السبت، 8 نوفمبر 2014

من هو المثقف؟

السؤال :  السلام عليكم،ما هو تعريف المثقف؟ ومتى يُقال عن الشخص إنه مثقف؟
الجواب : مرحبًا بك أخي الكريم، وأهلاً وسهلاً بك 
بداية؛ ما مفهوم المثقَّف؟
المثقف والثقافة - لغةً - مشتقان من مادة (ثقف)، والتي تدل - حسب ما جاء في معاجم اللغة العربية
وقواميسها - على عدَّة معانٍ، منها: الحذق، وسرعة الفهم، والفطنة، والذكاء، وسرعة التعلُّم، وتسوية المعوجِّ من الأشياء، والظفَر بالشيء؛ قال تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} [الأنفال: 57]"[1].

وعرَّف مجمع اللغة العربية (الثقافي) بأنه: "كل ما فيه استنارةٌ للذهن، وتهذيبٌ للذوقِ، وتنميةٌ لِمَلَكة النقد والحُكْم لدى الفرد والمجتمع"[2]، ويتَّضح هنا ارتباط هذا التعريف بالدلالات اللغوية السابقة.

وتذهب إحدى الدراسات إلى: أن اللفظين العربيين (مثقف) و(ثقافة) يقابلان على التوالي اللفظين: (intellectual)، و(culture) ذوَي الأصل اللاتيني، المستخدمينِ في اللغة الأوربية، وعلى الرغم من أن الاشتقاق العربي يُعِين على فهم العلاقة بين المثقَّف والثقافة، التي تمثل مجال فعله وتأثيره، ويشدد على الترابط بين الاثنين - فإن التفكير في دور المثقف وعلاقته بالثقافة لا يزال يتبع المعانيَ المولَّدة في الأدبيات الغربية ويحذو حذوها.

ومن الجدير بالذكر أن لفظ (intellectual) أقرب في معناه إلى كلمة (المفكِّر)؛ لأن الكلمة مشتقة في اللغات الأوربية من كلمة (intellect)، أي: (الفكر)، بينما تحمل كلمة (culture) معنى (الرعاية والعناية)، فهي تستخدم حقيقةً للدلالة على الشروط التي يوفِّرها المزارع لنمو زرعه، وتستخدم مجازًا للدلالة على الشروط التي يوفرها المجتمع للنمو النفسي والعقلي لأفراده.

والمثقف
في المفهوم الاصطلاحي: ناقدٌ اجتماعيٌّ، "همُّه أن يحدِّد، ويحلِّل، ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل، نظامٍ أكثر إنسانية، وأكثر عقلانية"، كما أنه الممثِّل لقوَّةٍ محرِّكةٍ اجتماعيًّا، "يمتلك من خلالها القدرةَ على تطوير المجتمع، من خلال تطوير أفكار هذا المجتمع ومفاهيمه الضرورية".

والمثقف يملك قدرًا من الثقافة التي تؤهله لقدرٍ من النظرة الشمولية، وقدرٍ من الالتزام الفكري والسياسي تجاه مجتمعه، وهو مبدع كل يوم، يستطيع بهذا الإبداع الثقافي أن يفصل بين تهذيبات القول وتجليات الفكر، بين الثقافة وعدم الثقافة، بين التحضر والتطور".

إلى هنا يتضح مفهوم المثقف عمومًا، فما دور المثقف الإسلامي بخاصةٍ في تكوين البنية الفكرية للمجتمع، والمساهمة في تحديد هويته الثقافية، والتي يمكن من خلالها تمييزُه عن غيره؟

للإجابة عن هذا السؤال لابدَّ أولاً أن نفرِّق بين مصطلح المثقف الإسلامي، وبين مصطلحين آخرين اهتمَّت بعض الأقلام بهما.

هذان المصطلحان هما: المفكر الإسلامي، والفقيه:
1) الفَقِيه - بفتحٍ فكسرٍ – وجمعُه فُقَهاء: وهو العالِم بالأحكام الشرعية العملية من الحِلِّ والحرمة، والمتخصِّص في الفقه الإسلامي من المفترض فيه أن يكون على فَهمٍ للنصوص الشرعية، والمرادِ منها، فهمًا علميًّا دقيقًا خاضعًا للقواعد المثبتة في علوم القرآن، وعلوم الحديث، وعلم أصول الفقه، إضافةً إلى علوم اللغة العربية.

2) المفكر الإسلامي
، الذي اشتق لقبه من الفِكْر - بكسرٍ فسكونٍ - وجمعُه أفكارٌ: وهو "إعمال العقل بالمعلوم للوصول إلى المجهول"، وقد عرَّفه كل من ابن قيم الجوزية والغزالي بأنه: "إحضار معرفتين في القلب ليُستَثمَر منهما معرفةٌ ثالثةٌ"، وقال الجرجاني: "الفكرُ ترتيبُ أمورٍ معلومةٍ للتَّأدِّي إلى مجهولٍ"، وهذا يعني أن المفكر ينتقل من المقدمات والمبادئ التي عنده إلى النتيجة التي يبني عليها عملاً؛ إن المفكر الإسلامي صاحبُ رأيٍ في مجالات الحياة من خلال تعمُّقه في الأفكار الأخرى، وقدرته على تحليلها ومحاكمتها، والتأسيس للأفكار والنظريات الإسلامية الجديدة.

