بعد ثلاثة أشهر تحل الذكرى السادسة والثلاثين لتغييب الإمام السيّد موسى
الصدر ورفيقيه في ليبيا، من قبل معمر القذافي، في آواخر آب أغسطس 1978.
جيل مضى على تغييب الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس
بدرالدين، ولمّا يتكشف مصيرهم، ولا يزال لغزاً على الرغم من سقوط نظام
القذافي ومرور أكثر من ثلاثة أعوام على قيام السلطات الجديدة، التي تحاول
إغلاق هذا الملف تارة بالزعم أنها عثرت على بقايا رفات الإمام الصدر في أحد
السجون، وتارة أخرى عبر تسريبات إعلامية لمسؤولين حاليين وسابقين عن قيام
القذافي بتصفية الإمام الصدر ورفيقيه منذ فترة طويلة.
وأمام إصرار عوائل المخطوفين الثلاثة، والسلطات اللبنانية ممثلة بلجنة المتابعة المكلفة من مجلس الوزراء، على كشف الحقيقة كاملة وتقديم الأدلة العلمية والجنائية على أن هذه الرفات تعود للإمام الصدر أو لأحد رفيقيه، من خلال فحوضات الحمض النووي، والتي جاءت سلبية، ثمة محاولة لتمييع القضية في ليبيا.
وأبرز الشواهد على تقصير السلطات الليبية الجديدة هو عدم فتحها تحقيقاً حول قضية اختفاء الإمام الصدر مع قيادات سياسية وأمنية بازرة في النظام السابق لعبت دوراً خلال فترة اختطاف الإمام وفي المرحلة التي أعقبت ذلك.
وبالتأكيد كان لبعضهم دور في عملية الاختطاف والاحتجاز وعمليات التضليل لإنهاء القضية، وهم يعلمون مصير المخطوفين الثلاثة، على الأقل في الفترة التي كانوا فيها في سدة المسؤولية.
ومن أبرز هؤلاء عبدالسلام جلود، وقذاف الدم القذافي، وسيف الإسلام القذافي، والرائد عبدالمنعم الهوني، وموسى كوسا، ونوري المساري وغيرهم من بعض المسؤولين السابقين الذين إنشقوا عن القذافي ولهم دور اليوم في النظام الجديد.
ولعل ذلك السبب هو أحد أهم الأسباب التي تدفع السلطات الليبية الجديدة إلى إغلاق القضية وتمييعها، لحسابات سياسية وقبلية وشخصية، مثلاً عبدالسلام جلود وقبيلته المقارحة، وقاذف الدم وقبيلة القذاذفة، وخشية انكشاف تورط بعض المسؤولين السابقين-الحاليين ومطالبة الجانب اللبناني بمحاكمتهم أمام القضائين اللبناني والدولي.
وأعتقد أن القذافي قد نفذ عملية الاختطاف لمصلحة قوى لبنانية وفلسطينية كانت تخشى من شعبية الإمام الصدر في الساحة اللبنانية ولاسيّما الإسلامية، وبخاصة الشيعية.
وكانت هذه القوى منزعجة من مساعي الإمام الصدر المحلية والعربية لوقف الحرب الأهلية في لبنان، ومنع تفاقمها وامتدادها، الأمر الذي كان سيشكّل حاجزاً أمام مشروع هذه القوى للسيطرة على الساحة اللبنانية من جهة، ومانعاً لتسعير الحرب الأهلية وتمرير مشروع التقسيم الطائفي للبنان وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيه من جهة أخرى.
ومن الضروري التذكير بتحرك الإمام الصدر لهذه الغاية، بدءاً من اعتصامه مع بعض رفاقه في مسجد العاملية في رأس النبع احتجاجاً على استمرار الاشتباكات العسكرية في بيروت بين طرفي العاصمة، مروراً باتصالاته بجميع القوى والأحزاب اللبنانية والفلسطينية والقادة السياسيين والروحيين في لبنان للعمل على وقف إطلاق النار والتهدئة، والدخول في حوار وطني لبناني ولبناني- فلسطيني لحل المشكلات التي أدت إلى تفجير الحرب الأهلية الطائفية، وصولاً إلى تحركه على المستوى العربي مع الرؤساء والقادة والملوك العرب للمساعدة في وقف الحرب في لبنان من خلال التوقّف عن مدّ أطراف الصراع اللبنانيين والفلسطينيين بالسلاح والمال.
