية.
* هل فعلاً أن الجماعة السلفية المحتسبة كانت تؤمن بشدة بقرب قيام الساعة في بداية القرن الهجري، وكانوا يستعدون لهذه اللحظة، ويعتمدون على الرؤى والأحلام في ممارساتهم وتصرفاتهم؟
نعم، كانت المجموعة التي اقتحمت الحرم المكي مؤمنة بقرب قيام الساعة، وبقضية "المهدي المنتظر"، وهي تعمل ضمن هذا الإطار، وبخطاب آخر الزمان، وأن الساعة قادمة لا ريب، ومن العلامات المهمة التي يجب أن يتبعها المسلمون هي المهدي المنتظر.. وفي مفهومهم وقناعتهم أن الجماعة السلفية المحتسبة هي أكثر تقية، وأكثر حظوة من غيرها في اتباع السنة النبوية والقرآن الكريم؛ وعليه لا بد أن يكون المهدي المنتظر من أفرادها.. فـ"أشراط الساعة" متلازمة لفكرة "المهدي المنتظر"؛ لذا كانوا يعتمدون كثيراً على الرؤى والأحلام في توجهاتهم.
* بعد فشل عملية اقتحام الحرم المكي قُبض عليك؛ وسُجنت 6 سنوات.. ماذا كانت تهمتك؟ وبأي سجن اعتُقلت؟ ومن هم زملاؤك؟ وهل تعرضت في السجن للتعذيب والضرب؟
تهمتي كانت توزيع منشورات لصالح الجماعة السلفية المحتسبة المتهمة باقتحام الحرم؛ وحُكم عليّ بالسجن 6 سنوات قضيتها في سجن المباحث بـ"عليشة"، وكانت هناك قضايا كبيرة، ومختلطة. ومن زملائي في السجن في تلك الفترة أتذكر خالد الشريمي وحمد العسكري، وكنا جميعنا من جماعة "جهيمان". وللأمانة التاريخية، وهذه معلومة أقولها للتاريخ، إنه بعد التحقيق معنا تم سجننا، ولكننا لم نتعرض للضرب أو نعذَّب كما يتردد.. نعم، السجن هو السجن، وتقييد الحرية.. لكننا لم نتعرض للمضايقات التي كنا نسمعها ونقرأ عنها في السبعينيات الميلادية في مذكرات مساجين سياسيين عن التعذيب، والضرب في سجون عبدالناصر، وسوريا، والعراق، وإسرائيل التي تدعي حقوق الإنسان.
* كيف كنت تقضي يومك في السجن؟
نصبح الصبح، ونصلي، ثم نفطر. وفي الضحى ندرس لزملائنا الأميين دروس محو أمية. وسجننا كان عبارة عن "زنزانتين" متجاورتين، وكان الأمير نايف – رحمه الله- قد وجه بمعاملتنا باحترام، وبتوفير أجهزة راديو للجميع، والكتب لمن يريد أن يقرأ. وأؤكد أنه لم تحصل مضايقات، ولو أخطأ عليك أحد من السجانين نجد من يأخذ حقنا منه.
* وبعد أن خرجتَ من السجن نشرت مذكراتك في صحيفة "الرياض" السعودية.. لماذا اخترت الرياض تحديداً؟
لأنها الصحيفة التي أعمل بها.
* رافقت "جهيمان" في رحلاته وتنقلاته لتنظيم خلايا الجماعة وأثناء المطاردات الأمنية.. كيف تصف لنا شخصيته وأفكاره؟
جهيمان شخصية قيادية ذات كاريزما مؤثرة.. وكان في تلك الفترة داعية، وتأثيره كبيراً على مجموعته.. لكنه ليس صاحب فكر بل ضمن نسيج التفكير السلفي السائد، وهو طالب علم، وأعتبره لا يزال في المرحلة الأولى أو الثانية، وتميز بأنه يحفظ جيداً، ويفهم، لكن مشكلته أنه حصر نفسه، وعزلها، وأصبح يبحث عن نفسه بالخلاص من خلال "أشراط الساعة" و"المهدي المنتظر".. وأشبهه بحسين المسعري حالياً.
* بماذا يتشابهان؟
المسعري يشبه "جهيمان" في أنه يمر حالياً بأزمة نفسية "مأزوم"، و"الكآبة ضاربته"، وحالته النفسية سيئة، ومعزول، ومنبوذ، ويغني في وادٍ ليس فيه أحد، وأفكاره غير مقبولة، فيطرح الآن فكرة الخلاص كأشراط الساعة والمهدي المنتظر ليستقطب الناس من حوله.. ولا تستغرب أن المسعري في يوم ما سيرجح أن فلاناً أو علاناً هو المهدي المنتظر، وهذا متنبَّأ به. ومن المفارقة الغريبة أن المسعري أصدر قبل سنوات عدة كتاباً عن أشراط الساعة، وكتاباً عن "المهدي المنتظر"، وغالباً يمر بهذه الأزمة النفسية أهل الشام الذين يتقاتلون بينهم، حتى أن جماعة "داعش" أخرجوا المهدي المنتظر من جماعتهم، وكذلك جماعة الشيشان أخرجوا مهديهم.
