الثلاثاء، 11 مارس 2014

"مكافحة التحرش" أم "مكافحة التغزل والملاطفة"؟!

 توقفتُ طويلا عن تغريدة غاضبة .. أو قنبلة أطلقتها أختنا الأستاذة"الجازي" ونصها :
(مشروع نظام مكافحة التحرش باختصار"ارتاحي يا حبيبتي لن يقترب منك إلا من ترغبين في وصاله" :
تشريع الزنا).
توقفت عند هذه التغريدة طويلا،لأنني كل ما قرأت تلك الدعوات المتكررة عن تجريم التحرش ..
قبل كل شيء .. نعم لا بد من وجود عقوبة صارمة ومحددة للتحرش بالنساء .. ولكن لحمايتهن لا مبررا للاختلاط ..
أعود إلى تلك الدعوات المتكررة لوضع قانون يعاقب المتحرش .. كنوع من بث الطمأنينة في نفوس الممانعين للاختلاط،أو لبث الطمأنينة في نفس المرأة بأنها ستكون محمية بقوانين صارمة.
للأسف أن الأمر يتم تبسيطه بشكل مخل .. وقد فصلت في ذلك في مقالات جمعتها تحت عنوان واحد هو ( أين يذهبون بالمرأة .. السعودية) .. وبينت فيه أن المرأة حين تتجرأ وتتقدم بشكوى ضد من تحرش بها .. فإنها تتحول إلى مجرد"مدعية" .. تقف أمام المحكمة لتقص ما قيل لها .. وتثبت ذلك .. إلى آخر الإجراءات القانونية المعروفة.
قلت أن الأمر يتم تبسيطه وكأن القانون نفسه هو الذي سيحمي المرأة،رغم أننا نرى الغرب قد سن تلك القوانين .. ولم يتوقف التحرش بالنساء ولا اغتصابهن!!
لتقريب الفكرة وأن الأمور في بدايتها يتم التشدد فيها وسن عقوبات .. وفرض غرامات .. ثم تتراخى الأمور مع التعود .. سنأخذ لمحة من أمريكا .. والسعي نحو حماية المرأة ... وعدم جعلها (موضوعا جنسيا) فقط .. وقد تبنت ذلك الأنثويات،كتب الأستاذ خالد القشطيني .. (انتقلت الأنثوية إلى ما يسمى بالصحة السياسية (..) انتشرت هذه الحركة بشكل مخيف ومضحك في الولايات المتحدة بصورة خاصة،أصبحت أي كلمة أو تصرف أو حركة تنم عن تباين بين الذكر والأنثى أو تحرش من الذكر بالأنثى سببا مبررا لمطاردة الرجل واضطهاده وطرده من وظيفته وبيته أيضا إذا أمكن وأصبحت الجامعات والمؤسسات الأمريكية تحذر رجالها من قول أي كلمة لطيفة لتلميذة أو زميلة في العمل (..) دارت الثورة الجنسية دورة كاملة من الحرية الجنسية دخلنا إلى البارانيو الجنسية،أصبح الرجل الأمريكي يخشى أي علاقة بالمرأة كلمة واحدة وتتهمه بالمطاردة والمضايقة والتحرش (..) المحامون يركضون في كل مكان .. يسألون أي امرأة أمامهم : هل أزعجك رجل؟ هل تحرش بك أحد؟ وتنهال طلبات التعويض والغرامات ){ جريدة الشرق الأوسط العدد 6925 في 13 / 11 / 1997م}.
كان يفترض أن ننقل بعد هذا المشهد ... المشهد المناقض له .. لنرى كيف تحول ذلك الحماس لمعاقبة من يقول كلمة لطيفة لامرأة .. تلميذة .. أو زميلة .. إلخ.
