السبت، 8 نوفمبر 2014

نحو محاولة لفك الالتباس بين مفهومي الثقافة والمثقف

 توطئة:
يحدث غالبا التباس كبير لدى الكثير ومنهم طبقة الانتلجنسيا أنفسهم في تحديد مفهوم المثقف
وعلاقته بالثقافة من جانب، ومن جانب آخر عن مدى ارتباط المثقف بالتعليم، هذا إضافة الى أسئلة الإشكاليات الأخرى المثارة، والتي تتعلق بهذا الموضوع. مثال ذلك:
ما هي الثقافة؟
من هو المثقف؟
ما هي معايير تحديد المثقف؟
هل ان كل منتج للثقافة هو مثقف؟
وهل ان كل متعلم مثقف؟
وسنحاول هنا البحث في هذه الأسئلة للوصول الى إجابات ليس بالضرورة ان تكون مقنعة للجميع، لكن المهم ان تضع أمام القراء بعض التصورات التي نأمل ان تستمر في تحريك المناخ الفكري المتعلق بهذا الموضوع عند من يهتم به، ومن تقع بين يديه هذه المادة المقروءة.
وسوف لن نهمل هنا التطرق الى جذور استخدام مصطلح المثقف التاريخية.
مفهوم الثقافة:

ان مصدر كلمة ثقافة في العربية هو من الفعل الثلاثي ثقف، ثقف الشيء ثقفاً وثقافة وثقوفة ومعناها حذقه وثقف الرجل، أي انه رجل حاذق او صار حاذقاً او ماهراً.
ويقال ثقف الشيء بمعنى تعلمه بسرعة والثقاف ما تســوى بهــا الرمــاح. وتثقيف الرماح معناها تسويتها او صقلها. (1)

وفي القرآن: بمعنى أدركه وظفر به كما في قوله تعالى: " مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً"(2)
وتعرف موسوعة (The Hutchinson Paperback Encyclopedia) الثقافة من خلال منظورين وهما البايلوجي وعلم الاجتماع وعليه فإنها: " بايلوجيا تعني نمو الخلايا الحية والأنسجة في الظروف المختبرية. وفي علم الاجتماع بأنها طريقة الحياة الخاصة بشعب او مجموعة بشرية ما، متضمنا ذلك أنماط التفكير والمعتقدات والسلوك والعادات والتقاليد، الطقوس، الملابس، اللغة وكذلك الموسيقى والأدب والفن". (3)
و يعرف جيرارد اودوننيل (Gerard O’Donnell, 5) الثقافة بالطريقة التالية " عندما تأسس جماعة بشرية ما طريقة لحياتها، وحيث تكون هذه طريقة مقبولة بصورة عامة من الإدارة والملبس والمعتقدات، آداب السلوك والمعتقدات. توصف هذه بأنها ثقافتهم...
وتتضمن الثقافة: اللغة، الأزياء، عادات الطعام والسلوك العام". (4)
أما في اللغــات الأوربية فان لفظــة الثقافــة يقابلهـا Culture . والتي تعني ـ الزرع ـ وجاءت بهذا المعنى لان الزراعة تعني السكن في القرى والمدن او انها تعني التحضر او الاستقرار.
والثقافة أخيرا عبارة عن مقاييس أخلاقية ونظرة عامة الى كل جوانب الحياة الروحية والمادية تؤثر على السلوك والعادات وتهدف الى رفع مستوى الإنسان الى الأحسن والأفضل وتتناقل من جيل الى آخر عن طريق اللغة والمحاكاة. (5)
وعليه فان للثقافة مفهومين، هما مفهوم لغوي وآخر اصطلاحي. وقد علمنا تعدد المعاني التي تدل على الحذق والمهارة والزراعة وإدراك الآخر او الظفر بشيء. أما في المعنى الاصطلاحي فهي ايضا تتعدد تعريفاتها التي أحصاها إدوارد تايلر والتي تزيد على 200 تعريف، حيث يخلص الى تعريف شامل لها وهو: " ذلك الكل المعقد المتضمن المعارف والمعتقدات والفنون، الآداب والاعراف، القوانين، العادات، والمنجزات الأخرى، التي عملها الإنسان كفرد او مجتمع" (6)
وهو ما نراه التعريف الأنسب للثقافة. وبهذا يعطي الثقافة بعدا أوسع من إنتاج الإبداع الثقافي.
فهي تتضمن وسائل واساليب، قد تكون مبتكرة او مقتبسة، مقصودة او عفوية، كمالية او ضرورية. ولكن في الإجمال يمكن القول ان الثقافة وظيفتها تسهيل حياة الإنسان ومحاولة حل مشاكله وحفظ مآثره وإشباع رغباته.


