الصفحات

الاثنين، 26 ديسمبر 2016

التكية المصرية فى الحجاز حكاية كرم قديمة

         مصر المحروسة معروفة منذ قديم الزمان بأنها أرض الكرم والجود ومنبع الخيرات ، وليست مقولة “ مصر أم الدنيا “ مجرد كلام أجوف أو ( فض مجالس ) كما يحلو للبعض أن يشيع ولكنها حقيقة لا تقبل
التشكيك ، فمصر كانت وستظل دائماً أم الدنيا ، الأم التى ترعى وتحنو وتنفق بكرم وسخاء ما دامت تملك ، الأم التى تقدم بسخاء ولا تنتظر المقابل ، الأم التى ترعى مصالح أبنائها وجيرانها ومحبيها ولا تنتظر رداً أو شكورا
وستظل مصر عزيزة إن شاء الله الى قيام الساعة وإن تكالبت عليها المصاعب … وليست حكاية هذا الأسبوع إلا إحدى الأدلة الواضحة على كرم وسخاء مصر عبر العصور ، كرم إختلط برائحة المسك والعنبر ، كرم دارت أحداثه فى مكة والمدينة أقدس مدينتين على سطح الكرة الأرضية ، كرم وجود كان مضرب الأمثال لسنين طويلة إمتدت لأكثر من ١٥٠ سنة ..
فحكاية هذا الأسبوع عن التكايا المصرية فى الأراضى الحجازية من خلال مجموعة من الصور القديمة من أرشيف المصور الفوتوغرافى الموهوب سمير الغزولى وتوضح الصور شكل التكايا المصرية التى كانت تقدم الطعام والشراب والخدمات الصحية لحجاج وزوار بيت الله الحرام بدون مقابل ، والتكية المصرية فى مكة هو مكان خصصه محمد على باشا لخدمة فقراء وزوار بيت الله الحرام من مختلف الجنسيات الذين أعوزتهم الحاجة ولا يجدون مأوى ولا طعام ، والجدير بالذكر أن خدمة هذه التكايا كانت ميدانا للتسابق بين حكام الأسرة العلوية بدءاً من محمد على ومروراً بسعيد باشا و عباس حلمى الثانى وفؤاد وحتى فاروق .. وعن تاريخ هذه التكايا يقول إبراهيم رفعت باشا قومندان حرس المحمل المصرى فى عام ١٩٠١ وأمير الحج فى سنوات ١٩٠٣ و١٩٠٤ و١٩٠٨ في كتابه “مرآة الحرمين” أن ”التكية المصرية هى من الآثار الجليلة ذات الخيرات العميمة ، وأنها نعمت صدقة جارية لمسديها ثواب جزيل وأخر عظيم ، وقد أنشأها ساكن الجنان محمد على باشا رأس الأسرة الخديوية فى سنة ١٢٣٨ هجرية كما هو مسطور بدائر القبة بوسط التكية تظل الصنابير “ الحنفيات “ التى يتوضأ منها الناس والتكية بشارع أجياد مكان دار السعادة و يرد إليها من الفقراء فى الصباح والمساء، فيتناول الفقير فى كل مرة رغيفين وشيئا من “الشربة” وربما أعُطى أكثر من ذلك إن كان فقره مدقعاً، وكثير من نساء مكة وحواريها الفقراء يتعايشن بما يأخذن ويكتفين بذلك عن مسألة الناس ، ويُصرف يوميا من الخبز ما يقرب من ٤٠٠ أقة و١٥٠ أقة من الأزر وفى يوم الخميس تزداد الى ٤٢٠ أقة ويصرف فى هذا اليوم فقط ١٠٠ أقة من اللحم والحمص ويصرف من السمن ما يكفى لطبخ هذه المقادير والفقراء يزداد عددهم حتى يبلغ ٤٠٠٠ شخص وذلك من شهر رمضان حتي أخر ذى الحجة لورود كثير من الفقراء الحجاج السودانيين والمغاربة ثم يتناقص العدد الى ٤٠٠ تقريباً .