ولكنني فضلت أن أنقل لكم مشهدا آخر .. أو شكوى زوجة .. قالت فيها .. (السلام عليكم جميعا .. متضايقه وخائفة ودموعي مخنوقة وسط عيني .. قد تعلمون أو لا تعلمون بمشكله قد كتبتها سابقا بالمنتدى عن زوجي وكيف انه قليل الإطراء والمدح والكلام عموما .. ومقارنه بأخلاق زوجي وحبه لي فلم أعطي الموضوع اكبر من حجمه فقد كنت أحاول ولازلت اسحب كلمات الحب منه سحبا .. وقد نصحني البعض منكم مشكورين بتجاهل الأمر وان اغلب الرجال هكذا ..اعذروني فلا اعرف كيف ادخل على مواضيعي السابقة ولا أن أرفق رابط موضوعي السابق..لم أكن اعلم بمدى حقيقة مشكلتي إلا مؤخرا .. أصبحت حساسة جدا لأي كلام غزل يوجه لي من ايشخص كان .. فبحكم عملي أتعامل مع أشخاص في شركات ومصارف عديدة ..وأتعرض باستمرار لكلمات إعجاب .. قد تكون مقصوده أو غير مقصوده .. قد يراها البعض مجرد مجامله .. وقد تسمعها أخرى وتمر عليها مرور الكرام.. ولكن بالنسبة لي أنا .. فانا اعمل منها قصه وأعيش أحلام اليقظة مع تلك الكلمات.. "صوتك دافىء مميز" .."هل تضعين العدسات.. عيونك لونها غريب".. "هل حقيقة انك متزوجة .. خسارة" .. يا إلهي كم انا ضعيفه امام أي كلمة مدح .. كم أنا عطشى لسماع تلك الكلمات .. بغض النظر عن مدى صدقها أو حقيقتها من قبلهم .. ولكنها كلمات تدخل قلبي وتسكن .. واحلم بها وأكررها بيني وبين نفسي .. محتاجتها كثيرا ..
الله يلعن ابليس)
هل سؤال مثل ( هل تضعين عدسات)؟ هل هذا غزل أم تحرش .. أم مجرد سؤال؟!
وهل سؤال ( هل حقيقة أنك متزوجة .. خسارة)؟! هل هذا غزل أم تحرش .. أم "خطبة" وإن كانت في مكان العمل؟!!
إن الكلام العام عن وضع نظام عقوبة للتحرش .. عبارة فضفاضة .. وتفترض – سذاجة أو خبثا – أن التحرش جريمة واضحة المعالم .. كالقتل أو الضرب .. وكأن كل متحرش سيتفوه بما يقصده بشكل مباشر .. وخصوصا حين يتعلق الأمر بزميلة يراها كل يوم .. وقد يبدأ التحرش أو التغزل بسؤال شديد البراءة .. عن لون عينيها طبعي أم عدسة؟
ما العقوبة المقترحة لمثل هذا السؤال؟
نعود إلى تلك الفترة التي تحدث عنها الأستاذ "القشطيني"والتي كان الرجل فيها يتجنب الركوب مع امرأة بمفرده في المصعد،خشية أن تدعي أنه تحرش بها .. فيدخل في متاهات المحاكم والقضايا . . وتنصح الجامعات أساتذتها بعدم قول عبارة مجاملة لتلميذة أو زميلة .. إلخ.
ما الذي حصل بعد ذلك .. أي بعد أن انقضت "موضة"الحرص الشديد على المرأة .. ومعاقبة من يقول لها مجرد كلمة مجاملة؟
يأتي الرد من فاطيما الأمريكية من أصل تركي،بعد أن سألها الأستاذ منير عامر،ماذا يفعل بعد أن يخون زوجته معها: ( افعل كما يفعل الأزواج هنا. إن لهم يوم الثلاثاء. إنهم يحاولون العثور على إذن خاص من العمل على أساس أن يعوضوا ذلك العمل بساعتين يوم الجمعة.
والشركات في غالبيتها تعرف أن يوم الثلاثاء هو يوم الخطأ الجماعي. فكل رجل يذهب مع امرأة أخرى غير زوجته،وكل امرأة (..) غالبا.
