الصفحات

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017

أركان الحوار

للحوار ركنان أساسيان، هما:
1 - وجود طرفين متحاورين.
2 - وجود قضية يجري الحوار بشأنها.
الركن الأول: وجود طرفين متحاورين:

لا بد للحوار من وجود أكثر من طرف في عملية المحاورة، لأن الحوار لا يتحقق إلا عندما يتم طرح أكثر من رأي وأكثر من فكرة في موضوع محدد، أما الحوار مع النفس فهو حوار ذاتي يحاول فيه المحاور أن يصنع لنفـسه طرفاً من داخله يتفـاعل معه، ولـكنه مع ذلك يبقى حواراً روحياً داخـلياً، أو سـراً شخصياً لا يمكن الإطـلاع عليه إلا إذا أفصح عنه المحاور.
ولكي يتمكن كل طرف من طرفي الحـوار إجراء المحاورة في مناخ طبيعي يتحقق من خلاله الوصول إلى صيغة علمية في الأداء والطرح والتفكير، فإن ذلك يتطلب جملة من الشروط، نذكر أبرزها:
1- توفر الحرية الفكرية:
إذا أردنا للحوار أن ينتهي إلى نتيجة منطقـية يسلّم بـها الطرفان، فلا بد أن يملك كل منهما حرية الحركة الفكرية التي تحقق له الثقة بشخصيته المستقلة، بحيث لا يكون واقعاً تحت هيمنة الإرهاب الفكري والنفسـي الذي يشعر معه بالانسحاق أمام شخصية الطرف الآخر، لما يحس به في أعماقه من العظمة المطلقة التي يملكها الطرف الآخر. ( )
إن عدم توفر الحرية الفكرية تجعل ثقة المحاور بنفسه تتضاءل شيئاً فشيئاً حتى يفقد بعد ذلك ثقته بفكره وقابليته لأن يكون طرفاً في الحوار والمناقشة، كما أن ذلك يعمل على إرباك المحاور وتشتيت أفكاره، فبدلاً من أن يستحضر حججه وبراهينه لمعالجة القضية التي يحاور من أجلها، يجد نفـسه مضطراً للدفاع عن شخصيته الفكرية وفك قيدها من أسـر وهيمنة الإرهاب الفكري المصاحب لذلك الحوار.
والمتتبع للحوارات التي أجراها النبي  يجد أنه حاول في أكثر من مناسبة توفير المناخ الطبيعي للأطراف الذين أدار عملية الحوار معهم من خلال تأكيده على جانب البشرية فيه، فهو بشـر مثلهم لا يملك أية قوة غير عادية في تكوينه الذاتي، فلا يستطيع تنفيذ المعجزات التي يقترحونها عليه، ولا يعلم الغيب، وإنما هو إنسان يتلقى الوحي من ربه باعتباره رسول رب العالمين، ومهمته في ذلك هي تبليغ الرسالة بالوسائل المقنعة والصيغ العلمية إلى الناس، عن طريق الحوار والمناظرة دون أن يشعرهم بتميّزه عنهم، أو إملاء أفكار يفرضها عليهم، فلا مكان عندئذ للإرهاب أو الضغط على الحرية الفكرية، وهو لا يملك طاقة سحرية تدفعهم إلى الإيمان بما يدعوهم إليه، وإنما لهم الحرية الكاملة في ذلك كله، فإن استجابوا له واقتنعوا بدعوته فـذلك هـدف الرسالة وغايتها، وإن لم يستجيبوا فحسبه أنه أدى الرسالة وبلّغ الأمانة وقام بواجب تجاه الوحي المنـزل إليه، وفي هذا يقول الله تعالى: ((قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوء إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) (الأعراف:188)، ويقول أيضاً: ((قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)) (يونس:108).
2- الاستعداد النفسي للاقتناع بالنتائج:
لا بد لمن يدخل في عملية الحوار أن يعد نفسـه إعداداً تاماً لتقبل النتائج التي يؤول إليها الحوار ويهيئ عقله للاقتناع بها، لأن رفض النتائج وعدم تقبلها يقلب الحوار إلى جدل عقيم لا يراد منه سوى المماحكة وعرض القدرات الكلامية وتقديم المزايدات الجدلية المقيتة التي تعود بالحوار إلى ما يناقض هدفه وغايته.
