التعريف : وحدة الوجود مذهب(*) فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة(*) حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع
المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.
ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم.
والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والمذهب الرزرادشتي وفلسفة(*) فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين(*).
التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها:
إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي.
ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم:
• ابن عربي 560هـ – 638هـ:
هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية، حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتباً لعدد من حكام الولايات.
في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، حيث انقلب بعد ذلك زاهداً سائحاً منقطعاً للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية.
في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس حيث كتب كتابه المسمى: الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقاً إلى القاهرة والقدس واتجه جنوباً إلى مكة حاجاً، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه تاج الرسائل، وروح القدس ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية.
في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق. وقد وجد ملاذاً لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير(*) والزندقة(*). وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحِكَم وأكمل كتابه الفتوحات المكية وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون.
• مذهبه في وحدة الوجود:
يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.
فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك:
"سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها".
ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:
يا خالق الأشياء في نفسه *** أنت لما تخلق جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه *** فيك فأنت الضيق الواسع
ويقول أيضاً :
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا *** وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا
جمِّع وفرّق فإن العين واحدة *** وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذرْ
وبناءً على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض(*) وتجليّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية(*) وجبرية(*) صارمة.
وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء(*) وقدر(*) ولا عن حرية(*) أو إرادة ومن ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع.
وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه(*) ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة:
ومما يؤكد على قوله بالجبر(*) الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:
الحكم حكم الجبر والاضطرار *** ما ثم حكم يقتضي الاختيار
إلا الذي يعزى إلينا ففي *** ظاهره بأنه عن خيار
لو فكر الناظر فيه رأى *** بأنه المختار عن اضطرار
وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفى الحساب والثواب والعقاب. فإنه ترتب على مذهبه أيضاً قوله بوحدة الأديان(*). فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق.
يقول في ذلك:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن
فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان.
وقد تابع ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب(*) في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء: ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني.
أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية:
لها صلاتي بالمقام أقيمها *** وأشهد أنها لي صلَّت
كلانا مصل عابد ساجد إلى *** حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن *** صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
ومازالت إياها وإياي لم تزل *** ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله. ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سُكْر(*) الصوفية بل هو في حالة الصحو(*) فيقول:
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها *** وذاتي ذاتي إذا تحلت تجلت
والصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله.
وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله : رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم.
وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجود حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله!!
أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً، وهو أحذقهم في الكفر(*) والزندقة(*). فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله:
البحر لا شك عندي في توحده *** وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور *** فالواحد الرب ساري العين في العدد
ويقول أيضاً:
فما البحر إلا الموج لا شيء غيره *** وإن فرقته كثرة المتعدد
ومن شعره أيضاً:
أحن إليه وهو قلبي وهل يرى *** سواي أخو وجد يحن لقلبه؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري *** وما بعده إلا لإفراط قربه
فالوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي الله ذاته.
وقد وجد لهذا المذهب(*) الإلحادي(*) صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي ورَوّج له اسبينوزا اليهودي.
جيور وانو برونو 1548-1611م وهو مفكر إيطالي، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة(*) فرمي بالزندقة، وفرّ من إيطاليا، وتنقل طريداً في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقاً.
باروخ سبينوزا 1632 – 1677م وهو فيلسوف هولندي يهودي، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلس وعند ابن جبريل وهو أيضاً فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك.
ومن أقوال سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود:
ما في الوجود إلا الله، فالله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان.
إن قوانين الطبيعة(*) وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة.
الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير استثناء أو شذوذ.
إن للطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة.
ليس هناك فرق بين العقل(*) كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة(*) فهما شيء واحد.
يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب(*) وحدة الوجود "يقولون: إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي – صاحب الفتوحات – وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم – عليهم من الله ما يستحقونه – فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق. وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية(*) شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخسِّ المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة" (جامع الرسائل 1 – ص167).
الجذور الفكرية والعقائدية:
لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء: مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله – سبحانه وتعالى – عنده نهار وليل وصيف وشتاء، ووفرة وقلة، جامد وسائل، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها.
وقالت بذلك الهندوسية الهندية: إن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة(*) سرمدية غير مخلوقة.
وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله.
وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا، الذي سبق ذكره، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون.
وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقاً على يد محاكم التفتيش، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود. ولقد قال أقوالاً اختلف فيها المفكرون، فمنهم من عدُّوه من أصحاب وحدة الوجود، والبعض نفى عنه هذه الصفة.
وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقول وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلي 1792 – 1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه – تعالى عما يقول: "هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي، في ظلمات الليل، وهو هذه الورود اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد..".
وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة.
موقف الإسلام من المذهب:
الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منزَّه عن الاتحاد(*) بمخلوقاته أو الحلول(*) فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب(*) يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب.
ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد(*) في وجود الله وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة.
يتضح مما سبق:
أن هذا المذهب(*) الفلسفي هو مذهب لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة(*)، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذاً من فكرة يونانية قديمة، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة كابن عربي وغيره، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي ----------------------------------------------------------
مراجع للتوسع :
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، مترجمة من الإنجليزية بإشراف زكي نجيب محمود دار القلم بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي، مكتبة لبنان – بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وآخر، لجنة التأليف والنشر – القاهرة.
- جامع الرسائل المجموعة الأولى، ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، مطبعة المدني – القاهرة.
- المنقذ من الضلال، دراسة د. عبد الحليم محمود، دار الكتاب اللبناني بيروت ط. 1979م.
- فصوص الحكم، ابن عربي.
- الفتوحات المكية، ابن عربي.
- تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ومعه نقد تائية ابن الفارض، برهان الدين البقاعي.
- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ابن قيم الجوزية.
- History of Philosophy by F.C. Copestone Burns – London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding. London 1956.
- Ethics by B. de Spinosa. Tr. Boyle. London 1955.
- Political Works by B. de Spinosa with tr. A. Wornham. O.V.P. Oxford ad New York 1958.
- Vindication of metaphysics: A study in the Philosophy of Spinoza by r.L. Saw Macmillan London 1951.
------------------------------------------------------------------------------------------
إبطال عقيدة وحدة الوجود
21/02/2007
أن يجنح الخيال بالشخص فيظن الشمس سراباً، أو القمر غباراً تجمع في أفق السماء، فقد يعذر في جنوحه وتخيله، أما أن يصل الجنوح والخيال بالشخص فيلغي الفرق بين الخالق والمخلوق، فيرى الكل واحداً، ويعتقد أن هذا الكون من عرشه إلى فرشه ما هو صورة الخالق سبحانه . حتى ربما مر أحدهم على الجثة فيشير إليها على أنها الرب والإله .