* هل كان جهيمان مهرباً للسجائر من الكويت للسعودية قبل تدينه، كما يقال؟
نعم، كان مهرب سجائر من الكويت، وهذه معلومة باح بها لي شخصياً.
* ما أوجه الشبه بين حادثة اقتحام الحرم المكي عام 1979م وتفجيرات 11 سبتمبر 2001م؟.. وما أبرز آثارهما على المجتمع السعودي؟
كلتا الحادثتين تنمُّ عن أزمة فكرية عند من قام بهما. فجهيمان أزمته "الهوس الفكري"، والقاعدة أزمتهم هوس فكري مع حالة طموح إسلام سياسي، ورغبة في تحقيق هدف سياسي.
* قلت: "تعرفت على جماعة الإخوان المسلمين في الرياض عام 1976م". فكيف رأيت تنظيمهم؟ وما الذي أبعدك عن الانتماء لهم؟
في تلك الفترة كنت أعتبر نفسي بوصفي سلفياً أنتمي للسلفية العلمية، سلفية الألباني، وهي أهم بكثير من جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنه وحسب علمنا أن الإخوان المسلمين محدودو المعرفة في التوحيد والفقه، وهم بالفعل بشكل عام من النواحي الشرعية محدودو المعرفة، وما زالوا، وهم يركزون في الفقه على كتاب السيد سابق "فقه السنة"، وفي التاريخ يعتمدون على "فقه السيرة" لمحمد الغزالي، في التنظيم الحركي تركيزهم أكثر على كتاب "معالم الطريق" لسيد قطب، وإن كان هناك ما يذكر عن تلك الفترة فيجب التفريق بين صراعات الأجنحة داخل جماعة الإخوان وخارجها حول قضايا "الحاكمية". وبعض الإخوان المسلمين يكفرون ولي الأمر بعكس أجنحة أخرى يميلون لكتابات حسن البنا، وهم أكثر اعتدالاً من غيرهم. وفي تلك الفترة كنا ضد قضايا التكفير وغيرها، ولم يكونوا الأفضل في العمل الإسلامي.
* المجتمع السعودي من المجتمعات المتنوعة فكرياً، وحراكها الثقافي مستمر.. فهل لهذا التنوع والحراك انعكاسات سلبية على الوحدة الوطنية؟
لا.. الحراك والتنوع في المجتمع السعودي يجب أن يستمر.. لكن هذا الحراك يعتمد على موقف الشخص، فإذا كان متعصباً سيفهمه حراكاً تعصبياً وتضاداً، وإن كان حريصاً على الوحدة وعلى أبناء البلد سيطرح طرحاً إيجابياً نحوهم، ويقرؤهم كتنوع إيجابي. فكثير من الأحيان التنوع جيد ومفيد. فعلى سبيل المثال، أمريكا تفتخر بأنها أكثر من عرق، ومذهب، وطائفة، في حين أن بعضنا يرفض التسامح.
* لكن هناك تصادماً فكرياً وتراشقاً لفظياً مخيفاً..
يحصل ذلك غالباً بين الفئات التي لا تفهم بعضها، وهم الآن لا يفهمون بعضاً؛ لأن هناك استدعاءات تاريخية للخصومات، ويجب أن تتوقف.