والمثقف الإسلامي:
هو المطَّلع إلى حد الاستيعاب على الواقع وتطوراته، وتياراته الاجتماعية والفكرية والعلمية، وهو لا يمتلك رأيًا فقهيًّا أو فكريًّا اجتهاديًّا خاصًّا به؛ تمييزًا له عن الفقيه والمفكر الإسلامي، بل إنه يحمل الأفكار ويستوعبها، ثم ينشرها ويشرحها في هذين المجالين، أي: إنه يتحرك في إطار مرجعيةٍ علميةٍ وفكريةٍ تحركًا واعيًا وهادفًا وتكامليًّا.

والمثقفُ نوعان:
- موسوعي: وهو الملمُّ بأكثر من مجالٍ ثقافيٍّ.
- تخصصي: وهو المتخصص في أحد العلوم الإنسانية، كالاجتماع والسياسة مثلاً.

وتجدر الإشارة هنا إلى تأكيد مصطلح "المثقف الإسلامي"، وليس "المثقف المسلم"؛ لأن هناك فرقًا في المدلول والمفهوم والدور بين المثقف، الذي يمتلك هويةً ثقافيةً معينةً، وينتسب للإسلام وراثيًّا، وبين المثقف الذي يتبنَّى الإسلام نظامًا حيويًّا متكاملاً، ويشكل الإسلام بعدًا فكريًّا في شخصيَّته، ويتحرك اجتماعيًّا وثقافيًّا وفق هذا الانتماء.

وبناء على ذلك الفَهم فإن المثقفين الإسلاميين هم طليعة الأمَّة والجهاز التنفيذي لحركتها، من خلال هضم واستيعاب التراث الإسلامي الفقهي، والعقَدي، والفكري.

وفي نهاية كلامنا نظن أن من المفيد أن نُبَلْوِر دور المثقف الإسلامي في ثلاث مهام أساسيَّةٍ، هي:
1- بث الثقافة الإسلامية السليمة، وإشاعة القيم الحقيقية التي يتبنَّاها الإسلام، وإثارة وعي الأمَّة حول القضايا الراهنة والمصيرية، وتمكين أفراد المجتمع من التمييز بين الثقافة الإسلامية الأصيلة والثقافة الدخيلة، وبين ما هو خرافة وانحراف وما هو حقيقة دينية، وهو المسؤول عن الوصول بوعي الأمة إلى المستوى الذي يؤهِّلها للقيام بدورها الحضاري في إطارٍ من الترابط بين الثقافة والسياسة.

2- النقد، وهو من الوظائف الأساسية لتطوير أيٍّ عمل، سواء كان ثقافيًّا أو سياسيًّا أو اجتماعيًّا، وينبغي للمثقف وهو يمارس النقد التوافرُ على خلفيةٍ قادرةٍ على تحديد المساحات الخاضعة للنقد، من حيث طبيعتُها وخصائصُها والظروفُ التي تمرُّ بها ودرجةُ أولوياتها؛ لكي تكون العملية إيجابيةً وباتجاه البناء والتقويم والتجديد والتطوير، بالإضافة إلى ذلك تقع على المثقف الإسلامي تنمية الحس النقديِّ عند الأمة؛ لكي تتفاعل مع عملية التجديد والتطوير.

3- تبنِّي قضايا الأمة والدفاع عنها؛ فالمثقف الإسلامي هو لسان حال المجتمع، يتبنى قضاياه ويدافع عنها، ولا يجوز له أن يتخلَّى أو يتقاعس أو ينظر لها نظرةً فوقيةً، تفوِّت عليه دوره الحقيقي في الوسط الاجتماعي؛ ولكي يكون المثقف أكثر مصداقيةً ينبغي أن يكون أول مُضحٍّ من أجل الأمة وقضاياها المصيرية، وأشد التزامًا بالقيم، وأكثر تعهُّدًا بالمبادئ، محتكمًا إلى الأسس الدينية والأخلاقية، وأن لا يتجاوز في سلوكه الحدود الشرعية، وتمثل هذه المهمة الحقل التطبيقي للمثقف، ودائرة مصداقيته وسط الأمة، وعليها يتوقف نجاحه في أداء مهمته، ولا يعني إسناد هذا الدور إلى المثقف إلغاءً لدور غيره ممن تقع عليهم مهامٌّ أخرى ومسؤوليات تختلف طبيعتها عن هذه المسؤوليات، "فعندما يمارس المثقف الإسلامي دوره وسط الأمة، لا يحجِّم دور الفقيه والمفكِّر الإسلامي؛ وإنما يتداخَل ويتكامَل معهما". 

وأخيـرًا
؛ فهذا موضوع مهمٌّ جدًّا وواسعٌ، ويحتاج بيانه بالتفصيل إلى تأليف كتبٍ مستقلةٍ، ولكن حسبنا في هذه الاستشارة البسيطة ما ذكرنا، ونحيل القارئ الكريم إلى المراجع الآتية:  
1- "المثقفون في الحضارة العربية"، لمحمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت، 1995م.
2- "تهميش المثقفين ومسألة بناء النخبة القيادية"، لبرهان غليون، مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت، 1995م.
3- "المثقف العربي والنضال القومي"، لناجي علوش، المجلس القومي للثقافة العربية - الرباط، 1985م.

أرجو لك الإفادَة، وأداء الرسالة.

 أ. إبراهيم الشافعي


مراجعة: الشيخ علي ونيس

ــــــــــــــــــــــــــــ
[1]  "لسان العرب"، لابن منظور، دار صادر - بيروت، 1388 هـ/ 1968م، مادة (ثقف). 
[2] المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية - القاهرة، 1979م، مادة (ثقف).

 


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

نحو محاولة لفك الالتباس بين مفهومي الثقافة والمثقف


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..