الصفحات

الخميس، 10 أغسطس 2017

نقاش علمي :انفراد مالك في جواز قراءة القرآن للحائض: أليس خرقا لقواعد أصولية؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الإمام الأجل أبو محمد الفارسي ما ملخصه : "

ومنع عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن البصري وقتادة من قراءة القرآن للجنب ،


وأجاز له مالك قراءة الآيتين ونحوهما فقط ، ومن حجتهم حديث علي "أن رسول الله r لم يكن يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة" ، والرد عليهم : أفعال الرسول لا تلزم. أما الحائض فقد انفرد مالك بإباحة قراءة القرآن لها : وهو بذلك يخالف مذهب الصحابة كلهم! ."
فهل انفرد مالك رحمه الله ؟ وإذا صح انفراده : فما حكم الأخذ بما رآه ، إذا كان المالكية لم يرجحوا مذهب مالك إلا لأنه قد حمل فقه أهل المدينة وسار على هديهم . وإذا صح انفراده -وله كل الحق- فما العمل ما يقال : "وجوب الأخذ بقول الصحابي إن لم يعرف له مخالف". وهو أصل مقرر عند السادة المالكية ، وذكره الباجي في المنهاج.

 
 


-------------------------------------------------

السلام عليكم ورحمة الله


إلى الأخ عبد الرحمن هذا جواب سؤالك
أولا :

 اقتباس:
فهل انفرد مالك رحمه الله ؟
قلت : لم ينفرد ولم يخالف الصحابة كلهم بل قد قال بذلك ابن عباس ومعاذ ومن التابعين ابن المسيب ومن الأئمة الطبري كما نقله ابن بطال في شرح البخاري 1/423
ثانيا : قولك

 اقتباس:
إذا صح انفراده : فما حكم الأخذ بما رآه ، إذا كان المالكية لم يرجحوا مذهب مالك إلا لأنه قد حمل فقه أهل المدينة وسار على هديهم
. ففيه ملاحظات منهجية:
1= أنه سؤال غير صحيح لأنهم لم يسندوا قوله إلى عمل أهل المدينة كما سيأتي
2= أن المالكية لم يرجحوا مذهب مالك فقط لاعتماده عمل أهل المدينة بل لأسباب أخرى معروفة عندهم
3= أنه لا ينبغي أن يحاكم أصل كلي بنظر جزئي في فرع جزئي فتأمل
وبهذه الملاحظات يجاب على بقية الكلام
ثالثا : لمالك أدلته في ذلك وهي :

1= قال ابن بطال جامعا ملخصا بما يكفي ( واحتج الذين أجازوا ذلك بأن ابن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب ، فقيل له فى ذلك ، فقال : ما فى جوفى أكثر منه .
وقال حماد : سألت ابن المسيب أيقرأ الجنب القرآن ؟ قال : أليس فى جوفه ؟ .
وبما رواه عبادة بن نسى ، عن عبد الرحمن بن غنم أنه سأل معاذ بن جبل أيقرأ الجنب القرآن ؟ قال : نعم ، إن شاء ، قلت : والحائض والنفساء ؟ قال : نعم ، لا يدعن أحد ذكر الله ، وتلاوة كتابه على حال ، قلت : فإن الناس يكرهونه ، قال : من كرهه فإنما كرهه تنزهًا ، ومن نهى عنه فإنما يقول بغير علم ، ما نهى رسول الله عن شىء من ذلك .
قال الطبرى : واعتلوا من طريق النظر بأن تلاوة القرآن قد ندب إليها الناس كما ندبوا إلى ذكر الله والتسبيح والتهليل ، قالوا : وقد قامت الدلالة بأن ذكر الله مطلق للجنب والحائض ، قالوا : وقراءة القرآن فى معنى ذلك فى أنها مطلقة لهما ، إذ لا حجة تفرق بين ذلك .
قال الطبرى : والصواب عندنا فى ذلك ما روى عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان يقرأ القرآن ما لم يكن جنبًا ، وخبر عائشة أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يذكر الله على كل أحيانه ، فإن قراءته القرآن طاهرًا كان اختيارًا منه لأفضل الحالتين ، والحال التى كان يذكر الله فيها ويقرأ القرآن غير طاهر ، فإن ذلك كان تعليمًا منهأن ذلك جائز لهم وغير محظور عليهم ذكر الله وتلاوة القرآن ، إذ بعثه الله إلى خلقه معلمًا وهاديًا ، غير أنى أستحب له أن يقرأ القرآن على أتم أحوال الطهارة ،وليس ذلك وإن أحببته بواجب ، لأن الله لم يوجب فرض الطهارة على عبادة المؤمنين إلا إذا قاموا إلى الصلاة .
قال المهلب : فى شهود الحائض المناسك كلها وتكبيرها فى العيدين دليل على جواز قراءتها للقرآن ، لأنه من السنة ذكر الله فى المناسك ، وفى كتابه إلى هرقل بآية من القرآن دليل على ذلك ، وعلى جواز حمل الحائض والجنب القرآن ، لأنه لو كان حرامًا لم يكتب النبى إليهم بآى من القرآن ، وهو يعلم أنه يمسونه بأيديهم وهم أنجاس ، لكن القرآن وإن كان لا يلحقه أذى ، ولا تناله نجاسة ، فالواجب تنزيهه وترفيعه عمن لم يكن على أكمل أحوال الطهارة ، لقوله تعالى : ( فى صحف مكرمة مرفوعة مطهرة ) [ عبس : 13 ، 14 ] ، فلم يكن إطهاره تكريمه وترفيعه ما ظهر ملك مكرم الصحف التى وصفها الله تعالى بالطهارة ، كما أراك فى رواية القاسم أن قوله تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) [ الواقعة : 79 ] ليس بمعنى الإلزام والحتم بل بمعنى الأدب والتوقير ، وأباح للحائض قراءة القرآن لطول أمرها ، وكرهه للجنب إلا الشىء اليسير ، لقرب أمره)) شرح البخاري 1/423ــ 424
قلت : ولله در الطبري ما أسد نظره إذ حمل الحديثين المتعارضين على الاختيار بين الجواز والكمال وأيد ذلك بالتفريق بين الجنب والحيض رعاية للحاجة وهونظر مقاصدي قوي
ويبين هذا الفرق قول المالكية كما في التاج والإكليل
: (( بْنُ عَرَفَةَ : تَمْنَعُ الْجَنَابَةُ كَالْحَدَثِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ ( إلَّا كَآيَةٍ لِتَعَوُّذٍ وَنَحْوِهِ ) قَالَ مَالِكٌ : لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ إلَّا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ عِنْدَ أَخْذِهِ مَضْجَعَهُ أَوْ يَتَعَوَّذُ لِارْتِيَاعٍ وَنَحْوِهِ لَا عَلَى جِهَةِ التِّلَاوَةِ ، فَأَمَّا الْحَائِضُ فَلَهَا أَنْ تَقْرَأَ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ طُهْرَهَا ، يُرِيدُ فَإِنْ طَهُرَتْ وَلَمْ تَغْتَسِلْ بِالْمَاءِ فَلَا تَقْرَأُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ طُهْرَهَا اُنْظُرْ الصَّلَاةَ الثَّانِي مِنْ ابْنِ يُونُسَ ، اُنْظُرْ الْمَرْأَةَ إذَا أَصَابَتْهَا الْحَيْضَةُ وَهِيَ جُنُبٌ .)) (ج 1 / ص 217)
ولابن تيمية رحمه الله كلام سديد أيضا   والله أعلم
كتبه :


أحمد محمد عروبي     / المملكة المغربية



المصدر
....
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..