ويذكر الإمام الرازي في تفسيره أنه شاهد: " بعض المزورين ممن كان بعيداً عن الدين، يأمر أتباعه وأصحابه بأن يسجدوا له، وكان يقول لهم: أنتم عبيدي، فكان يلقي إليهم من حديث الحلول والاتحاد أشياء، ولو خلا ببعض الحمقى من أتباعه، فربما ادعى الإلهية " ، فانظر إلى هذا الهذيان والعته كيف وصل بأصحابه إلى مثل هذه المذاهب الضالة المنحرفة، حتى ادعى بعضهم الألوهية وقال بلسان الجاحد: أنا الله، وقال الآخر: ما في الجبة إلا الله، وصف آخر ربه فقال:
ثم بدا مستتراً ظاهراً ... في صورة الآكل والشارب
وقال آخر: " لو أنصف الناس ما رأوا عبداً ولا معبوداً ". ولم يقف بهم الضلال عند هذا، بل صححوا دين النصارى والمشركين، ولم ينكروا عليهم سوى قصرهم الإلوهية على عيسى أو الأصنام، وقال قائلهم في ذلك:
عقد الخلائق في الإله عقائداً ... وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه .
وصححوا جميع الأديان، لا فرق بين سماويها وغير سماويها، إذ الكل – وفق معتقدهم - يعبدون الإله الواحد المتجلي في صورهم، وصور جميع المعبودات، ويكون غاية مقصود العابد منهم أن يصل إلى مرحلة يدرك هذه الوحدة المطلقة، ويشهد ألا موجود إلا واجب الوجود سبحانه، وهي درجة من الهذيان والهلوسة سببها مغالاته في العبادة، وتحريمه على نفسه ما أباحه الله له من المأكل والمشرب، حيث يقتصر على ما يقيمه صلبه، وهو ما يؤدي إلى تأثره عقليا ونفسياً، فيتخيل له هذه الخيالات، ويشطح تلك الشطحات . قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في "شرح المقاصد" : " ومنهم – أي القائلين بالحلول - بعض المتصوفة القائلون بأن السالك إذا أمعن في السلوك، وخاض لجة الوصول، فربما يحل الله - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً - فيه كنار في الجمر، بحيث لا يتمايز، أو يتحد به، بحيث لا أثنينية ولا تغاير، وصح أن يقول هو أنا، وأنا هو ".
موقف العلماء من عقيدة وحدة الوجود
وقد وقف العلماء من هذه البدعة الكفرية الخطيرة موقفا حازماً فحذورا منها، وبينوا ضلالها، وكفّروا القائلين بها، ومن هؤلاء العلماء كبار الصوفية كالجنيد - رحمه الله - الذي سئل عن التوحيد فقال: "التوحيد إفراد المحدث عن القدم"، وهذا رد ظاهر على من مزج بينهما، وجعل الخالق ( القديم ) والمخلوق ( المحدث ) شيئاًَ واحداً.
ويقول الشعراني في "طبقات الصوفية": " ولعمري إن عباد الأوثان لم يجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله، بل قالوا: { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }(الزمر:3)، فكيف يظن بأولياء الله أن يدعوا الاتحاد بالحق – سبحانه - هذا محال في حقهم رضوان الله عليهم ". وذكر القاضي عياض في "الشفاء" في إطار سرده بعض المقالات الكفرية حيث ذكر منها القول ب " حلوله – أي الله - في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوفة، والباطنية النصارى والقرامطة "، وقال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب "المحصل في أصول الدين" : " مسألة الباري تعالى لا يتحد بغيره؛ لأنه حال الاتحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحد، وأن صارا معدومين فلم يتحدا بل حدث ثالث، وإن عُدم أحدهما وبقي الآخر فلم يتحد لأن المعدوم لا يتحد بالموجود ". وقال صاحب معيار المريدين: " والدليل على بطلان اتحاد العبد مع الله تعالى أن الاتحاد بين مربوبين محال؛ فإن رجلين مثلاً لا يصير أحدهما عين الآخر لتباينهما في ذاتيهما، كما هو معلوم، فالتباين بين العبد والرب - سبحانه وتعالى – أعظم، فإذن أصل الاتحاد باطل، محال مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً، بإجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية، وسائر العلماء والمسلمين . وليس هذا مذهب الصوفية، وإنما قاله طائفة غلاة، لقلة علمهم، وسوء حظهم من الله تعالى، فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى - عليه السلام - اتحد ناسوته بلاهوته، وأما من حفظه الله تعالى بالعناية فإنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً ".
التفريق بين عقيدة وحدة الوجود وعقيدة الاتحاد والحلول
ولا شك أن القول ببطلان عقيدة الحلول والاتحاد، هو إبطال لعقيدة وحدة الوجود؛ فإن إبطال الجزء إبطال للكل بلا شك، فإذا انتفى أن يكون بعض الخلق إلهاً فبطلان ألوهية الكل من باب أولى، وذلك أن العلماء يفرقون بين هاتين العقيدتين، عقيدة الحلول والاتحاد، والتي تميز بين الخالق والمخلوق، غير أنها تدعي أن الخالق يتحد بالمخلوق، ويحل فيه في مرحلة ما كقول النصارى في عيسى - عليه السلام -، وبين عقيدة وحدة الوجود التي لا تؤمن بهذه الثنائية، بل تضللها، وتدعي أن الكون كله ما هو إلا مظاهر وتجليات للخالق سبحانه، وأنه لا موجود في الوجود سوى واجب الوجود.
أسباب ظهور هذه البدعة
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي المبررات التي تجوّز لعاقل أن يقول بهذا القول، أو أن يعتقد هذه العقيدة ؟ والجواب أن هذا القول تشكل من أسباب متداخلة يأتي في مقدمتها الجهل بأصول دين الإسلام، وما جاء به القرآن، وهو جهل دفع بأصحابه إلى التعلق بأهداب معتقدات شرقية ضالة كسعي البوذيين للاتحاد بالإله، كطريق وحيد وممكن للتخلص من آلام الحياة ودورة التناسخ، أو معتقدات غربية كقول النصارى بحلول الله في جسد المسيح - عليه السلام -، وكذلك قول بعض الفلاسفة بتأليه الطبيعة، وأخيراً وليس آخراً قول المعتزلة والجهمية بأن الله في كل مكان بذاته . هذه الأسباب وغيرها هي التي أدت إلى القول بوحدة الوجود أو حلول الله في خلقه واتحاده بهم .