تقول عائلة الإمام الصدر أنه قام بجولة عربية في تموز يوليو1978 شملت سوريا والأردن والسعودية والجزائر لطلب مساعدتهم في الضغط على إسرائيل للانسحاب من المنطقة التي احتلتها في جنوب لبنان في آذا مارس1978وتنفيذ القرار الدولي 425.
وفي الجزائر أشار عليه الرئيس الراحل هواري بودمين بزيارة ليبيا لما لها من تأثير في مجريات الوضع العسكري والسياسي في لبنان نتيجة مدّها للكثير من القوى اللبنانية والفلسطينية بالمال والسلاح.
وهكذا كان حيث وجهت ليبيا دعوة للإمام الصدر لزيارتها في 25/8/1978 على أن يغادرها قبل الأول من أيلول سبتمبر.
بدأت زيارة الإمام الصدر في التاريخ المذكور وإنقطعت أخباره من اليوم الأول، ولما تنتهي الزيارة – المأساة!
ينقل الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا في كتابه “الإسلام السياسي في المغرب العربي”(Islamisme en Maghreb) رواية عن قصة إخفاء الإمام الصدر، ولا يذكر مصدرها، والأرجح سمعها خلال تحقيقاته ومقابلاته عن الإسلام السياسي في ليبيا.
تقول الرواية إن اللقاء بين الإمام الصدر والقذافي في آواخر تموز يوليو 1978 كان متوتراً جداً وكان النقاش حاداً بسبب الخلافات الفكرية والسياسية، وأنه في نهاية اللقاء قال القذافي لمعاونيه “إهتموا بالضيف” ففهموا الإشارة خطأ وقاموا بتصفية الإمام ورفيقيه.
ويروي البعض أن النقاش تطرق إلى موضوع الإسلام وأن الإمام الصدر حاجج القذافي في بعض أفكاره الشاذة وتأويلاته المنحرفة وأعلن رفضه لها، الأمر الذي أغضب القاذفي فقرّر الانتقام منه.
وعلى الرغم من محاولات القذافي الحثيثة لتضليل التحقيق اللبناني والادعاء بأن الإمام الصدر ورفيقيه قد غادروا الأراضي الليبية باتجاه العاصمة الإيطالية روما، وأنه لم يعرف عنهم شيئاً منذ مغادرتهم، إلا أن تحقيقات السلطات اللبنانية والإيطالية قد أثبتت كذب هذه الادعاءات وأكدت عدم مغادرة الإمام الصدر ورفيقيه ليبيا بعد دخوله أراضيها. هذا الأمر أكدته تحقيقات السلطات الليبية مؤخراً بعد سقوط نظام القذافي، من خلال تحقيقها مع عدد من المسؤولين والضباط السابقين.
حاول القذافي ونظامه مراراً إغلاق قضية الإمام الصدر تارة من خلال عرض أموال ورشى على عائلة الإمام الصدر والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وحركة أمل التي كان الإمام الصدر يترأسهما، وتارة أخرى عبر ضغوط على السلطات اللبنانية لوقف مساعيها وملاحقاتها القضائية للنظام الليبي.
ويقال إن أبو نضال مسؤول عن مقتل 900 شخص على الأقل في 20 بلداً مختلفاً من خلال عمليات اغتيال وتفجير وإرهاب وكان مطلوباً للانبربول الدولي وللكثير من أجهزة الاستخبارات الغربية والعربية، وجاء مقتله قبل أشهر من الغزو الأميركي البريطاني للعراق.
الولايات المتحدة رحبت بأنباء وفاة أبو نضال وقالت إن إيواء العراق له يظهر تواطؤ نظام صدام حسين في الإرهاب العالمي.
