(الإساءة للنساء)
قبل كل شيء .. من يقرأ هذه الحلقة فعلى مسؤوليته الخاصة .. فقد دعت الضرورة إلى الاستشهاد ببعض المشاهد الخادشة من الرواية.
ضاقت علينا المساحة في الحلقة الماضية دون أن نذكر نقطة أخيرة مما نستطيع أن نسميه(عدم الجودة) في الرواية التي نتحاور معها (الحمام لا يطير في بريدة) للأستاذ يوسف المحيميد.
الإشارة السابقة تتعلق بكون الرواية ذكرت أن"فهدا"التقى بـ"طرفة"مرتين .. وكل لقاء كان هو اللقاء الأول!!هذا الذي حصل.
أولا حدثنا الرواية عن لقاء "فهد"بالفتاة التي تعرف عليها عبر المندى الفني الذي يشتركان فيه ..و في اللقاء الأول سألها :
("كيف تعرفين حارات الشمال،وأنت ساكنة في السويدي؟"ضحكت،وقالت أن أختها الكبرى أسماء تسميها "جوجل"حتى أصبح كل أقاربها يطلقون عليها"جوجل"أو"طرفة جو"){ص 179 (الحمام لا يطير ..}.
ثم حدثتنا الرواية عن شوقه للقاء الأول .. وقد.. (تحمس لرؤية هذا الصوت الملائكي،,في مخيلته أن يذكي المقارنة بينهن،نهى وثريا وطرفة،فأي منهن الموناليزا خاصته؟){ص 181 ( الحمام لا يطير ..}.
بعد هذه الأفكار- والحديث دائما عن"طرفة" - التقى بها لأول مرة .. (كانت تعرف المدينة جيدا،ربما جولاتها مع عشيقها السابق في المخططات السكنية الجديدة في شمال الرياض جعلتها تدرك الطرقات والأحياء الجديدة في المدينة،لكنها كانت تتردد أن تقوده إليها كي لا يكتشف مغامراتها،رغم أنه قال لها مرارا بأنه يحترم وضوحها وصدقها){ص 183 ( الحمام لا يطير ..}
وهذا كما قلنا من (قلة الجودة) فيكف تحولت الفتاة من"طرفة جوجل"إلى فتاة تخفي معرفتها بالأحياء لكي لا يكتشف عشيقها الجديد – رغم أنه "منفتح" – جولاتها مع عشيقها القديم؟!!
لقاءات العشاق هذه،والحديث المتكرر عن الفاحشة .. جعلني أفكر هكذا : ماذا لو أنني اقترحتُ على شخص من خارج البلد قراءة هذه الرواية،ثم أسأله عن الصورة التي تكونت لديه .. بطبيعة الحال لم أنفذ تلك الفكرة .. كما لم أتوقف كثيرا عند وصف الرواية لما يحدث في الأكاديمية الطبية التي تدرس فيها"طرفة"وهي تحدثنا عن بعض الشاذات وعن فتاتين ..(تدخلان الحمامات معا،حيث لا تخفي الجدران المكشوفة من الأعلى لهاث أنفاسهن الساخنة){ص 58 (الحمام لا يطير ..}.
تجاوزت هذا الوصف لأنني أعلم أن كل مجتمع فيه بعض الشذوذ – وقد رسخته الفضائيات الإباحية المنتشرة – وأن مجتمعنا ليس ملائكيا .. ولكنني ما إن أكملت قراءة الرواية حتى تبين لي أن الرواية ألحت بشكل لافت للنظر على الشذوذ وعلى الرغبة الجسدية .. التي لا تستطيع ملابس الفتيات إخفاءها!!!
مثل طرفة وهي في طريقها للقاء حبيبها :
(أقبلت بجسدها الرقيق الذي لا تستطيع العباءة ستر شهوته){ص 208 (الحمام لا يطير ..}
و هذا "فهد"يحدثنا عن صديقه"سعيد" .. (رغم أن فهد يعرف سعيدا جيدا،وقد خرجا معا مرارا،تسكعا في شارع التحلية وفي برج الفيصلية،طاردا فتيات لعوبات يسحبن الغواية خلفهن مثل كلب لاهث،كانا يلاحقان غوياتهن مسحورين كأطفال الطيور الملونة أو الفراشات،كانا مأخوذين بنظرة ساحرة خلف نقاب،بعينين مرسومتين بكحل وظل مجنون،بضحكات وتدافع بالأكتاف بينهن،ويتمايلن بغنج وشهوة،ويؤشرن نحوهما بخبث){ص 132 (الحمام لا يطير ..}.
ويقول (حكيم زمانه) أيضا .. (كان سعيد يقول :إن البنت التي لا تخرج معك من المكالمة الثانية لا تستحق إضاعة الوقت عليها:"با أخي الحب بزنس"ثم يضيف جملته الشهرة :"هل تعتقد أن التاجر يضع ما له في مشروع قد يبقى شهرا كاملا بلا أرباح؟"فيضحك فهد وهو يجيب:"طبعا لا!"){ ص 133}.