من هو المثقف؟

من ناحية تعريف المثقف وإجابة على هذا السؤال يرجح غالبا ان " تعريف المثقف ليس بالإجراء النظري السهل لانه عملية تتخذ كموضوع لها حقلا متغيرا حركيا خاصا بالأفكار والأيديولوجيات التي ترتبط بصفة غير مباشرة ومقنعة بمصالح موضوعية ومادية" (7)
كما ان موضوع المثقف والحديث عنه يأخذ أبعادا عدة وتشعبات كثيرة أولها ما يتعلق بتحديد مفهوم المثقف وتصنيفاته. كما يجب عدم تجاهل بدايات هذا المفهوم.
وهناك عدة تعريفات للمثقف منها: (8)
المثقف هو الذي يضع نظرة شاملة لتغيير المجتمع.
المثقف هو الذي يعمل لصالح القطاعات العريضة في المجتمع.
المثقف يتميز بان لديه القدرة على النقد الاجتماعي والعلمي.
ويرى جان بول سارتر ان "المثقف إنسان يتدخل ويدس انفه فيما لا يعنيه". (9)

أما العالم الإيطالي غرامشي فهو الرائد في هذا حيث يميز بين نوعين من المثقف وهما: (10)
المثقف العضوي والمثقف التقليدي، ويعني بالمثقف العضوي: (11) "هو المثقف الذي يعمل على إنجاح المشروع السياسي والمجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية المشكلة من الفلاحين (الجنوب الإيطالي) والعمال (الشمال الإيطالي)، وعني بالمثقف التقليدي" هو المثقف الذي يوظف أدواته الثقافية للعمل على استمرار هيمنة الكتلة التاريخية السائدة المشكلة من الإقطاع والبرجوازية والفئة العليا الاكليروس".
ويضيف غرامشي موضحا بتساؤل "هل يشكل المثقفون فئة اجتماعية متجانسة ومستقلة؟" ويجيب عليه "ان المثقف لا يشكل انعكاسا للطبقة الاجتماعية وانما هو يؤدي وظيفة إيجابية في تحقيق رؤيتها (تصورها) للعالم بشكل متجانس". (12)
في ضوء ذلك يحدد غرامشي دور المثقف ومسئوليته تجاه الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها، وممكن تصور هذا الدور على انه لسان حال هذه الطبقة والناطق باسمها وصداها الإعلامي الداعي لأفكارها والناشر لمبادئها، اي انه منتمى لطبقة.
والمثقف في مفهوم ماكس فيبر، هو المفكر المتميز والمسلح بالبصيرة.
وفي مفهوم بارسونز، هو المفكر المتخصص في أمور الثقافة والفكر المجدد البعيد عن أمور الحياة. وبمفهوم الأفغاني هو المتعلم". (13)
من جملة التعريفات السابقة عن مفهوم المثقف، يتضح ان المثقف هو إنسان امتاز عن بقية أبناء مجتمعه بقابلية على التفكير وإدراك التحديات التي تواجه محيطه الاجتماعي وبخزين معرفي متمايز ايضا، وباتخاذه لمواقف محددة في قضايا حساسة وحاسمة. وليس شرطا ان يكون قد حاز على درجة رفيعة من التعليم، اي ليس شرطا ان يكون التعليم هو مصدر او مشروعية المثقف.

