عبدالواحد الأنصاري
أولاً: مصادر العميم في نقد البليهي
اعتمد
علي العميم في نقده للبليهي (الذي نشرت الحلقة الأولى منه في "الشرق
الأوسط" 4/2/2012، والحلقتان الأخريان على التوالي) على ثلاثة منطلقات:
المنطلق الأول:
قبل
كل شيء تحضرنا في نقد البليهي مقالتان كتبهما في الرد عليه المفكر التونسي
السلفي أبو يعرب المرزوقي، حيث اتهمه المرزوقي بأنه يتبنى آرية أشد من
آريّة هتلر، وتلك المقالة بدت ثقيلة على أنصار البليهي، بوصفها صادرة من
مفكر له ثقله العلمي والفكري معاً وتاريخه في قراءة ونقد الفلسفة، فلم
تواجه اعتراضات تذكر إلا على شاكلة ما علق عليها خالد الغنامي في مقاله:
"بين المرزوقي والبليهي هنالك طريق".
واعتمد
مقال المرزوقي المجزأ إلى حلقتين على نقد الفكر البليهي تاريخياً وفلسفيا،
والأهم أخلاقياً، بجعله نموذجاً منقولا من التجربة الآرية، وكل ما قام
العميم به هو التنويع على مقالة المرزوقي، أو الكتابة عما تحدثت عنه
اعتماداً على مصادر أخرى، وسبق أن كتب آخرون رداً على هذه الأفكار في حلقات
كيوسف الصمعان في صحيفة عكاظ.
المنطلق الثاني:
اقتناص
بعض الأخطاء الموجودة في المقدمة المرتجلة لعبدالله المطيري في الكتاب
المنشور عن البليهي بعنوان: "البليهي في حوارات الفكر والثقافة". حيث استغل
علي العميم معلومات مغلوطة نشرها المطيري في تقديمه للكتاب المنشور عن
البليهي وبيئته، في زعمه أنه كان متابعاً للفكر والثقافة العربية منذ نعومة
أظفاره، وأنه لم يتأثر بالمد الفكري الماركسي ولا الإسلامي، ووصف بيئته
بأنها لم تكن مطلعة على الفكر العربي، ورغم ذلك أخرجت البليهي المفكر،
ومعلوم لكل متابع أن هذا الكلام غير صحيح بداهة، فتلك البيئة هي التي أخرجت
ناصر السعيد وعبدالله القصيمي وغيرهما، وأخرجت أوائل المتأثرين بالإخوان
المسلمين في مصر، بعد أزمتهم مع عبدالناصر، وحتى العميم لن يكون دقيقاً في
نقده بتعميمه، سواء قصد أن الفكر العلماني أو الإسلامي (أياً منهما) لم يكن
وصل إلى حائل والقصيم في وقت مبكر.
قام
العميم بالرجوع إلى بحث قدمه البليهي للتخرج في جامعة الإمام؛ سبق وأشار
إليه الذايدي وغيره؛ ليثبت من ذلك البحث (الذي قدمه تقديما شبيهاً
بالاعتراف المنسيّ) ما هو معاكس تماماً لما ورد في تقديم المطيري: وهو أن
البليهي لم يكن مطلعاً على الثقافة العربية ولا يعرف ولا الفروق بين طبقات
مثقفين مشاهير كطه حسين والعقاد، ولا مدركاً للمراحل التي مر بها سيد قطب
قبل أن يصبح إسلامياً، ولم يكن مطلعاً (كبعض معاصريه) على بعض الأفكار
المنتشرة في عصره الماركسية. بل (وهنا الطامة بحسب العميم) إن البليهي كان
من المتأثرين المبهورين بالفكر الإخواني ممثلاً في سيد قطب، بل كان الرجل
الثاني في العالم الذي أشاع وروج لفكر سيد قطب بين النجديين أنفسهم قبل أن
يعرفوه (على حد زعم بحثه الجامعي)، بل كان يقول عن فكر سيد قطب: "إن الفكر
الإسلامي المعاصر قد تكامل واستوى على سوقه، فاشتدت حاجته إلى الترويج
والتسويق".