أما الشذوذ فإضافة إلى الحديث السابق عن الأكاديمية الطبية .. ومجتمع الطالبات .. فماذا عن الأسواق والأفراح؟
تقول الرواية،عن"طرفة" .. (تحدثت عن العلاقات بين البنات،حيث يكون الزحام دائما على الحمامات في مناسبات الزواج،تجد كل صديقتين تدخلان معا إلى الحمام،لعشر دقائق أو أكثر،ثم تخرجان مبعثرتين،فتقفان على عجل أمام المرايا (..) حتى في الأسواق والمجمعات العامة،يذهبن جهة المصلى،,يدخلن غرف قياس الملابس التي يأخذنها من محلات الملابس الجاهزة،ثم تقضي الفتاة مع صديقتها بعض الوقت،ليخرجن دائخات وهن يلتحفن عباءاتهن،ويمشين بارتباك ظاهر.){ص 212 – 213 (الحمام لا يطير .. }.
أولا : ما علاقة المصلى بالأمر؟!! وهل كل غرف قياس الملابس – وفي كل سوق – إلى جوار المصلى؟!!
ثانيا : نرجو ألا يشغلهن الارتباك عن إعادة الملابس إلى أصحابها!!
وماذا عن "الملتزمات"؟ تعطينا الراوية "أنموذجا"صحيح أنها طرزته بأن صاحبته "تدعي التدين"ولكن من يدقق؟
"طرفة"ودائما تحكي لـ"فهد" .. (وتخبره عن ليلى التي كانت تدعي التدين،وتتصدر المجلس كالدراويش،وتتدخل في ملابس البنات،وكيف كشفت خيانتها،وكيف أنها وأختها علقتا على ليلى وهي تطوف أرجاء الاستراحة بحثا عن مكان معتم تتابع فيه مكالمتها السرية عبر الجوال،كانت أختي تشير نحوها بلؤم : "تستشير الداعية" ثم تطلق ضحكة عالية.){ص 214 (الحمام لا يطير ..}.
أرجو ألا أكون قد ظلمت الرواية حين قلت أنها تتحدث عن الشذوذ بشكل لافت للنظر.
هذا في الإطار العام أما في الإطار الخاص،أي بعض شخصيات الرواية .. فيمكننا تتبع كيف صورت الرواية صديقات بطلها"فهد"- هو الذي سماهن صديقات – لنبدأ بأصغرهن "نهى" .. (نهى صغيرة ولعوب،ليس فهد هو الأول ولا الأخير،ليس وحده فحسب،بل تجمع حولها رجالا تغسل بأصواتهم الخشنة ومشاغباتهم الموحية ليلها الطويل،أما أمها التي تحاول أن تغير قنوات الشوتايم كلما دخلت نهى عليها الغرفة،فهي وجلة جدا على بناتها){ص 136 (الحمام لا يطير ..}
وهذه"اللعوب"دائما تحت رقابة أمها،ولا تخرج – إلى المشفى أو السوق - إلا تحت حراسة (جيش) من إخوانها ..( وأحيانا تقول لنفسها : "رائع أنها فعلت ذلك بي،وإلا لكنت ضاجعت العديد من الأصدقاء الذين عرفتهم،صحيح أنني ضاجعت ثلاثة منهم حتى الآن،ولكن في التلفون فحسب،لذلك لو أن أمي غفلت عني جزءا من اليوم،لفعلت الكثير .."){ص 138 (الحمام لا يطير ..}.
أما الصديقة الأكبر سنا،والتي في مثل سن"أم فهد" أي "ثريا" .. (قالت إنها تحب الجنس،بل تعبده!){ص 147 (الحمام لا يطير ..}.
لم يبق غير"طرفة" وهي .. (مهووسة بأشكال الإكسسوارات النسائية،وبالجنس أيضا){ص 13 (الحمام لا يطر ..}.
قلنا من قبل أن الرواية ألحت بشكل (مريب) على "أمومة" (ثريا) ... كما رأينا تلك الأسطورة التي تسعى فيها "أم الشاب النجار"إلى قطع الشجرة لتلتقي بعشيقها .. ورأينا"فهدا"تراوده بعض الشكوك حين صمتت (أمه) عندما أخبرها أنها خُطبت .. ولعلكم لاحظتم العبارات التي استعملتها الرواية عن العم وخال (كما لو كانا يشهدان على علاقات سرية تربطها برجال غرباء،كأنما أحد قال إنه يرى رجالا يدخلون منزل الأرملة وقت الظهيرة).
رجال .. رجال .. وليس"رجالا"!!
إذا ما ذا عن أمهات صديقات "فهد"؟ بطبيعة الحال .. (ثريا) هي نفسها (أم) لستة من الأولاد .. أكبرهم في مثل سن"فهد"كما كررت الرواية لكي لا ننسى .. أما (أم نهى) فكما رأينا (تحاول أن تغيير قنوات الشوتايم) كلما دخلت عليها ابنتها.
