الصفحات

الخميس، 25 أبريل 2013

أدلة الطريري السلفية على آرائه الصوفية

06-13-1434 07:52
المثقف الجديد- إسماعيل أخضر :: كتب الدكتور: عبد الوهاب الطريري تغريدات يدلل بمضمونها على مشروعية المحافظة على الآثار و زيارتها , ما دفع الباحث سليمان المهنا إلى شرح المسألة بالتفصيل ذلك أنه وجد أن الاستيفاء يحتاج إلى بسطٍ ينصرف عنه القارئ ملالة ، والاختصار لا يفي بالمطلوب, فاتجه إلى أمرٍ آخر هو الرد على النقاط التي يطرحها, و شيءٌ من تأصيل المسألة يأتي في ثنايا الرد.

أدلة الطريري السلفية على آرائه الصوفية

رد الباحث سليمان المهنا :
"ابتدأ بخبر أبي هريرة مرفوعاً : ( ليهلن ابن مريم بفج الروحاء ... ) و استظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك بفج الروحاء ، و لم أر دليلاً على ما ذكر فهو مطالبٌ بالدليل , و ليس في الخبر دليلٌ على تتبع الآثار, و لا يبدو لي أنه ساقه من أجل ذلك ، ثم ذكر وادي الأزرق و ثنية هرشى , و أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه رأى موسى عند وادي الأزرق ، و يونس عند ثنية هرشى, و ليس فيه دليل على تتبع الآثار, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف هذين المكانين, ولما سأل عنهما أجابوه فتذكّر أخويه عليهما السلام .

أما خبر عسفان فقد قال ابن حجر عنه : " في إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف " .ثم ذكر خبر نزوله بخيف بني كنانة حيث تعاقدوا على الكفر, وذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام، أراد استنطاق ذاكرة المكان . وقد ذكر بعض أهل العلم أنه أراد أن يقيم شعائر التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك , إظهارًا لعزة الإسلام , و زعم آخرون أنه إنما نزل به لأنه أرفق به , قالت عائشة : " نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج "

و قال ابن عباس : " ليس المحصب بشيء وإنما هو منزل نزل به صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه " و لا مرجح عندي بين الرأيين , إلا أن المحقَّق أنه ليس بدليل على ما الدكتور بصدده .

ثم وقع في تدليس لم أكن أتوقعه منه , ذكر خبر ابن عمر " رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها" وتوقف هنا فلم يكمل الخبر !! , و تمامه: " كانت رحمةً من الله " , ولايستقيم الاستدلال بشيء من الخبر دون تمامه يا دكتور!.
قال ابن حجر في شرح هذا الخبر:"وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن والد سعيد لابن عمر على خفاء الشجرة, وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها , وإلى ذلك أشار بن عمر بقوله كانت رحمة من الله أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى "

ثم إن المرء إذا تصور الحال لم يرد عنده هذا الإشكال , ذلك أن من عادة الناس إذا مروا ببقعة مروا بها من قبلُ ، تساءلوا أيَّ مكان نزلنا , و أين طبخنا .. الخ , و ليس في الخبر أنهم قصدوها باحثين عنها إطلاقاً , فلا ينبغي تحميل الخبر مالا يحتمل .

ثم ذكر خبر أسماء , ولافائدة فيه هنا سوى أن المرور بالبقاع يجعل المرء يتذكر ماوقع فيها , وقد تقدم مثل هذا فلينظر.

ثم ذكر تتبع ابن عمر للآثار و الكلام عنه .

ثم ذكر خبر أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء فلم يزل أنسٌ يحب الدباء من يومئذ .
قال الدكتور : " فإذا أحب أنس طعاما أكله النبي أفلا نحب مكانا نزل به النبي وصلى " , و سأكتفي هنا بإعادة توجيه السؤال إلى الدكتور نفسه , لم لم يتتبع خادمُ رسول الله آثار النبي صلى الله عليه وسلم ؟ بإجابتك على السؤال تتضح لك الرؤية , و يتبين لك الفرق بين الأمرين .