حجج أصحاب القول بوحدة الوجود
ومع أن نشوء هذه البدعة كان بسبب خلل نفسي، وامتداد خارجي، لا يمت للإسلام بصلة، إلا أن القائلين بها أبوا إلا أن يلبسوها ثوبا إسلامياً، ويستدلوا لها من كلام الله وكلام رسوله، فقال بعضهم: إن المراد بقوله سبحانه: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن }(الحديد:3) أن كل ما يتصور موجوداً فهو إما أول، أو آخر، أو ظاهر، أو باطن، فإذا كان الله تعالى هو الأول، والآخر، والظاهر، والباطن لا غيره، كان الكون هو الله؛ لأنه لا يخرج عن هذا الوصف . وأيدوا هذا القول بما أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ( والذي نفسي بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ) .
والجواب عن هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن الذي يستدل بالقرآن يلزمه أن يؤمن به كله، ولا يستدل ببعضه دون بعض، وفي القرآن من الآيات التي تفرق بين الخالق والمخلوق، ما لا يمكن حصرها لكثرتها، من ذلك قوله تعالى: { والله خلقكم من تراب }(فاطر:11) فأثبت – سبحانه - خالقا ومخلوقاً، فكيف تركت تلك الآيات الصريحة، وتمُسك بما لا تصح دلالته على المطلوب، كما سيتضح .
الوجه الثاني: أن الآية المستدل بها تتكلم عن موصوف واحد هو الله سبحانه، فهي تصفه بأنه الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، والظاهر بآياته ودلائله، والباطن المحتجب الذي لا يرى في الدنيا. والمستدل يستدل بها على الكون كله، وهو ما يأباه سياق الآية، ومنطوقها، بدليل عود الضمير "هو" إلى مذكور سابق في الآية وهو قوله: { سبح لله .. }(الحديد:1)، فكيف يرجع الضمير في الآية المستشهد بها على ما لا وجود له سابق في سياق الآيات.
الوجه الثالث: أن المستدِّل لو أكمل قراءة الآية التالية لعلم بطلان استشهاده، فالله أعقب قوله تعالى { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } بقوله: { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام }(الحديد:4) وهي دليل صريح على أن الخالق غير المخلوق .
الوجه الرابع: أن الحديث المذكور حديث ضعيف، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: ( منكر )، وقال الهيتمي في "مجمع الزوائد": " رواه أحمد وفيه الحكم بن عبد الملك وهو ضعيف". ولو سلمنا بصحة الحديث فلا دلالة فيه على مذهب وحدة الوجود، فإن الحديث يقول: ( لو دليتم حبلاً لهبط على الله )، فالله إذاً غير الحبل، والله غير الأرض، والله غير السموات، والله غير الذين دلّوا الحبل، فالحديث يدل على بطلان عقيدة وحدة الوجود لا تأييدها. وأما معنى الحديث - لو صحّ - فقد قال الإمام الترمذي : " فسر أهل العلم الحديث فقالوا: أي لهبط على علم الله تعالى وقدرته وسلطانه " فالحديث إنما عنى به النبي – صلى الله عليه وسلم - شمول علم الله سبحانه، وعموم قدرته وسلطانه .
واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق }(فصلت:53)، قالوا: معنى الآية { حتى يتبين لهم أنه الحق } أي: الكون كله هو الله سبحانه .
والرد على هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن الآية تتكلم عن ثنائية متقابلة، الأولى: هي التي سَتُرِي وهو الله عز وجل، والأخرى هي التي سَتَرى وهم الخلق، فهناك من سيُري، وهناك من سيرى، وهذا ما يبطل عقيدة القول بوحدة الوجود القائمة على نفي هذه الثنائية.
الوجه الثاني: أن الله أعقب الآية المستدل بها، آية أخرى تتوعد الذي يشكون في لقاء الله، ما يؤكد أن الخالق غير المخلوق، قال تعالى:{ ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط }(فصلت:45).
هذا بعض ما استدل به أصحاب وحدة الوجود من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ذكرنا بعضها ليتبين للقارئ مدى الانحراف في الفهم الذي يمارسه هؤلاء في استدلالهم بالقرآن على ضلالهم.
ولا ننسى في الختام، أن نضيف على ما سبق بعض الأدلة النقلية والعقلية في إبطال هذه العقيدة الكفرية، ويأتي في مقدمة الأدلة النقلية القرآن كله من أوله إلى آخره، فكل آية من آياته، من وعد ووعيد، وحساب وعقاب، وجنة ونار، وأمر ونهي، هي دليل على بطلان هذه العقيدة وفسادها، وبيان ذلك أن الأوامر والنواهي القرآنية تدل على أن ثمة آمراً ومأموراً، والوعد والوعيد يدلان على أن هناك واعداً وموعوداً، ومتوعِّداً ومتوعَداً، والجنة والنار، يدلان على أن هناك مثيباً ومُثاباً، ومعاقباً ومعاقباً، فالقرآن من أوله إلى آخره يدل على فساد هذه العقيدة وبطلانها، فكيف يتجرأ هؤلاء الضالون على الاستدلال به على منكرهم، وباطلهم، وكله دليل على فساد مذهبهم.
أما العقل فكما تقرر في بدهيات العقول أن الوجود لابد له من موجد، والموجد هو الله، فهل من العقل أن تعكس هذه القضية البدهية، ليقال: أن لا حقيقة للوجود، وأن هذا الخلق ما هو إلا صور وتجليات للخالق، لا شك أن ذلك خطلٌ في العقل، وبعدٌ في التفكير.
ثم إن العقلاء أجمعوا على بطلان مذهب السفسطائية وعدوه منكرا من القول وزورا، وحقيقته إنكار حقائق الأشياء، والتشكيك في وجودها بصورها، وهل عقيدة وحدة الوجود إلا نوع من السفسطة إذ أنكرت حقائق الوجود، وادعت أنه وجود مجازي لا حقيقة له، فما أجمع عليه العقلاء في إبطال مذهب السفسطائية، يلزم أصحاب وحدة الوجود .
وبهذا التقرير يظهر فساد هذا المذهب الكفري وبطلانه، وأنه لا يمت إلى الإسلام بصلة لا نشأة ولا استدلالاً، وأن القائلين به ليسوا سوى مرضى نفسيين، الأولى بهم أن يعالجوا في المستشفيات، لا أن يحاجوا بالعقليات.
---------------------------------------------------------------------------------------
تبسيط مفهوم "وحدة الوجود" للمبتدئين ؟
وحدة الوجود" مصطلح تكثر الإشارة إليه عند الحديث عن الصوفية، وخصوصا عند الحديث عن الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي رحمه الله ورضي عنه وكتابه المشهور الفتوحات المكية...
