هو مَن قد اكتسب صفةَ الداعية؛ جرّاء اشتغاله بالتّبليغ، وارثٌ هو إذن
لمشغولات الأنبياء، وها هنا تتوكّد كل المعاني الجليلة التي يحتفُّ بها
القول الثقيل على النحو الذي ليس لأي أحدٍ أن ينهض بمهامه على التحقيق ما
لم يتوافر بالتالي على جملةٍ كبيرة من أخلاقياتِ هذه (المهمّة) حيثُ يأتي
في سُلّمِ أولوياتها: «الصّدق» إذ هو عمود فِقارها وإليه تنتسب مآلاتها.
ولئن رُصدت على من اكتسب صفة الداعية كذباته المكينة؛ فألفيناها بعدد ما كان يتنفله من ركعات في يومه وليلته؛ فإنّ الصفات التي كان قبلاً يتقمّصها تكلّفاً؛ قد أضحت شبيهةً بأثواب الزّور، وهذا هو العُري لِلابِسها ولمن يظاهرونه كفاحاً أو من وراء جُدُر. والذي ما فتئت النصوص الشرعية تهتك سترَ هذا الزّيف باستفاضةٍ ظاهرة؛ غير أنّ الدّهماء -من الناس- طالما كانوا يؤتَون مِن قِبلِ عقولهم، إذ تقصر فهومهم عن إبصار ما يرون، وتلك هي الضلالة إذ تغشى أبصارهم؛ ذلك أنّهم يُعيدون إنتاج «كذّابيهم» ثانيةً، ثم لا تلبث أن تراهم نسخا مكررة يُدفع بهم - عنوةً - باتجاه بؤر الضوء، وهذا الأخير كلما ازدادت «فلاشاته» فقاعةً؛ أمعنت في هتك العورات المغلّظة. غير أن «الجماهير» المصاغة ببعدٍ أيديولوجي لا تُبصر إلا ما يُراد منها أن تَراه!.
*أنْ يكذبَ سياسيٌّ فتلك أخلاقيات مهنتِه، ذلك أنّ من لم يكذب ليس يصح في الأذهان أن يكون «سياسيا»!.
*وأنْ يكذب: «فنانٌ» فليس ثمّة تثريب يطاله؛ بحسبان: «الكذب» هذه المرة من أصول عمله. والخاسرون للنجومية من هذا الفريق غالباً ما ينحون باللائمة على «الصدق» الذي زحزحهم بعيداً عن الضوء - والثراء - وفازوا تالياً بأن كسبوا أنفسهم!
*والتاجر الذي لا تنفق سِلَعهُ إلا بالكذبِ؛ هو الآخر، قد ألِف الكذب، فهو يتقوّته ويتقّوت به، حتى قال أحدهم: لا تجارة دون كذب! والحبل على الجرار...
لكن أن يكذب «الداعية» ليس لمرة واحدة ولا لاثنتين ولا لثلاث، بل صار الكذب بالنسبة إليه سجيّةً، فتُصاب الذات تورماً بالعجب؛ فإنه ليس من السهل أن يتم فضحها، وبخاصةٍ تلك الذات التي استمرأت الكذب؛ فانتفخت بالونةً متعالية في فضاء من «جماهيرية» كان لها الإسهام الأكبر في صناعة كذّابيها - كما كانت تسهم الطائفة الأخرى جماهير في صناعة جلاّديها - وويل لجماهير تجعلُ من بالوناتٍ - هي من قد نفختها هوى وهواءً - ثم ويل لهذه الجماهير من تبعات هذا النفخ يوم أن (تنفقع) البالونة فيصغر الحجم وتقصر القامات وتتضاءل القيمة، وحينها لا بدّ للغبار أن ينجلي، وستعرف إذذاك أن الرّهان لم يكن على فرسٍ، ذلك أنه تحت المحكّ الذي من شأنه أن يبلو خَبَر هذا الشيء أسرج كان أم بردعة هو!
ما ينبغي قفل المقالة من غير الإلمام إجمالا بدال هذه النصوص:
*«إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب» مَن يُبعد عن هداية الله بسببٍ من توافره على الكذب بصورةٍ دائمة، هل يمكن لمن كان هذا شأنه أن يهدي الناس إلى صراط الله المستقيم.؟ بالله عليكم أليست هذه الآية: «إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون» في كتاب الله الذي نقرؤه آناء الليل وأطراف النهار؟!
*وفي الصحيحين: «إياكم والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور». يقول المحقّقون: الفجور في الأصل هو الشق وعليه فهو شقّ في ستر الدّيانة، ولو لم يكن من شأن التحذير منه إلا أنه اسم جامع لكل شر لكفى في الردع. فكيف للعقلاء من الناس أن يصدّروا مشهدهم الوعظي مَن عُرفَ بالكذب قولاً وفعلا خطبة وتأليفاً.. وتخاله كأنه قد طُبعَ عليه حتى أوشكنا أن نعيد استنساخ عصر: «العيّارين» والشطّار بأسلوبٍ يتناسب وتقنية هذا العصر؟!
* وفي حديثٍ سنده صحيح: «كل الخلال يُطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب» فسمة المؤمن إذن هي الصدق في حين أن الاتصاف بـ«الداعية» يمكن عدّها درجة عليا في مقامات المؤمنين ما يعني أن الصدق في الداعية يلزمه امتثاله مرتين عسى أن يكون أهلاً لما يضطلع به من مهام إصلاحيّة مبناها بالضرورة على مجانبة الكذب قليله قبل كثيره، هذا المؤمل، غير أنّ جملةً من دعاة هذا اليوم يأبون إلا أن يجعلوا من الكذب في (المشتغلين بالدعوة) أكثر مما هو في عامة الناس.. فياليت شعري مَن سيهدي من..؟! وكم هو موجع أنّه بدأ يشيع في الناس مقالة: إذ حدّث الداعية فتحرّ صدقه من كذبه، ذلك أنّه قد عُهد على بعض منهم الكذب (وعينك عينك).