وبتأمل مجمل التعاريف السابقة نجد انها تعزف عن فكرة اعتبار ان كل متعلم هو مثقف، او تحديد هوية المثقف على انه هو الشخص المتعلم باستثناء رأي المفكر جمال الدين الأفغاني الذي يربط مفهوم المثقف بالمتعلم. ربما جاء هذا الرأي بسبب طبيعة الحياة الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط في تلك المرحلة من حيث ندرة المتعلمين فضلا عن المثقفين، او ان الشائع وقتها بل لحد الان ولدى الكثير من ان المتعلم هو مثقف. إلا اننا نرى ان ليس بالضرورة ان كل متعلم هو مثقف، ولكن بالتأكيد فان كل مثقف متعلم.
في حين ان عالم الاجتماع الأميركي بارسونز يقرن تعريف المثقف بإنتاج الثقافة والفكر.

والمثقف شخص يفرض نفسه ووجوده في مجتمعه وهو "ليس بحاجة الى تحديد لانه يعلن عن نفسه عبر ممارسته العلمية وان كانت هذه الممارسة ملتبسة عند المثقفين بسبب الالتباس الحياتي الحاصل". (14)
وقد أبدى «غرامشي» تصورا عريضا للمفكر او المثقف حين أشار الى عدم وجود غير مفكرين، فحسب رؤيته كل إنسان يقوم خارج نطاق مهنته بنوع من أنواع النشاط الفكري.. يكون مفكراً او فيلسوفا وذواقة يساهم في مفهوم معين للعالم. (15)
ويرى هشام شرابي ان للمثقف صفتين رئيسيتين " الأولى هي الوعي الاجتماعي الكلي بقضايا المجتمع، من منطلق بناء فكري محكم، والثانية هي الدور الاجتماعي الذي يلعبه بوعيه ونظرته" (16)
ونرى هنا ان هاتين الصفتين هما مؤشران هامان ودالان على المثقف، وهما متلازمان الى درجة كبيرة. حيث ان الوعي الاجتماعي يقود الى القيام بدور اجتماعي، او ان لا دور اجتماعي بدون وعي اجتماعي ونحن نقصد هنا ليس دور هامشي او أي دور ، بل دور إيجابي وفعال بالقدر المستطاع والمؤثر، وبمعايير سنشير لها لاحقا.

وهناك عدة تصنيفات للمثقف منها: (17)
المثقف بالسلطة او المثقف المسيطر وهو المثقف الذي تسخره السلطة طائعا او راضخا، وحيث يعمل على تسويق برامجها والتي تكون عادة مجانبة لحاجات المجتمع، وحيث يحظى مثل هؤلاء المثقفون بامتيازات يحرم منها نظراؤهم غير الموالين للسلطة. ويكون طابع هذه السلطة ديكتاتوريا بالتأكيد. والمثقف الوطني، وهو المثقف الذي يلتزم الصف الوطني ويتبنى قضايا مجتمعه، ويحظى بتقدير الأوساط الشعبية اكثر منها في الأوساط الحكومية. والعالم المثقف، وهو صاحب تحصيل عالي، أكاديمي عادة، وبإبداع متفرد، مع نزوع الى الاهتمام بقضايا العلم والتخصص اكثر من غيرها. والمثقف بالخبرة، وهو نوع من المثقفين الذين يمتلكون تراكما معرفيا ورصيدا كبيرا من الخبرة سواء في التخصص او في الحياة الثقافية والاجتماعية.
والمثقف المهني، وهو صاحب تخصص ما، خبره وخبر خباياه فاصبح حاذقا به، غير بخيل بتعليمه، مع الأخذ بمحددات مفهوم المثقف الأخرى، مثل مقدار من التعليم واطلاع في أمور حياتية ومعرفية ولو بدرجات متفاوتة. والأمر نفسه يقال عن المثقف المحترف، والمثقف المنتمي، وهو المثقف الذي يكرس دوره لانتماء معين بالدرجة الأساس، فقد يكون هذا الانتماء مهني او طبقي او أي انتماء مجتمعي آخر.
ولكن هذه التصنيفات قد لا تتطابق جميعها مع بعض التعاريف المشار إليها.