وعلى هذا فإني أستعين بالله على تبسيط هذا المفهوم وتوضيحه وتمييزه في هذا الموضوع...
أولا: مصطلح "وحدة الوجود" يستخدم للتعبير عن مفهومين مختلفين تماما في نفس الوقت، وهذا ما يخلق الإشكال حوله...
المفهوم الأول:
وهو مفهوم الديانات الوثنية وفلاسفة الوجود، والذي هو غير مرتبط بالإسلام أو التصوف، على الإطلاق...
المفهوم هذا ببساطة يقول: أن الوجود بما يحويه من كائنات وأشكال مختلفة هو الله نفسه بذاته، أو تقول أن ذات الله هي الوجود الفعلي بأشكاله المادية من كائنات حية وجمادات وغيرها، فعلى هذا.. الوجود كله هو شيء واحد فقط متحد ببعضه، ألا وهو الله، ولذلك سمي بوحدة الوجود.
تعالى الله عن هذا علوا كبيرا...
المفهوم الثاني الإسلامي (الذي يطلق عليه اسم "وحدة الوجود" اعتباطا) فتعريفه كالتالي:
هي حالة وجدانية روحانية سامية يعيش فيها العبد المسلم حقيقة التوحيد لله، فتصبح عقيدته ممارسة فعلية وإدراكا حقيقيا يقينيا وليس مجرد ادعاء...
قال تعالى: ((وقالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم...))
في هذه الحالة، يشعر العبد بحقيقة لا إله إلا الله....
فلا نافع ولا ضار ولا هادي ولا غني ولا قوي على الحقيقة إلا الله جل وعلا...
ولا خالق ولا بارئ ولا مصور ولا رحمن ولا رحيم ولا كريم إلا الله...
قال تعالى: ((قل كل من عند الله))...
إذن هي أعلى درجات الإحسان: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، أعني (ان تعبد الله كأنك تراه)...
فإذا عبدت الله كأنك تراه...
فإنك لن ترى شيئا وإلا ورأيت الله.. (رأى الثانية: رأى القلبية)
فإذا نظرت للشمس تشرق في الصباح... رأيت الله الذي خلقها وسيرها...
وإذا نظرت إلى السماء... رأيت الله الذي خلقها ورفعها بلا عمد...سبحانه..
إذا نظرت للليل والنهار... رأيت الله الذي عاقبهما.. سبحانه..
إذا نظرت إلى نفسك... رأيت الله الذي خلقك وصورك وعلمك..
إذا نظرت إلى عبادتك.. رأيت الله الذي هداك لهذا وما كنت لتهتدي لولا أن هداك الله...
إذا نظرت إلى مالك... رأيت الله الذي رزقك...
إذا نظرت إلى مرضك وبلاءك.. رأيت الله الذي يبتليك ليرحمك ويزكيك فيكفر عنك سيئاتك...
وهكذا، فأنت ترى الله في كل شيء...
ولاحظ استخدامي لحرف الجر في، وأنت تعلم يقينا انني لا أعني أن ذات الله في كل شيء، والمعنى واضح...
نقول في النشيد: ((ما في القلب إلا الله)) ولا نعني أن ذات الله في قلوبنا...وأعتقد أن المعنى واضح...
وعلى هذا فهم البعض بعض عبارات ساداتنا الصوفية والتي كانت على هذا النحو والتي صدرت منهم نتيجة لعيشهم الدائم لهذه الحالة الروحانية- فهمها البعض على غير منحاها واعتبرها نفس وحدة الوجود الوثنية... وهذا ظلم واضح...
وعلى هذا فإن هذا المصطلح يجب إيقاف استخدامه... فلا وحدة وجود عند الصوفية بل إن صح التعبير نقول وحدة شهود...
والآن هل عاش الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحالة وهو لا شك قدوتنا أجمعين؟
من يتمعن في الأذكار النبوية يدرك أن وحدة الشهود أمر نبوي...
كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم...
إذا قام من نومه قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور))
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد ويرى أن الله هو الذي أحيانا بعدما أماتنا...
إذا فرغ من طعامه قال: (( اللهم أطعمت وأسقيت وأقنيت وهديت وأحييت ، فلك الحمد على ما أعطيت )).رواه أحمد وصححه الألباني...
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أكل طعاماً ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولاقوة غُفر لهُ ماتقدم من ذنبه ))
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من لبس ثوباً فقال : الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ، غُفِرَ لهُ ماتقدم من ذنبه))
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم يرى ويشهد أن الله هو المطعم وهو الساقي والهادي والمحيي والرازق والكاسي... سبحان الله.. أليست هذه هي وحدة الشهود؟؟
بل الرسول صلى الله عليه وسلم شهد ((من غير حول مني ولا قوة))...
ومثل هذه الأمثلة كثير...
أما القرآن فحدث ولا حرج كم أشار لهذا المعنى...
((وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله))
((بديع السماوات والارض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون))
((أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد))
((وما بكم من نعمة فمن الله))
((الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين))
هذا ما أستحضره في الوقت الحالي، لكني كلما قرات القرآن وجدت جديدا...
إذن وحدة الشهود هي مبدأ إسلامي وليست مأخوذة عن وحدة الوجود الوثنية كما يدعي البعض...
وعلى هذا.. إذا قرئت عبارات سيدنا الشيخ الأكبر محيي الدين وعبارات الصوفية على هذا النحو وبهذه النية، سهل فهمها واتضح له المعنى، ولكن من لم يعش هذه الحالة سيصعب عليه فهمها...
وعلى هذا قال سيدنا محي الدين في الفتوحات في الباب الرابع والخمسين:
((اعلم أن أهل الله لم يضعوا الإِشارات التي اصطلحوا عليها فيما بينهم لأنفسهم، فإِنهم يعلمون الحق الصريح في ذلك، وإِنما وضعوها منعاً للدخيل بينهم، حتى لا يعرف ما هم فيه، شفقةً عليه أن يسمع شيئاً لم يصل إِليه فينكره على أهل الله، فيعاقب بحرمانه، فلا يناله بعد ذلك أبداً)).
أما عن رأيه في الحلول والاتحاد فقد أعلن ذلك صراحة فقال: ((من قال بالحلول فهو معلول، فإِن القول بالحلول مرض لا يزول، وما قال بالاتحاد إِلا أهل الإِلحاد، كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول)) (الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر ج1 ص80-81)
وهنا لا أجد إلا أن أدعوكم لتحميل كتاب "حقائق عن التصوف" للشيخ عبد القادر عيسى مرة أخرى، والذي فيه الكثير من الفوائد والردود البينة.