* هل صحيح أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية هي التي تسهم في ظهور الجماعات الإسلامية المتشددة؟
لا.. لم تعد ذريعة علماء الاجتماع صحيحة بأن الفقر يولد العنف، وأن الأسباب الاقتصادية السيئة هي المحرك.. فعلى سبيل المثال أسامة بن لادن كان مليارديراً كبيراً، وأيمن الظواهري طبيب وابن أسرة عريقة.. ورغم ذلك الكثير لا يزال يحاول ربط التطرف بالفقر وبالأسباب الاقتصادية. لكن - في رأيي - غياب "المشروع النهضوي الوسطي"، والتأكيد عليه في الخطاب الديني والكتابات الإسلامية، هو السبب المباشر. فعلى سبيل المثال، في السبعينيات الميلادية كانت نوعية الكتب السائدة تتحدث عن الاستشهاد في سبيل الله، والجهاد، ولا تجد كتاباً عن التصالح، ومقاصد الشريعة، والوسطية. والآن انظر لتأثير ومخرجات تلك الكتب. ظهرت لنا جماعات لم تفهم الإسلام الوسطي الصحيح، ولا يعنيها مصالح الناس والمستقبل. وما أزال أتساءل: لماذا الإخوان المسلمون ليس لديهم مشروع للمستقبل منذ بداية نشأتهم حتى الآن؟ لماذا لا تجد عندهم وسائل لتحديث الأفكار الديمقراطية والحريات.. إلخ؟
* لكنهم في الانتخابات الأخيرة في مصر طرحوا عدداً من الأفكار الحديثة في برنامجهم الانتخابي، كمشروع النهضة وغيره؟
تأخروا كثيراً.. أين هم قبل ذلك؟ الإخوان في مصر - على سبيل المثال - لم يمارسوا داخل الجماعة الديمقراطية التي يقولون الآن إنهم من أنصارها.. هذه الشعارات يعتبرونها "ركوبة" لأمور أخرى للوصول لأهدافهم. والإسلام السياسي يؤدي لإحدى النتيجتين، أو يجمعهما معاً: أولاً: إسلام عنف، ثانياً: إسلام غير نهضوي. وغالباً يؤدي للعنف، والسلطة هي ما تبحث عنه أغلب الجماعات الإسلامية رغم ما لديهم من مشكلة كبيرة في فهم الواقع؛ لأن في عقولهم أشياء غير واقعية؛ من المستحيل تحقيقها.
* التغرير بشبابنا، والدفع بهم في حروب وصراعات ليست لنا.. كيف يمكن فَهم ذلك؟ وما السبيل لمواجهته؟
يجب أن يكون هناك حملة وطنية جادة ومخلصة لتوجيه دفة خطابنا الإسلامي إلى الوسطية ولمقاصد الشريعة ضمن خطاب مستقبلي للشباب. فأي دولة لا تستطيع العيش في معزل عن العالم. فأي واقعية كانت عندما كان أسامة بن لادن ليصنع التطرف في أفغانستان، ويعزلها، ويريد إنشاء دولة إسلامية في حين كانت الطائرات الأمريكية تقصف أفغانستان والقاعدة؟ أي دولة كانوا يريدون أن يصنعوا هناك؟.. هذه المشاكل الفكرية تجعلنا نقف أمام جدران كبيرة لا مخرج منها. ما نريده الآن التقليل من الخطاب الديني المتشدد، وتقنين الخطاب الصحوي، والحد من فكر الإسلام السياسي، وألا يكون طرحنا منافقاً في هذه القضية. فالإسلام السياسي هو السبب في العنف الذي يحصل الآن.. فعلى سبيل المثال جماعة الإخوان المسلمين في كل أنحاء العالم أصبحوا شراً عندما دخلوا في السياسة. علماً بأنها كانت جماعة دعوة، ونصح، وإرشاد. فلماذا يلوَّث العمل الدعوى بالسياسة؟
* إلى أي مدى كانت المساجد والمدارس السعودية في السبعينيات الميلادية حلبة صراع للتيارات الإسلامية من أجل "تجييش" الأتباع، واستقطاب الأعضاء الجدد؟
نعم.. مثل هذا الأمر كان موجوداً بين جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين وجماعة السلفيين المحتسبة.
* تزايد قضايا "المهداوية" وادعاء بعض الناس أنهم "المهدي المنتظر".. كيف تفسرها؟
ظاهرة تدل على أن الأمة الإسلامية في أزمة بشكل عام، وأنها دخلت في مأزق، وتريد أن تبحث لها عن مخرج.. وقد يكون مخرجها الادعاء بالمهدي المنتظر أو عن طريق الكشف في الأبراج الفلكية، وعلم التنجيم، أو عن طريق مؤوِّلي ومفسِّري الأحلام وغيرها.. وهذه كلها مخارج تعبّر عن وجود أزمة حقيقة لدى الأمة الإسلامية.
