الخميس، 19 مارس 2015

حسان بن ثابت

 ابن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار . سيد الشعراء المؤمنين ، المؤيد بروح القدس أبو الوليد ; يقال : أبو الحسام . الأنصاري الخزرجي النجاري المدني ، ابن الفريعة .
شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصاحبه .
حدث عنه ابنه عبد الرحمن ، والبراء بن عازب ، وسعيد بن المسيب ، وأبو سلمة ، وآخرون . وحديثه قليل .

قال ابن سعد : عاش ستين سنة في الجاهلية ، وستين في الإسلام .

قال ابن سعد ، عن الواقدي : لم يشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم- مشهدا . كان يجبن . وأمه الفريعة بنت خنيس .

قال مسلم : كنيته أبو عبد الرحمن . وقيل : أبو الوليد .

وقال ابن منده : حدث عنه عمر ، وعائشة ، وأبو هريرة . [ ص: 513 ]

قال ابن إسحاق : سألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان : ابن كم كان حسان وقت الهجرة ؟ قال : ابن ستين سنة ، وهاجر رسول الله ابن ثلاث وخمسين .

الزهري ، عن ابن المسيب ، قال : كان حسان في حلقة فيهم أبو هريرة ، فقال : أنشدك الله يا أبا هريرة ، هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : أجب عني ، أيدك الله بروح القدس ؟ فقال : اللهم نعم .

وروى عدي بن ثابت ، عن البراء : أن رسول الله قال لحسان : اهجهم وهاجهم وجبريل معك .

وقال سعيد بن المسيب : مر عمر بحسان ، وهو ينشد الشعر في المسجد ، فلحظه . فقال حسان : قد كنت أنشد فيه ، وفيه خير منك . قال : صدقت .

ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : كان حسان يضع له النبي - صلى الله عليه وسلم- منبرا في المسجد ، يقوم عليه قائما ينافح عن رسول الله [ ص: 514 ] - صلى الله عليه وسلم- ورسول الله يقول : إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . أخرجه أبو داود والترمذي .

مجالد ، عن عامر ، عن جابر ، قال : لما كان يوم الأحزاب ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : من يحمي أعراض المسلمين ؟ قال كعب بن مالك : أنا . وقال ابن رواحة : أنا . وقال حسان : أنا . قال : نعم ، اهجهم أنت ، وسيعينك عليهم روح القدس .

وعن عروة ، قال : سببت ابن فريعة عند عائشة ، فقالت : يابن أخي ، أقسمت عليك لما كففت عنه ; فإنه كان ينافح عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

عمر بن حوشب ، عن عطاء بن أبي رباح ، سمعه يقول : دخل حسان على عائشة ، بعدما عمي ، فوضعت له وسادة ، فدخل أخوها عبد الرحمن ، فقال : أجلستيه على وسادة ، وقد قال ما قال - يريد مقالته نوبة الإفك - فقالت : إنه - تعني أنه كان يجيب عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ويشفي صدره من أعدائه - وقد عمي ، وإني لأرجو ألا يعذب في الآخرة .

وروي عن عائشة قالت : قدم رسول الله المدينة ، فهجته قريش ، وهجوا معه الأنصار . فقال لحسان : اهجهم ، وإني أخاف أن تصيبني معهم بهجو بني عمي . [ ص: 515 ]

قال : لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين ، ولي مقول يفري ما لا تفريه الحربة . ثم أخرج لسانه ، فضرب به أنفه ، كأنه لسان شجاع بطرفه شامة سوداء ، ثم ضرب به ذقنه
.

يحيى بن أيوب : حدثنا عمارة بن غزية ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة : أن حسان قال : والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني هذا . ثم أطلع لسانه ، كأنه لسان حية .

فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : إن لي فيهم نسبا ، فائت أبا بكر ، فإنه أعلم قريش بأنسابها ، فيخلص لك نسبي . قال : والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم ونسبك سل الشعرة من العجين . فهجاهم . فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : لقد شفيت واشتفيت
.

محمد بن السائب بن بركة ، عن أمه : أنها طافت مع عائشة ، ومعها نسوة ، فوقعن في حسان ، فقالت : لا تسبوه ، قد أصابه ما قال الله : أولئك لهم عذاب أليم وقد عمي ، والله إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بكلمات قالهن لأبي سفيان بن الحارث :

هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء     فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء     أتهجوه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء
[ ص: 516 ] عمارة بن غزية ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : اهج قريشا ، فإنه أشد عليهم من رشق النبل .

وسمعته يقول : هجاهم حسان ، فشفى .

قال حسان : هجوت محمدا . . . فذكر أبياته ، ومنها :

ثكلت بنيتي إن لم تروها     تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الأعنة مصعدات     على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادها متمطرات     يلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتم عنا اعتمرنا     وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم     يعز الله فيه من يشاء
[ ص: 517 ] وقال الله قد أرسلت عبدا     يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله قد سيرت جندا     هم الأنصار عرضتها اللقاء
يلاقوا كل يوم من معد     سبابا أو قتالا أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم     ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا     وروح القدس ليس له كفاء
أبو الضحى ، عن مسروق ، قال : كنت عند عائشة ، فدخل حسان - بعدما عمي- فقال :
حصان رزان ما تزن بريبة     وتصبح غرثي من لحوم الغوافل


فقالت : لكن أنت لست كذاك . فقلت لها : تأذنين له ، وقد قال الله : والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت : وأي [ ص: 518 ] عذاب أشد من العمى .

وقالت : إنه كان ينافح ، أو يهاجي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

وعن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في حسان : لا يحبه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق .

هذا حديث منكر ، من " مسند " الروياني ، من رواية أبي ثمامة - مجهول- عن عمر بن إسماعيل - مجهول- عن هشام بن عروة . وله شويهد ، رواه الواقدي ، عن سعيد بن أبي زيد الأنصاري ، عن رجل ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ، سمع حمزة بن عبد الله بن عمر ، سمع عائشة تقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : حسان حجاز بين المؤمنين والمنافقين ، لا يحبه منافق ، ولا يبغضه مؤمن .

فهذا اللفظ أشبه . ويبقى قسم ثالث ، وهو حبه ، سكت عنه .

حديج بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، قال : قيل لابن عباس قدم حسان اللعين . فقال ابن عباس : ما هو بلعين ، قد جاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بنفسه ولسانه .

قلت : هذا دال على أنه غزا .

عبدة بن سليمان ، عن أبي حيان التيمي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : أنشد حسان النبي ، صلى الله عليه وسلم : [ ص: 519 ]
شهدت بإذن الله أن محمدا     رسول الذي فوق السماوات من عل
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما     له عمل من ربه متقبل
وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم     يقول بذات الله فيهم ويعدل
فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : وأنا .