ويتجاوز
العميم ذلك إلى الاستشهاد من تلك المقدمة (مقدمة بحث التخرج) على أن
البليهي كان متأثراً – قبل ترويجه لفكر سيد قطب - بمفكر "أصولي" هو محمد
أسد (هذا الوصف لا يسلم للعميم، لكن ليس هذا موضع نقده)، وهو المفكر الذي
استفاد منه إسلاميون كالندوي والمودودي وسيد قطب نفسه. لينتهي في آخر هذا
الجزء من نقده للبليهي إلى أنه كان مأخوذاً بسيد قطب، ومنقطعاً عن الثقافة،
وتلقى الفكر الليبرالي مثل تلقي الصحوي للفكر الصحوي، ورغم انتقاله إليه
فإنه يتشبه بالصورة التي رسمها لسيد قطب في "بحث التخرج" واصفاً إياه بأنه
لم يمر بتحولات أو تأثرات فكرية، فكذلك البليهي أراد أن يصور نفسه بأنه لم
يمر بأي تأثر في تقمص للنموذج "القطبي" حتى في صبغته "الليبرالية".
وينتقل
العميم إلى أن المطيري قام بتبرئة البليهي من الفكر الماركسي والإسلامي،
بيد أن البليهي كان إخوانياً إسلامياً، وهذا ما حال بينه وبين التحول إلى
حداثي ليبرالي، بيد أنه لو كان ماركسياً لسهل عليه أن يصبح حداثياً. وهذا
ما يتم به نقض مقدمة عبدالله المطيري عن سيرة إبراهيم البليهي في مقدمة
كتاب "البليهي في حوارات الفكر والثقافة".
وهذه
المعلومات المقترنة بتحليلها يبدو أن البليهي لم يشر إليها في مسيرته
الفكرية بعد التخرج في جامعة الإمام، وربما كان يعمّي دونها ما استطاع إلى
ذلك سبيلاً، وكانت هي الورقة الثانية لدى العميم في نقد البليهي، باستخراج
جزء من ماضيه لإدانته به.
ولعل
السبب في لجوء العميم إلى هذه الطريقة هي نقطة مهمة تعتمد على تأثيرها
النفسي، لأن الإحراج هو أقل ما يمكن أن تتسبب به للبليهي ومعجبيه، ففي ظل
أن كثيراً من المفكرين العرب والسعوديين وغيرهم يميلون إلى تصوير ماضيهم
على أنه ناصع وأنهم كانوا مهتمين بالفكر ويتمتعون بالاستقلال منذ نعومة
أظفارهم (كحال الأنبياء)، أو العكس وهو أنهم كانوا مضللين وناضلوا ليفيقوا
(كحال النوابغ فجأة)، لا يستطيع البليهي أن ينتسب إلى هؤلاء ولا إلى أولئك،
بل هو رجل يشعر بالحرج من ماضيه هو وتلاميذه ويعمّون دونه ما استطاعوا.
المنطلق الثالث:
إثبات
وقوع البليهي في السرقة والاختلاس، بإثبات اختلاسه من فؤاد زكريا، نقلاً
من توفيق الحكيم (في قضية التخلف والتقهقر)، وكذا اختلاسه من أبي الحسن
الندوي (في قضية الباحثين عن الزبائل)، ثم نقله عن جان فور آستيه (في قضية
علم الجهل). ويؤخذ على النقطتين الأوليين أنّ العميم انتقد البليهي في
مسألة لها علاقة بحوار تلفزيوني شفويّ، وهذا الحوار لا يمكن القطع من خلاله
باتهام البليهي بالاختلاس أو السرقة الأدبية، لأن الإنسان في حال الحوار
والإجابة على الإشكالات ليس في وضع الكاتب أو الباحث الذي يجب أن يعزو ما
يقتبسه عن مصدره، بل إنه في كثير من الأحوال، حتى لو استطاع المتكلم أن
يعزو القول إلى قائله فقد لا يستطيع لأن اسمه لا يحضره. وهذا مما يبين
تحامل العميم في نقده بصورة واضحة.
ثانياً: أمور تجاهلتها قراءة العميم
الأمر الأول مما تجاهله العميم:
أن
البحث الذي استند عليه في إدانة البليهي كان بحث تخرج من جامعة الإمام
لكلية الشريعة، وقد يكون مفروضاً عليه من المشرف على البحث، على غرار أكثر
البحوث المفروضة من قبل الجامعات الإسلامية، فلا تؤخذ نسبة ما فيه إليه
(فكرياً) على نحو جاد.
الأمر الثاني:
من
المآخذ على نقد العميم للبليهي أنه بعدما نسب تأثره إلى التيار القطبي
والإخواني ووصفه بأنه أسير لتنظيرات المودودي والندوي، فإنه أيضاً يعود
وينفي عنه أنه طرح أسئلة التخلف والنهضة، أسئلة مثل: لماذا تخلفنا وتقدم
الآخرون، وكيف لنا أن ننهض؟
ولو
أننا رجعنا إلى هذه المقولة لوجدنا أن من أبرز من وجهها هو أبو الأعلى
المودودي في مقاله القديم المشهور: "واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم". وأبو
الحسن الندوي في كتابه الأشهر: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"؟!