إن عدم استعداد طرفي الحوار لقبول النتائج يعني أن فكرة كل واحد منهما كانت معدة سلفاً ولا مجال عنده للتراجع عنها مهما ظهر له من الأدلة والبراهين، فهو في هذه الحالة يكون تابعاً لدوافعه الذاتية والاجتماعية التي لا علاقة لها بالقناعة الفكرية والعلمية المرتكزة على البرهان والدليل.
لقد عاب القرآن الكريم على أولئك الذين يحاورون رسـول الله  ولكنهم ليسوا مستعدين لتقبل نتيجة المحاورة، فقال تعالى: ((وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَاءوكَ يُجَـٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلاْوَّلِينَ)) (الأنعام:25) فهؤلاء يستمعون إلى الدعوة ولكن قلوبهم مغلقة وآذانهم مسدودة عن الإصغاء إليها ولذلك فهم معرضون عن الإيمان بها لعدم استعدادهم لقبول نتائج الحـوار، إنكـاراً وكفراً وعـناداً، وليس لديهم ما يواجهون به الدعوة إلا كلمة لا تعبّرعن أية مسؤولية فكرية وهي قولهم: ((إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلاْوَّلِينَ)) دونما حجة أو برهان على ذلك.
إن المحاور الذي لا يكون مسـتعداً لتقبل النتائج التي يؤول إليها الحوار يدخل دائرة المكابرة والجهل، ويبتعد عن الموضوعية العلمية، وفي هذا يقول الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْء قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)) (الأنعام:111) فهذا الصـنف من الناس يبـرر الامتناع عن الإيمان بالمطالبة بما يكون خارقاً للعادة رغم أن قضية الإيمان ليست مرتبطة بذلك، فالآيات الخارقة للعادة خاضعة للحكمة الإلهية، لا تتحقق إلا بمقدار الضرورة التي يدعو إليها ما يثبت النبوة والوحي في بعض حـالات التحدي التي تواجهها بقوة.. أما ما يطالبون به أثناء محاوراتهم ومناظراتهم فلا يخرج عن دائرة المكابرة والتبريرات الواهية التي لا تستند إلى أساس علمي، وهو ماأشارت إليه الآية الكريمة: ((وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْء قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ)) فليست القضية قضـية آيات تقـترح ليستجاب لها أو لا يستجاب، بل القضية هي فقدان الاستعداد النفسي لتقبل الإيمان مهما كانت الأدلة والبراهين، وهذا يثبت أنه متى ما فقد أي طرف من المتحاورين الاستعداد لقبول نتائج الحوار فإنه يكون قد فقد شرطاً أساسياً من شروط المنهج الذي يوفر المناخ الطبيعي للمحاورة.
3 - عدم التعصب لفكرة مسبقة:
ويعني هذا الشـرط أن يتخلى كل من الطرفين المشـاركين بالمحاورة حول موضوع معين، عن التعصب لوجهة نظر مسبقة وعن التمسك بفكرة يرفض نقضها أو مخالفتها، لأن التمسك بوجهة النظر السابقة يتباين مع منهجية الحوار في تبادل الأفكار وتداول الطروحات وسماع الرأي (الآخر).
إن طبيعة الحوار تقتضي الإعلان من الطرفين عن الاستعداد التام للكشف عن الحقيقة والأخـذ بـها عند ظهورها، سـواء أكانت وجهة نظر سابقة، أو وجهة نظر الطرف (الآخر) الذي يحاوره، وقد أكد القرآن الكريم على هذا المفهوم بصراحة واضـحة، وأرشدنا إلى الأخذ بهذا المبدأ عندما وجـّه رسول الله  بأن يقول للمشركين في محاورته لهم: ((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ)) (سبأ:24) وفي هذا غاية الابتعاد عن التعصب لفكرة سابقة، وكمال الرغبة في البحـث عن الحقـيقة أنـى كانت ومن أين صدرت.