السؤال هو لماذا تخلص صدام من أبو نضال، هل خشية أن يفضح علاقته بالعمليات الإرهابية المشتركة في حال وقع أبو نضال أسيراً بيد الأميركيين في حال احتلال العراق، الذي كانت واشنطن تحضّر له منذ 2002، على غرار أبو العباس، زعيم “جبهة التحرير الفلسطينية” الذي أسرته القوات الأميركية في بغداد وقالت لاحقاً إنه توفي في السجن.
أم أن صدام حسين أراد تقديم خدمة للقذافي بالتخلّص من “أبونضال” الذي وصفه أحد الكتاب الغربيين بأنه “بندقية للإيجار” يعمل أجيراً لأنظمة دكتاتورية عربية في تنفيذ اغتيالات وتفجيرات إرهابية.
وقد نفى سيف الإسلام “أي مصلحة” لنظام والده في “إخفاء الصدر أو قتله”، وقال إن “هناك جهات أخرى كثيرة لها المصلحة في ذلك، كالموساد أو مجموعات فلسطينية”.
وهكذا حاول النظام الليبي الترويج لهذه الفرضية بأن أبو نضال قد يكون المسؤول عن إختفاف الإمام الصدر وتصفيته، لكنه بذلك أكد أن الإمام الصدر لم يغادر الأراضي الليبية وأنه بقي فيها بخلاف المزاعم الليبية السابقة!
ولا يستبعد أن يكون أبنضال قد قام بتنفيذ عملية الاختطاف لحساب القذافي آنذاك، ولكن المسؤولية تقع على النظام الليبي أولاً وأخيراً.
وقد ذكر سفير ليبيا الأسبق في الأمم المتحدة عبدالرحمن شلقم بعد انشقاقه عن القذافي عام 2011 وأنه يميل الى فرضية أن صبري البنا “أبو نضال” “قتل الإمام الصدر وأخفاه”، مشيرا الى أنه اكتشفت في ليبيا عشرات الجثث مدفونة في الفيلا التي كان يسكن فيها أبو نضال.
لكن مسؤولين ليبيين آخرين إنشقوا عن القذافي زعموا أنهم سمعوا أن القذافي قد أمر بتصفية الإمام الصدر ورفيقيه فور احتجازهم حيث تم دفنهم في الصحراء الليبية قرب مدينة سبها.
أحد أهم الخيوط التي كشف عنها تتمثل في أن بعض المشتبه فيهم فروا إلى خارج ليبيا، وهؤلاء يملكون المعطيات الأكيدة، وبعضهم لجأ إلى دول عربية وأخفى مكان إقامته.
كما كشف الوفد الليبي معلومات متضاربة عن أن السيد الصدر كان حياً لغاية عام 1994، ومعلومات أخرى تفيد بأنه كان لا يزال حياً خلال بدء الثورة الليبية في شباط فبراير 2011.
رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي قبل حله مؤخرا مصطفى عبدالجليل قال في حوار مع قناة “العربیة” أن التحقيقات التي أجراها القضاء الليبي في ظروف اختفاء الإمام الصدر ورفيقيه انتهت، وننتظر من اللبنانيين إعلان نتيجة فحص الحمض النووي لعيّنة من الجثمان الذي نعتقد أنه للإمام الصدر وقد زوّدناهم بها”.
وكان المتحدث الرسمي بإسم الحكومة الليبية ناصر المانع قد أعلن قبل ذلك بأسابيع أنه تم العثور في مقبرة في منطقة تاجوراء على رفات يُحتمل أن تكون للإمام الصدر وأنها نقلت إلى أحد مستشفيات العاصمة طرابلس لإجراء فحوص الحمض النووي عليها.
لكن وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عدنان منصور نفى ما أعلنه عبد الجليل. وقال: “إن هذا الخبر غير دقيق، وليس هناك من قرينة حاسمة حول دقّة المعلومات”.
اللجنة الرسمية لمتابعة قضية إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه ردت بدورها على كلام عبدالجليل، وأوضحت أن “الجانب اللبناني لم يتسلم عينة من أي جثة”.