هذا مرسل . وروى أبو غسان النهدي : حدثنا عمر بن زياد ، عن عبد الملك بن عمير : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنشده حسان . فذكرها وزاد :
وأن الذي عادى اليهود ابن مريم     نبي أتى من عند ذي العرش مرسل


قال ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، وعبد الله بن حزم : إن حسان لما قال هذه الأبيات :
منع النوم بالعشاء الهموم     وخيال إذا تغور النجوم
من حبيب أصاب قلبك منه     سقم فهو داخل مكتوم
يا لقوم هل يقتل المرء مثلي     واهن البطش والعظام سؤوم
شأنها العطر والفراش ويعلوها     لجين ولؤلؤ منظوم
لو يدب الحولي من ولد الذر     عليها لأندبتها الكلوم
[ ص: 520 ] لم تفقها شمس النهار بشيء     غير أن الشباب ليس يدوم
زاد بعضهم :
رب حلم أضاعه عدم المال     وجهل غطى عليه النعيم


نادى بأعلى صوته على أطمة فارع : يا بني قيلة ، فلما اجتمعوا ، قالوا : ما لك ويلك ؟ قال : قلت قصيدة لم يقل أحد من العرب مثلها ، ثم أنشدها لهم ، فقالوا : ألهذا جمعتنا ؟ فقال : وهل يصبر من به وحر الصدر .

الأصمعي وغيره ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن خارجة بن زيد ، قال : كان الغناء يكون في العريسات ، ولا يحضره شيء من السفه كاليوم ، كان في بني نبيط مدعاة كان فيها حسان بن ثابت وابنه - وقد عمي - وجاريتان تنشدان :
انظر خليلي بباب جلق     هل تؤنس دون البلقاء من أحد
أجمال شعثاء إذ ظعن من المحبس     بين الكثبان والسند
فجعل حسان يبكي وهذا شعره ، وابنه يقول للجارية : زيدي ، وفيه : [ ص: 521 ]
يحملن حور العيون ترفل في الريط     حسان الوجوه كالبرد
من دون بصرى وخلفها جبل الثلج     عليه السحاب كالقدد
والبدن إذ قربت لمنحرها     حلفة بر اليمين مجتهد
ما حلت عن عهد ما علمت ولا     أحببت حبي إياك من أحد
أهوى حديث الندمان في وضح الفجر     وصوت المسامر الغرد
فطرب حسان ، وبكى .

قال ابن الكلبي : كان حسان لسنا شجاعا ; فأصابته علة أحدثت فيه الجبن .

قال سليمان بن يسار رأيت حسان له ناصية قد سدلها بين عينيه .

إسحاق الفروي ، وآخر ، عن أم عروة بنت جعفر بن الزبير بن العوام ، عن أبيها ، عن جدها ، قال : لما خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نساءه يوم أحد خلفهن في فارع وفيهن صفية بنت عبد المطلب ، وخلف فيهن [ ص: 522 ] حسان ; فأقبل رجل من المشركين ليدخل عليهن . فقالت صفية لحسان : عليك الرجل . فجبن ، وأبى عليها . فتناولت السيف ، فضربت به المشرك حتى قتلته . فأخبر بذلك ; فضرب لها بسهم .

- وزاد الفروي فيه : أنه قال : لو كان ذاك في ، لكنت مع رسول الله .

قالت : فقطعت رأسه ، وقلت لحسان : قم ، فاطرحه على اليهود ، وهم تحت الحصن . قال : والله ما ذاك في . فأخذت رأسه ، فرميت به عليهم . فقالوا : قد علمنا والله إن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفا ، ليس معهم أحد . فتفرقوا .

فقوله : " يوم أحد " وهم .

وروى نحوه ابن إسحاق : حدثنا يحيى بن عباد ، عن أبيه ، وفيه : فقالت لحسان : قم فاسلبه ، فإني امرأة وهو رجل . فقال : ما لي بسلبه يا بنت عبد المطلب من حاجة .

وروى يونس بن بكير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن صفية ، مثله .

قال ابن إسحاق : توفي حسان سنة أربع وخمسين [ ص: 523 ] وأما الهيثم بن عدي ، والمدائني فقالا : توفي سنة أربعين .

قلت : له وفادة على جبلة بن الأيهم ، وعلى معاوية .

قال ابن سعد : توفي زمن معاوية .


المرجع





-----------------------------------------
إضافة :