جذور مفهوم المثقف:

مفهوم المثقفين (Intellectuals) حديث نسبيا، يعود استعماله في الفرنسية الى قضية دريفيس. ولكن قبل استعماله الشائع والأعم، كان هناك تنويه دائم بوجود خاصة، اكثر حكمة وعلما وثقافة من عامة الناس، وبالأخص من فئاتهم الوسطى. هؤلاء الخاصة كانوا يسمون (اكليروس) في القرون الوسطى، وفلاسفة في عصر الأنوار. والحال فان – المثقفين- الحديثين ورثوا تقاليد مناقضة تنضاف الى تركيب زمرتهم الشديدة التنوع والاختلاف. (18).
. والمؤكد ان مفهوم المثقف في الغرب ارتقى بعد ميلاد قضية دريفيس الى معنى «أقوى» وأكثر تحديداً لدوره الريادي في المجتمع كصاحب رأي وقضية، وذلك عندما كتب المفكر الفرنسي أميل زولا مقالته الشهيرة: «إني أتهم».. والذي أدى بدوره الى ظهور بيان حمل توقع «المثقفين» في فرنسا على وثيقة تطالب بإعادة محاكمة المتهم «الفريد دريفوس» بقضية تجسس لصالح ألمانيا النازية، وذلك بعد ظهور أدلة تشهد ببراءته ومحاولة الحكومة اليمينية «طمس» الأدلة الجديدة على براءته. رسمت تلك القضية معايير جديدة للمثقف او المفكر ترتكز على شرطين: أحدهما رغبته وإصراره على «كشف الحقيقة»، والشرط الآخر ان يكون شجاعاً، وان يكون مستعدا للذهاب بالنقد الى ابعد مدى، وان يحدد ويحلل ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ مجتمع أكثر إنسانية.
وعلى النقيض من موقف أميل زولا الشجاع كمثال على المفكر الحقيقي، يبرز فرناندو كاردوسو وهو مثقف برازيلي بارز وعالم اجتماع يساري، اختير مفكر العام بسبب كتاباته الجريئة عن الفقر وظهور الطبقات الاجتماعية نتيجة لتطرف الرأسمالية، كما عرف بتأييده الشديد لقضايا الليبرالية، ويحظى بشعبية لانتصاره لمآسي الفقر وتدني مستويات الضمان الاجتماعي،.. وخلال تلك الفترة وصلت ملحمة الديون في البرازيل الى طور متدهور بسبب ضغط الدائنين على الحكومة لإعادة الهيكلة وتنفيذ سياساتها المالية لضمان عائد مالي يسدد على الأقل فوائد الديون ويسمح بسياسة اقتصادية تقشفية يديرها الدائن الأمريكي لتضمن حقوقهم المالية، وكان لا بد من منفذ لسياساتها المتشددة والموجهة ضد الإنسان الفقير، وحدث ان اختير «كاردوسو» وزيراً للمالية لوجود حالة من الرضى عنه في وسط الشارع البرازيلي، وشعرت دوائر الدائنين بالتخوف من تاريخه النضالي ضد الرأسمالية المتطرفة، ولكن سرعان ما اطمأنت عندما قال في اجتماع مع كبار المصرفيين والصناعيين:«انسوا كلَّ ما كتبته» (19)
ويلاحظ اقتران انبثاق مفهوم المثقف بالحدث التاريخي وبالوقفة والمسئولية التاريخية التي كان يتطلبها الظرف الذي ولد هذا المفهوم وهذه الفئة من الناس.
الأمر الذي يعني اشتراط الموقف المسؤول لدى المثقف تجاه قضايا مجتمعه، إضافة الى الشروط الموضوعية الأخرى التي تحدد مفهومه.

الشروط الموضوعية:
هل بالإمكان تحديد مجموعة من الشروط الموضوعية التي يتوجب توافرها لدى المثقف؟
اننا نرى ان بالإمكان تثبيت مجموعة من الضوابط والمعايير ممكن عدها شروط موضوعية يتطلب توفر قدر كبير منها في الفرد حتى يرتفع بشخصه الى مستوى ودلالة مصطلح المثقف وعمق تعبيره، ليستحق ان يطلق عليه مثقفا.