ونظراً لأن موضوع المحاورة التي تتحدث عنه هذه الآية توحيد الله تعالى أو الإشراك به، وهما أمران على طرفي نقيض لا يلتقيان بأي حال من الأحوال، وهما يدوران حول أصل عظيم من أصول العقيدة الإسلامية، كان من البديهي أن الهداية في أحدهما إذ هو الحق، وأن الضلال في الآخر إذ هو الباطل، ومن أجل ذلك كان التخلي عن التعصب لفكرة سابقة يتضمن الاعتراف بهذه الحقيقة. ( )
وقد ذكر الإمام الغزالي أن على المحاور أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يديه أو على يد غيره، بحيث يكون المحاور رفيقاً ومعيناً له لا خصماً عليه. ( )
الركن الثاني: وجود قضية يجري الحوار بشأنها:
ذلك أن الحوار لا يتحقق من فراغ، وإنما يدور حول فكرة أو موضوع يستحق البحث والمناقشة وتبادل الآراء مع (الغير)، لأن عدم وجود الفكرة أو القضية التي يجري الحوار بشأنـها يجعل عملية التحاور ليست ذي بال ولا طائل منها، بل إنها تتحول من محاورة علمية إلى سفسطة كلامية توصل أطرافها إلى اللجاج الذي يقتصر الأمر فيه على النقاش لذاته، ويكون همّ المتنافسين إحراز غلبة على الخصم ونيل الشهرة دون هدف علمي منشود.
إن من حقوق البشر: حق الاتفاق، وحق الاختلاف، فإذا جاء من يلغي الحق الأخير فهذا هو الاسـتبداد المقيت؛ لأنه ينظر إلى بني الإنسان كما ينظر إلى مجتمع النحل، وفي هذا المفهوم يقول الدكتور يحيى الجمل: كوننا لا نعرف كيف نتفق أصبح أمراً شائعاً، ولكن المشـكلة الحقيقية أننا لا نعرف كيف نختلف.. فالاختلاف في الرأي ظاهرة صحيحة تعرفها كل المجتمعات المتحضرة، إلا أنها تنقلب إلى مأساة عندما يتحوّل الاختلاف إلى درجة العداء والتحزب الضيق والخروج على مصالح الأمة.. فالاختلاف من طبائع البشر، وهم يختلفون لأسباب أبرزها اختلاف المصالح واختلاف المكوّنات الحضارية والثقافية مما يؤدي إلى اختلاف النظرة العقلية للأمور، وهناك ثلاثة طرق للتصدي للخـلافات هي: الحوار، والتعايش، والحرب. فأما الحوار فهو الوسيلة الأولى والأكثر أهمية وتنوعاً. ( )
وبهذا يتضح أن من الطبيعي جداً في حياة الأفراد والمجتمعات أن تكون هناك قضايا يجري الحوار بشأنها، وأفكار ومفاهيم متباينة يتم تزاوجها وتبادل الآراء فيها للوصول إلى الحقيقة.. هذه القضايا وتلك المفاهيم هي الأرض الخصبة التي تمد المتحاورين بالقضايا العلمية، وبدونها لا يكون هناك حوار، ولا يتحقق التزاوج في الأفكار بين بني البشر.
وأهم ما يتم التركيز عليه في هذا الجانب هو معرفة الطرفين المتحاورين للموضوع المطروح للتحـاور، والوقوف على الفـكرة التي يريدان إثباتها أو نفيها لأن الجهل بها وعدم الإطلاع على تفاصيلها يحـوّل الحوار إلى أسلوب من أساليب الشـتائم والمهاترات بدلاً من طرح الفكرة المعنية والدفاع عنها، ذلك أن المعرفة التامة بالقضية التي يجري الحوار بشأنها تجعل المحاور يعلم كيف يبدأ الحوار، وكيف يعالج مفرداته، وكيف ينتهي منه، في وضوح الرؤية وهدوء الفكر وقوة الحجة ووداعة الكلمة.
وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض النماذج البشرية التي وقفت ضد رسول الله  ودعوته من دون أن يكون لها علم بها أو إحاطة بعناصرها، إذ قال تعالى: ((هأَنتُمْ هَـٰؤُلاء حَـٰجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) (آل عمران:66)، وقال تعالى: ((إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَـٰهُمْ إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَـٰلِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ)) (غافر:56) فهذه الآيات تثبت أن القرآن الكريم يأخذ على كل هؤلاء الذين يخاصمون الأنبياء، أنهم يدخلون معركة الحوار دون سلاح، لأنهم لا يملكون علماً أو حجة، وليس لديهم إحاطة بالموضوع الذي يتحاورون فيه، مما يجعل حوارهم ورفضهم لنتائجه قضية مزاج، وعقدة نفسية تتحكم بهم فتدفعهم إلى اللف والدوران وإلى التكذيب بلا مبرر، الأمر الذي لا يؤدي إلى أية نتيجة لحساب المعرفة أو لمصلحة الحق. ( )
ومن هنا فإن الواجب على من يتصدى للحوار أن يكون على بينة من الموضوع الذي يحاور فيه، والقضية التي يجري النقاش فيها، حتى لا يكون بعيداً عن منطق المعرفة والموضوعية في عملية التحاور، كما أنه ينبغي عليه أن يتزود بالثقافة العامة التي تجعله قوياً في حجته أمام خصومه من خلال إحاطته بعناصر القضية التي يتحاور فيها، كما أن عليه أن يكون ملماً بالثقافة المضادة التي يملكها الطرف (الآخر) ليسهل عليه الوقوف على نقاط الضعف والقوة عند خصمه، وليستطيع الموازنة والمفاضلة بين الفكرتين بمنطق العقل والعلم والدليل.
القواعد العامة للحوار:
هناك قواعد عامة للحوار يجب الحفاظ عليها، وهي:
القاعدة الأولى: اعتماد العقل والمنطق:
ويعني ذلك أن يلتزم أطراف الحوار بالطرق المنطقية السليمة أثناء المحاورة، ويمكن أن نحدد معالم هذا الالتزام بما يلي: ( )
1- تقديم الأدلة المثبتة أو المرجّحة لكل فرضية أو دعوى يقدمها المحاور.
2- صحة النقل للنصوص المنقولة والمروية.
ومن هنا أخذ علماء آداب البحث والمناظرة قاعدتهم المشهورة التي يقولون فيها:
إن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدّعياً فالدليل. ( )
وقد وردت الإشارة إلى مضمون هذه القاعدة في كثير من الآيات القرآنية التي تطالب الطرف (الآخر) بتقديم البراهين والحجج المنطقية، منها قولـه تعالى: ((أَمَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وٱلاْرْضِ أَءلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ)) (النمل:64)، وقوله تعالى: ((قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ)) (الأنبياء:24).
ففي هذه النصوص يأمر اللهُ نبيهَ  بأن يطالب المشركين بتقديم براهينهم وأدلتهم على ما يقدمون من دعاوى إن كانوا على يقين من الأمور التي يعتقدونها: ((وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ)) (البقرة:111).
وهكذا نجد أن المحاورة في القرآن الكريـم تعتمد على العقل والمنطق، ولا تتأثر بأي عامل أو مؤثر خارجي كالنبوة والرسالة والوحي.. ولاشك أن الحوار الذي يعتمد على الحجة الواضحة والدليل المنطقي القوي سيؤدي في النهاية إلى الحرية في التفكير، والتخلص من التعصب والانحياز، فنحن نرى أن إبراهيم عليه السلام في حواره مع الله عز وجل يتقدم للمحاورة وكأنه متجردٌ من النبوة، بل من الإيمان: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى)) (البقرة:260) فإبراهيم في هذه المحاورة يريد التحاور ضمن قواعد العقل والمنطق، ويرفض وجود أي مؤثر في المحاورة غير العقل.
ومن هنا فإنه لابد أن يتسم الحوار بطابع الاعتماد على العقل وتطبيق المقدمات المنطقية السليمة، سـواء ما يتعلق بتقديم الفكرة والتدليل عليها، أو ما يتعلق بقبول ما يطرحه الطرف الآخر مادام أنه قد وصل إليها بالمنطق السليم والحجة القوية.
القاعدة الثانية: عدم التناقض:
وتفيد هذه القاعـدة : أن لا يكون في الدعوى أو في الدليل الذي يقدمه المحاور تعارض واضـح، أو أن يكون بعض كلامه ينقض بعضه الآخر، فإذا كان كذلك كان كلامـه ساقطاً وفكرته لاغية، ذلك أن التناقض في الأفـكار يجعل المحاور صـيداً سهلاً لغريمه ومحاوره، بحيث يدينه من خلال طروحـاته المتناقضـة وأفـكاره المتباينة دونما حاجة إلى عناء ومشقة.