حسان بن ثابت.. شاعر الرسول صاحب الحياتين في الجاهلية والإسلام – الصوت والصدى

لِلـــه دَرُّ عِصَابَــــةٍ نادَمْتُهُــــمْ
يومــاً بِجِلَّــقَ فــي الـزمـــانِ الأوّلِ
أولادُ جِفْنَـــةَ حـــولَ قبـــرِ أبيهِــمُ
قبـر ابـن ماريــة الكريــمِ المفضــلِ يَغشــــونَ حتّــى ما تهَــرُّ كِلابُهُــمْ
لا يَسْــألونَ عــنِ السَّــوادِ المقبــلِ
يَسـقَوْنَ مِــنْ وَرْدِ البَريــص عَليهِـمُ
بـرَدَى يُصفِّـقُ بِالرَّحيــقِ السّلْســـلِ
بيـضُ الوجــوهِ كريمَــةٌ أحْسَــابُهُمْ
شُــمُّ الأنــوفِ مِـــن الطّــرازِ الأوَّلِ
هذي الأبيات من قصيدة لشاعر مخضرم معروف هو الشاعر حسان بن ثابت، والملقب بشاعر الرسول.
يقول صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني إن حسان بن ثابت عاش مائة وعشرين عاماً، منها ستون عاماً في الجاهلية، وستون عاماً في الإسلام. ولذلك يعتبر شعره أحد المراجع التاريخية عن العصرين الجاهلي والإسلامي، وكان في الجاهلية شاعر قبيلة يزود، ويتحدث باسم الخزرج أمام خصومهم الأوس، والذين كان يدافع عنهم شاعر آخر هو قيس بن الخطيم الأوسي.
حياته في الجاهلية كانت وحتى بلغ الستين من عمره مقسمة بين قضيتين أساسيتين:
الأولى: الدفاع عن القبيلة التي كانت بمثابة الوطن، وقد أبلى بلاء حسناً في هذا الدفاع المجيد، حيث كان الشاعر في القبيلة بمثابة جهاز الإعلام في الزمن الحاضر.. وكانت تنوب القصيدة عن الجريدة اليومية والمجلة الأسبوعية والمحطة الإذاعية والقناة التلفزيونية والمواقع الإلكترونية.
وكان العرب في ذلك الزمن يطربون لسماع الشعر ويحفظونه للاستشهاد به في الموقف المناسب، فما تكاد القصيدة تسمع من الشاعر حتى تنتقل إلى مختلف أصقاع الأرض عن طريق الرواة والهواة.
وكان الشاعر يحمل عن قبيلته عبء الهجوم على القبيلة الأخرى، كما يحمل في الوقت عبء هجوم شاعرٍ أو شعراء القبيلة الخصم عليه.
والقضية الثانية للشاعر حسان بن ثابت في الجاهلية كانت مدح الغساسنة الذين كانوا ملوك الشام، والذين رحبوا به بعد أن ذاع شعره بين العرب، وكبرت منزلته في قومه.
وإذا كانت الأبيات التي افتتحنا بها هذه الحلقة توضح تلك العلاقة الطيبة بين الشاعر حسان والغساسنة، فإن رد حسان على قيس بن الخطيم يوضح القضية الأولى، وهي قضية الدفاع عن القبيلة، والهجوم على القبيلة الخصم.
مما جاء في أحد ردود حسان على قيس بن الخطيم الأوسي:
لعمــرُ أبيـــكَ، يا شـــــعْثُ، ما نَبــا
عليّ لساني في الخطوب ولا يَدي
لسـاني وسـيفي صارمـانِ كِلاهُمَـا
ويَبْلـغ ما لا يبلـغُ السـيفُ مِـذْودي
فـلا تَعْجَلَـن يا قيـسُ واربَــعْ فإنِّمـا
قُصــاراك أن تُلقِـــي بكُــلِّ مُهَنِّــدِ
حســـامٍ وأرمــــاحٍ بأيـــدي أعِـــزّةٍ
متـى تَرَهُـمْ يا ابــنَ الخطيــمِ تبَلَّــدِ
ليـوثٍ لهـا الأشـبالُ تحمـي عَرينَهـا
مداعيـسَ بالخطيّ في كلِّ مشـهدِ
فقد ذاقتِ الأوسُ القتـالَ وطرّدتْ
وأنتَ لـدى الكِنـاتِ في كلِّ مَطـردِ
نفتكُــمْ عـن العليــــاءِ أمٌّ لئيمَــــةٌ
وزَندٌ متـى تُقــدحْ بـهِ النــارُ يَصْلُــدِ
من هو حسان بن ثابت؟
هو حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري، وهو من بني النجار، وينتهي نسبه الأعلى إلى كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقد حفظ الخزرج لشاعرهم حسان فضله وقدّروا دوره في الدفاع عنهم، حيث كان لشعره فيهم دور يفوق دور السيوف والرماح والفرسان، أما الغساسنة فقد كان له فيهم خطوة لم ينلها شاعر غيره، وكانوا أوفياء له حتى بعد زوال ملكهم وتغير حالهم، وظل جبلة بن الأيهم الغساني على صلة بحسان، ويرسل له مكافأته السنوية حتى بعد دخول حسان بن ثابت في الإسلام، مدافعاً منافحاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومما جاء في الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: إن جبلة بن الأيهم سأل عن حسان بن ثابت رسول معاوية إلى ملك الروم وبعث إليه بألف دينار وهبات أخرى وقال له:
◆ إن وجدته حياً فادفعه إليه، وإن وجدته ميتاً فاطرح الثياب على قبره وابتع بهذه الدنانير بدناً (ناقة كبيرة) فانحرها على قبره.
وعلى الرغم من أهمية شعر حسان بن ثابت في قومه وفي الغساسنة إلاّ أن القضية التي كرّس لها شعره فيما بعد كانت قضية الدين الجديد الذي اعتنقه، وحمل لواء الدفاع عنه وعن رسوله الكريم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام.
اعتنق حسان بن ثابت الإسلام، بعد أن وفد الرسول إلى المدينة وناصره أهلها، واعتنق الخزرج قوم حسان هذا الدين، ونزروا أنفسهم للدفاع عنه وعن رسوله الكريم، ومنهم أو في مقدمتهم كان شاعرنا حسان بن ثابت.
انضم حسان بن ثابت إلى عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك للدفاع عن العقيدة والذود عن النبي وأصحابه، والتصدي لشعراء كرسوا شعرهم للهجوم على الإسلام وعلى النبي المصطفى.. أمثال عبد الله ابن الزبعري وأبي سفيان بن الحرث وعمرو بن العاص.
ويروي أبو الفرج الأصفهاني في كتابه العظيم الأغاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تطاول شعراء قريش بألسنتهم على المسلمين قال للأنصار:
◆ ما منع القوم الذين نصروا رسول الله بسلامهم أن ينصروه بألسنتهم.
فقال حسان: أنا لها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تهجوهم وأنا منهم؟
قال حسان: إني أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين.
