وقفات أولية ....[١]
الجمعة 21 جمادى الآخرة 1436
الموافق 10 إبريل 2015
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
١/ صعوبة نقد الأفكار :
مع مكانة الدكتور الغذامي النقدية، إلا أن نقد الأفكار الإسلامية الدقيقة من غير المتخصصين، له
ضريبته وتبعاته، ومع محاولاته الرجوع إلى بعض المصادر الإسلامية من أعلام معروفين، إلا أن التحليل والحكم النهائي والاستنتاجات؛ يكون شائبا ومتعثرا،إذا قل الجمع والرصد،وهو ما ستلحظه هنا، واتساع الملاحظات المدونة على تقويم الدكتور وفقه الله...
مع إجادته في جوانب من الكتاب، وبروز الحاسة النقدية، وجرأته في التوصيف، وهي علامة في سائر مؤلفاته، إلا أنه أبقى ثغرات للمتعقب، وفتح مجالا ثريا للردود؛ لأن ظاهرة ضخمة حركية، ذرعت الأرض، كالصحوة الإسلامية، وطوقت العالم الاسلامي، روحيا وفكريا واجتماعيا،وقد استشرفها بعض فلاسفة الغرب ،لا يمكن اختزالها في مدة زمنية معينة، أو صفة حشود كما يقال، أو متجردة من الأفكار والأصول البنيوية لها! والأدهى تشبيهها بالتيار القومي العروبي!
وهذه إساءة بالغة للمد الصحوي المبارك؛ إلا إذا قصد الإعجاب بالفكرة، وتشبع الوجدان بها، وقد ذُكرت بلا أدلة قائمة، وهذا تعثر عقلي ومنهجي عجيب! وقد قال توماس هنري ( أعمق خطايا العقل الإنساني أن يعتقد شيئا دون أدلة )!
ومع أني لا أبرئ الصحوة من أخطاء؛ إلا أن حسناتها كثيرة، وسنشير إلى بعضها؛ لأن الدراسات النقدية التحليلية ما ينبغي إغفالها مثل ذلك؛ لا سيما وأنت في سياق نقدي تقويمي، تتطلب فيه الميزان العدلي، وليس التصيّد أو إبراز العثرات فحسب.
وقد كانت الصحوة بمثابة الرد المباشر على تيار الحداثة؛ والذي كان المؤلف واحدا من ذلك الجيل، وقضت على بقايا الفكر القومي!
فكيف يأتي لتقويمها؛ وهو متجرد من نسقيته السابقة تجاه الصحوة ومخرجاتها؟!
٢/ العنوان : ما بعد الصحوة؟!
وكأنه يشير إلى ولادة حدث جديد أو ظاهرة مختلفة؛ ولكأن الصحوة تلاشت وانتهت كالتيار القومي؛ لأن ظاهر التشبيه والعنونة يشي بذلك!
والما بعدية! وتهويل فكرة الحشد من أول الكتاب إلى آخره تومئ بوصولها للفصل الختامي الأخير!
ولم يناقش ما بعد الحشد الاجتماعي الإسلامي السابق، أو يفكر بجمالية التنوع الدعوي الجديد، وأن الصحوة انتقلت إلى نسق مؤسسي فريد في الإنتاج والحشدية والتأثير، واستقطبت كافة الأطياف، لمعطيات جديدة، ومسوغات مختلفة..
فقد لا يكون سلبيا ذلك كما أراد المؤلف؛ بل نهاية إيجابية أخاذة ورائقة..
إلا أن كلمة تحول (الخطاب من التفرد إلى التعدد) صادقة، وفي محلها شكلا ومضمونا، ونتفق معه أن الصحوة عاشت أحادية مطلقة، ورأيا مقدسا، وفردانية شديدة، تأبت على الخلاف والنقاش العلمي إلى حد ما؛ إلا ماكان من فلتات محدودة عولجت في حينها!
وهي شكل طبيعي لمولود حادث، غلب عليه جيل الشباب المتدين، وقلة العلماء فيه؛ مع أن رموزه تميزوا علميا، ولكنهم معدودون على الأصابع،بالنسبة لمساحة المملكة الشاسعة، وانعدام مواقع التواصل؛ حيث لا يوجد إلا الشريط، تلك المدة!
ومع تلاقيها مع النظام، إلا أنها في بلدان أخرى مقموعة، وأعلامها مطاردون، وكل تعويلهم على مشايخ المملكة، وعبر الشريط والكتيبات.
وأتعجب هنا من إغفاله لدور الرموز الثقافي والتربوي، في نشر أدبيات الحوار واحترام المخالف، وثقافة النقد والوعي ؛ لا سيما من أعلام متقنين كالشيخين العودة والحوالي!
وهو بارز في سيرة الشيخ سلمان الصحوية.