ومن هذه الشروط:
1- قدر معقول من التعليم يؤهله للتواصل مع مسيرة العلم والثقافة وامكانية إنتاج المنجز الثقافي.
2- التمكن في اختصاصه الى حد معقول. وان يعي المساحة والتي يتحرك بها والمجال الذي يعمل به او ينتج به إبداعه، وذلك يشمل بالطبع قدرا معقولا من الإلمام بالتراث المعرفي، لهذا المجال والذي من الممكن ان نسميه التخصص. مع درجة معقولة من الموسوعية في باقي التخصصات او جوانب المعرفة الأخرى. مع مواكبته للتطورات التي تحصل في اختصاصه.
3- قابليته على الإقناع والتأثير في الآخرين.
4- ممارسته للنقد الاجتماعي، " ورغبته وإصراره على -كشف الحقيقة- … وان يكون شجاعاً،… ومستعدا للذهاب بالنقد الى ابعد مدى، وان يحدد ويحلل ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ مجتمع أكثر إنسانية". (20)
5- طرحه النموذج الذي يستحق الاحتذاء به في نواحي مختلفة مع الأخذ بنظر الاعتبار اختلاف المعايير القيمية من مجتمع لاخر. وان يرقى الى مستوى الاقتداء في مجتمعه. متزنا، متواضعا، مراعيا لمعايير الأخلاق العامة و الذوق العام، وأخلاقيات العلم وبروتوكول الأوساط الثقافية.
وان يبتعد عن مواطن الشبهات ويترفع عن التفاهات.
6- نقل وإشاعة الجانب المشرق من السلوك الحضاري مثال: مبادئ وقيم قد تكون غائبة او خافية في تراث مجتمعه، او في حضارات أخرى منها (احترام الوقت، الالتزام بالمواعيد، مراعاة الذوق العام، حب العلم واحترام المتعلمين، الحرص على المصلحة العامة … وغيرها)
7- المرونة تجاه مطالب المادون (لمن يمارسون عملا إداريا او سياسيا) والأيمان بأسلوب النقاش والحوار كسلاح سلمي لفض النزاعات. تقبل النقد والاعتراض، وعدم فرض آرائه تعسفيا.
8- الإحساس بقضايا مجتمعه وامته والتفاني في سبيلها.

كما ان هناك شروطا او خصائص أخرى يجب توافرها عند المثقف ، وهي شروط أجزلها نيتشه على (الرجل العلمي)، بالإمكان توافقها هنا الى درجة كبيرة، حيث يرى نيتشه في الرجل العلمي انه" نوع من الإنسان العادي ذو فضائل عادية بمعنى انه نوع من الرجال غير مسيطر، غير آمر ، ونوع من الرجال غير المكثفين ذاتيا. انه يتمتع بالحسد التافه. وهو حاد البصر بالنسبة الى نقاط الضعف لدى ذوي الأمزجة التي لا يستطيع بلوغ سموها". (21)
الأمر الذي يعني هنا ان هذا القول " يكشف عن عمق فلسفي في تعريف المثقف، سلاحه السخرية ونقص التصورات الممجدة لرجل الفكر". (22)


خطورة دور المثقف:

عن خطورة دور المثقف يتحدث الفيلسوف غرامشي عن المثقفين الإيطاليين عام 1919 فيقول " لم يعد بالإمكان ان يتمحور نسق حياة المثقف الجديد حول الفصاحة والإثارة السطحية والآنية للمشاعر والأهواء. بل صار لزاما عليه ان يشارك مباشرة في الحياة العملية كبان ومنظم مقنع دائما، لانه ليس مجرد فارس منابر. بات لزاما عليه ان يتغلب على التفكير الحسابي المجرد، فينتقل من (التقنية – العمل) الى (التقنية – العلم)، والى النظرة التاريخية الانسانية، وألا يبقى اختصاصيا دون ان يصبح – قائدا- أي رجل سياسة بالإضافة الى كونه اختصاصيا" (23)
بالتأكيد لن يكون جيش المثقفين كلهم قادة او سياسيون، لكن بالضرورة ان يعي المثقف دوره في مسيرة المجتمع، وان يثقف أبناء المجتمع في معظم أمور حياتهم.
المثقف إذن هو منتج للإبداع وذو موقف.
وخلاصة القول ان ليس كل متعلم مثقف، ولا كل منتج للثقافة مثقف.