الأمر الثالث:
أنه
أغفل عناية البليهي في ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بفكر كلّ من
توماس كون وكارل بوبر، ومحاولته بث نظرياتهما في الأوساط العلمية والفكرية
والثقافية (خصوصاً بعد منتصف العقد الألفي الجديد)، ومرّ على ذلك مروراً
خفيفا في الجزء الأخير بطريقة الإشارة إلى أن البليهي اقتصر على نقل
العناوين فحسب. ولا شكّ أن البليهي عانى ما هو وراء ذلك، لأنه اشتكى بنفسه
من عدم إحاطته بأعمال أمثال هذين الكاتبين؛ مع شدة توصيته بقراءتهما، التي
بلغت به أن وصل في مرحلة من المراحل إلى أنه كان يخاطب جمهوراً عادياً كما
في مركز الأمير سلمان بقوله: "اقرؤوا كارل بوبر وتوماس كون"، وكلنا نعلم أن
البليهي إنما يعاني الفقر في هذه المسألة ليس لأنه لم يقرأ، ولكنه لأنه لا
يقرأ سوى باللغة العربية، وأغلب أعمال هذين الفيلسوفين لم تترجم حتى الآن.
ونحن هنا لا نقول إن البليهي تشرب هذه الفلسفة أو وظّفها بقدر ما دعا
إليها وبشّر بها؛ وأنى له غير ذلك وهو لا يزال في طور البحث عنها وهي لم
تترجم بعدُ وهو لم يقرأها حتى الآن؟! لكن لا بد من الإشارة إلى هذا التحول
"الترويجي" في خطاب البليهي لا في فكره، ولكن لعل العميم يصل إلى هذا الأمر
في الحلقات القادمة.
ثالثاً: المُخرج من هذه الحلقات
المُخرج
من هذه المقالات هو نقد تقديم المطيري للبليهي في كتاب "البليهي في حوارات
الفكر والثقافة" بإيراد معلومة مخبوءة (وإن كان الذايدي سبق إلى الإلماح
إليها) تنقض هذه المزاعم من مصدر موثق من "أوائل كتابات البليهي". ولو أن
هذه القراءة التي قدمها علي العميم كانت في نقد عبدالله المطيري وتقديمه
للبليهي لكانت قراءة وافية شافية، مفادها أن عبدالله المطيري على الأقل
"كاتب كاذب أو مغرر به"، لأن مُخرجها يصف المطيري (ومن ورائه شبح البليهي)
بأنه يقدم مغالطات عن المنطقة وعن فكرها، وعن البليهي وسيرته الثقافية
والفكرية، ويستخدم في ذلك إما الكذب المتعمد (وهذا لا يمكن أن يتهم به
المطيري، فقد يكون جاهلاً بسيرة البليهي التفصيلية) وإما التعمية والتضليل
لصالح بناء صورة ناصعة للبليهي في صيغة خبرية إنشائية لا علاقة لها
بالحقيقة (وهذا يصدق على عبدالله المطيري والبليهي).
لكن
وبما أن هذه المقالة اضطلعت بنقد البليهي فللمتابع والقارئ أن يتعقبها
بالتعليقات التي أوردناها، وهو ما لم يتلافه العميم في الحلقتين اللتين
تبعتا ذلك، بل اتجه إلى الإمعان في توظيفه من خلال عنوانه: "البليهي بين
تقسيم المطيري والذايدي". حين ذكر تقسيم الذايدي لإحدى مراحل البليهي على
أنها: مرحلة "النقد الثقافي والدعوة إلى تأسيس علم الجهل". فوصف العميم
مرحلة "النقد الثقافي" بأنها مرحلة "مربكة"، وعطف على ذلك في الحلقة
الثالثة ليصف "الدعوة إلى تأسيس علم الجهل"، بأنها "دعوى من البليهي بأنه
أول من أسس علم الجهل".
رابعاً: استطراداً مع المطيري
وبما
أن ثمرة جزء كبير من الأجزاء الثلاثة أنها قدّمت لنا المطيري على أنه إما
"جاهل بالبليهي أو أنه مخدوع به"، فإنه يهمنا أن نضيف هنا: كما أن العميم
قدم لنا البليهي (في الحلقة الأولى) وكأنه يتشبث بالتشبه والتقمص لشخصية
سيد قطب والتنويع عليها، فكذلك يسعنا أن نقول إن المطيري يشعر في نفسه بشبه
كبير في مسيرته الثقافية بالبليهي، ولذلك فهو يحاول أن يتقمّص البليهي،
ويتخلص في الوقت نفسه من عقده.