ومن أمثلة التناقض في الدعوى ما حكاه القرآن الكريم على لسان الكافرين في قولهم عن الآيات بأنها سحر مستمر: ((ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ A وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ)) (القمر:1-2) ففي قولهم هذا تعارض وتناقض واضح لا يستحق رداً ولا يحتاج مناقشة، فهو ساقط علمياً، لأن من شأن الأمور المستمرة أن لا تكون سحراً، أما أن يكون الشيء سحراً ومستمراً معاً في وقت واحد فذلك جمع بين متضادين لا يجتمعان.. ومثل ذلك أيضاً قول فرعون عن موسى عليه السلام حينما جاء بالحجج الدامغة والآيات الباهرة بأنه: ((سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)) وذلك في قولـه تعالى: ((وَفِى مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍl فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَـٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ)) (الذاريات:38-39) وهذان أمران متناقضان، إذ من غير المقبول منطقياً أن يكون الشخص الواحد متردداً بين كونه ساحراً وكونه مجنوناً، لأن من شأن الساحر أن يكون كثير الفطنة والذكاء والدهاء، وهو أمر يتنافى مع الجنون الذي من شأنه الغفلة وعدم الإدراك.
إن التناقض في الفكرة، والتباين في طرحها، يجعل كلام المُحاور متهافتاً لا يُلتفت إليه، ولايستحق صاحبه إجابة؛ لأنه متهرب من منطق الحق بعيد عن الموضوعية العلمية.
القاعدة الثالثة: إنصاف المحاور:
ويقصد به: المحافظة على حق الطرف الآخر وإنصافه من كل وجه، بغض النظر عن صفة المحاور أو مركزه العلمي والاجتماعي، لأن الأمر المهم في الحوار هو إبراز حق الخصم وإنصافه حتى لا تنقلب المحاورة إلى مكابرة.. ويمكن تحديد النواحي التي يجب أن تراعى مع الطرف الآخر بما يلي:
1- التجرد من المؤثرات الجانبية -عقائدية كانت أو ذاتية- مثال ذلك أن يحاور مؤمن كافراً في إثبات وجود الله، فلو قال المؤمن للكافر: أنا مؤمن بوجود الله ثم ذكر فكرة أخرى مبنية عليها، فهذه ليست محاورة، بل هي إلزام للخصم، أو هي محاورة فاشلة، لأنه ابتدأ الحوار معه بناء على مؤثرات عقائدية خاصة به ولم يتجرد عن ثوابته التي يؤمن بها، والأصل في المحاور أن يكون متجرداً عن المؤثرات لضمان إنصاف الطرف (الآخر)، ذلك أن المحاورة المنطقية السـليمة تقتضي أن يتجرد كل من الطرفين أثناء المحاورة، افتراضاً، من عقيدته ومن انتمائه وأي شيء يؤثر على حياده فيما يتعلق بموضوع المحاورة، وفي هذا يقول الشعراني: إن احتاج إنسان إلى رد خصم ينكر الشرائع وجب علينا تجـريد النظر في رد مذهبه، لكن بالأمور العقلية لا بالشـرع، فإن الشرع هو محل النـزاع بيننا وبينه. ( ) وهذا يعني أن الخصم في هذا الموقـف لا يؤيد مفهـوم: قال الله، وقال الرسـول، لأنه غير مقتنع بها، فيحـتاج إلى محاورة ومناظرة وإقناع بالعقل في المسائل المتنازع عليها.
2 - حماية الخصـم أثناء المحاورة: ذلك أن طرفـي المحاورة قد اتفقا، ولو ضمناً، على افتراض تجردهما من العقـيدة والانتمـاء، وهذا يقتضي أن لا يوصف أحدهما بأنه مخطئ أو مصيب إلا بانتهاء المحاورة، فالإساءة إلى أي طرف قبل انتهاء الحوار ظلم له وتجاوز على أفكاره وطروحاته، بحيث يكون أسلوب المحاورة قائماً على الإقناع ثم الإلزام دون إهانة للخصم. ( )
3 - المساواة بين الطرفين: وهي درجة أعلى من مجرد حماية أطراف الحوار؛ لأن إشعار المحاور بمساواته مع خصمه صفة تبعث في نفسه الطمأنينة وتدفعه لمزاولة الحوار بدرجة عالية من الثقة بالنفس.