أما "أم طرفة"فهي حكاية أخرى .. لذلك حق لنا أن نقول:
(فصل في طرفة وأمها .. بل وأسرتها)
جانب المعاناة في شخصية "طرفة"يتمثل في أنها مضطهدة من قبل والديها – وحتى أصغر إخوانها – رغم أنها متفوقة وذكية،وماهرة .. ولا تحتاج إلى دروس خصوصية مثل أخواتها الباردات الغبيات – حسب وصف الرواية – وعندما وجدت أن هذه الأمور لا تكفي لتكرهها أسرتها تساءلت إن كانت أمها قد ارتكبت "الخطيئة" مع رجل غير والدها!!
لم تستعذ "طرفة"من شيطان الوساوس،كما فعل"فهد"حين ووسوس له الشيطان في سلوك أمه ..
"طرفة"بائسة .. تهان وتضرب حتى أن والدها لم يمسح يوما على رأسها .. (فقد تعلمت من أبيها وأمها أن المسح على الرأس عيب،حتى هذا يدخل في أمور التحرش ومناوشات البنات،ولو كان من الأب ذاته.){ص 223 (الحمام لا يطير ..}.
ولكنها – أو الراوي – نسيت فعادت لتتحدث عن والدها .. (مع أنها لا تذكر أنه ضمها أو احتضنها أو مسح على رأسها،خلافا لعمها الذي يحبها كثيرا ويكيل لها المديح أمام أهلها،وحتى أمام بناته،ولا يتردد بأن يضمها كلما رآها ){ص 240 (الحمام لا يطير ..}.
كيف يكون مسح الأب على رأس ابنته (تحرشا) و(ومناوشة) .. و(احتضان) عمها لها أمرا عاديا؟!!
كما قلنا من قبل لم تستعذ "طرفة"من شيطان الوساوس .. بل .. (تشعر في لحظات كثيرة وهي صغيرة،أنها ليست ابنتهم،وأنها في العائلة الخطأ (..) بل حتى سمرتها بجانب أخواتها الأربع البيضاوات،تجعلها تشك بالأمر كثيرا،وحين كبرت ورحل أبوها كانت تسأل : "هل سوتها أمي مع أحد ثاني؟"){ص 238 (الحمام لا يطير ..}.
ليس هذا فقط بل تلتفت إلى أبيها .. وليس من باب الوساوس و"القرائن" بل إن الأب الذي كان .. ( حنونا وضحوكا مع بنات أخيه،كم تحترق طرفة حين تراه يضحك مع ابنة عمها مها){ص 224 ( الحمام لا يطير ..} .. والذي لم يكن يحب زوجته ..(حتى أنها صرحت لها ذات صباح بعد أشهر من وفاته،بأنه كان يخونها،وأن القبيحة التي يخونها لأجلها،حملت منه ذات مرة){ص 239 ( الحمام لا يطير ..}.
بقي من هذا الفصل أن نشير إلى زاوية أخرى أبرزتها الرواية .. وعلينا أن نلملم أطراف الصورة ..
"طرفة"فتاة متمردة .. قيادية .. حين قالت لها مديرة مدرستها :
يا بنت الكلب،ردت عليها (أنت بنت الكلب){ص 219 (الحمام لا يطير.. }... "طرفة" لم تطع أخاها الأكبر .. وأمها .. ( أمها وأخاها الأكبر عبد الله حاولا من قبل أن يلبسانها القفازات السوداء كي لا يرى الرجال عورة يديها،ولكنها قاومت ورفضت.){ص 183 "الحمام لا يطير ..}.
هذه "المتمردة"تقول لنا الرواية أنها حين تزوجت .. وقد عبرت الرواية عن العلاقة الخاصة بين الزوجين .. بـ"الحرث" ..
(مرتين كل يوم و يمطر (..) حتى أحبته وبدأت تتحول تدريجيا،تلبس ما يريد،تضع عباءتها فوق رأسها،وليس على كتفيها،حتى لا تظهر ثمرات (..) تستبدل نقابها بغطاء كامل للوجه،حتى لا تكون عيناها الجميلتان مطمعا لضعاف القلوب،وبعد شهر من العلاقة الدافئة،ودون أن يطلب منها شيئا،أو يقترح عليها،جلبت قفازين أسودين وحشرت يديها داخلهما كلما خرجت من البيت){ص 263 (الحمام لا يطير ..}.
ماذا تريد الراوية أن تقول؟
في ختام هذه الحلقة نعود إلى الافتراض الذي أشرنا إليه من قبل .. ماذا لو أن إنسانا لم بعرف شيئا عن البلد .. قرأ هذه الرواية بصفتها عملا فنيا يرسم ملامح الحياة الاجتماعية .. يا ترى بأي تصور سوف يخرج؟
هل نقول ربما يخرج بتصور يشبه ما جاء في الرواية عن مدينة بريدة .. ( المدينة الصامتة،المدينة المخاتلة التي تنام على شهوة ودعارة وتصحو على صلاة الفجر){ص 306 ( الحمام لا يطير ..}.
في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله .. نتحدث عن (الدين) أو نصوصه في الرواية.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة.
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :ضلالات الرواية "حمام بريدة"أنموذجا(1)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..