فأذن له وقال:
◆ اذهب إلى أبي بكر فليحدثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم ثم اهجهم وجبريل معك.
يقول محمد بن سيرين: كان شعر حسان في ذلك الزمن أشد القول عليهم كقوله في هجاء عمرو بن العاص وبني سهم:
لاطت (1) قريشُ حياضَ المجْدِ طاميَةٌ
فسَهْمٌ فأصْبَحَ مِنهُ حَوْضُها صَفِرا (2)
وأوردوا وحيـــاضُ المَجْــدِ طاميَــــةٌ
فَـدَلّ حـوْضَهُمُ الـوُرَّادَ فَانْهَـــدرا (3)
واللهِ ما فـــي قريـــشٍ كُلِّهــا نَفَـــرٌ
أكثرُ شـــيخاً جباناً فاحشــاً غُمُـــرا (4)
أذبَّ (5) أصلعَ سَفســـيراً (6) لهُ ذأبٌ
كالقِرْدِ يعجم وَسْطَ المَجْلِس الحُمُرا (8)
ومن الواضح أن فروسية حسان بن ثابت اقتصرت على الشعر، ولم يكن فارساً يجمع في يده السيف والقلم كبقية الشعراء أمثال امرئ القيس، وعمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد، وغيرهم.. ولكنه استطاع بشعره أن يفعل أكثر مما الفرسان بشجاعتهم وقوة سواعدهم وإقدامهم في المعارك والحروب. فشعره كان بمثابة الإعلام وسلاح الإعلام، كان ولا يزال السلاح الأقوى والأكثر فاعلية وأثراً.
يقول ابن دريد نقلاً عن أبي عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبي في النبوة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام.
أما الجوهري فإنه يبرز مكانة حسان بين الشعراء العرب فينقل عن عمرو بن شبه عن أبي ثابت.
وفي كتابه ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، يقول الدكتور عمر فاروق الطباع: خاض حسان في العديد من أغراض الشعر وأبوابه، وبرز في الفخر والهجاء قبل فترة إسلامه وبعدها، وفي هذين الجانبين حفل شعره بالأحداث والوقائع وأسماء الإعلام حتى نعته صاحب الروائع بمؤسس الشعر التاريخي ولا سيما الإسلامي، لأنه حفظ لنا أسماء المعارك العديدة بين المسلمين والمشركين، وذكر أسماء الصحابة وأسماء أعداء الإسلام، فكان أشبه بشاعر الدولة الرسمي، يؤرخ ويحصي، يقوم بالدعاية ويناضل، فقرن الشعر بالتاريخ وجمع بين الدين والسياسة.
قصيدة اليوم للشاعر حسان بن ثابت هي قصيدة حديث أم معبد، والتي رواها واحد من الصحابة هو حبيش بن خالد رضي الله عنه، وفيها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة بصحبة أبي بكر الصديق، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت أم معبد تبرز للضيوف ولو كانوا رجالاً، فطلبوا منها أن يشتروا التمر واللحم فلم يجدوا عندها شيئاً، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة نحيفة في كسر الخيمة فسألها:
◆ ما هذه الشاة يا أم معبد.
قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم.
قال: هل لها من لبن.
قالت: هي أجهد من ذلك.
قال: أتأذنين لي أن أحلبها.
قالت: نعم.. بأبي أنت وأمي.. إن رأيت بها حلبها فاحلبها.
فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح بيده ضرعها. وسمى الله تعالى ودعا لها في شأنها، فأفسحت بين رجليها ودرت، فسقى أم معبد حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم .. وكرر ذلك وحلب الشاة مرة أخرى حتى امتلأ الإناء.. وبعد ارتحال الرسول الكريم، جاء زوج أم معبد يسوق أعنزاً عجافاً هزيلة ولما رأى اللبن قال:
◆ من أين لك هذا اللبن يا أم معبد.
◆◆ من الشاة.
◆ ولكنها هزيلة ولا حليب فيها.
◆◆ مرّ بنا رجل مبارك.. وحلبها فدرت.
◆ صفي لي هذا الرجل يا أم معبد.
وصفت أم معبد النبي وصفاً بديعاً، ومما قالت في وصفه:
◆ ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، فهو أجمل الناس وأبهاهم من بعيد وأحسنهم وأجملهم من قريب.
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت لذلك سبيلا، فأصبح صوته بمكة عالياً.. صوت يقول شعراً لا يدرون من صاحبه.
جَـزى اللــهُ ربُّ النــاسِ خَيْــرُ جزائِـهِ
رفيقيــنِ قـالا: خَيْمَتَـــي أُمِّ مَعْبَــدِ
هُمـا نزلاهَـا بالهُـدى فاهتــدَتْ بـهِ
فَقدْ فـازَ مـن أمسـى رفيـقَ مُحَمّـدِ
سـَلُوا أختكُــمْ عَـنْ شــاتِها وَإِنائِهــا
فإنّكُـمْ إن تَسْـــألوا الشــاةَ تَشْــهَدِ
وحين سمع حسان بن ثابت هذه القصة هاجت قريحته فنظم هذه الأبيات:
لقد خـابَ قومٌ غـابَ عَنْهُـم نبيُّهُـمْ
وقُدّسَ مَنْ يَسْـري إليهـم ويَغْتـدي
ترحّـلَ عَـن قـومٍ فَضَلَّـتْ عُقولهُـمْ
وَحَــلَّ عَلــى قَـــوْمٍ بنـــورٍ مُجَــدّدِ
هَداهُــمْ بــهِ بَعــدَ الضلالـةِ رَبُّهُــمْ
وَأرشـدَهُمْ مـن يَتبــعِ الحـقَّ يَرْشُــدِ
وَهَلْ يَسْـتوي ضلالُ قومٍ تَسـفّهوا
عَمــىً، وَهُـداةٌ يَهْتَــدونَ بِمُهْتــدِ؟
لقَـدْ نزلَـتْ منـهُ عَلَـى أهــلِ يـثـرب
رِكـابُ هُـدَى حَلّـتْ عَلَيْهِـمْ بِأسْـعَدِ
نبـيٌّ يَـري ما لا يَـرى النــاسُ حَوْلـهُ
وِيتلـو كتـابَ اللـهِ فـي كلّ مَسْـجِدِ
وَإنّ قـالَ فـي يَــوْمٍ مَقالَــة غائِـبٍ
فَتصّديقُها في اليَوْمِ أو في ضُحى الغدِ
لِيَهْـــنِ أبـا بكــرٍ سَــــعادَةُ جــــدّهِ
بِصُحْبَتِـهِ، مـن يُســعدِ اللـهَ يَسْــعَدِ
شرح المفردات:
-1 لاطت: لطخت.
-2 صقراً: فارغاً
-3 انهدر: انهزم.
-4 الغمر: الجاهل.
-5 أذب: الثور الوحشي.
-6 السفسير: المولى التابع.
-7 ذأب: السلاطة في اللسان.
-8 الحمرا: التمر الهندي.
المصادر والمراجع:
-1 الأغاني/ أبو الفرج الأصفهاني.
-2 ديوان حسان بن ثابت/ الدكتور عمر فارق الطباع.
-3 لسان العرب/ ابن منظور
المصدر: الاتحاد