- فالبليهي متخصص في الشريعة. ولم يكن ملماً بالفقه وأصوله.
- والمطيري تخصص في الفقه وأصوله. وهو كذلك ليس ملمّاً بهما.
- والبليهي إلى قرابة العشرين لم يكن يعرف عن التيارات الفكرية شيئاً.
- والمطيري يعترف في حوار له في أحد المنتديات بأنه حتى السنتين الأخريين من الجامعة لم يكن قارئاً.
-
والبليهي رغم اعترافه بتخرجه من كلية الشريعة فإنه يحاول كثيراً التملص من
صلته بالاتجاهات الإسلامية، ويصف معجبوه كالمطيري الأمر بأنه مرحلة "إسلام
تقليدي" أو "إسلام مستنير" رغم أنه كان "إسلاما قطبياً".
-
والمطيري في مقالاته وحواراته عندما كان مدرساً للمواد الدينية في
الثانوية، كان يحيد عن الاعتراف بأنه يدرس المواد الدينية، وعندما يخطئ في
بعض الاصطلاحات ويناقشه مناقشوه بأنه غير متخصص يكتفي بأن ينطق لهم بعبارة
خجلى مفادها: "أنا تخصصي في الأصول". كما أنه حين يتحدث عن تاريخه العملي
كان يعرّف نفسه بأنه مدرس في ثانوية، أو يعمل في المجال التربوي، وحتى
عندما يطلب منه أحد معجبيه في أحد المنتديات أن يقدم له سيرة عن نفسه يعجز
أن يقول له: تخرجت في أصول الدين وعملت مدرساً للمواد الدينية. ويكتفي بأن
يحيله إلى رابطه في جامعة الملك سعود، بل ويزيد على ذلك بأن يجيب من يخاطبه
بأنه مدرس دين في الثانوية بأن الأمر تغير منذ ستة أشهر ولم يعد الأمر
كذلك!
- والبليهي يعاني ويشكو من ضعفه في اللغة الإنجليزية.
-
والمطيري يركض هنا وهنالك ليحصل على دورة في الإنجليزية في الداخل مدة
تسعة أشهر. ودورة في بريطانيا مدة شهر. ودورة في كندا مدة شهر. لينتهي به
الأمر مبتعثاً إلى أميركا، عله يتخلص من "كابوس البليهي".
وكل
هذا لا يجعلنا واثقين من أن المطيري قام بتزوير الغلط الذي كشفه العميم في
ماضي البليهي عمداً، بل قد يكون ملمّاً بصورة إجماليّة بهذا الماضي
ومتأثراً على الصفة المذكورة، لكنه غير ملمّ بتفاصيله.
خامساً: استطراد في مآخذ على العميم
بغض
النظر عن بعض العبارات المتشنجة لدى العميم في نقده للبليهي مثل: "الحبل"
و"التناسل" وغيرها. وعن الضعف اللغوي والتفاوت في المستوى الأسلوبي. وعن
الانقطاع وسوء الترتيب فيها.. فإن عليه بعض مآخذ يمكن الاستطراد فيها
ونكتفي منها بثلاثة.
مأخذ:
من
المآخذ على نقد العميم أنه حين تحدث عن أحد الكتب التي انتقدها البليهي،
منتصراً لمحمد الغزالي، قام العميم بوصف غلاف الكتاب! دون أن يذكر عنوانه!
وهذا
إنما يشير إلى أحد أمرين: أنه اطلع على مقال البليهي الذي لم يذكر فيه
الكتاب، أو أنه أخفى عنوان الكتاب لحاجة في نفسه! وعندئذ نسأله: لماذا كتمت
عنوان الكتاب؟!
إنه لمن الغريب أن تنتقد شخصاً، وتشير إلى رده على أحد الكتب، ثم تكتفي بوصف الكتاب بهذه الصفة:
"كتاب
في غلافه صور كل من: رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده،
ولطفي السيد، ومحمد حسين هيكل، وسعد زغلول، وطه حسين، وخالد محمد خالد،
ومصطفى كمال، وجمال عبد الناصر"! أهـ، ثم لا تذكر اسم الكتاب ولا مؤلفه!
مأخذ:
يبدو
أن العميم تجاوز في نسبة البليهي إلى الاتجاه الإسلامي، حتى إنه أصبح يسخر
من أي تشبيه أو توظيف لأيٍّ من الأسماء الإسلامية التي ترد في كلام
البليهي.