وأشارت الى أنها “وافقت على تلبية طلب الجانب الليبي وحضرت عملية نبش لقبر جماعي وأخذ عينات من جثة يعتقد المحققون الليبيون أنها قد تعود للصدر، واستلمت أغراضاً وثياباً قيل إنها قد تعود له” وأكدت أنه “تم تكوين الملف العلمي بتجاوب كامل من عائلة الإمام، ومن ثم أجريت الفحوص والمقارنات مع الأغراض والثياب فكانت النتيجة سلبية، أي أنها لا تعود لسماحته”.
أما بالنسبة لعينات الجثة، فقد أكدت اللجنة أن الجانب الليبي نقلها لإجراء الفحوص بشأنها في دولة أوروبية ووافق الجانب اللبناني على الحضور وإجراء المطابقة في تلك الدولة، “مع العلم أن الفحوصات الأولية بيّنت أن الجثة لا تعود للصدر، خاصة لجهة الطول والعمر”.
وهكذا لا يزال الغموض يلف قضية الإمام الصدر منذ اختطافه إلى ما بعد مقتل القذافي وسقوط نظامه، وإن كانت أسباب إخفاء القذافي للإمام الصدر مجهولة فإن محاولاته لتضليل التحقيق مفهومة، أما محاولات النظام الليبي الجديد لإنهاء القضية كيفما كان فهي غير مبرّرة وغير مفهومة!
د. هيثم مزاحم
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
وأمام إصرار عوائل المخطوفين الثلاثة، والسلطات اللبنانية ممثلة بلجنة المتابعة المكلفة من مجلس الوزراء، على كشف الحقيقة كاملة وتقديم الأدلة العلمية والجنائية على أن هذه الرفات تعود للإمام الصدر أو لأحد رفيقيه، من خلال فحوضات الحمض النووي، والتي جاءت سلبية، ثمة محاولة لتمييع القضية في ليبيا.
وأبرز الشواهد على تقصير السلطات الليبية الجديدة هو عدم فتحها تحقيقاً حول قضية اختفاء الإمام الصدر مع قيادات سياسية وأمنية بازرة في النظام السابق لعبت دوراً خلال فترة اختطاف الإمام وفي المرحلة التي أعقبت ذلك.
وبالتأكيد كان لبعضهم دور في عملية الاختطاف والاحتجاز وعمليات التضليل لإنهاء القضية، وهم يعلمون مصير المخطوفين الثلاثة، على الأقل في الفترة التي كانوا فيها في سدة المسؤولية.
ومن أبرز هؤلاء عبدالسلام جلود، وقذاف الدم القذافي، وسيف الإسلام القذافي، والرائد عبدالمنعم الهوني، وموسى كوسا، ونوري المساري وغيرهم من بعض المسؤولين السابقين الذين إنشقوا عن القذافي ولهم دور اليوم في النظام الجديد.
ولعل ذلك السبب هو أحد أهم الأسباب التي تدفع السلطات الليبية الجديدة إلى إغلاق القضية وتمييعها، لحسابات سياسية وقبلية وشخصية، مثلاً عبدالسلام جلود وقبيلته المقارحة، وقاذف الدم وقبيلة القذاذفة، وخشية انكشاف تورط بعض المسؤولين السابقين-الحاليين ومطالبة الجانب اللبناني بمحاكمتهم أمام القضائين اللبناني والدولي.
أسباب إختطاف الإمام الصدر
لا تزال أسباب إختطاف القذافي للإمام موسى الصدر ورفيقيه مجهولة كمصيرهم، لكن هناك تحليلات ومعلومات غير مؤكدة تحاول تفسير العملية وفهم دوافع القذافي ومصلحته من التخلّص من الإمام الصدر.وأعتقد أن القذافي قد نفذ عملية الاختطاف لمصلحة قوى لبنانية وفلسطينية كانت تخشى من شعبية الإمام الصدر في الساحة اللبنانية ولاسيّما الإسلامية، وبخاصة الشيعية.