* أي نوع من الأزمات: هل هي فكرية أم اجتماعية أم أزمة فقدان هوية أم أخلاقية؟
أزمتها فكرية مع خطابها الثقافي السائد الذي لم تستطع تجاوزه، ولا المجموعة الفكرية الحالية تحاول تجاوزه. فالأمة الآن تشبه إلى حد بعيد خطاب الدولة العباسية قبل انهيارها، وقبل غزو التتار.. حين انتشر قبل انهيارها قراء الطالع ومفسرو الأحلام في الطرقات والشوارع حتى صدر مرسوم بمنعهم. فما الذي جعل من هذه الدولة الإسلامية الكبيرة والعريقة ذات التاريخ تصل لهذا المستوى الفكري المتردي، والتتار يحتشدون عند حدودها؟ السبب أن العباسيين كانوا في حالة أزمة فكرية، لم يستطيعوا تجاوزها، والفساد مستشرٍ في أطرافها. ومن المفارقات التي تروى أن الخليفة العباسي في ذلك الوقت أرسل مرسولاً لوالي الموصل، يطلب منه إرسال مغنيات ومعازف لقصره في بغداد. فاستغرب ولي الموصل، وعرض خطاب الخليفة العباسي على مستشاريه قائلاً: "انظروا الخليفة يطلب مني معازف ومغنيات وهولاكو يراسلني طالباً منجنيقات وأسلحة حرب"!! إذن، هذه الحالة تعبّر عن وجود مشكلة كبيرة، وأزمة ضعف لدى الأمة الإسلامية. وسؤالي هو: كم كتاباً صدر في هذا الزمن عن "أشراط الساعة"؟ الجواب: كتب كثيرة. أليس كذلك؟! فماذا نتوقع أن يخرج لنا من إصدارات جديدة بعد كل هذه الكتب والأفكار؟ أعتقد أنها ستكون كتباً عن الموت وشباب ينتظرون الموت، ويدعون المهداوية، وشباب اتكاليين لا يعملون لمستقبلهم، ولا لأمتهم. وهذه أزمتنا الحقيقية.
* هل ندمت على قرارات معينة اتخذتها؟
نعم، ندمت بعد السجن كثيراً.. أما الآن فاعتبرتها جزءاً من تاريخي، وهويتي، وشخصيتي، وأعتبرها هفوة كبيرة في حياتي. وأكثر ما ندمت عليه هو أنني علمت بتاريخ اقتحام جماعة جهيمان للحرم المكي ولم أبلغ السلطات؛ لأنني لو بلغت لحُقنت دماء كثيرة. وبالفعل ندمت بشكل كبير.
* بين زبير "العراق"، والكويت، والرياض.. أين تشكلت ملامحك الفكرية؟

ملامحي تشكلت في الرياض بالفكر الديني، والتعمق فيه، والبحث، والقراءة. ففي السبعينيات الميلادية، ومع صعود المد الديني بشكل عام، وكثرة المؤلفات والخطب، حرصت على أن أكون ضمن هذا النسيج تأثراً، وتقليداً، وكنت في تلك الفترة منسجماً مع نفسي في اختياراتي. فهبوط كل مد فكري منافس أدى إلى التوجه العام نحو التدين بين الشباب.
* "سوق الخضرة" في الزبير.. لماذا كنت تعتبره – في صغرك- جنتك وعالمك الخاص؟
تفكير الطفولة العبثية في تلك الفترة، وهي دون سن دخول المدرسة، عندما أجد في السوق "الدلال" ينادي على بضاعته، والخضار يفاوض، وبياع الحبحب يصرخ.. يتشكل حب الاكتشاف، والتعرف على الأشياء من حولي. وفي تلك المرحلة كان "سوق الخضرة" مكان إثراء بالنسبة لي بوصفي أحد أفراد هذا العالم الغرائبي. وهو بالتأكيد أثر على تحصيلي المعرفي، والتنوع والتعدد مستقبلاً.
* غموض "تكية الدراويش" أمام جامع الزبير.. هل غموضها الذي كتبت عنه بسبب كثرة فقرائها وعواجيزها أم لما يدور فيها من تناقضات إنسانية؟
في تلك السن الصغيرة.. ينظر الطفل للأشياء كعالم غرائبي جديد، لا يستطيع وعيه فهمه، وكانت أمنيتي آنذاك أن أدخل إلى تلك "التكية" لمعرفة ما في داخلها، وماذا تعمل الفقيرات والفقراء هناك؟.. كثيراً ما كنت أتساءل عما بداخلها. وبعد أن كبرت دخلتها، ورأيت أنها مأوى للفقراء والمحتاجين.
* في مؤلفك "حرق الكتب في التراث العربي".. هل تريد أن تقول إن العرب يخافون الكتب، وما تمثله من أفكار، وآراء، وتجارب مختلفة؟
نعم، العرب يخافون من الكتب، ويحقرون من شأن الكتابة، وهذا كان واضحاً. فعندما تقرأ مقدمة كتاب "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر تجد مثل هذه "النفسية" التي تحط من شأن الكتابة، والرفع من شأن الحفظ.. فالعرب بشكل عام ليسوا بأهل كتاب، وإنما هم أهل ذاكرة وحفظ.
*ما أهم مرحلة في حياتك؟
كل مراحل حياتي مهمة.

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ناصر الحزيمي:هذه قصتي مع المهدي المنتظر

تحميل وقراءة أونلاين كتاب أيام مع جهيمان كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..