ومثال
ذلك: أنه استنكر قيام البليهي بتشبيه ما تعرض له الغزالي (في حديثه عن
السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث)، بما تعرض له ابن عثيمين في قضية
المعيّة، وسخر العميم من ذلك.
فما
أدري: ما وجه السخرية؟ ألانعدام وجه الشبه بين المثالين؟! أم لاستنكاره
التشبيه بأي شخصية دينية، حتى لو كان المشبّه شخصية دينية؟!
ماذا
كان العميم ينتظر؟! هل كان ينتظر أن يشبه البليهي ما تعرض له الغزالي
بمحاكم التفتيش؟! أو اللوثرية؟ أو توماس مور؟! حتى يكون المثال مغرياً
وجذاباً؟! إن كان الأمر كذلك فهي سطحية ما بعدها سطحية.
إن
النقد الذي وجهه بعض علماء السعودية إلى ابن عثيمين في مسألة ما سمي
المعية الذاتية، كان مناسباً لأن يضرب به المثال، بل كان أشد، لأن ابن
عثيمين تعرض للنقد في قضية لها علاقة بالأسماء والصفات، وهي مسألة غير هيّن
في المملكة العربية السعودية أن ينتقد فيها أحد كبار علمائها، وأثارت
زوبعة هائلة، بل وألفتْ فيه كتب من بينها كتاب الشيخ حمود التويجري المعنون
بـ"علو الله ومباينته لخلقه والرد على من زعم أن معية الله للخلق ذاتية".
وأثارت ضده شطراً من أهل العلم حتى اضطر إلى توضيح مقصده منها للعلماء
والاعتذار منها والتراجع عنها بعد ذلك.
فما وجه الغرابة في التشبيه؟!
مأخذ:
حاول
العميم في الحلقة الثانية من ردّه أن يوحي بأن الإسلاميين كانوا شعوبيين
معادين للعروبة، مستشهداً في بعض حديثه بكتاب الليبي محمد رمضان "الشعوبية
الجديدة"، وذلك بهدف الربط بين الشعوبية التي يلتمسها الناقد في طرح
البليهي والتوجه الإسلامي أو القطبي! وهذا مطلب في غاية التكلف، لأن الفكر
الإسلامي إنما يعادي الاتجاه العروبي القومي، وهذا ليس سراً، فقد كان هذا
اتجاه الساسة والعلماء المخالفين للتيار القومي وعلى رأسهم الملك فيصل رحمه
الله وغيره من العلماء، وهو مسطّر حتى الآن في مادة المذاهب المعاصرة في
المملكة العربية الإسلامية، ولا يوجد أدنى رابط بين ذلك وبين الإخوانية،
واتهام الندوي أو المودودي أو ظهير أو سيد قطب بالشعوبية ليس أكثر من تهمة
باردة لا تقف على ساق، فضلاً عن تقوم على كتاب "الشعوبية الجديدة"، بل إن
الغزالي نفسه (الذي كان يقف معه البليهي ووصفه العميم بأنه كان متحالفاً مع
عبدالناصر ضدهم، وهو قول غير دقيق) كان لديه كتاب ينتقد فيه بعض التوجهات
القومية، وهو كتاب "حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي"، ولم
يجعله ذلك في مصافّ الشعوبيين.
وكذلك
فمن ينتقد طغاة العرب، أو تخلفهم، أو تجاهلهم للدين ويحملهم ذنب انحطاط
الأمة الإسلاميّة، أو أنه الخونة منهم كانوا المسمار الأخير في النعش
العثماني، فهو ليس شعوبيّاً كما حاول العميم أن يصوّر ذلك، بل لو كانت تلك
هي الشعوبية، فرأس الشعوبيين هم الحداثيون والليبراليون وبعض الإسلاميين،
الذين يرون أن العرب أيام الخلافة الأموية والعباسية (قبل العثمانية) خانوا
الحكم بالشورى، وكانوا خانعين غير ثوريين، وكانوا هم وحكامهم سببا
للانحطاط والتخلف، وبالتالي فمن يقول بذلك فهو شعوبيّ. وهذا قول لا يصير
إليه عاقل، لأن كثيراً من الحداثيين والليبراليين قوميون. وأما الإسلاميون
فهؤلاء يمثل الإسلام لهم قيمة متعارضة مع الاتجاه القومي المعاصر، وينتقدون
العرب (كما ينتقدهم غيرهم بموازينه) بميزان إسلامي، فإذا سقط العرب (في
نظرهم) وفقاً لهذا الميزان، فلا علاقة لذلك بالشعوبية من قريب أو بعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..