إن المتتبع للحوارات القرآنية يتلمس فيها المساواة بين طرفي الحوار، فعلى الرغم من أن النبي  على حق، وأن مناظريه على الباطل إلا أن الله تعالى يوجهه إلى افتراض أنه لا يعلم أيهما على الهدى، وأيهما في الضلال، أهو أم هم؟: ((قُل رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ)) (القصص:85).. وفي موقف آخر يصرح القرآن الكريم بالمساواة لطرفي الحوار حتى ولو كان ذلك بين فريقين مختلفين في الفكر والعقيدة، فيقول الله تعالى: ((قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:64) فهذه الآية تقدم دعوة لأن يكون طرفا الحوار على درجة واحدة من المساواة لا يتميز أحدهما عن الآخر ((تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)).
القاعدة الرابعة: تحديد الغاية وتوضيحها:
من قواعد الحـوار الأسـاسية إبراز الهدف الذي تدور حوله المحاورة، مع التركيزعلى أن تكون الغاية واضحة والهدف محدداً ومقبولاً من النفوس والمشاعر بعد اجتيازه مرحلة القبول العقلي، ومن أمثلة ذلك ما جرى في محاورة إبراهيم عليه السلام مع المشركين من عبدة الكواكب، وتدرجه العقلي والنفسي معهم حتى وصل إلى تقمصه عبادة الشمس معهم: ((فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبّى هَـٰذَا أَكْبَرُ)) ليصل بهم إلى النتيجة بعد أن انتزع اعترافهم بأن الإله لا يغيب ولا ينبغي أن يغيب، ومن هنا برزت النتيجة: ((فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ Z إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ)) (الأنعام:78-79).. وهكذا ركّـز إبراهيم على النتيجة من خلال هذه الكلمات الموجزة التي راعى فيها جملة من النواحي، أبرزها( ):
1- المحافظة على صلته بالخصوم وتقريبهم إليه بقوله: ((يٰقَوْمِ)) أملاً في كسب إيمانهم.
2- أعلن الحكم على عبادتهم للكواكب بأنها شرك، وأنه مستنكر له: ((إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ)).
3- تقديم البديل الصحيح الذي يجب أن يتجهوا إليه وهو الإيمان بالله: ((إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ)).
كل هذه المفاهيم التي أراد إبراهيم عليه السلام توضيحها كانت منصبّة على تحديد الغاية وإبراز الهدف من هذا الحوار، وهو إثبات وحدانية الله تعالى وإبطال ما عداه من الآلهة، وقد سلك في سبيل تحقيقها كل الوسـائل الممكنة لجعلها في غاية الوضوح عن طريق المحاورة التي لا تقصد هدفاً شخصياً ولا مصلحة ذاتية وإنما تهدف إلى إصلاح العقيدة وتثبيتها في النفوس.
القاعدة الخامسة: خلق الأجواء الهادئة للتفكير السليم:
إن من أشد الأمور ضرورة للوصول بالحوار إلى هدفه وتحقيقه لغاياته، توفر الأجواء الهادئة للتفكير الصحيح، الذي يمثل فيه الإنسان نفسه وفكره، والابتعاد عن الأجواء الانفعالية التي تبعد الإنسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمل وتفكير، لأن الانخراط في محيط الأجواء الانفعالية يفقد المحاور اسـتقلاله الفـكري وشخصـيته المميزة، فيبتعد رويداً رويداً عن الحقيقة، أما الفكر الهادئ الواعي فإنه يضع القضية في موقعها الطبيعي لينتهي بالإقرار بنتيجة المحاورة، سلباً أو إيجاباً.
لقد دعا القرآن الكريم إلى التجـرد عن الأجواء الانفعالية في حال أردنا أن نتبنى فكرة أو نرفضها، أو ننسجم مع موقف أو نبتعد عنه، حيث نقل القرآن أسلوب النبي  في الحوار مع خصوم العقيدة -عندما واجهوه بتهمة الجنون- فقال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوٰحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَـٰحِبِكُمْ مّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) (سبأ:46).