قلت : هل هناك اعتراف ضمني بالخطأ؟
قالت : افهمها بعقلك واحسبها بقلمك،أنت زرت أكثر من شركة أمريكية،بل أنت زرت بعضا من المباني العملاقة ورأيت الرجال والنساء ينحشرون في صناديق يسمونها حجرات. وكل حجرة لا يزيد طولها عن مترين وعرضها عن مترين،وارتفاعها حوالي مترين. أي أن هناك رجلين أو رجل وامرأة محبوسان في هذه الغرفة. والغرف الأخرى هكذا. وغالبا ما يحاول الرجل أن يبدو ظريفا. وغالبا ما تحاول المرأة أن ترتدي قناع السعادة. وفي الغالب هناك صالة كبيرة خارج هذه الحجرات فيها الكثير من النساء والرجال. وبعد أن يفرغ الحديث عن الأولاد والزوجات والأزواج لابد من أن يتطرق الحديث إلى النفس. إن ساعات النهار مليئة بالفجوات. ولا تصدق أن الأمريكي يعمل بدقة وجدية،إنه كائن كسول للغاية،ينجز العمل المطلوب منه في نصف ساعة في أول النهار،ونصف ساعة أخرى في منتصف النهار،ونصف ساعة ثالثة في آخر النهار. وينظر الرجل إلى ساعته. الوقت لا يتحرك. ينظر إلى المرأة. والمرأة تنظر إلى ساعتها. والوقت لا يتحرك. وكل منهما محبوس أما الآخر. وكل منهما في منتصف العمر. ماذا يفعلان؟ يتفقان على الغداء. ماذا بعد أن يأكلا معا لمدة ثلاثة أشهر أو سنة؟ لابد أن يصحو في جسد كل منهما نداء ما. وغالبا ما يحدث ذلك. تشتري المرأة ملابس خاصة للنوم. وهنا يشتري الرجل ملابس خاصة للنوم. ويأتي يوم الثلاثاء ويتعرف الجسدان كل منهما على الآخر في فندق ما،وهناك علاقات تستمر لمدة أعوام على ذلك الوضع،رغم أن كلا منهما يعود إلى منزله في المساء ليعطي جسده للزوج أو الزوجة يوم الإجازة الأسبوعية أو في يوم ليلة عيد الميلاد. وقد يعرف الرجل أن زوجته تفعل ذلك ولا يتكلم. وقد تعلم المرأة أن زوجها يفعل ذلك ولا تتلكم. وقد ينفجر الرجل ويطلق زوجته. وقد تجد المرأة أن حياتها مع زوجها مستحيلة فتحصل على الطلاق. ويحصل الرجل الذي يشاركها المكتب على الطلاق،ويبدآن الحياة معا. وعندما تبدأ المشاكل بينهما فهما يتذكران يوم الثلاثاء،وقصة الساعتين اللتين صنعتا هذا الحب. وعندما لا يحصل أحدهما على الطلاق،فإن حياتهما تسير بهذه الازدواجية. ولابد من وقود لهذا الاشتعال الأسبوعي اللامسؤول. إذن فليكن هناك مؤلفون للكتب التي تبعث على الإثارة. إن الجميع يعرف أن قراءة قصة فيها عن الجنس عشرات التفاصيل والأحداث،هذه القراءة تجعل الإنسان يعيش ملتهبا ومشتعلا. وهذا الاشتعال والتوهج يقرأه الرجل في أثناء ركوبه للقطار وهو ذاهب إلى العمل. وهذا التوهج تقرأه المرأة أثناء وجودها في العمل أو بعد أن تعود إلى المنزل،أو تسمع التفاصيل من الرجل الذي يشاركها المكتب.،وعندما يأتي ميعاد الغداء،قد يشتري الرجل والمرأة المشتركان في مكتب واحد سندويتشات ويذهبان ) { مسافة بين القبلات ) / منير عامر }
هكذا انتقل الأمر من تلك الشدة والعنف .. إلى هذا الواقع .. وتلاشت كل تلك العقوبات الصارمة – تطبيقا وإن ظلت في نصوص الأنظمة – أمام شهوات النفس ورغباتها ... والتأرجح بين العاطفة والرغبة الجسدية.
كمثال .. نجد في رواية (الحمام لا يطير في بريدة) تكرارا لمسالة سن قوانين ضد التحرش .. بل يقول لنا بطل الرواية"فهد" أن المشرع لو وضع ( قوانين صارمة ضد من يتحرش بالنساء،تصل إلى السجن لسنوات،لتردد هذا البدوي ألف مرة قبل أن يشهر سهمه نحوها) { ص 59 – 60 (الحمام لا يطير في بريدة) / يوسف المحيميد / المركز الثقافي العربي}.
هنا سأنقل لكم تفاصيل القصة التي عقب عليها "فهد"بالكلام المنقول أعلاه ،وعذرا لنقل هذا الكلام .. رغم أنني سوف أتجاوز بعض عباراته .. ولعلنا نتذكر كلام الأمريكية من أصل تركي .. عن تأثير سرد التفاصيل الجسدية في الروايات على الرجل والمرأة،كما نتذكر أن معظم الروايات الحديثة محشوة بتلك التفاصيل .. بل لعل بعضها تجاوز الروايات الغربية فحشا!!