ثم جازف الدكتور – و هو أستاذ الحديث – فقال : " وتبع الصحابةَ على ذلك التابعون لهم بإحسان ، فهذا عمر بن عبد العزيز تتبع في أمارته في المدينة سنة 89 هـ الأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم فبنى فيها مساجد بالحجارة المطابقة ، وبعض ما بناه باق إلى يومنا هذا ، وكان ذلك بمشهد ورضا من الصحابة الذين أدركهم ، وجلة التابعين الذين كانوا في المدينة"

قلت : وهذه حكاية لا تثبت في إسنادها مجاهيل , ولو وقعت حقاً لنقلها الثقات ، و لا اشتهرت , فإن أخبار الحجاز ذات ذيوع .

إلا أن نقل الدكتور لهذا يوحي بشيء, هو أنه يدعو إلى بناء المساجد على الآثار ! , و هذه خطوة أبعد من سابقتها .

ثم قال : " وبقيت المدينة النبوية يتعاقب فيها العلماء وأئمة الإسلام كالزهري والإمام مالك وابن أبي ذئب ومن تبعهم بإحسان من علماء الإسلام ، وهذه الآثار قائمة محفوظة ولم ينقل عن أحد منهم حرف أو أقل منه في طمسها أو إزالتها، وحاشاهم " أ.هـ

قلت : نعم بقي بعضها لم يمس لعدم قيام المقتضي , و لو قام لبادروا بإزالتها ، اقتداءً بالخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – و سيأتي الكلام عن خبره إن شاء الله , ويحسن التذكير بأن مواقف الأئمة الحازمة مالك وغيره تجلي لك الموقف من هذه الآثار , فلا يحسن بالناظر الإعراض عنها.

ثم نقل عن مالكٍ أنه قال للرشيد : " لا أرى أن يحرم الناس أثر رسول الله "
قلت : في إسناده المقدام بن داود ، قال عنه النسائي : " ليس بثقة " و ضعفه الدارقطني , بل حدثت قصة جعلت بعضهم ينسبه إلى الكذب و العياذ بالله , فيا ليتك تحققت من الخبر قبل الاحتجاج به .

ثم قال:"وقد روى البخاري الأماكن التي نزلها النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق من المدينة إلى مكة موضعاً موضعاً ، وكذلك فصلها الحافظ ابن كثير في بسط مفصل ، فما الحكمة من ذكرها وروايتها "