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.
ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم.
والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والمذهب الرزرادشتي وفلسفة(*) فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين(*).
التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها:
إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي.
ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم:
• ابن عربي 560هـ – 638هـ:
هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية، حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتباً لعدد من حكام الولايات.
في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، حيث انقلب بعد ذلك زاهداً سائحاً منقطعاً للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية.
في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس حيث كتب كتابه المسمى: الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقاً إلى القاهرة والقدس واتجه جنوباً إلى مكة حاجاً، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه تاج الرسائل، وروح القدس ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية.
في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق. وقد وجد ملاذاً لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير(*) والزندقة(*). وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحِكَم وأكمل كتابه الفتوحات المكية وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون.
• مذهبه في وحدة الوجود:
يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.
فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك:
"سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها".
ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:
يا خالق الأشياء في نفسه *** أنت لما تخلق جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه *** فيك فأنت الضيق الواسع
ويقول أيضاً :
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا *** وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا
جمِّع وفرّق فإن العين واحدة *** وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذرْ
وبناءً على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض(*) وتجليّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية(*) وجبرية(*) صارمة.
وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء(*) وقدر(*) ولا عن حرية(*) أو إرادة ومن ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع.
وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه(*) ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة:
ومما يؤكد على قوله بالجبر(*) الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:
الحكم حكم الجبر والاضطرار *** ما ثم حكم يقتضي الاختيار
إلا الذي يعزى إلينا ففي *** ظاهره بأنه عن خيار
لو فكر الناظر فيه رأى *** بأنه المختار عن اضطرار
وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفى الحساب والثواب والعقاب. فإنه ترتب على مذهبه أيضاً قوله بوحدة الأديان(*). فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق.
يقول في ذلك:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن
فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان.
وقد تابع ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب(*) في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء: ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني.
أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية:
لها صلاتي بالمقام أقيمها *** وأشهد أنها لي صلَّت
كلانا مصل عابد ساجد إلى *** حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن *** صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
ومازالت إياها وإياي لم تزل *** ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله. ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سُكْر(*) الصوفية بل هو في حالة الصحو(*) فيقول:
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها *** وذاتي ذاتي إذا تحلت تجلت
والصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله.
وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله : رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم.
وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجود حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله!!
أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً، وهو أحذقهم في الكفر(*) والزندقة(*). فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله:
البحر لا شك عندي في توحده *** وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور *** فالواحد الرب ساري العين في العدد
ويقول أيضاً:
فما البحر إلا الموج لا شيء غيره *** وإن فرقته كثرة المتعدد
ومن شعره أيضاً:
أحن إليه وهو قلبي وهل يرى *** سواي أخو وجد يحن لقلبه؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري *** وما بعده إلا لإفراط قربه
فالوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي الله ذاته.
وقد وجد لهذا المذهب(*) الإلحادي(*) صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي ورَوّج له اسبينوزا اليهودي.
جيور وانو برونو 1548-1611م وهو مفكر إيطالي، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة(*) فرمي بالزندقة، وفرّ من إيطاليا، وتنقل طريداً في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقاً.
باروخ سبينوزا 1632 – 1677م وهو فيلسوف هولندي يهودي، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلس وعند ابن جبريل وهو أيضاً فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك.
ومن أقوال سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود:
ما في الوجود إلا الله، فالله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان.
إن قوانين الطبيعة(*) وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة.
الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير استثناء أو شذوذ.
إن للطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة.
ليس هناك فرق بين العقل(*) كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة(*) فهما شيء واحد.
يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب(*) وحدة الوجود "يقولون: إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي – صاحب الفتوحات – وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم – عليهم من الله ما يستحقونه – فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق. وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية(*) شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخسِّ المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة" (جامع الرسائل 1 – ص167).
الجذور الفكرية والعقائدية:
لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء: مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله – سبحانه وتعالى – عنده نهار وليل وصيف وشتاء، ووفرة وقلة، جامد وسائل، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها.
وقالت بذلك الهندوسية الهندية: إن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة(*) سرمدية غير مخلوقة.
وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله.
وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا، الذي سبق ذكره، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون.
وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقاً على يد محاكم التفتيش، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود. ولقد قال أقوالاً اختلف فيها المفكرون، فمنهم من عدُّوه من أصحاب وحدة الوجود، والبعض نفى عنه هذه الصفة.
وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقول وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلي 1792 – 1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه – تعالى عما يقول: "هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي، في ظلمات الليل، وهو هذه الورود اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد..".
وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة.
موقف الإسلام من المذهب:
الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منزَّه عن الاتحاد(*) بمخلوقاته أو الحلول(*) فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب(*) يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب.
ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد(*) في وجود الله وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة.
يتضح مما سبق:
أن هذا المذهب(*) الفلسفي هو مذهب لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة(*)، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذاً من فكرة يونانية قديمة، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة كابن عربي وغيره، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي ----------------------------------------------------------
مراجع للتوسع :
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، مترجمة من الإنجليزية بإشراف زكي نجيب محمود دار القلم بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي، مكتبة لبنان – بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، وآخر، لجنة التأليف والنشر – القاهرة.
- جامع الرسائل المجموعة الأولى، ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، مطبعة المدني – القاهرة.
- المنقذ من الضلال، دراسة د. عبد الحليم محمود، دار الكتاب اللبناني بيروت ط. 1979م.
- فصوص الحكم، ابن عربي.
- الفتوحات المكية، ابن عربي.
- تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ومعه نقد تائية ابن الفارض، برهان الدين البقاعي.
- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ابن قيم الجوزية.
- History of Philosophy by F.C. Copestone Burns – London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding. London 1956.
- Ethics by B. de Spinosa. Tr. Boyle. London 1955.
- Political Works by B. de Spinosa with tr. A. Wornham. O.V.P. Oxford ad New York 1958.
- Vindication of metaphysics: A study in the Philosophy of Spinoza by r.L. Saw Macmillan London 1951.
------------------------------------------------------------------------------------------
إبطال عقيدة وحدة الوجود
21/02/2007
أن يجنح الخيال بالشخص فيظن الشمس سراباً، أو القمر غباراً تجمع في أفق السماء، فقد يعذر في جنوحه وتخيله، أما أن يصل الجنوح والخيال بالشخص فيلغي الفرق بين الخالق والمخلوق، فيرى الكل واحداً، ويعتقد أن هذا الكون من عرشه إلى فرشه ما هو صورة الخالق سبحانه . حتى ربما مر أحدهم على الجثة فيشير إليها على أنها الرب والإله .