-------------------------------------
إضافة  2

صراع القيم الجاهلية والإسلامية في شعر حسان بن ثابت

دعوة الحق     118 العدد
( شاعر، مؤرخ، مناضل، اتصل في الجاهلية بالغساسنة فكان شاعر بلاط، و انقطع في الإسلام إلى النبي، فكان شاعر دين و سياسة و كفاح).
و هكذا يرى المؤرخون حسان بن ثابت الأنصاري، شاعر النبي، و رفيقه في جهاده و خطواته جميعها.
و يجمع الرواة و المؤرخون أيضا أن حسان عاش مائة و عشرين سنة، ستين في الجاهلية ، و ستين في الإسلام. و قد أتاحت له حياته الطويلة العامرة أن يتصل بمختلف أصناف الناس في كلتا المرحلتين، و أن يعايش بالتالي نماذج متباينة من السلوك و الأخلاق و القيم.
و حسان فحل من فحول الشعراء كما يرى أبو الفرج الأصبهاني، بل إن الحطيئة يذهب إلى أبعد من ذلك حين يقول : ( أبلغوا الأنصار أن شاعره أشعر العرب حيث يقول :
   يغشون حتى ما تهر كلابهم
      لا يسألون عن السواد المقبل
و حسان بهذا المعنى شاعر يحسب له ألف حساب في تاريخ الشعر العربي، فقد أنشد في مختلف أغراض الشعر المعروفة من مدح و هجاء و رثاء و غزل و فخر، و تناول في قصائده قضايا متنوعة تتعلق بالحياة و الدين و السياسة و الحروب.
و إلى جانب هذا و ذاك فقد كانت قصائده خير مرآة تنعكس عليها خطوات النبي (ص) و أعماله في سائر المجالات و بالتالي صفاته و مزاياه، بالإضافة إلى تصويره تصوير المؤرخ الأمين لحوادث زمانه، و خصائص الدعوة المحمدية، و المراحل و الأشواط التي قطعتها، و قدرته على استيعاب مكونات البيئة الاجتماعية التي تحيط به.
و قد عاش حسان حياته الجاهلية وسط بلاط الأمراء و الملوك و نادمهم و مدحهم بقصائد عديدة من شعره، فنال من نعمهم و خيراتهم، و أصبح مقربا إلى مجالسهم محببا إلى قلوبهم، يشاركهم حياتهم العامرة بشتى أصناف المرح و المجون و مختلف أشكال الترف و الرخاء.
وكل كائن كما يرى الأستاذ أمين الخولي ( يتأثر بما حوله من واقع الحياة ماديا و معنويا ذلك التأثر الذي لم يفت القدماء أنفسهم التنبه إلى أصله، حين يتحدثون عن تأثير البقاع على الطباع )(1)، لذلك فقد لازمت حسان في حياته الطويلة الحافلة عدة صفات و طباع، اكتسبها من احتكاكه الدائم بالمناذرة و الغساسنة، و من اتصاله المستمر بملوكهم و أمرائهم.
و إذا كان الأدب ديوانا لعواطف الأمم و كنزا لأحداثها و تجاربها و تاريخا لعاداتها و تقاليدها، و سجلا لما في الإنسان من مشاعر و غرائز و أداة أصيلة في توجيه الحياة الإنسانية و مسايرتها على الدوام في ( جميع العصور )
فلا نتردد إذن في أن قصائد حسان قد زخرت بأشكال متباينة من القيم و بسلوكه الإنساني.
و هذا يثير في نفوسنا بصورة غير مباشرة شيئا غير قليل من الحيرة و الاستغراب، و يدفعنا بالتالي إلى التساؤل عن تأثير كلتا المرحلتين في شعره و عن صراع القيم الجاهلية و الإسلامية في شعر حسان بصفة عامة.
و أيسر النظر في شعره يؤكد حقيقة واضحة لا سبيل إلى الشك فيها، و ليس المهم أن تكون هذه الحقيقة قديمة أو جديدة، و لكن المهم أن نقف عندها لتحليل جوانبها و سبر أغوارها و بالتالي لمحاولة تأكيدها و التركيز عليها.
هذه الحقيقة تبدو في كثير من الأحيان معوجة ملتوية، و لكنها في أشد الحاجة إلى تحليل سليم واضح، لتقويم اعوجاجها، و إصلاح ما بها من عطب.
فقد بدل الإسلام من قيم حسان و طبائعه و استطاع أن يغير مجرى حياته كلها،و أن يجعلها تسير في اتجاه جديد، بل أن الأصمعي يؤكد أن تأثير الإسلام كان واضحا حتى في أدبه ( فقد كان شعره في الجاهلية أقوى منه في الإسلام من حيث التذكار و الخيال و المتانة ).
و مع ذلك فإننا لا نعدم من يضيف إلى ذلك تمسك حسان ببعض القيم الجاهلية، على الرغم من الانقلاب الضخم الذي أحدثه الإسلام في حياته. غير أن هناك من ينفي هذه القضية و يؤكد أن الإسلام ( بدل من عقلية الشاعر و آرائه و تصرفاته ) و أحدث تغييرا شاملا في مختلف مرافق حياته.
و أكبر الظن أن الرأي الأخير أقرب إلى الحقيقة و أدنى إلى الصواب.
و سيرة حسان في الجاهلية تثير شيئا غير قليل من الشك و الحيرة، فهو يجالس الأمراء و يقارع الخمرة، و يمدح ملوك غسان و يسترجع ذكرياته و أيامهم، و يصفهم بالكرم و السخاء، و أنهم يعيشون حياة خير و رزق و رفاهية و ازدهار :
   لله در عصابة نادمتهم
      يوما بجلق في الزمان الأول
   يسقون درياق الرحيق و لم تكن
      تدعى ولائدهم لتقف الحنظل
   بيض الوجوه كريمة أحسابهم
      شم الأنوف من الطراز الأول
و هذه الأبيات توضح حقيقتين مستقلتين :
1) الحقيقة الأولى أن شاعرية حسان كانت في الجاهلية متدفقة مبدعة، كما يرى ذلك الأصمعي نفسه.
2) و الحقيقة الثانية أن حسان كان يشرب الخمر و ينادم الملوك و الأمراء قبل الدعوة المحمدية، و إن قيم الجاهلية و أخلاقها كان لها الأثر الواضح في شعره.
و حسان شاعر قوي الشعور، دقيق التصوير، بارع الإجادة تقلب في مجالس الأمراء و الملوك، و صور هذه الحياة تصويرا رائعا في قصائد متعددة، و هو إلى جانب ذلك شهد الأيام التي كانت بين الأوس و الخزرج و عايش عن قرب تلك المطاحنات التي كانت بين القبيلتين، فأشار في شعره إلى هذه الأيام و صورها خير تصوير كما نجد ذلك في يوم بعاث و يوم الربيع و غيرهما.
على هذا النحو يسير حسان في مختلف أطوار حياته يتناول قضية من القضايا فينشد في تصويرها قصائد متعددة، حتى إذا فرغ منها عاد إلى أخرى يستلهمها شعرا نابضا يتدفق قوة و جزالة.
و هل حياة الشاعر في كل مكان إلا هذا : تصوير متصل للبيئة، و وصف نابض بالحركة للناس و المجتمع و الحياة.
و حسان في تأدية ذلك متأثر غاية التأثر بقيم الجاهلية و أخلاقها يكلف بسلوك أهلها، و بسيرة شعرائها.
لنقف عند هذه الأبيات من قصيدة لحسان :