و القول ها هنا بيِّنٌ عند الموازنة , أعني أنه ينبغي للناظر أن يسأل نفسه لِمَ ذكروا موطن إهلاله صلى الله عليه وسلم و موطن نزوله , و غير ذلك في رحلته إلى الحج و لم يذكروا مثله أو قريباً منه المواضع التي نزلها بهذا التفصيل ؟ مع أن رحلاته كثيرة .
ذلك أن من المنازل التي نزلها أنساكٌ النزول بها لازم أو قريب من اللازم , والراوي يروي الخبر ويدع الفهم لغيره ، كما تقدم في الكلام عن النزول بالمحصب .ثم ذكر أن فقهاء المدينة لما نقضت حجرات النبي صلى الله عليه وسلم بكوا حتى أخضل الدمع لحاهم , و هذا الخبر في إسناده الواقدي وهو : متروك أو كذاب , و صغار طلبة الحديث يعلمون حال الواقدي فكيف بدكتـــور في الحديث !
أي أن استدلالات القوم إما صحيحة غير صريحة , و إما صريحة غير صحيحة .
كما أنبه إلى أن اللجوء إلى التدليس و التعمية حيلة من لا حجة عنده , و الله الهادي سبحانه .
وعن أثر ابن عمر رضي الله عنه لن أجد أحسن من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لذا سأسوق لكم شيئاً منه , والله الموفق
قال رحمه الله : " فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها اتفاقا، فهذا لم ينقل عن غير ابن عمر من الصحابة، بل كان أبو بكر و عمر و عثمان و علي ، وسائر السابقين الأولين ، من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حجاجا وعمارا ومسافرين، ولم ينقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مصليات النبي صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبا لكانوا إليه أسبق، فإنهم أعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة » .
وتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين، بل هو مما ابتدع، وقول الصحابي إذا خالفه نظيره، ليس بحجة، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة ؟
أيضا: فإن تحري الصلاة فيها ذريعة إلى اتخاذها مساجد والتشبه بأهل الكتاب مما نهينا عن التشبه بهم فيه وذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والشارع قد حسم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، فإذا كان قد نهى عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان، سدا للذريعة , فكيف يستحب قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم فيه، أو صلاتهم فيه، من غير أن يكونوا قد قصدوه للصلاة فيه والدعاء فيه؟ .
ولو ساغ هذا لاستحب قصد جبل حراء والصلاة فيه، وقصد جبل ثور والصلاة فيه، وقصد الأماكن التي يقال إن الأنبياء قاموا فيها، كالمقامين اللذين بطريق جبل قاسيون بدمشق، اللذين يقال إنهما مقام إبراهيم وعيسى، والمقام الذي يقال إنه مغارة دم قابيل، وأمثال ذلك، من البقاع التي بالحجاز والشام وغيرهما.
ثم ذلك يفضي إلى ما أفضت إليه مفاسد القبور، فإنه يقال: إن هذا مقام نبي، أو قبر نبي، أو ولي، بخبر لا يعرف قائله، أو بمنام لا تعرف حقيقته، ثم يترتب على ذلك اتخاذه مسجدا، فيصير وثنا يعبد من دون الله تعالى " ا.هـ المقصود منه .
فتبين بهذا أنه اجتهاد من ابن عمر و لم يوافَق عليه , بل جاء عن أبيه عمر بسند صحيح أنه قال : " إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا , يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس و بيعا " و في لفظ : " إنما أهلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا , حتى اتخذوها كنائس و بيعا " .
ثم إن د. الطريري عاد في اليوم التالي فكتب تغريدات عنونها بهذا العنوان : الرعاية العمرية للآثار النبوية .
و لعل المفاجأة التي حملتها التغريدات الأخيرة تجعل المرء ينظر في استدلالاته الأولى , ينظر فيها متعجباً من أن تكون المقدمات هكذا و النتيجة بخلافها ! , و ذلك لأنه استدل بأثر ابن عمر , و أثر عمر بن عبد العزيز – الذي لا يثبت - , ثم كانت النتيجة أن دعا إلى تركها على حالها , و استنكر هدمها دون وجود منكر يدعو إلى ذلك , يعني أنه لم يقم المقتضي لهدمها , فهل هذا يعني أنه لا يدعو إلى تتبع الآثار و إنما يدعو إلى تركها على حالها إلا إذا اقتضى الحال هدمها ؟
