الصفحات

الاثنين، 13 أكتوبر 2025

كينيدي والاسهم

تحفة الخواطر
في صباحٍ بارد من شتاء نيويورك، عام 1929م، كان جوزيف كينيدي – رجل الأعمال الذكي، ووالد الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي – يسير نحو مكتبه في "وول ستريت". وكعادته توقف عند صبي صغير يلمّع الأحذية على ناصية الشارع.

وبينما ينحني الفتى إلى الأرض، رفع رأسه فجأة وقال بثقة الكبار:
"هل اشتريت أسهم فورد؟ الجميع يشتريها، سترتفع كثيراً هذا الأسبوع!"

🔷تجمّد كينيدي في مكانه. لم يبتسم، لم يسخر، لم يسأل حتى: من أين لك هذا؟ بل نظر بعيداً، وقال في نفسه:
"حين يصل الأمر إلى أن يوزّع ماسح الأحذية نصائح الاستثمار… فقد بلغ الجنون ذروته. هذا لم يعد سوقاً تحكمه القوانين والعقول، بل صار قطيعاً يسير نحو الهاوية."

وفي اليوم التالي، بدأ كينيدي يبيع كل ما يملك من أسهم، وانسحب بهدوء من السوق. وبعد أسابيع قليلة فقط، حلّ الثلاثاء الأسود – 29 أكتوبر 1929م، يوم الانهيار العظيم الذي أطاح بالملايين، وأغلق البنوك، وألقى برجال الأعمال من نوافذ الأبراج. كان ذلك بداية الكساد العظيم الذي جرّ أميركا والعالم إلى عقد كامل من الظلام الاقتصادي. 
✔️وحده كينيدي نجا… لأنه قرأ الإشارة مبكراً.

واليوم، وبعد قرن تقريباً، يعود المشهد نفسه بثياب جديدة. 

لم يعد ماسح الأحذية على ناصية وول ستريت، بل على منصات"إكس" و "إنستغرام " و"تيك توك" و "سناب شات" وحتى "الواتس اب" ، لم يعد يحمل صندوق الأحذية، بل حساباً رقمياً وصورة بروفايل مزخرفة. ومع ذلك، الرسالة واحدة:

"يفتون في السياسة… يحلّلون الاقتصاد… يزايدون على الدين… يوزّعون التهم والشتائم والفتاوى بلا علم ولا فهم."

ويصفّق لهم القطيع كما صفق الناس لأسهم فورد قبل الانهيار.

لكن الفرق رهيب: ففي 1929 خسر الناس أموالهم، أما اليوم فنحن نخسر وعينا، وعقولنا، وكرامتنا.

لقد صار الجاهل "مؤثراً"، وصار الضجيج "حقيقة"، وصار الباطل يُقاس بعدد الإعجابات لا بقوة الحجة. وهذه ليست نذر كساد مالي، بل علامات كسادٍ أعظم: كساد العقل والمعنى.

فهل نفعل كما فعل كينيدي؟ 

أم نظل في الزحام  مع قطيع لايفهم ولايعي؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..