على كل حال .. تصف لنا الرواية حالة فتاة تعمل صيدلية و تصرف الدواء لرجل معه طفلة ..( فيفا دول،ومضاد حيوي أوجمانتين،وشريط تحميلات عند اللزوم،أخذت قارورة المضاد الحيوي،وأشرات بالقلم فوق مستوى المسحوق الأبيض داخل القارورة،وقالت بان عليه أن يضيف ماء نظيف إلى هذا الحد،ثم يرج القارورة،كانت يدها البيضاء تهصر القارورة بشدة،وتهزها أمامه،وهي تقول : "ترجها بقوة"كانت نظرات البدوي الثاقبة تلتهمها،أخذ كيس العلاج ومشى خطوات قليلة،حتى توقف وأنزل صغيرته على الأرض،ساحبا قارورة المضاد الحيوي من الكيس،عائدا نحو فتحة الصيدلية ،,حينما مشى نحوها كانت تراقبه،إذ لاحظت أن (؟؟؟؟ ) ثوبه كخيمة،كسهم سينطلق،خجلت أغضت {هكذا!!} بصرها،سألها مرتبكا ،وقد رفع القارورة أمامها :"أحط الماء في هذي،ولا في قارورة ثانية!"أجابت بهزة رأسها وهربت إلى الرفوف الخلفية للصيدلية){ ص 59 ( الحمام لا يطير في بردية) / يوسف المحيميد / المركز الثقافي العربي}.
هذه الحادثة بهذه التفاصيل .. كيف ستكون العقوبة فيها؟ أو إثبات أن الرجل كان ينوي التحرش بالصيدلية ؟ وماذا ستكتب في شكواها؟ وإن حصلت على حكم .. ما ردة فعل أسرتها؟
وبعد .. سنختم بلقطة من كتاب ( مذكرات أميرة عثمانية في المنفى) ... لنرى "تطور" المرأة المسلمة من استنكار عري المرأة الغربية،في مستهل القرن العشرين .. إلى محاكاتها في منتصف نفس القرن!
فإلى حفلة في إحدى السفارات الأجنبية في الدولة العثمانية ..
(وتتحدث امرأة شابة عن زوجها،وهو موظف كبير في وزارة الخارجية. فهو رجل حديث يأخذها معه إلى كل الاستقبالات الرسمية. وتروي أنها رافقته،ذات ليلة،إلى عشاء دعت إليه السفارة السويسرية،وهي إحدى السفارات القليلة،التي ظلت على الحياد.
- فلم يكن هناك إلا أوربيات،أنيقات جدا،ولكن بلباس يكشف الصدور والظهور كشفا خجلت منه عنهن،والأدعى إلى الاستغراب،هو أنه ما من واحد من الرجال الحاضرين أعار ذلك انتباها. فهم يمشون بين هؤلاء النساء المعروضات بهذه الصورة دون أن يبدو عليهم أي اهتمام.
- ولكن هذا معروف،فالغربيون لا يملكون رغبات قوية،على ما تقول السيدة المجاورة لها،التي تبدي مظهر الخبير العليم،ولهذا فإن نساءهن يستطعن التنزه وهن نصف عاريات.
فيضحك الجميع.
- ما شاء الله – والحمد لله – إنه لا يمكن أن نقول مثل هذا عن رجالنا. فهم لا يستطيعون أن يلمحوا ساعدا،أو كعب قدم،من غير أن يُجَنّوا به!
وتتنهد امرأة سمراء جميلة،وتقول :
- كم يجب أن تكون هؤلاء الأوربيات بائسات. فلو كنت مكانهن لمت من الأسى.
- ولكنهن لا يعين ذلك .. فهن يحسبن بأنهن حرات،ويقلن إن رجالهن متسامحون،على حين أنهم غير مبالين.
){ص 75 – 76 (حياة أميرة عثمانية في المنفى) / كينيزي مراد / ترجمة : د.حافظ الجمالي/ دمشق / دار طلاس / الطبعة الأولى }.
هكذا .. تحول الحال في أمريكا من القوانين الصارمة لمن يغازل امرأة .. بكلمة .. إلى (الثلاثاء اللذيذ) .. وهكذا تحول استنكار عري المرأة الغربية .. إلى تقليدها .. والله غالب على أمره .. وصلى الله على القائل (حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..