ألم ترنا أولاد عمر بن عامر
لنا شرف يعلو على كل مرتقى
رسا في قرار الأرض ثم سمت له
فروع تسامي كل نجم محلق
و ملوك و أبناء الملوك كأننا
سواري نجوم طالعات بمشرق
إذا غاب منها كوكب لاح بعده
شهاب متى ما يبد للأرض تشرق
إنه يفتخر بسمو نسبه و علو مكانة أهله، و يتحدث عن شرف مرتبته و رفقة أصله.
و من المحقق أن الفخر بالنسب و علو المكانة، كان من الأغراض الأولى للشعر الجاهلي بصفة عامة، و سنرى فيما بعد إن ظل الفخر ظل ملازما له حتى بعد ظهور الإسلام و انتظامه في صفوف المسلمين يعزز صفوفهم، و يرد عنهم هجمات الكافرين.
ليس من شك إذن في أن حسان تأثر بالقيم الجاهلية، و تبدو آثار ذلك واضحة في شعره : فهو يصف الخمر و مجالس اللهو و يفتخر بنسبه وعلو شأنه، و يمدح الملوك و الأمراء لينال عطاياهم و هباتهم إلى غير ذلك.
و ليس من المعقول أن يعيش شاعر ما في بيئة معينة أو مجتمع ما دون أن يكون لقيم تلك البيئة أو ذلك المجتمع صدى في شعره و أثر في نتاجه.
و يظهر الإسلام، و ذلك الحدث الهام ( بل الثورة البيضاء الهادئة)، تلك الثورة على ( الأوضاع الاجتماعية الظالمة،و الأنظمة السياسية البالية، و الخرافات الدينية المزرية ).
و يقدر لحسان أن يعيش في ظل الإسلام مدة طويلة من الزمن، و أن يتصل بالرسول (ص)، و بالتالي أن ينشد في مدح الدين الجديد، و الدفاع عنه قصائد مختلفة من شعره.
و يعتقد عبد الله أنيس الطباع أن حسان ( انسلخ عن تاريخه، و عن حياته، ليلازم منذ اليوم رسول الله، و يصبح شارع النبي يرافقه في حياته الجديدة التي كتبها الله له، و يرافقه في جهاده و في أمور كثيرة، فيؤرخ حياة النبي الكريم، و يؤرخ مواقع المسلمين ).
و هو صادق فيما يقول فقد أحدث الإسلام ثورة كبرى في حياته و انقلابا عظيما في سلوكه و قيمه أخلاقه. فأصبح ينشد الشعر ابتغاء لرضا الله و رسوله و يؤلف الكلم تقربا إلى الله جل جلاله، يدافع عن عباده، و يهجوا أعداء الإسلام، و يرفع من قدر النبي (ص) و يصفه بأعظم الأوصاف و أكبرها :
   أغر عليه للنبوة خاتم
      من الله مشهود بلوح و يشهد
   و ضم الإله اسم النبي إلى اسمه
      إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
   و شق له من اسمه ليجله
      فذو العرش محمود و هذا محمد
و واضح جدا أن هذه الأبيات تنبض صدقا و واقعية، فهي تصور مكنون صدره، و عظيم حبه لشخص الرسول، و بالتالي للدين الجديد الذي أنقذ العرب من براثين الجهل و الغواية.
و هو يشير في شعره إلى مبادئ الإسلام  و تعاليمه السامية، و يعلن بالتالي ( إيمانه بالله تعالى و أنه إله الخلق، خلق العالم و أبدعه و أوجده، و أنه يقدسه تعالى و يجله.
   و أنت إله الخلق ربي و خالقي
      بذلك ما عمرت في الناس أشهد
   تعاليت رب الناس عن قول من دعا
      سواك إلها أنت أعلى و أمجد
   لك الخلق و النعماء و الأمر كله
      فإياك نستهدي و إياك نعبد
و هو يتأثر بقيم الإسلام و تعاليمه، و يصور ( أوضاع الجزيرة العربية، و كيف جاء النبي الأكرم يدعو الناس إلى عبادة الله، بعد هذه الحقبة الطويلة التي عم فيها اليأس النفوس، و تاه العباد حتى أخذوا يصنعون الأصنام بأيديهم ثم يخرون لها ساجدين، فإذا النبي يستحيل (ص) مصباحا منيرا ينير ما اكتنف العالم من ظلمة و يبدد ما علق في قلوب الناس و أرواحهم من جهالات ).
   نبي أتانا بعد يأس و فترة
      من الرسل و الأوثان في الأرض تعبد
   فأمسى سراجا مستنيرا و هاديا
      يلوح كما لاح الصقيل المهند
   و أنذرنا نارا و بئر جنة
      و علمنا الإسلام فالله نحمد
و يمدح حسان رسول الله، و يدافع عنه أمام خصومه، و يصف ما لقي من قريش، و ما اعترض طريقه من معضلات و عراقيل :
و أصبح لا يخشى عداوة ظالم
قريب و لا يخشى من الناس باغيا
بذلنا له الأموال من جل مالنا
و أنفسنا عند  الوغى و التآسيا
نحارب من عادى من الناس كلهم
جميعا و إن كان الحبيب المصافيا
و نحن نعلم أن الله لا رب غيره
و أن كتاب الله أصبح هاديا
و هو يذكر شهداء المسلمين في قصائد كثيرة، و كيف عاهدوا النبي على نصرته، و يصف معارك المسلمين و استبسالهم :
وفوا يوم بدر للرسول و فوقهم
ظلال النايا و السيوف اللوامع
الخ..
و يرى الأصمعي أن شعر حسان في الجاهلية أقوى منه في الإسلام من حيث التذكار و الخيال و المتانة، و يروي أن حسان سئل عن ذلك فقال : إن الإسلام حرم الكذب، و الشعر لا يجمله إلى الكذب و الخيال و التذكار لا يقومان إلى على هذا النوع من القول.
و هكذا نرى أن حسان تأثر بقيم الإسلام و تعاليمه، و هدر تقاليد الحياة الماضية و عاداتها، فقد آمن بالنبي إيمانا صادقا و جاهد في سبيل دعوته و أوقف نفسه و أدبه على نشر هذه الرسالة الجديدة التي عم خيرها الجزيرة العربية، و تعداها إلى سائر أرجاء الأرض.
و نأخذ الأمر بشيء من التحفظ، فنذكر أن بعض تقاليد الجاهلية – و إن كانت قليلة جدا – ظلت ملازمة له في حياته الإسلامية : فهو يفخر و يعتز بنفسه – على سبيل المثال – في مناسبات عديدة :
و كنا ملوك الناس قبل محمد
فلما أتى الإسلام كان لنا الفضل
هو إذن في شعره الإسلامي كما هو في شعره الجاهلي متأثر غاية التأثر بما يحيط به من عادات و سلوك و قيم، مضطر إلى الأخذ منها و الارتواء من معينها.
و قد كان لقيم الإسلام و تعاليمه أكبر الأثر و أوضحه في شعره بل إنها تبدو في شعره أشد وضوحا و أكثر نصاعة من قيم الجاهلية و عاداتها تلك التي أمست باهتة خافتة لا يكاد يسمع لها صوت في شعر حسان.
و هذا شعر حسان بين أيدينا صورة صادقة لذلك، و مرآة واضحة ينعكس عليها ما يخالجه من شعور، و ما يملأ قلبه محبة لهذا الدين الجديد الذي أنقذ الجزيرة العربية و أخرجها من الظلمات إلى النور، و أشاع بين أهلها روح المحبة و الوداد و الصفاء.