وكانت هذه القوى منزعجة من مساعي الإمام الصدر المحلية والعربية لوقف الحرب الأهلية في لبنان، ومنع تفاقمها وامتدادها، الأمر الذي كان سيشكّل حاجزاً أمام مشروع هذه القوى للسيطرة على الساحة اللبنانية من جهة، ومانعاً لتسعير الحرب الأهلية وتمرير مشروع التقسيم الطائفي للبنان وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيه من جهة أخرى.
ومن الضروري التذكير بتحرك الإمام الصدر لهذه الغاية، بدءاً من اعتصامه مع بعض رفاقه في مسجد العاملية في رأس النبع احتجاجاً على استمرار الاشتباكات العسكرية في بيروت بين طرفي العاصمة، مروراً باتصالاته بجميع القوى والأحزاب اللبنانية والفلسطينية والقادة السياسيين والروحيين في لبنان للعمل على وقف إطلاق النار والتهدئة، والدخول في حوار وطني لبناني ولبناني- فلسطيني لحل المشكلات التي أدت إلى تفجير الحرب الأهلية الطائفية، وصولاً إلى تحركه على المستوى العربي مع الرؤساء والقادة والملوك العرب للمساعدة في وقف الحرب في لبنان من خلال التوقّف عن مدّ أطراف الصراع اللبنانيين والفلسطينيين بالسلاح والمال.
تقول عائلة الإمام الصدر أنه قام بجولة عربية في تموز يوليو1978 شملت سوريا والأردن والسعودية والجزائر لطلب مساعدتهم في الضغط على إسرائيل للانسحاب من المنطقة التي احتلتها في جنوب لبنان في آذا مارس1978وتنفيذ القرار الدولي 425.
وفي الجزائر أشار عليه الرئيس الراحل هواري بودمين بزيارة ليبيا لما لها من تأثير في مجريات الوضع العسكري والسياسي في لبنان نتيجة مدّها للكثير من القوى اللبنانية والفلسطينية بالمال والسلاح.
وهكذا كان حيث وجهت ليبيا دعوة للإمام الصدر لزيارتها في 25/8/1978 على أن يغادرها قبل الأول من أيلول سبتمبر.
بدأت زيارة الإمام الصدر في التاريخ المذكور وإنقطعت أخباره من اليوم الأول، ولما تنتهي الزيارة – المأساة!
ينقل الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا في كتابه “الإسلام السياسي في المغرب العربي”(Islamisme en Maghreb) رواية عن قصة إخفاء الإمام الصدر، ولا يذكر مصدرها، والأرجح سمعها خلال تحقيقاته ومقابلاته عن الإسلام السياسي في ليبيا.
تقول الرواية إن اللقاء بين الإمام الصدر والقذافي في آواخر تموز يوليو 1978 كان متوتراً جداً وكان النقاش حاداً بسبب الخلافات الفكرية والسياسية، وأنه في نهاية اللقاء قال القذافي لمعاونيه “إهتموا بالضيف” ففهموا الإشارة خطأ وقاموا بتصفية الإمام ورفيقيه.
ويروي البعض أن النقاش تطرق إلى موضوع الإسلام وأن الإمام الصدر حاجج القذافي في بعض أفكاره الشاذة وتأويلاته المنحرفة وأعلن رفضه لها، الأمر الذي أغضب القاذفي فقرّر الانتقام منه.
وعلى الرغم من محاولات القذافي الحثيثة لتضليل التحقيق اللبناني والادعاء بأن الإمام الصدر ورفيقيه قد غادروا الأراضي الليبية باتجاه العاصمة الإيطالية روما، وأنه لم يعرف عنهم شيئاً منذ مغادرتهم، إلا أن تحقيقات السلطات اللبنانية والإيطالية قد أثبتت كذب هذه الادعاءات وأكدت عدم مغادرة الإمام الصدر ورفيقيه ليبيا بعد دخوله أراضيها. هذا الأمر أكدته تحقيقات السلطات الليبية مؤخراً بعد سقوط نظام القذافي، من خلال تحقيقها مع عدد من المسؤولين والضباط السابقين.
حاول القذافي ونظامه مراراً إغلاق قضية الإمام الصدر تارة من خلال عرض أموال ورشى على عائلة الإمام الصدر والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وحركة أمل التي كان الإمام الصدر يترأسهما، وتارة أخرى عبر ضغوط على السلطات اللبنانية لوقف مساعيها وملاحقاتها القضائية للنظام الليبي.
