الصفحات

الأحد، 2 أكتوبر 2016

مصير الاسلام والحريات بعد داعش

 التنوير الفكري سينفجر في العراق. هذا البلد نصفه شيعة كفروا السنة، ونصفه سنة كفروا الشيعة.
الاسلام بيعة وعهد، بما أنك مسلم فعليك أن لا تقول كذا ولا تنطق بكذا ولا تتصرف هكذا. ما زال
الدين حتى اليوم يحمل بقايا البيعة السياسية التي تعصم الدم بالعقيدة. والعقيدة كلمة تدخلك فيها، وكلمة تُخرجك منها، فإما مسلم وإما ذمي وإما مرتد، وعلى هذا كانت الثقافة والمجتمع والحياة والموت لقرون طويلة.

بالاسلام تعيش مع المسلمين، ويدفنونك في مقابرهم، وبدونه لا قبر لك بينهم، هذه مسائل كانت في المسيحية ولكنهم اشتغلوا وغيروا، وبدلت الكنيسة كل شيء.

عقوبة الاستهزاء بالمقدسات في الكتاب المقدس هي القتل. جاء في التوراة "أي رجل لعن إلهه يحمل خطيئته. ومن جدف على اسم الرب، فليُقتل قتلا، ترجمه كل الجماعة- رجما، نزيلا كان أو ابن البلد. إذا جدف على الإسم يُقْتَل".

لم تستطع أوروبا أن تقطع مع عقوبة التجديف إلا بعد التنوير وفصل الكنيسة عن الدولة قبل قرنين من الزمان. يقول برنارد شو "كل الحقائق التي ظهرت في التاريخ تجلت في البداية وكأنها تجديف أو كفر." بمعنى أنه لا توجد حقيقة بدون حرية وتسامح.

عام 1600 تم حرق الفيلسوف الايطالي جيوردانو برينو في ساحة كامبو دي فيوري بروما، وهو راهب تحول من الدراسات المسيحية الى الفلسفة واعتقد بكوبرنيكوس عن دوران الأرض الفكرة التي كانت محرمة في الكنيسة. تم حرقه لأنه أنكر عذرية مريم.

ومنذ الثورة الفرنسية تحولت عقوبة التجديف من القتل الى السجن والغرامة المادية. عام 1922 أدين شخص يدعى جون وليام غوت بالأشغال الشاقة مدة تسعة أشهر بسبب تشبيهه المسيح بالمهرج والبهلوان في انگلترا. هذا يعني أن معاقبة الهجوم على المقدسات كانت سارية المفعول في بريطانيا حتى بدايات القرن العشرين، ثم ألغيت تماماً فيما بعد.

اليوم مطلوب من شيوخ الاسلام الشيء ذاته وبقوة الولايات المتحدة. أن يفتحوا صدورهم ويقبلوا زنادقتهم وسكيريهم ومثلييهم. أن يتسامحوا ويسامحوا ولا يكفروا ويذبحوا. الخلاف اليوم على موضوع الجهر بالرأي والفعل، فنصف المسلمين كفرة في الخفاء، أي على الأقل نصفهم لا يصلون، وبعضهم لا يعتقد بالأفكار الأساسية للإيمان كالبعث والكتاب والجنة والنار، لكنهم لا يجهرون بكفرهم، وعلى هذا تعاهد الفقهاء وأولياء الأمر والنَّاس. طالما المرء لا يجاهر فليس عليه حرج ولا عقاب.

المقصود من هذا هو أن تبقى الأمة منبرا للهداية الاسلامية، ولفقهاء الاسلام وأئمته فقط، ويحق للعوام الفجور في الخفاء قولا وفعلا، دون أن يجهروا أو يستحلوا ما حرم الله. المهم الفكر وليس الفجور.

هذا الأمر لم يعد ممكنا، الغرب يطالب بحرية فكرية وتغيير التعليم الديني، ويريد أن يرى اختلاطا وحياة مشابهة للغربيين، حياة مفهومة وفيها قوانين وضعية مفهومة، هنا جوهر الصراع.

مطلع عام 2015 قام تنظيم داعش بإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة في قفص حديدي، وبرروا جريمتهم الشنيعة المشابهة لجريمة الكنيسة بالفيلسوف جيوردانو برينو عام 1600، بما فعله سيدنا علي بن أبي طالب بالزنادقة.