فلماذا إذاً يحشد ما صح و ما لم يصح مما يجعل المرء يفهم عنه أنه يدعو إلى تتبعها بل و بناء المساجد على المواضع التي صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ؟! .
على أن في كلمته هذه شيئاً ذكرني بالمكان الذي يُزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد فيه , أعني المكتبة , هل يرى د. الطريري إزالتها حيث إن فيها و حولها من المنكرات ما لا يخفى ؟
و مع أن التوعية قائمة إلا أن جهلة الحجاج و بعض المتفقهة يقصدونها , فهل يرى أن هذا المنكر يجعل هدمها واجباً ؟ أليس الهدم أحد الحلول الشرعية ؟ خاصة و أن الحجاج يتجددون كل سنة و جهال العرب و العجم ينصبون علينا جموعاً تتلوها جموع , فقل لي بربك من يطيق توعية كل هؤلاء ؟!
ثم إنني أود التنبيه على شيء , و هو أن الدكتور لم يحرر محل النزاع فسرد أموراً يدلل بهـا على عناية عمر بالآثار و هي غير داخلة في محل النزاع , مثل قوله للنبي صلى الله عليه وسلم : " لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى " و هذا منشؤه أنه علم أن الله عظَّم هذا المقام , قال جل شأنه : (( فيه آياتٌ بيناتٌ مقام إبراهيم )) و مع هذا لم يتخذه مصلى حتى نزل الوحي , فلا إشكال هنا و لا مستمسك .
و ذكر خبر العنزة , و خبر القضيب , و خبر الميزاب , و هي خارج محل النزاع أصلاً , و ذلك أن آثاره الحسية كثيابه و نعله التبرك بها مشروع , و محل النزاع الآثار المكانية , هذا و في ثبوت بعض ما ذكره نظر .
ثم قال : "وعاش عمر في المدينة خليفةً عشر سنين وهي زاخرة بآثار النبوة فما طمس شيئاً منها ولا أزاله" .
و مع أن في هذا الكلام نظراً فإن عمر وسع المسجد سنة (17) و لم يبقه على ما كان عليه زمن رسول الله , و لم يعترض عليه أحد , و لا قالوا دع الناس يبصرون كيف كان مسجده ,
و مع هذا فإني أقول : العبرة ليست بالبقاء , و إنما بالعناية , فهل عندك خبر عن أبي بكر و عمر و عثمان و علي – رضي الله عنهم أجمعين – يفيد تتبعهم لآثار محمدٍ صلاة الله و سلامه عليه ؟
هؤلاء الأربعة بدور سماء الإسلام , و لا تزال خيوط أنوار فقههم تلامس أتباعهم , و هم خير هذه الأمة بعد نبيها وقد صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم في حلّه و ترحاله , أخص الشيخين حشرني الله معهما , و ما علمنا أنهم رعوا منازله و اعتنوا بآثاره , و لو وقع لنقل , كيف و النفوس إلى مثله تواقة .
و غاية الأمر أن بقاء هذه الآثار مباح ما لم يقم ما يقتضي إزالتها , و لا يلزم الأمة حفظها و رعايتها , و من زعم ذلك فعليه الدليل , و لا دليل , و هذا فهم الأئمة – رحمهم الله - , بل فهموا كراهة إتيانها , بل حكى ابن وضاح عن أهل المدينة كراهة ذلك , و أهل المدينة أهل الشأن , قال ابن وضاح رحمه الله : " و كان مالكٌ و غيره من أهل المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد , و تلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم , ما عدا قباء وحده "
و قال : " و سمعتهم يذكرون أن سفيان – يعني الثوري – دخل مسجد بيت المقدس , فصلى فيه , و لم يتبع تلك الآثار , و لا الصلاة فيها . و كذلك فعل غيره أيضاً ممن يقتدى به .
و قدم وكيع أيضاً مسجد بيت المقدس فلم يعدُ فعلَ سفيان " ا.هـ
نقله الشاطبي في الاعتصام و لم يتعقبه .
نعم .. ساروا على طريقة أئمة الدين المتبعين , و قد كان الناس يدخلون في الإسلام جراء الفتوحات , و لم يذكر أنهم أخذوا بعضهم إلى تلك الآثار ليقولوا من هنا مرَّ نبينا , و هنا نزل , و صعد ذاك الجبل , و استراح تحت تلك الشجرة , الخ .
و زوال الآثار بالإهمال كزوالها بالهدم , و سواء كانت الشجرة أخفيت كما في خبر ابن عمر أو أزيلت كما في خبر نافع مولاه فإن ذلك دليل على عدم الخصوصية , و أنه لو كان بقاؤها لازماً و رعايتها محمودة لما حصل ذلك , فلا غضاضة على أهل الإسلام إن رأوا مصلحة للمسلمين عامة – كطريق عام - أن يهدموا أثراً لم يأت الشرع بتعظيمه , أما إذا خيف من فتنة قد تحصل فلا شك أن حماية جناب التوحيد أولى من تعبيد الطرق و ما شابه ذلك .