فقد اعتبر القرآن موضوع الاتهام للنبي  بالجنون خاضعاً للجو الانفعالي الذي كان يسيطر على التجمع العدائي لخصومه آنذاك، مما يجعلهم لا يملكون أفكارهم ولا يستطيعون أن يزنوا بها صحة القضايا وفسادها، ولذلك دعاهم إلى الانفصال عن هذا الجو المحموم بأن يتفرقوا مثنى وفرادى في موقف تفكير وتأمل ليصلوا إلى النتيجة الحاسمة، حيث إن التفكير الهادئ سوف يعيد الأمور إلى نصابها ويرفض تلك التهمة جملة وتفصيلاً، لينتهي بالإقرار بأنه رسول الله إلى الناس. ( )
والواقع أننا نجد هذه الأجواء الانفعالية في أكثر من مناسبة عندما يكون الأمر متعلقاً بالصراع الذي يخوضه الإسلام مع أعدائه، حيث يتم إطلاق الاتهامات بلا حساب ولا روية، ويرفض الطرف (الآخر) الجلوس للحوار، وأبرز دليل على ذلك ما يجـري هذه الأيام من اتـهام لبعـض الـدول أو الجماعات الإسلامية واعتبارها مسؤولة عن تنفيذ جملة من أعمال العنف من دون تقديم دليل مقنع على تلك الاتهامات.
فنحن نرى أنه في ظل هذه الأجواء الانفعالية المشحونة ترفض الدول الغربية مجرد إبداء الرأي أو سماع الطرف (الآخر)، فضلاً عن الدخول معه في حوار هادئ للوقوف على حقيقة الأمور والبحث عن حلول أو معالجات منطقية لها.
إن الأجواء الانفعالية والمشحونة تجاه الإسلام تأخذ اليوم أشكالاً متعددة وصيغا مختلفة لتأليب الناس على هذا الدين وأحكامه، ومن الأمثلة على ذلك ما يفعلونه في تصويرهم القانون الإسلامي بقطع يد السارق بأنه من الأساليب الوحشية التي لا تنسجم مع قوانين العصر الحديث، الذي يحاول معالجة الجريمة بالطرق المعتمدة على أساس قواعد علم النفس والاجتماع بعيداً عن جانب العنف والقسوة، وهكذا ينطلقون من أجواء انفعالية وعاطفية، ويتناسون أن التجارب المعاصرة الكثيرة لم تستطع أن تحقق أية نتيجة ملموسة في هذا المجال، في حين أن حكم الإسلام بقطع يد السارق كان عاملاً مهماً من عوامل منع السرقة في المجتمعات الإسلامية وأمن الناس على أموالهم وممتلكاتهم.
وقد نجد تلك الأجواء الانفعالية عند معالجة عدد من القضايا الإسلامية كقضية الطلاق، وتعدد الزوجات، وقضية الحجاب والسفور حيث يتم الحوار فيها وفقاً لما تمليه العاطفة والرغبات الشهوانية دون الالتفات إلى الإيجابيات التي يرمي الإسلام إلى تحقيقها في تشريعاته وأحكامه، مما لا يدع مجالاً للمحاور الإسلامي أن يبدي رأيه ويبين وجهة نظره في توضيح المفاهيم الشرعـية التي تتعلق بمجمل القضايا المطروحة، الأمر الذي يؤدي إلى طغيان الجو الانفعالي المحموم على الأجواء الهادئة التي تتيح التفكير السليم والحوار العلمي البنّاء.
القاعدة السادسة: إعداد خطة علمية للحوار:
ويعني ذلك: وجود ضوابط نظامية تحكم عملية الحوار، وتنأى به عن أن يكون ارتجالاً واعتباطاً، خاصة إذا كان ذلك الحوار بين مدرستين فكريتين، أواتجاهين علميين.. والقيام بإعداد خطة علمية يقتضي اللجوء إلى أربع خطوات هي: تحديد الموضوع، وتحديد المفاهيم، وتحديد الهدف، وتحديد الآليات، وسنتكلم عن كل خطوة منها بإيجاز( ):
1 - تحديد الموضوع:
لابد من تحديد موضوع الحوار قبل بِدء عملية التحاور، لأن موضوع الحوار هو جوهر العملية برمتها، وإذا ما جرى الاتفاق على ذلك كان الحوار معلوماً وواضحاً للأطراف المشاركة فيه، وسواء كان موضوع الحوار قديماً أو معاصراً فإن تحديده عامل أساس من عوامل نجاح المحاورة؛ لأن تحرير محل النزاع يضمـن عدم تحوّل الحوار إلى نوع من اللجاج، كما أنه يضمن عدم بعثرة الأفكار وضياعها بسبب ضبابية الفكرة وعدم وضوحها، إضافة إلى أن عدم تحديد الموضوع لا يتيح فرصة للحكم عليه، فالقاعدة تقول: «الحكم على الشيء فرع عن تصوره» فلا يمكن إصدار حكم في مسألة معينة بدون تحديد عناصرها وملامحها الأساسية.