(1) فإن شعر حسان عموما أصدق مثال على ذلك، فقد كان ديوانا دقيقا لعواطف أمته و كنزا لخيراتها و مواقعها و سجلا لمشاعر الإنسان و نزواته المتعددة.

----------------------------------------
إضافة  3 

الحمـد لله وحده نحمده و نشكره و نستعـينه و نستـغفره و نعـود بالله
مـن شـرور أنـفسنا و من سيـئات أعمالنا .. من يـهده الله فلا مظل لـه و مـن يظـلل فلن تـجد له ولياً
مرشدا ..و أشـهد ألا إلاه إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محــمداً عبده و رسـوله صــلى الله عليه
و سلم و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسـان إلى يوم الدين ..ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم
الـخـبــيـر .. ربـنـا لا فــهم لـنا إلا ما فهــمتنا إنــك أنـت الجــواد الـكـريـم .
ربـي اشرح لي صــدري و يســر لي أمــري و احــلل عقــدة من لســاني يفقــهوا قــولي ..
فإن أصــدق الحــديث كــتاب الله تعــالى و خير الــهدي هــديُ محمد صلى الله عليه و سلم ..
و شــر الأمــور مــحدثــاتها و كــل محــدثة بدعة و كل بدعـة ظـلالة و كل ظـلالة فــي النار ..
فاللــهم أجــرنا و قــنا عذابــها برحمتــك يا أرحــم الراحميــن
اهلا بكم اخوانى اعضاء ومشرفى ومحبى هذا المنتدى العظيم ..



شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت

نسب حسان بن ثابت

هو أبو الوليد حسان بن ثابت من قبيلة الخزرج، التي هاجرت من اليمن إلى الحجاز، وأقامت في المدينة مع الأوس..ولد في المدينة قبل مولد الرسول بنحو ثماني سنين، فعاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة أخرى، وشب في بيت وجاهة وشرف، منصرفًا إلى اللهو والغزل، فأبوه ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي، من سادة قومه وأشرافهم، وأمه الفريعة خزرجية مثل أبيه.

وحسان بن ثابت ليس خزرجيًّا فحسب؛ بل هو أيضًا من بني النجار أخوال رسول الله فله به صلة وقرابة.

حسان بن ثابت قبل الإسلام

كانت المدينة في الجاهلية ميدانًا للنـزاع بين الأوس والخزرج، تكثُر فيها الخصومات والحروب، وكان قيس بن الخطيم شاعر الأوس، وحسان بن ثابت شاعر الخزرج، الذي كان لسان قومه في تلك الحروب التي نشبت بينهم وبين الأوس في الجاهلية، فصارت له في البلاد العربية شهرةٌ واسعة.
وقد اتصل حسان بن ثابت بالغساسنة، يمدحهم بشعره، ويتقاسم هو والنابغة الذبياني وعلقمة الفحل أعطيات بني غسان، وقد طابت له الحياة في ظل تلك النعمة الوارفة الظلال، ثم اتصل ببلاط الحيرة وعليها النعمان بن المنذر، فحلَّ محلَّ النابغة، حين كان هذا الأخير في خلاف مع النعمان، إلى أن عاد النابغة إلى ظل أبي قابوس النعمان، فتركه حسان مكرهًا، وقد أفاد من احتكاكه بالملوك معرفةً بشعر المديح وأساليبه، ومعرفة بشعر الهجاء ومذاهبه، ولقد كان أداؤه الفني في شعره يتميز بالتضخيم والتعظيم، واشتمل على ألفاظ جزلة قوية، وهكذا كان في تمام الأهبة للانتقال إلى ظل محمد نبي الإسلام، والمناضَلة دونه بسلاحَي مَدْحِه وهجائه.

حسان بن ثابت في الإسلام

لما بلغ حسان بن ثابت الستين من عمره، وسمع بالإسلام، دخل فيه، وراح من فوره يرد هجمات القرشيين اللسانيَّة، ويدافع عن محمد والإسلام، ويهجو خصومهما.. قال يومًا للأنصار: "ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟!" فقال حسان بن ثابت: أنا لها، وأخذ بطرف لسانه، وقال عليه السلام: "والله ما يسرني به مِقْول بين بصرى وصنعاء".
ولم يكن حسان بن ثابت وحده هو الذي يرد غائلة المشركين من الشعراء؛ بل كان يقف إلى جانبه عدد كبير من الشعراء الذين صحَّ إسلامهم، وكان النبي يثني على شعر حسان، وكان يحثُّه على ذلك ويدعو له بمثل: "اللهم أيده بروح القدس"، وعطف عليه وقرَّبه منه، وقسم له من الغنائم والعطايا، إلا أن حسان بن ثابت لم يكن يهجو قريشًا بالكفر وعبادة الأوثان؛ وإنما كان يهجوهم بالأيام التي هُزِموا فيها، ويُعيرهم بالمثالب والأنساب، ولو هجاهم بالكفر والشرك ما بلغ منهم مبلغًا.. وكان حسان بن ثابت لا يقوى قلبُه على الحرب، فاكتفى بالشعر، ولم ينصر رسول الله بسيفه، ولم يشهد معركةً مع رسول الله ولا غزوةً.
ومما لا شك فيه أن حسانَ بن ثابت كان يحظَى بمنزلةٍ رفيعةٍ، يجلُّه الخلفاء الراشدون ويفرضون له في العطاء في الوقت نفسه، فإننا لا نجد في خلافة أبي بكر- رضي الله عنه- موقفًا خاصًّا من الشعر، ويبدو أن انشغاله بالفتوحات وحركة الردَّة لم تدَع له وقتًا يفرغ فيه لتوجيه الشعراء أو الاستماع إليهم، في حين نجد أن عمر بن الخطاب يحب الشعر، خاصةً ما لم يكن فيه تكرار للفظ والمعنى، وقد رُوِي عن كلٍّ من الخليفتَين الراشِدَين عددٌ من الأبيات، لسْنا في صدَدِ إيرادِها.

