الصفحات

الثلاثاء، 15 يوليو 2025

مواضعَ (*تالله*) في سورة يوسف / بحث لطيف

📚قد خصّ المفسرون والبلاغيون، كأبي حيان، والرازي، والزمخشري، وابن عاشور، والآلوسي، فضلًا عن المعاصرين كالدكتور فاضل صالح السامرائي، مواضعَ (*تالله*) ببحث لطيف في سورة يوسف، وبيّنوا أن تكرارها ليس تكرارًا لفظيًّا محضًا، بل وراءه لمسة بيانية دقيقة في كل موضع.

ولنتناول كل موضع على حدة، ثم نستنبط الحكمة العامة:

 *🔷 الموضع الأول:* 
﴿قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾(يوسف: 95)

▶️ هذا قول إخوة يوسف لأبيهم يعقوب – عليه السلام – حين ألحّ عليهم في ذكر يوسف، وهم يظنونه ميِّتًا.

💡اللمسة البيانية:
(تالله) هنا جاءت في مقام الدهشة، والإنكار، والتوبيخ، وكأنهم يقولون: والله ما زلتَ في أوهامك القديمة!
فناسب السياقُ انفعالًا نفسيًّا كبيرًا، واختيار (تالله) التي تغلب في مقام الاستغراب الشديد والانفعال.


 *🔷 الموضع الثاني:* 
﴿تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ﴾(يوسف: 73)

▶️ هذا قول إخوة يوسف، حين اتُّهِموا بسرقة صواع الملك.

💡اللمسة البيانية:
في هذا الموضع، أرادوا نفي التهمة بتوكيد بالغ وحُجّة وجدانية.
فكان القسم بـ(تالله) دالًّا على الانفعال والتأكيد النفسي القوي في الدفاع.


 *🔷 الموضع الثالث:* 
﴿قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ (يوسف: 91)

▶️ قالها الإخوة بعد أن كُشِف لهم أن عزيز مصر هو يوسف.

💡اللمسة البيانية:
مقام الذهول والاعتراف الممزوج بالخجل والدهشة.

و(تالله) مناسبة لهذا الانفعال المفاجئ، حيث انقلب الحال من قوّة إلى ضعف، ومن كبر إلى اعتراف.

 *🔷 الموضع الرابع:* 
﴿قَالُوا تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي ضلال  مُّبِينٍ﴾(يوسف: 97)

▶️ قول الإخوة اعترافًا صريحًا بعد عودة يوسف إليهم.

💡اللمسة البيانية:
مقام التحسر، والندم، والتأثر العاطفي.

وهنا يُستخدم القسم بـ(تالله)؛ لأن المقام مقام أسًى داخلي، واعتراف وجداني.


🟣🤔 *ولنطرح تساؤلا:* 
 *لماذا لم يُستعمل (والله) بدلًا من (تالله)؟* 

🔹الجواب:
لأن (تالله) مختصّة في القرآن الكريم بالمقامات التي فيها (تعجّب، وانفعال وجداني، ودهشة نفسية، وتحسر، واعتراف، وذهول).

وسورة يوسف مشحونةٌ بهذه الانفعالات المتقلبة، من حزن إلى فرح، ومن دهشة إلى اعتراف، ومن ذنب إلى ندم.

لذلك كان تكرار (تالله) في هذا السياق أنسبَ من غيرها، وأعمقَ إيحاءً، وأدقّ تصويرًا لحالة المتكلم النفسية.


 *🟩ملحوظة بلاغية:* 
في القرآن كله، لم ترد (تالله) إلا في المواطن التي تدلّ على انفعال قوي، أو تحسّر، أو دهشة وندم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..