خالد السيف
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ولئن رُصدت على من اكتسب صفة الداعية كذباته المكينة؛ فألفيناها بعدد ما كان يتنفله من ركعات في يومه وليلته؛ فإنّ الصفات التي كان قبلاً يتقمّصها تكلّفاً؛ قد أضحت شبيهةً بأثواب الزّور، وهذا هو العُري لِلابِسها ولمن يظاهرونه كفاحاً أو من وراء جُدُر. والذي ما فتئت النصوص الشرعية تهتك سترَ هذا الزّيف باستفاضةٍ ظاهرة؛ غير أنّ الدّهماء -من الناس- طالما كانوا يؤتَون مِن قِبلِ عقولهم، إذ تقصر فهومهم عن إبصار ما يرون، وتلك هي الضلالة إذ تغشى أبصارهم؛ ذلك أنّهم يُعيدون إنتاج «كذّابيهم» ثانيةً، ثم لا تلبث أن تراهم نسخا مكررة يُدفع بهم - عنوةً - باتجاه بؤر الضوء، وهذا الأخير كلما ازدادت «فلاشاته» فقاعةً؛ أمعنت في هتك العورات المغلّظة. غير أن «الجماهير» المصاغة ببعدٍ أيديولوجي لا تُبصر إلا ما يُراد منها أن تَراه!.
*أنْ يكذبَ سياسيٌّ فتلك أخلاقيات مهنتِه، ذلك أنّ من لم يكذب ليس يصح في الأذهان أن يكون «سياسيا»!.
*وأنْ يكذب: «فنانٌ» فليس ثمّة تثريب يطاله؛ بحسبان: «الكذب» هذه المرة من أصول عمله. والخاسرون للنجومية من هذا الفريق غالباً ما ينحون باللائمة على «الصدق» الذي زحزحهم بعيداً عن الضوء - والثراء - وفازوا تالياً بأن كسبوا أنفسهم!
*والتاجر الذي لا تنفق سِلَعهُ إلا بالكذبِ؛ هو الآخر، قد ألِف الكذب، فهو يتقوّته ويتقّوت به، حتى قال أحدهم: لا تجارة دون كذب! والحبل على الجرار...
لكن أن يكذب «الداعية» ليس لمرة واحدة ولا لاثنتين ولا لثلاث، بل صار الكذب بالنسبة إليه سجيّةً، فتُصاب الذات تورماً بالعجب؛ فإنه ليس من السهل أن يتم فضحها، وبخاصةٍ تلك الذات التي استمرأت الكذب؛ فانتفخت بالونةً متعالية في فضاء من «جماهيرية» كان لها الإسهام الأكبر في صناعة كذّابيها - كما كانت تسهم الطائفة الأخرى جماهير في صناعة جلاّديها - وويل لجماهير تجعلُ من بالوناتٍ - هي من قد نفختها هوى وهواءً - ثم ويل لهذه الجماهير من تبعات هذا النفخ يوم أن (تنفقع) البالونة فيصغر الحجم وتقصر القامات وتتضاءل القيمة، وحينها لا بدّ للغبار أن ينجلي، وستعرف إذذاك أن الرّهان لم يكن على فرسٍ، ذلك أنه تحت المحكّ الذي من شأنه أن يبلو خَبَر هذا الشيء أسرج كان أم بردعة هو!
ما ينبغي قفل المقالة من غير الإلمام إجمالا بدال هذه النصوص:
*«إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب» مَن يُبعد عن هداية الله بسببٍ من توافره على الكذب بصورةٍ دائمة، هل يمكن لمن كان هذا شأنه أن يهدي الناس إلى صراط الله المستقيم.؟ بالله عليكم أليست هذه الآية: «إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون» في كتاب الله الذي نقرؤه آناء الليل وأطراف النهار؟!
*وفي الصحيحين: «إياكم والكذب فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور». يقول المحقّقون: الفجور في الأصل هو الشق وعليه فهو شقّ في ستر الدّيانة، ولو لم يكن من شأن التحذير منه إلا أنه اسم جامع لكل شر لكفى في الردع. فكيف للعقلاء من الناس أن يصدّروا مشهدهم الوعظي مَن عُرفَ بالكذب قولاً وفعلا خطبة وتأليفاً.. وتخاله كأنه قد طُبعَ عليه حتى أوشكنا أن نعيد استنساخ عصر: «العيّارين» والشطّار بأسلوبٍ يتناسب وتقنية هذا العصر؟!
* وفي حديثٍ سنده صحيح: «كل الخلال يُطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب» فسمة المؤمن إذن هي الصدق في حين أن الاتصاف بـ«الداعية» يمكن عدّها درجة عليا في مقامات المؤمنين ما يعني أن الصدق في الداعية يلزمه امتثاله مرتين عسى أن يكون أهلاً لما يضطلع به من مهام إصلاحيّة مبناها بالضرورة على مجانبة الكذب قليله قبل كثيره، هذا المؤمل، غير أنّ جملةً من دعاة هذا اليوم يأبون إلا أن يجعلوا من الكذب في (المشتغلين بالدعوة) أكثر مما هو في عامة الناس.. فياليت شعري مَن سيهدي من..؟! وكم هو موجع أنّه بدأ يشيع في الناس مقالة: إذ حدّث الداعية فتحرّ صدقه من كذبه، ذلك أنّه قد عُهد على بعض منهم الكذب (وعينك عينك).
14/12/1435هـ - الساعة 03:11 ص
خالد السيف
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..