2- تحديد المفاهيم:
يتطلب الحوار الاتفاق على معاني المصطلحات والمفاهيم التي سوف يتم استخدامها في المحاورة، لأنه إذا أصبحت المصطلحات محل نزاع وخلاف بين المتحاورين فهذا يعني أن مهمتهم تزداد عناء ومشقة ولا يستطيعون مواصلة مشوار الحوار، بل ربما يتوقفون عنه في منتصف الطريق، لاختلافهم في تفسير المصطلحات والمفاهيم التي يتداولونها.
3 - تحديد الهدف:
والمقصود بالهدف: هو الغاية التي يريد الطرفان الوصول إليها من وراء عملية التحاور، وإذا ما كان الحوار صادقاً ونافعاً فلابد أن يحدد له هدف يمكن الإشارة إليه صراحة، ويمكن الإشارة إليه ضمناً، ومهما يكن من أمر فإن أهداف الحوار لا تخرج عن الغايات التالية:
1- الوصول إلى تفسير متفق عليه حول موضوع المحاورة.
2- الرغبة في تخطي حالة العقم الفكري، الذي يعني: «تجاوز ثقافة البعد الواحد ورفض الانسياق وراء المذهب المتسلط السائد».
3- الرغبة في تخطي حالة الانغلاق الفكري، الذي يعني: «تجاوز التعصب المذهبي أو الفكري أو السياسي أو الاجتماعي».
4- تحديد الآليات:
والمقصود بالآليات: مجمل الإجراءات التنظيمية التي تساعد على بلوغ الحوار إلى مسعاه النهائي، وهذه الإجراءات والأدوات يجب أن تكون واضحة ومحددة من خلال الآتي :
1- ضرورة التأكد من صحة المعلومات المعروضة في الحوار.
2- ضرورة مناقشة القضايا دون أن يكـون في الذهن قرار مسـبق أو حكم ثابت أو موقف صارم.
3- ضرورة الاستئناس بذوي الخبرة والمختصين الذين لهم علاقة بالموضوع المطروح للمناقشة.
4- استخدام المناهج العلمية والمنطقية أثناء الحوار من خلال التفكير والتحليل والاستنباط ليكون الحوار عقلانياً ورشيداً.
5- ترتيب عناصر الحوار خطوة خُطوة، ابتداءً بالمبادئ الجزئية وصولاً إلى الكليات والنتائج الكبرى، التي هي هدف الحوار وغايته.
وتأسيساً على ما تقدم نقول: إن مقومات الحوار تتطلب توفر أركانه متمثلة بالطرفين المتحاورين، والقضية التي يجري الحوار بشأنها.. وقد بينا في هذا المبحث الشروط والضوابط التي يجب أن تتوفر في كل ركن من هذه الأركان.. كما أن مقومات الحوار تتطلب جملة من القواعد والأسس التي تتعلق بالعملية الحوارية من خلال اعتمادها على العقل والمنطق، وعدم التناقض في المقدمات والأدلة، وإنصاف الخصم وحمايته، وتحديد الغاية والهدف، وتوفير الأجواء الهادئة والمناسبة للتفكير السليم، وإعداد خطة علمية مبرمجة للشكل والمضمون، وبهذا نضمن حواراً علمياً ومنطقياً يعتمد الحجة والدليل، ويقدم الفكرة بعقلية مرنة وأسلوب واضح، بعيداً عن الأهواء والشهوات.


-


.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

أدب وأصول الحوار

مفهوم الحوار. أركانه.أصوله.آدابه


-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..