........................................
هوامش ومراجع البحث:


1-http://www.zowaa.org/Arabic_Section/Articles/ap10.html.
2- سورة الأحزاب ، آية 61.
3- The Hutchinson Paperback Encyclopedia, Arrow Books Ltd., London, 1990, p. 218.
4-Gerard O’ Donnell, Mastering Sociology, 2nd edt., Macmillan Press Ltd, London, 1988, p. 5.
5-http://www.zowaa.org/Arabic_Section/Articles/ap10.html
6-International Encyclopedia of the Social Sciences, vol. 3, the Macmillan Company & the Free Press, New York, p. 527.
7- محمد شكري سلام، وظائف المثقف وادواره بين الثابت والمتغير، مجلة المستقبل العربي، ع(200)، ت1(أكتوبر) 1995، ص66.
8- وهدان رشاد، المثقف العربي المسيطر وعلم الاجتماع الأكاديمي، مجلة الفكر العربي، ع(66)، ت2 (نوفمبر) – ك1 (ديسمبر) 1991، ص128-129.
9- سلام، سبق ذكره، ص66.
10- المصدر نفسه، 65.
11-هناك دعوة إلى إقصاء المثقف، وخصوصا المثقف المسمى بالعضوي، أي الذي يلتحم بقضايا الناس، ويحاول أن يجيب عن مسائلهم هذا المثقف عليه أن يقصى، ومعه تقصى مفاهيم أخرى كمفهوم الثورة والنهضة والتقدم الاجتماعي والتقدم التاريخي، ليبقى الأمر متجها نحو إنتاج شخصيات مفكرة لا تهتم إلا بقطاعات جزئية.. إذن هنا دعوة إلى إنهاء المثقف وإلى إبراز المفكر الذي يبعد كل تلك التي تشكلت في التاريخ، وأهم ذلك مفهوم النهضة ومفهوم الثورة. (راجع د. طيب تزيني، لقاء مع قناة الجزيرة، (www.aljazeera.net/programs/culture_view/articles/2000/12/12-13-14.htm)
12-سلام، سبق ذكره، ص 67.
13- احمد مجدي حجازي، المثقف العربي والالتزام الأيديولوجي – دراسة في أزمة المجتمع العربي (موجود في كتاب نحو علم اجتماع عربي، مجموعة من الباحثين العرب، ط2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1989، ص 146).
14- فهمية شرف الدين، في مناقشة ورقة الطاهر لبيب (تساؤلات حول المثقف العربي والسلطة)، مجلة الوحدة، ع(10)، تموز (يوليو) 1985، ص 21.
15-http://www.suhuf.net.sa/2002jaz/apr/27/ar3.htm
16-سلام، 129
17-للمزيد عن المثقف وتصنيفاته، راجع وهدان رشاد، المصدر الذي سبق ذكره أعلاه، واحمد مجدي حجازي، الذي سبق ذكره ايضا، ومجلة الوحدة العربية/ محور المثقف العربي بين السلطة والمجتمع، السنة الأولى، ع (10) ، تموز (يوليو) 1985.
18- خليل احمد خليل، معجم المصطلحات الاجتماعية، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1995، ص 348-349
19- http://www.suhuf.net.sa/2002jaz/apr/27/ar3.htm
20-http://www.suhuf.net.sa/2002jaz/apr/27/ar3.htm
21-سلام، ص 65-66.
22-المصدر نفسه، ص 66.
23- المصدر نفسه، ص 66.

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

من هو المثقف؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..