الصفحات

الثلاثاء، 25 يونيو 2019

قد ذقتُ في شرع الهوى ألمَ النوى = وطَوَيتُ ذُكْرَ الظاعنين فما انطوى

قِصَّةُ القصيدةِ التي كتبها الشيخ  حسن حبنّكة الميداني رحمه الله  والتي يتغنّى بها المنشدون في الحفلات ومطلعُها :

                                          💎قد ذقتُ في شرع الهوى ألمَ النوى
                                                                      وطَوَيتُ ذُكْرَ الظاعنين فما انطوى
في طريقِ العودة من الحج وبعد أداء فريضة الحج ، وعلى متن الباخرة العائدة من جدّة ،
كان الشيخ حسن حبنّكة الميداني الدمشقي بصحبة والدته التي كانت في الخامسة والثلاثين من العمر ..
وكان الشيخ رحمه الله في السابعة عشر من العمر ..
كان الشيخ فرحاً لا تسعه الدنيا أنّه استطاع أن يؤدي ووالدته فريضة الحج في زمنٍ كان فيه أداءُ فريضة الحج ليس بالأمر اليسير على كلّ الأصعدة .
لم تكن البواخر في ذلك الزمن على درجة من التجهيز بما يسمح لطاقمها إذا وافتْ المنيّةُ أحد الركّاب أن يضعوه في ثلاجةٍ ريثما يصلون إلى البر..
دون سابق إنذار بدأت والدة الشيخ حسن تشتكي من نزيف شديد قد يكون سببه أنها كانت حاملاً قبل مغادرتها إلى الحج ،
تدهورتْ حالتها سريعاً ، وفارقت الحياة على ذراع ابنها الشاب تحت أنظار الطاقم والركاب ولا مُعين للشيخ إلاّ الله ، وكان قرارُ القبطان وطاقم الباخرة أن تُلْقَىٰ والدةُ الشيخ في البحر لعدم إمكانية الاحتفاظ بها في تلك الظروَف ، فالرحلةُ طويلةٌ والحرُّ شديد ، ولا يوجد ثلاجات لحفظ الموتى ..
كان الشيخ حسن رحمه الله ثابتَ القلب قويَّ الإيمان صلباً أمام النوائب ، فقد أعطاه الله رباطة الجأش والصبر منذ كان فتى طريَّ العُود … وقف على ظهر السفينة يُقلّب نظره بين السماء وأمّه وزُرقة البحر بأمواجه الهادره ، وهو يصارع أحزانه ، فماذا سيقول للمستقبلين الذين ينتظرون الشيخَ وأمَّه ؟!
كيف لهذا الشاب اليافع أن يلقي أمَّه في البحر ؟!
كيفَ وكيفَ وكيف ؟! أسئلةٌ كثيرةٌ كانت تطوف في عقله وتعتصر قلبه ، ولا يجد لها جواباً إلاّ أن يتولّى هذه المهمة .
تمَّ تجهيزُ والدته المتوفّاة حسب الأصول الشرعية ، ثمّ تم تكفينُها، وبعدها تم وضعُها بين لوحين من الخشب ولفّها بأثقالٍ من الحديد تأخذها إلى أعماق البحر؛ كي لا تتقاذفها الأمواج إذا بقيَتْ طافيةً على سطح الماء
تعاون الشيخُ رحمه الله مع من سارعوا إلى المساعدة ، واحتضن أمّه وطبع قبلة الوداع  عل جبينها بألم وحزنٍ بالغين ، ثم ألقى بها من سطح الباخرة إلى البحر من الناحية الخلفية للباخرة ، وظلّ ينظرُ إليها وهي تغيب في شَقِّ الأمواج الذي تتركه الباخرة وراءها …
يقول الشيخ حسن رحمه الله ، وقفتُ أحدّق بها بعيونٍ تَرَكَتْ دموعَها للقلب ينوب عنها  ، فكم كنتُ أتمنى أن أبكي ولكن جلالُ المشهد جفّف المآقي ، وكلّ ما اذكره أنني كنتُ أطبقُ فكَّيَّ بقوةٍ سمعتُ معها صوت كسرٍ في فكّي لازمني طول حياتي ،
وفي زاوية من زوايا الباخرة على سطحها الحزين جلس الشيخ وكتبَ حزنَه في قصيدةٍ قال فيها :
قد ذُقْتُ في شرعِ الهوى ألمَ النوى
وطويتُ ذِكْرَ الظاعنين فما انطوى
عللتُ نفسي بالرجاء عشيّةً
فإذا الصباح بنارِ يأسٍ قد كوى
عفواً إلٰهَ الكونِ أنت رجاؤنا
من يَعْشُ عن ذكرى هُداكَ فقد غَوى
وأنا دخيلُك يا إلهى فاحْمِني
من شرِّ أهوالِ الزمان وما حَوى
سَئِمَ الفؤادُ من الحياةِ وبؤسِها
والجسمُ مِنْ مَسِّ المصائب قد خَوى
نفِدَ التصبُّرُ بعد طولِ تألُّمٍ
ففَزِعتُ للقرآن ألْتَمِسُ الدوا
فوجَدْتُه يشفي الصدورَ ، ومَنْ يَرِدْ
آياتِه يصدُرْ بأوفرِ ما نَوى
❄رحمَ الله الشيخ حسن حبنكة ، ورفع مقامه في جنات النعيم ، ورحِمَ الله والدته ورفع مقامها ، ورحمَ الله موتانا وموتاكم وموتى المسلمين وجمعنا بهم تحت لواء سيدِالمرسلين نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلّم .
-الدكتور وائل عبد الرحمن حبنّكة الميداني .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..