ويذكر الإمام الرازي في تفسيره أنه شاهد: " بعض المزورين ممن كان بعيداً عن الدين، يأمر أتباعه وأصحابه بأن يسجدوا له، وكان يقول لهم: أنتم عبيدي، فكان يلقي إليهم من حديث الحلول والاتحاد أشياء، ولو خلا ببعض الحمقى من أتباعه، فربما ادعى الإلهية " ، فانظر إلى هذا الهذيان والعته كيف وصل بأصحابه إلى مثل هذه المذاهب الضالة المنحرفة، حتى ادعى بعضهم الألوهية وقال بلسان الجاحد: أنا الله، وقال الآخر: ما في الجبة إلا الله، وصف آخر ربه فقال:
ثم بدا مستتراً ظاهراً ... في صورة الآكل والشارب
وقال آخر: " لو أنصف الناس ما رأوا عبداً ولا معبوداً ". ولم يقف بهم الضلال عند هذا، بل صححوا دين النصارى والمشركين، ولم ينكروا عليهم سوى قصرهم الإلوهية على عيسى أو الأصنام، وقال قائلهم في ذلك:
عقد الخلائق في الإله عقائداً ... وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه .
وصححوا جميع الأديان، لا فرق بين سماويها وغير سماويها، إذ الكل – وفق معتقدهم - يعبدون الإله الواحد المتجلي في صورهم، وصور جميع المعبودات، ويكون غاية مقصود العابد منهم أن يصل إلى مرحلة يدرك هذه الوحدة المطلقة، ويشهد ألا موجود إلا واجب الوجود سبحانه، وهي درجة من الهذيان والهلوسة سببها مغالاته في العبادة، وتحريمه على نفسه ما أباحه الله له من المأكل والمشرب، حيث يقتصر على ما يقيمه صلبه، وهو ما يؤدي إلى تأثره عقليا ونفسياً، فيتخيل له هذه الخيالات، ويشطح تلك الشطحات . قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في "شرح المقاصد" : " ومنهم – أي القائلين بالحلول - بعض المتصوفة القائلون بأن السالك إذا أمعن في السلوك، وخاض لجة الوصول، فربما يحل الله - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً - فيه كنار في الجمر، بحيث لا يتمايز، أو يتحد به، بحيث لا أثنينية ولا تغاير، وصح أن يقول هو أنا، وأنا هو ".
موقف العلماء من عقيدة وحدة الوجود
وقد وقف العلماء من هذه البدعة الكفرية الخطيرة موقفا حازماً فحذورا منها، وبينوا ضلالها، وكفّروا القائلين بها، ومن هؤلاء العلماء كبار الصوفية كالجنيد - رحمه الله - الذي سئل عن التوحيد فقال: "التوحيد إفراد المحدث عن القدم"، وهذا رد ظاهر على من مزج بينهما، وجعل الخالق ( القديم ) والمخلوق ( المحدث ) شيئاًَ واحداً.
ويقول الشعراني في "طبقات الصوفية": " ولعمري إن عباد الأوثان لم يجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله، بل قالوا: { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }(الزمر:3)، فكيف يظن بأولياء الله أن يدعوا الاتحاد بالحق – سبحانه - هذا محال في حقهم رضوان الله عليهم ". وذكر القاضي عياض في "الشفاء" في إطار سرده بعض المقالات الكفرية حيث ذكر منها القول ب " حلوله – أي الله - في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوفة، والباطنية النصارى والقرامطة "، وقال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب "المحصل في أصول الدين" : " مسألة الباري تعالى لا يتحد بغيره؛ لأنه حال الاتحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحد، وأن صارا معدومين فلم يتحدا بل حدث ثالث، وإن عُدم أحدهما وبقي الآخر فلم يتحد لأن المعدوم لا يتحد بالموجود ". وقال صاحب معيار المريدين: " والدليل على بطلان اتحاد العبد مع الله تعالى أن الاتحاد بين مربوبين محال؛ فإن رجلين مثلاً لا يصير أحدهما عين الآخر لتباينهما في ذاتيهما، كما هو معلوم، فالتباين بين العبد والرب - سبحانه وتعالى – أعظم، فإذن أصل الاتحاد باطل، محال مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً، بإجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية، وسائر العلماء والمسلمين . وليس هذا مذهب الصوفية، وإنما قاله طائفة غلاة، لقلة علمهم، وسوء حظهم من الله تعالى، فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى - عليه السلام - اتحد ناسوته بلاهوته، وأما من حفظه الله تعالى بالعناية فإنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً ".
التفريق بين عقيدة وحدة الوجود وعقيدة الاتحاد والحلول
ولا شك أن القول ببطلان عقيدة الحلول والاتحاد، هو إبطال لعقيدة وحدة الوجود؛ فإن إبطال الجزء إبطال للكل بلا شك، فإذا انتفى أن يكون بعض الخلق إلهاً فبطلان ألوهية الكل من باب أولى، وذلك أن العلماء يفرقون بين هاتين العقيدتين، عقيدة الحلول والاتحاد، والتي تميز بين الخالق والمخلوق، غير أنها تدعي أن الخالق يتحد بالمخلوق، ويحل فيه في مرحلة ما كقول النصارى في عيسى - عليه السلام -، وبين عقيدة وحدة الوجود التي لا تؤمن بهذه الثنائية، بل تضللها، وتدعي أن الكون كله ما هو إلا مظاهر وتجليات للخالق سبحانه، وأنه لا موجود في الوجود سوى واجب الوجود.
أسباب ظهور هذه البدعة
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي المبررات التي تجوّز لعاقل أن يقول بهذا القول، أو أن يعتقد هذه العقيدة ؟ والجواب أن هذا القول تشكل من أسباب متداخلة يأتي في مقدمتها الجهل بأصول دين الإسلام، وما جاء به القرآن، وهو جهل دفع بأصحابه إلى التعلق بأهداب معتقدات شرقية ضالة كسعي البوذيين للاتحاد بالإله، كطريق وحيد وممكن للتخلص من آلام الحياة ودورة التناسخ، أو معتقدات غربية كقول النصارى بحلول الله في جسد المسيح - عليه السلام -، وكذلك قول بعض الفلاسفة بتأليه الطبيعة، وأخيراً وليس آخراً قول المعتزلة والجهمية بأن الله في كل مكان بذاته . هذه الأسباب وغيرها هي التي أدت إلى القول بوحدة الوجود أو حلول الله في خلقه واتحاده بهم .