و هذا فهم علمائنا المشهود لهم بالعلم و رجاحة العقل , فقد وجه الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – بهدم بيت الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب , لما خشي أن يفتتن به الناس .
أما قاعدة سد الذرائع فهي و الله القاعدة التي طالما خدشتها مخالب المنتسبين إلى العلم , و الجفاء لها واضح مستبين , و واقع الأمة شاهد على ذلك , فهاهي الأضرحة في العالم تُعبد من دون الله , و البدع ظاهرة , و لو أعملت هذه القاعدة على وجهها لما حصل هذا , و قد ذهبتَ يا دكتور إلى قبور كثيرة و رأيتَ ما فيها من البدع والشرك , فبالله أي قاعدة أقل استعمالاً عند فقهاء الوقت من هذه القاعدة ؟
و أخص باب ينبغي أن تعمل هذه القاعدة فيه هو هذا الباب , قال الطرطوشي في الحوادث و البدع : " اعلم أن الحرف الذي يدور عليه هذا المذهب إنما هو حماية الذرائع " .
و قد قال أبو مسعودٍ البدري – رضي الله عنه - : " إني لأترك أضحيتي و إني لمن أيسركم ؛ مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة " أخرجه البيهقي و صححه ابن حجر .
فانظر إلى حرصه , تركَ السنة خشية أن يُظن أنها واجبة ! , و ما هي إلا انتقال من مشروع إلى مشروع , ولكنه سدُّ الذريعة .
و انظر إلى كلام الشاطبي في الاعتصام حيث يقول : " وحكى الماوردي ما هو أغرب من هذا - وإن كان هو الأصل - ، فذكر: أن الناس كانوا إذا صلوا في الصحن من جامع البصرة أو الكوفة، ورفعوا من السجود؛ مسحوا جباههم من التراب؛ لأنه كان مفروشا بالتراب، فأمر زياد بإلقاء الحصى في صحن المسجد، وقال: لست آمن أن يطول الزمان، فيظن الصغير إذا نشأ أن مسح الجبهة من أثر السجود سنة في الصلاة .
وهذا في مباح، فكيف به في المكروه أو الممنوع؟ " ا.هـ .
و لا ننسى خبر أبي العالية في إخفاء المسلمين قبر دانيال , فإنهم حفروا له ثلاثة عشر قبراً متفرقة بالنهار , ودفنوه بالليل !! , و لم يكتفوا بإقامة برامج توعية للناس !! , و هذا جاء بإسناد صحيح .
و علق ابن القيم على هذا الخبر فقال رحمه الله : " و لو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف " .
و قد نبه الشاطبي إلى أمر مهم جداً ينبغي التفطن له خاصة بعد انهماك المشايخ في توثيق رحلاتهم بالصور , وعرضها على الناس في مواقع التواصل الاجتماعي , قال رحمه الله بعد أن ذكر بعض البدع : " و جميع هذا منوطٌ إثمه بمن يترك الإنكار من العلماء أو غيرهم , أو من يعمل ببعضها بمرأى من الناس , أو في جوامعهم , فإنهم الأصل في انتشاء هذه الاعتقادات في المعاصي و غيرها "
و قد سبقه أبو شامة إلى هذا التنبيه فقال : " فلا ينبغي للعالم أن يفعل ما يتورط العوام بسبب فعله في اعتقاد أمر على مخالفة الشرع وقد امتنع جماعة من الصحابة من فعل أشياء إما واجبة وإما مؤكدة خوفا من ظن العامة خلاف ما هي عليه .
قال الشافعي رحمة الله تعالى عليه : وقد بلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة .

وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال اشتروا بهما لحما ثم قال هذه أضحية ابن عباس .
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وقد كان قلما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة .
قال : وإنما أراد بذلك مثل الذي روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما "
و أحسب بعد هذا أن كلمة الغلو التي أطلقها الدكتور ستتلاشى و الله أعلم .
و بعدُ .. فاستعمال الصنعة الحديثية في أثرٍ مخالف , و ترك استعمالها في آثار موافقة , مع الاعتماد عليها , أمر ليس بالحسن , و لا يفعله المنصفون , و من منهج أهل السنة أنهم يذكرون ما لهم و ما عليهم , فلينتبه لهذا ".
جزى الله الباحث سليمان المهنا خيرا على هذا الرد الضافي منتظرين من الدكتور الطريري ردا يثري الحق ويقربنا منها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..