إتهام أبو نضال بتصفية الإمام الصدر
في آب أغسطس 2002، أعلن نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز أن زعيم حركة “فتح – المجلس الثوري” الفلسطينية صبري البنا المعروف بـ”أبو نضال” قد توفي في بغداد وقال إنه انتحر في شقته السكنية في بغداد.ويقال إن أبو نضال مسؤول عن مقتل 900 شخص على الأقل في 20 بلداً مختلفاً من خلال عمليات اغتيال وتفجير وإرهاب وكان مطلوباً للانبربول الدولي وللكثير من أجهزة الاستخبارات الغربية والعربية، وجاء مقتله قبل أشهر من الغزو الأميركي البريطاني للعراق.
الولايات المتحدة رحبت بأنباء وفاة أبو نضال وقالت إن إيواء العراق له يظهر تواطؤ نظام صدام حسين في الإرهاب العالمي.
السؤال هو لماذا تخلص صدام من أبو نضال، هل خشية أن يفضح علاقته بالعمليات الإرهابية المشتركة في حال وقع أبو نضال أسيراً بيد الأميركيين في حال احتلال العراق، الذي كانت واشنطن تحضّر له منذ 2002، على غرار أبو العباس، زعيم “جبهة التحرير الفلسطينية” الذي أسرته القوات الأميركية في بغداد وقالت لاحقاً إنه توفي في السجن.
أم أن صدام حسين أراد تقديم خدمة للقذافي بالتخلّص من “أبونضال” الذي وصفه أحد الكتاب الغربيين بأنه “بندقية للإيجار” يعمل أجيراً لأنظمة دكتاتورية عربية في تنفيذ اغتيالات وتفجيرات إرهابية.
لكن ما علاقة أبونضال بالقذافي وبقضية الإمام الصدر؟
المعروف أن أبو نضال كان يقيم لفترة طويلة في ليبيا ويعمل في خدمة مخطات القذافي الإجرامية والإرهابية، ولما إشتد الحصار على النظام الليبي وأراد تنظيف صفحته مع الغرب، طلب منه المغادرة فإنتقل ابو نضال إلى بغداد. وبعد مقتله سارع سيف الإسلام القذافي، إلى الإعلان أنه لايستبعد تورط صبري البنا (ابو نضال) في قضية اختفاء الامام وسى الصدر، حين كان في زيارة الى ليبيا نحو 24 عاماً، زاعماً أنه تم العثور في سكن أبو نضال إبان اقامته في ليبيا، على جثث لأشخاص قام بقتلهم.وقد نفى سيف الإسلام “أي مصلحة” لنظام والده في “إخفاء الصدر أو قتله”، وقال إن “هناك جهات أخرى كثيرة لها المصلحة في ذلك، كالموساد أو مجموعات فلسطينية”.
وهكذا حاول النظام الليبي الترويج لهذه الفرضية بأن أبو نضال قد يكون المسؤول عن إختفاف الإمام الصدر وتصفيته، لكنه بذلك أكد أن الإمام الصدر لم يغادر الأراضي الليبية وأنه بقي فيها بخلاف المزاعم الليبية السابقة!
ولا يستبعد أن يكون أبنضال قد قام بتنفيذ عملية الاختطاف لحساب القذافي آنذاك، ولكن المسؤولية تقع على النظام الليبي أولاً وأخيراً.
وقد ذكر سفير ليبيا الأسبق في الأمم المتحدة عبدالرحمن شلقم بعد انشقاقه عن القذافي عام 2011 وأنه يميل الى فرضية أن صبري البنا “أبو نضال” “قتل الإمام الصدر وأخفاه”، مشيرا الى أنه اكتشفت في ليبيا عشرات الجثث مدفونة في الفيلا التي كان يسكن فيها أبو نضال.