وللتكية ناظر ومعاون وكتبة يقومون جميعا بخدمة الفقراء وبها طاحونة يتناوب إدارتها أربعة بغال لطحن القمح ، وفيها مطبخ واسع به ثمانية أماكن يوضع عليها أوان ثمان من ذات الحجم الكبير (خزانات) ، وفيها مخبز ذو بابين يُخبز به العيش ومخزن وحجر للمستخدمين وفى مدة الحج يسكنها بعض عمال المحمل كالطبيب والصيدلى وكاتب القسم العسكرى والسقائين ويوضع بها أمتعة الأمير والأمين ، وفى التكية بيوت أدب (حمامات ) وصنابير ماء ومكان جميل مفروش فى وسط بركة ماء صناعية ( فسقية ) ويجلس به أمير الحج وأمير الصرة وكاتب حينما يصرفون المرتبات ومكتوب على باب التكية بالخط الثلث الجميل “ لعباس مولانا الخديوى فضائل .. عليها دليل كل يوم مجدد، رأيناه قد أحيا تكية جده ... فقلنا أعباس بنى أو محمد”.

ولو سمعت الأدعية المتصاعدة من قلوب الفقراء لرب هذه النعمة لأكبرت هذا العمل، وإنساقت نفسك إلى أمثاله إن كان لديك سعة فى المال وبسطة ، أما التكايا الأخرى فلم أزرها ، لأنه لا يأوى إليها فقير …
ويضيف إبراهيم رفعت المزيد من التفاصيل فيقول أن مرتبات موظفى تكية مكة المكرمة كانت تبلغ ١٠٤٧ جنيها مصريا و٧٠٥٠ جنية ثمن أغذية بالإضافة لعشرة جنيهات لإحياء ليلة المولد النبوى و١٠ أخرى فى ١٣ رمضان تذكاراً لوفاة محمد على باشا و١٠ لموسم عاشوراء و١٠ لعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة ملك مصر و١٦ جنيها لإتخاذ محل لصلاة التراويح بالمسجد الحرام .
أما تكية المدينة المنورة فقد أنشأها إبراهيم باشا بن محمد على ويبلغ طولها 89 مترا وعرضها 50 مترا وزودها بالمخازن والأفران والمطابخ ورتب لها المؤونة تأتيها من مصر من القمح والأرز واللحم .
وفى عهد سعيد باشا إبن محمد على زاد الإهتمام بتكية المدينة المنورة فأصدر تعليماته بزيادة الكميات المرسلة من اللحم والأرز والغلال على أن تُجمع النقود اللازمة من إيراد بعض أملاكه الخاصة ، كما أوقف مساحة كبيرة من أرضه الزراعية لأعمال الخير فى التكية ، وتقول بعض الإحصائيات أن الإنفاق على تكيتى مكة والمدينة بلغت عام ١٩٠٩ ما يقرب من ١٩٦٠ جنيها من ضمن إجمالى نفقات مصر فى الحرمين والتى بلغت ٥٠ ألف جنيه. وتؤكد المصادر أن التكايا المصرية واصلت العمل الخيرى حتى تم هدمها فى الثمانينيات من القرن العشرين وكانت هذه التكايا مفتوحة لكل حجاج بيت الله الحرام من كل الجنسيات لتناول الطعام والشراب والحصول على الخدمات الطبية أما المصريين فقد كان مسموحاً لهم بالإقامة بها
ومن الحكايات التى تدلل على إهتمام الحكومة المصرية بها ما ذكره إبراهيم رفعت باشا من آنه عندما كان فى حجة ١٣٢٥ هجرية وجد ناظر التكية لم يصرف للفقراء شيئاً لمدة ١٧ يوما وذهب الى هناك فى الصبح فوجد الباب مغلقاً فأمر جاويش القرة قول (القسم) بفتح الباب وأشار للفقراء بالدخول وبعث الى الناظر فأوقظه من نومه وقال له « هذه تكية محمد على جُعلت للفقراء فكيف توصد الأبواب من دونهمٍٍ» وأمره بشراء خبز من السوق وصرفه لهم ثم سأله عن السبب فيما فعله فأخبره أن بالبلد وباء وأنه ينتظر حتى يسافر المحمل والحجاج فقال له ٌأن ترك الصرف يزيد الوباء لإن الفقراء يموتون جوعاً فتزداد الوفيات .. وأمره بفتح التكية …
ومن هنا جاءت المقولة الشعبية ( هى تكية ) للدلالة على الكرم والسخاء..
والله على مصر وناسها وأهلها زمان .
أمـــــل الـجــيـــــار
الجمعة 3 من شوال 1437 هــ 8 يوليو 2016 السنة 140 العدد 47331
....
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
الإخوة في مصر .. متى نتوقف عن ترديد " التكيه " و "المحمل"  و "علمناكم" !؟

 وزير المالية  يشرح تفاصيل الرسوم  على الوافدين ومرافقيهم + تعليقات بعض العرب

لماذا يحب المصريون الملك فيصل والشيخ زايد؟ (صور)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..