حجج أصحاب القول بوحدة الوجود
ومع أن نشوء هذه البدعة كان بسبب خلل نفسي، وامتداد خارجي، لا يمت للإسلام بصلة، إلا أن القائلين بها أبوا إلا أن يلبسوها ثوبا إسلامياً، ويستدلوا لها من كلام الله وكلام رسوله، فقال بعضهم: إن المراد بقوله سبحانه: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن }(الحديد:3) أن كل ما يتصور موجوداً فهو إما أول، أو آخر، أو ظاهر، أو باطن، فإذا كان الله تعالى هو الأول، والآخر، والظاهر، والباطن لا غيره، كان الكون هو الله؛ لأنه لا يخرج عن هذا الوصف . وأيدوا هذا القول بما أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ( والذي نفسي بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ) .
والجواب عن هذا من وجوه:
الوجه الأول: أن الذي يستدل بالقرآن يلزمه أن يؤمن به كله، ولا يستدل ببعضه دون بعض، وفي القرآن من الآيات التي تفرق بين الخالق والمخلوق، ما لا يمكن حصرها لكثرتها، من ذلك قوله تعالى: { والله خلقكم من تراب }(فاطر:11) فأثبت – سبحانه - خالقا ومخلوقاً، فكيف تركت تلك الآيات الصريحة، وتمُسك بما لا تصح دلالته على المطلوب، كما سيتضح .
الوجه الثاني: أن الآية المستدل بها تتكلم عن موصوف واحد هو الله سبحانه، فهي تصفه بأنه الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، والظاهر بآياته ودلائله، والباطن المحتجب الذي لا يرى في الدنيا. والمستدل يستدل بها على الكون كله، وهو ما يأباه سياق الآية، ومنطوقها، بدليل عود الضمير "هو" إلى مذكور سابق في الآية وهو قوله: { سبح لله .. }(الحديد:1)، فكيف يرجع الضمير في الآية المستشهد بها على ما لا وجود له سابق في سياق الآيات.
الوجه الثالث: أن المستدِّل لو أكمل قراءة الآية التالية لعلم بطلان استشهاده، فالله أعقب قوله تعالى { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } بقوله: { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام }(الحديد:4) وهي دليل صريح على أن الخالق غير المخلوق .
الوجه الرابع: أن الحديث المذكور حديث ضعيف، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: ( منكر )، وقال الهيتمي في "مجمع الزوائد": " رواه أحمد وفيه الحكم بن عبد الملك وهو ضعيف". ولو سلمنا بصحة الحديث فلا دلالة فيه على مذهب وحدة الوجود، فإن الحديث يقول: ( لو دليتم حبلاً لهبط على الله )، فالله إذاً غير الحبل، والله غير الأرض، والله غير السموات، والله غير الذين دلّوا الحبل، فالحديث يدل على بطلان عقيدة وحدة الوجود لا تأييدها. وأما معنى الحديث - لو صحّ - فقد قال الإمام الترمذي : " فسر أهل العلم الحديث فقالوا: أي لهبط على علم الله تعالى وقدرته وسلطانه " فالحديث إنما عنى به النبي – صلى الله عليه وسلم - شمول علم الله سبحانه، وعموم قدرته وسلطانه .
واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق }(فصلت:53)، قالوا: معنى الآية { حتى يتبين لهم أنه الحق } أي: الكون كله هو الله سبحانه .
والرد على هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن الآية تتكلم عن ثنائية متقابلة، الأولى: هي التي سَتُرِي وهو الله عز وجل، والأخرى هي التي سَتَرى وهم الخلق، فهناك من سيُري، وهناك من سيرى، وهذا ما يبطل عقيدة القول بوحدة الوجود القائمة على نفي هذه الثنائية.
الوجه الثاني: أن الله أعقب الآية المستدل بها، آية أخرى تتوعد الذي يشكون في لقاء الله، ما يؤكد أن الخالق غير المخلوق، قال تعالى:{ ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط }(فصلت:45).
هذا بعض ما استدل به أصحاب وحدة الوجود من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ذكرنا بعضها ليتبين للقارئ مدى الانحراف في الفهم الذي يمارسه هؤلاء في استدلالهم بالقرآن على ضلالهم.
ولا ننسى في الختام، أن نضيف على ما سبق بعض الأدلة النقلية والعقلية في إبطال هذه العقيدة الكفرية، ويأتي في مقدمة الأدلة النقلية القرآن كله من أوله إلى آخره، فكل آية من آياته، من وعد ووعيد، وحساب وعقاب، وجنة ونار، وأمر ونهي، هي دليل على بطلان هذه العقيدة وفسادها، وبيان ذلك أن الأوامر والنواهي القرآنية تدل على أن ثمة آمراً ومأموراً، والوعد والوعيد يدلان على أن هناك واعداً وموعوداً، ومتوعِّداً ومتوعَداً، والجنة والنار، يدلان على أن هناك مثيباً ومُثاباً، ومعاقباً ومعاقباً، فالقرآن من أوله إلى آخره يدل على فساد هذه العقيدة وبطلانها، فكيف يتجرأ هؤلاء الضالون على الاستدلال به على منكرهم، وباطلهم، وكله دليل على فساد مذهبهم.
أما العقل فكما تقرر في بدهيات العقول أن الوجود لابد له من موجد، والموجد هو الله، فهل من العقل أن تعكس هذه القضية البدهية، ليقال: أن لا حقيقة للوجود، وأن هذا الخلق ما هو إلا صور وتجليات للخالق، لا شك أن ذلك خطلٌ في العقل، وبعدٌ في التفكير.
ثم إن العقلاء أجمعوا على بطلان مذهب السفسطائية وعدوه منكرا من القول وزورا، وحقيقته إنكار حقائق الأشياء، والتشكيك في وجودها بصورها، وهل عقيدة وحدة الوجود إلا نوع من السفسطة إذ أنكرت حقائق الوجود، وادعت أنه وجود مجازي لا حقيقة له، فما أجمع عليه العقلاء في إبطال مذهب السفسطائية، يلزم أصحاب وحدة الوجود .
وبهذا التقرير يظهر فساد هذا المذهب الكفري وبطلانه، وأنه لا يمت إلى الإسلام بصلة لا نشأة ولا استدلالاً، وأن القائلين به ليسوا سوى مرضى نفسيين، الأولى بهم أن يعالجوا في المستشفيات، لا أن يحاجوا بالعقليات.
---------------------------------------------------------------------------------------
تبسيط مفهوم "وحدة الوجود" للمبتدئين ؟
وحدة الوجود" مصطلح تكثر الإشارة إليه عند الحديث عن الصوفية، وخصوصا عند الحديث عن الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي رحمه الله ورضي عنه وكتابه المشهور الفتوحات المكية...