حسان بن ثابت يؤيده الروح القدس

قال رسول الله: "اهجُ قريشًا، فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل"، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: "اهجهم"، فهجاهم فلم يُرْضِ، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنَبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحقَ! لأفرينَّهم بلساني فرْيَ الأديم.. فقال رسول الله: "لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبًا، حتى يلخص لك نسبي"، فأتاه حسان، ثم رجع فقال: يا رسول الله، قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق!! لأسلنَّك منهم كما تسل الشعرة من العجين.. قالت عائشة: فسمعت رسول الله يقول لحسان: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله"، وقالت: سمعت رسول الله يقول: "هجاهم حسان، فشفى واشتفى".


قال حسان:


هجوت محمدًا فأجبت عنه *** وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدًا برًّا تقيًّا  *** رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي  *** لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيتي إن لم تروها  *** تثير النقع من كنفي كداء
يبارين الأعنة مصعدات  *** على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات  *** تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا  *** وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم  *** يعز الله فيه من يشاء
وقال الله: قد أرسلت عبدًا  *** يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله: قد يسرت جندًا  *** هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد  *** سباب أو قتال أو هجاء

آثار حسان بن ثابت

اتفق الرواة والنقَّاد على أن حسان بن ثابت أشعَر أهل المدر في عصره، وأشعر أهل اليمن قاطبةً، وقد خلف ديوانًا ضخمًا رواه ابن حبيب، غير أن كثيرًا من الشعر المصنوع دخله؛ لأنه لما كان لحسان بن ثابت موقف خاص من الوجهة السياسية والدينية، دُسَّ عليه كثير من الشعر المنحول، وقام بهذا العمل أعداء الإسلام، كما قام به بعض كُتَّاب السير من مثل ابن إسحاق.

أغراض شعر حسان بن ثابت

أكثر شعر حسان في الهجاء، وما تبقى في الافتخار بالأنصار، ومدح محمد والغساسنة والنعمان بن المنذر وغيرهم من سادات العرب وأشرافهم، ووصف مجالس اللهو والخمر مع شيء من الغزل، إلا أنه منذ إسلامه التزم بمبادئ الإسلام، ومن خلال شعر حسان بن ثابت نجد أن الشعر الإسلامي اكتسب رقةً في التعبير بعد أن عمَّر الإيمانُ قلوبَ الشعراء، وهي شديدة التأثير بالقرآن الكريم والحديث الشريف مع وجود الألفاظ البدوية الصحراوية.
ومهما استقلَّت أبيات حسان بن ثابت بأفكار وموضوعات خاصَّة.. فإن كلاًّ منها يعبر عن موضوع واحد؛ هو موضوع الدعوة التي أحدثت أكبر تغيير فكري في حياة الناس وأسلوب معاشهم، وسنقسم شخصية حسان بن ثابت الشعرية إلى أربعة أقسام، هي:

شعر حسان بن ثابت القبلي

قبل أن يدخل حسان بن ثابت في الإسلام كان منصرفًا إلى الذَّود عن حياض قومه بالمفاخرة، فكان شعره القبلي تغلب عليه صبغة الفخر، أما الداعي إلى ذلك فالعَداء الذي كان ناشبًا بين قبيلته والأوس، ولقد كان لفخر حسان نفحة عالية واندفاعًا شديدًا.

ارتباط حسان بن ثابت بالغساسنة

اتصل حسان بالبلاط الغساني، فمدح كثيرًا من أمراء غسان، أشهرهم عمرو الرابع بن الحارث، وأخوه النعمان، ولاسيما جبلة بن الأيهم، وقد قرب الغساسنة الشاعر وأكرموه وأغدقوا عليه العطايا، وجعلوا له مرتبًا سنويًّا، وكان هو يستدر ذلك العطاء بشعره:
يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلـل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم شمُّ الأنوف من الطراز الأول

دخول حسان بن ثابت الإسلام

نصب حسان نفسه للدفاع عن الدين الإسلامي، والرد على أنصار الجاهلية، وقد نشبت بين الفريقين معارك لسانية حامية، فكان الشعر شعر نضال يهجو فيه الأعداء، ويمدح فيه رجال الفريق، ولم يكن المدح ولا الهجاء للتكسب أو الاستجداء؛ بل للدفاع عن الرسول الكريم وهذا ينقسم لقسمين:
أما المدح الذي نجده في شعر حسان لهذا العهد، فهو مقصور على النبي وخلفائه وكبار الصحابة، والذين أبلَوا في الدفاع عن الإسلام بلاءً حسنًا، وهو يختلف عن المدح التكسُّبي بصدوفه عن التقلب على معاني العطاء والجود، والانطواء على وصف الخصال الحميدة ورسالة محمد وما إلى ذلك مما ينبثق من العاطفة الحقَّة والعقيدة النفيسة، قال حسان:
نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل *** والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجًا مستنيرًا وهاديًا  *** يلوح كما لاح الصقيل المهنـد
وأنذرنا نارًا وبشر جـنة  *** وعلمنا الإسلام، فالله نحــمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي  *** بذلك ما عمرت في الناس أشهد
ويلحق بهذا المدح رثاء محمد فقد ذرف الشاعر دموعًا حارة، وضمنه لوعة وتذكرًا لأفضال رسول الدين الجديد، وحنينًا إليه في النعيم:
مع المصطفى أرجو بذاك جواره  *** وفي نيل ذلك اليوم أسعى وأجهد
وأما الهجاء النضالي فقد وجهه إلى القرشيين الذين قاموا في وجه الدين الجديد يحاربونه ويهجون محمدًا وكان موقف الشاعر تجاههم حربًا لما بينهم وبين محمد من نسب.
أما أسلوبه في هجائه فقد كان يعمد إلى الواحد منهم فيفصله عن الدوحة القرشية، ويجعله فيهم طائرًا غريبًا يلجأ إليها كعبد، ثم يذكر نسبه لأمه فيطعن به طعنًا شنيعًا، ثم يسدد سهامه في أخلاق الرجل وعرضه فيمزقها تمزيقًا في إقذاع شديد، ويخرج ذلك الرجل موطنًا للجهل والبخل والجبن والفرار عن إنقاذ الأحبة من وهدة الموت في المعارك.

وفاة حسان بن ثابت

توفي حسان بن ثابت في المدينة المنورة سنة (54هـ= 673/674م) في عهد معاوية بن أبي سفيان عن عمر قد ناهز المائة والعشرين عامًا.

----------------------------------------------

إضافة   3 :



مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

شخصية حسان بن ثابت في الأدب الإسلامي

بحث عن حسان ابن ثابت ( شاعر الرسول عليه الصلاة والسلام)

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..