يروي التاريخ أن سيدنا علي جادل جماعة من زنادقة العراق فأظهروا الهداية، فلما خلوا الى أنفسهم "شياطينهم" عادوا الى الزندقة فأخبره بذلك خادمه قنبر، فلما كاشفهم الخليفة اعترفوا فأمر بحفر خندق وأشعل الحطب وأحرقهم فيه أحياء.

أنكر ذلك العمل ترجمان القرآن وحبر الأمة ابن عباس قائلا إنه قد سمع رسول الله يقول لا يُعذب بالنار إلا خالقها. وهكذا وضع تنظيم داعش علي بن أبي طالب في ورطة كبيرة، الى درجة أن مشايخ الشيعة الذين كانوا يؤكدون تلك الحادثة ويفخرون بها على المنابر، حين رأوا بشاعتها بعيونهم في اصدار داعش، صاروا ينفون ويكذبون تلك الروايات، وينزهون علي بن أبي طالب من تلك الوحشية. داعش ورطة على كل المستويات.

المشكلة في "التكفير" أنه يلاحق الفكر- لاحظ "فكر" قريبة من "كفر" لغويا- وليس الفجور. فالراقصة والزانية وشارب الخمر والقاتل والمرابي كل هذا فجور لا يُخرجك من الملة، يُقام عليك الحد وتبقى مسلما. المشكلة في الثقافة والفكر هنا الجريمة العظمى. طارد الاسلام المعتزلة والزنادقة والفلاسفة وكفرهم بلا رحمة.

أورد ابن الأثير في البداية والنهاية عن المهدي ما وجد كتاب زندقة الا وأصله ابن المقفع ومطيع بن اياس ويحيى بن زياد، ونسي الجاحظ وهو رابعهم.

وابن المقفع رجل فارسي مجوسي اعتنق الاسلام، على قدر رفيع من الموهبة والفطنة واسمه الحقيقي روزبة بن داذويه عرف الثقافة العربية والفارسية واليونانية والهندية. اتهمه والي البصرة بالزندقة وقتله شر قتلة في عهد المنصور العباسي، فقد أمر بفرن فسجره وأوقده وأمر بابن المقفع فربطوه، وصار يقطع من جسده ويلقي في الفرن والرجل المثقف العالم ينظر بعينه حتى مات.

الموضوع ببساطة أن ابن المقفع نقل كتاب كليلة ودمنة الى اللغة العربية وهو كتاب الحكمة والتهذيب للملوك، يتم سردها على لسان الحيوانات بطريقة شيقة من نفائس الأدب الهندي، وقال ابن المقفع هذا كتاب فريد أيضا فليأتني واحد بمثله. كل عمل إبداعي لا يمكن تقليده ونسخه، هو فريد وإعجاز بهويته.

هذه الكلمة أثارت عليه غضب الفقهاء. ولكي لا يكثر الجدل قالوا هي ضغائن بين الوالي والرجل، فابن المقفع شتم الوالي وقال "يا ابن المغتلمة" وهذا كذب صريح فلا يمكن لهذا أن يحدث، لكثرة بطش السلاطين حينها.

وتمت إبادة المعتزلة على يد الفقهاء المتشددين لأنهم أول مَن صنف المفكرين هذا مفكر عقلاني، وذاك مفكر سمعي او تقليدي؛ يكتفي بتكرار ما يسمعه من كلام ديني. هذه الفكرة تسببت بهلاكهم.

التنوير الفكري سينفجر في العراق، لأن هذا البلد نصفه شيعة كفروا السنة، ونصفه سنة كفروا الشيعة. أي أن العراق كله كفار الآن، ومؤهل لتقبل التسامح والأفكار الجديدة بعد داعش والاحتلال الإيراني.

نحن مضطرون لمناقشة هذه المشكلة. موضوع الغرب اليوم هو القضاء على داعش والارهاب، بينما العرب موضوعهم ليس القضاء على داعش فقط، بل كيف يستمر الاسلام بعد الاستعانة بالكفار لحمايتنا من المسلمين المتطرفين؟



ميدل ايست أونلاين

First Published: 2016-09-30

بقلم: أسعد البصري


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..