وعلى هذا فإني أستعين بالله على تبسيط هذا المفهوم وتوضيحه وتمييزه في هذا الموضوع...
أولا: مصطلح "وحدة الوجود" يستخدم للتعبير عن مفهومين مختلفين تماما في نفس الوقت، وهذا ما يخلق الإشكال حوله...
المفهوم الأول:
وهو مفهوم الديانات الوثنية وفلاسفة الوجود، والذي هو غير مرتبط بالإسلام أو التصوف، على الإطلاق...
المفهوم هذا ببساطة يقول: أن الوجود بما يحويه من كائنات وأشكال مختلفة هو الله نفسه بذاته، أو تقول أن ذات الله هي الوجود الفعلي بأشكاله المادية من كائنات حية وجمادات وغيرها، فعلى هذا.. الوجود كله هو شيء واحد فقط متحد ببعضه، ألا وهو الله، ولذلك سمي بوحدة الوجود.
تعالى الله عن هذا علوا كبيرا...
المفهوم الثاني الإسلامي (الذي يطلق عليه اسم "وحدة الوجود" اعتباطا) فتعريفه كالتالي:
هي حالة وجدانية روحانية سامية يعيش فيها العبد المسلم حقيقة التوحيد لله، فتصبح عقيدته ممارسة فعلية وإدراكا حقيقيا يقينيا وليس مجرد ادعاء...
قال تعالى: ((وقالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم...))
في هذه الحالة، يشعر العبد بحقيقة لا إله إلا الله....
فلا نافع ولا ضار ولا هادي ولا غني ولا قوي على الحقيقة إلا الله جل وعلا...
ولا خالق ولا بارئ ولا مصور ولا رحمن ولا رحيم ولا كريم إلا الله...
قال تعالى: ((قل كل من عند الله))...
إذن هي أعلى درجات الإحسان: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، أعني (ان تعبد الله كأنك تراه)...
فإذا عبدت الله كأنك تراه...
فإنك لن ترى شيئا وإلا ورأيت الله.. (رأى الثانية: رأى القلبية)
فإذا نظرت للشمس تشرق في الصباح... رأيت الله الذي خلقها وسيرها...
وإذا نظرت إلى السماء... رأيت الله الذي خلقها ورفعها بلا عمد...سبحانه..
إذا نظرت للليل والنهار... رأيت الله الذي عاقبهما.. سبحانه..
إذا نظرت إلى نفسك... رأيت الله الذي خلقك وصورك وعلمك..
إذا نظرت إلى عبادتك.. رأيت الله الذي هداك لهذا وما كنت لتهتدي لولا أن هداك الله...
إذا نظرت إلى مالك... رأيت الله الذي رزقك...
إذا نظرت إلى مرضك وبلاءك.. رأيت الله الذي يبتليك ليرحمك ويزكيك فيكفر عنك سيئاتك...
وهكذا، فأنت ترى الله في كل شيء...
ولاحظ استخدامي لحرف الجر في، وأنت تعلم يقينا انني لا أعني أن ذات الله في كل شيء، والمعنى واضح...
نقول في النشيد: ((ما في القلب إلا الله)) ولا نعني أن ذات الله في قلوبنا...وأعتقد أن المعنى واضح...
وعلى هذا فهم البعض بعض عبارات ساداتنا الصوفية والتي كانت على هذا النحو والتي صدرت منهم نتيجة لعيشهم الدائم لهذه الحالة الروحانية- فهمها البعض على غير منحاها واعتبرها نفس وحدة الوجود الوثنية... وهذا ظلم واضح...
وعلى هذا فإن هذا المصطلح يجب إيقاف استخدامه... فلا وحدة وجود عند الصوفية بل إن صح التعبير نقول وحدة شهود...
والآن هل عاش الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحالة وهو لا شك قدوتنا أجمعين؟
من يتمعن في الأذكار النبوية يدرك أن وحدة الشهود أمر نبوي...
كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم...
إذا قام من نومه قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور))
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد ويرى أن الله هو الذي أحيانا بعدما أماتنا...
إذا فرغ من طعامه قال: (( اللهم أطعمت وأسقيت وأقنيت وهديت وأحييت ، فلك الحمد على ما أعطيت )).رواه أحمد وصححه الألباني...
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أكل طعاماً ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولاقوة غُفر لهُ ماتقدم من ذنبه ))
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من لبس ثوباً فقال : الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ، غُفِرَ لهُ ماتقدم من ذنبه))
إذن الرسول صلى الله عليه وسلم يرى ويشهد أن الله هو المطعم وهو الساقي والهادي والمحيي والرازق والكاسي... سبحان الله.. أليست هذه هي وحدة الشهود؟؟
بل الرسول صلى الله عليه وسلم شهد ((من غير حول مني ولا قوة))...
ومثل هذه الأمثلة كثير...
أما القرآن فحدث ولا حرج كم أشار لهذا المعنى...
((وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله))
((بديع السماوات والارض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون))
((أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد))
((وما بكم من نعمة فمن الله))
((الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين))
هذا ما أستحضره في الوقت الحالي، لكني كلما قرات القرآن وجدت جديدا...
إذن وحدة الشهود هي مبدأ إسلامي وليست مأخوذة عن وحدة الوجود الوثنية كما يدعي البعض...
وعلى هذا.. إذا قرئت عبارات سيدنا الشيخ الأكبر محيي الدين وعبارات الصوفية على هذا النحو وبهذه النية، سهل فهمها واتضح له المعنى، ولكن من لم يعش هذه الحالة سيصعب عليه فهمها...
وعلى هذا قال سيدنا محي الدين في الفتوحات في الباب الرابع والخمسين:
((اعلم أن أهل الله لم يضعوا الإِشارات التي اصطلحوا عليها فيما بينهم لأنفسهم، فإِنهم يعلمون الحق الصريح في ذلك، وإِنما وضعوها منعاً للدخيل بينهم، حتى لا يعرف ما هم فيه، شفقةً عليه أن يسمع شيئاً لم يصل إِليه فينكره على أهل الله، فيعاقب بحرمانه، فلا يناله بعد ذلك أبداً)).
أما عن رأيه في الحلول والاتحاد فقد أعلن ذلك صراحة فقال: ((من قال بالحلول فهو معلول، فإِن القول بالحلول مرض لا يزول، وما قال بالاتحاد إِلا أهل الإِلحاد، كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول)) (الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر ج1 ص80-81)
وهنا لا أجد إلا أن أدعوكم لتحميل كتاب "حقائق عن التصوف" للشيخ عبد القادر عيسى مرة أخرى، والذي فيه الكثير من الفوائد والردود البينة.
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..