لكن مسؤولين ليبيين آخرين إنشقوا عن القذافي زعموا أنهم سمعوا أن القذافي قد أمر بتصفية الإمام الصدر ورفيقيه فور احتجازهم حيث تم دفنهم في الصحراء الليبية قرب مدينة سبها.
التحقيقات الليبية الأخيرة
زار وفد قضائي ليبي العاصمة اللبنانية بيروت مؤخراً حيث أجرى اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين، ابلغ السلطات اللبنانية أن السلطات الليبية باشرت لأول مرة تحقيقاً جدياً في قضية الإمام الصدر ورفيقيه. وأشارت السلطات الليبية أنها حددت الشخصين الليبيين اللذين انتحلا صفة كل من السيد الصدر والشيخ يعقوب للتوجه من ليبيا إلى إيطاليا عام 1978 وأن أحد المشتبه فيهما موقوف لدى السلطات الليبية الجديدة، فيما يعيش الآخر قيد الإقامة الجبرية، ما يؤكد أن السيد الصدر ورفيقيه لم يغادروا ليبيا.أحد أهم الخيوط التي كشف عنها تتمثل في أن بعض المشتبه فيهم فروا إلى خارج ليبيا، وهؤلاء يملكون المعطيات الأكيدة، وبعضهم لجأ إلى دول عربية وأخفى مكان إقامته.
كما كشف الوفد الليبي معلومات متضاربة عن أن السيد الصدر كان حياً لغاية عام 1994، ومعلومات أخرى تفيد بأنه كان لا يزال حياً خلال بدء الثورة الليبية في شباط فبراير 2011.
رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي قبل حله مؤخرا مصطفى عبدالجليل قال في حوار مع قناة “العربیة” أن التحقيقات التي أجراها القضاء الليبي في ظروف اختفاء الإمام الصدر ورفيقيه انتهت، وننتظر من اللبنانيين إعلان نتيجة فحص الحمض النووي لعيّنة من الجثمان الذي نعتقد أنه للإمام الصدر وقد زوّدناهم بها”.
وكان المتحدث الرسمي بإسم الحكومة الليبية ناصر المانع قد أعلن قبل ذلك بأسابيع أنه تم العثور في مقبرة في منطقة تاجوراء على رفات يُحتمل أن تكون للإمام الصدر وأنها نقلت إلى أحد مستشفيات العاصمة طرابلس لإجراء فحوص الحمض النووي عليها.
لكن وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عدنان منصور نفى ما أعلنه عبد الجليل. وقال: “إن هذا الخبر غير دقيق، وليس هناك من قرينة حاسمة حول دقّة المعلومات”.
اللجنة الرسمية لمتابعة قضية إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه ردت بدورها على كلام عبدالجليل، وأوضحت أن “الجانب اللبناني لم يتسلم عينة من أي جثة”.
وأشارت الى أنها “وافقت على تلبية طلب الجانب الليبي وحضرت عملية نبش لقبر جماعي وأخذ عينات من جثة يعتقد المحققون الليبيون أنها قد تعود للصدر، واستلمت أغراضاً وثياباً قيل إنها قد تعود له” وأكدت أنه “تم تكوين الملف العلمي بتجاوب كامل من عائلة الإمام، ومن ثم أجريت الفحوص والمقارنات مع الأغراض والثياب فكانت النتيجة سلبية، أي أنها لا تعود لسماحته”.
أما بالنسبة لعينات الجثة، فقد أكدت اللجنة أن الجانب الليبي نقلها لإجراء الفحوص بشأنها في دولة أوروبية ووافق الجانب اللبناني على الحضور وإجراء المطابقة في تلك الدولة، “مع العلم أن الفحوصات الأولية بيّنت أن الجثة لا تعود للصدر، خاصة لجهة الطول والعمر”.
وهكذا لا يزال الغموض يلف قضية الإمام الصدر منذ اختطافه إلى ما بعد مقتل القذافي وسقوط نظامه، وإن كانت أسباب إخفاء القذافي للإمام الصدر مجهولة فإن محاولاته لتضليل التحقيق مفهومة، أما محاولات النظام الليبي الجديد لإنهاء القضية كيفما كان فهي غير مبرّرة وغير مفهومة!
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..