حتى إن الصحوة في أشد وعظيتها ومعاركها الحشدية - كما يقول مع الخصوم - كان العودة يشع إشعاعات فكرية منهجية، عزت على الأندية الأدبية والثقافية آنذاك، والتي كان الأستاذ المؤلف أحد أقطابها، من نحو:
محاضرة أدب الحوار، ولماذا نخاف من النقد؟، والكلمة الحرة ضمان، وحصاد الهشيم، والصحوة الإسلامية بشائر ومحاذير، وحديث في منهج السلف، والموقف الصحيح من الاختلاف وأشباهها.
وهذه حسنة مشهورة، أغفلها صاحب الكتاب!
وعموما تراث الشيخ العلامة سلمان العودة الضخم الثري، كاف في بناء تصور فكري منهجي ، وحقيقي عن ظاهرة الصحوة المتوهجة؛ ولكن الأستاذ المؤلف لم يهتم بذلك ألبتة!
وأعرض عنه الإعراض شبه المقصود؛ فالصحوة كان لديها مسار فكري، يحاول الخروج من المأزق الذي يصفه الغذامي ، ولو باستحياء، ولم يكن العودة وعدد من أساتذة الجامعات يرضى بالأحادية الجاثمة؛ ولكنها كانت فترة زمنية ومرحلة لها أسبابها الداعية للأحادية والفردانية المتطرفة والمتوجسة كما بين هو وحقق...!
ولذلك محاولته سلب الواجهة الفكرية والحضارية للصحوة، ديدن خصوم الصحوة غالبا، ولا يمكن للأستاذ الغذامي تبرئة نفسه من ذلك!
٣/ آلة نقدية ناقصة المعلومات :
الأستاذ الغذامي مفكر وناقد سعودي متميز، وله إسهاماته الثقافية المتعددة، استفيد منها إقليميا وعربيا، وعرف في الثمانينيات بأنه أبو الحداثيين، وهو من روج للفكر الحداثي، ثم في الست السنوات الأخيرة، وبعد خملة غيابية، صرح لبعض الصحف المحلية، بأنه يمد يده للإسلاميين، وليس بينه وبينهم خصومة..!
وفي نفس الظرف هاجم التيار الليبرالي الصاعد بشراسة وجهلهم، وأنهم بلا مشروع ولا منهجية، وهو كما قال؛ لا سيما والناقد أستاذ قريب منهم، وليس إسلاميا خصما لهم؛ حتى ثارت ثائرتهم، مما حدا بالأستاذ عبد العزيز قاسم أن يستضيفه في قناة دليل في برنامجه الشهير ( البيان التالي )، معتبرا ذلك بالتحول المنهجي في حياة الرجل.
ومع دقة كتابات الرجل، وتوخيه لمنهجية علمية؛ إلا أنه نبَا هنا في هذا الكتاب( ما بعد الصحوة ) من عدة وجوه:
أولا: فقر النقل عن رموز الصحويين المنتقَدين، لا سيما والنقد الموجه ينصب عليهم ابتداء؛ لأنهم وعلى طريقته النقدية، هم من حشد الحشود، وجيش الجيوش، وخلق فكرة القانون التوجسي..!
وكتبهم متوفرة، وأشرطتهم بالمئات، وفيها توضيح جلي لبعض ما قرره..!
ويعظم التعجب هنا، والاندهاش من تجاهله الشديد للعلَمين الفذين دكتور العودة والدكتور الحوالي!
ولم ينقل عن الشيخ العودة إلا في موضع واحد تقريبا.....
وذلك من جهتين:
فأما الأستاذ العودة فهو العنصر الصحوي الحضاري الذكي، الجامع بين العلم والفكر، وقد لامس بعض أدواء الصحوة، وتحدث بإسهاب عن العلاقة بالآخر.
وأما الأستاذ الحوالي فقاصف العلمانية بأطروحته الشهيرة، وله المواقف الجسام في الذب عن المنهج الشرعي العقدي عبر محاضرات مشهورة، لا سيما وأنت بصدد ذكر رحلة الحداثة، وخصومها، فإغفال الشيخ سفر هنا علامة تعجب محيرة!
وحتى الشيخ ناصر العمر؛ لم يذكره إلا في مسالة( لحوم العلماء المسمومة ). والتي وظفها لظرف ما بعد الصحوة والتعددية البارزة، والانشطار الصحوي، كما يقول بعضهم، وإفناء العالم الافتراضي للنظرية العلمية السمية!
وليس هو انشطارا أو تفككا، بقدر ما هو ولوج مرحلة جديدة، وتدفق العنصر التقني ، وحصول حوادث ضخمة عصفت بالأمة من نحو زلزال الحادي عشر من سبتمبر، واحتلال العراق، وتداعيات تراجع القضية الفلسطينية ونحوها.
فمثل تلك الأحداث كافية في إعادة النظر وتراجع المد قليلا؛ حيث الاستهداف الثقافي الأمريكي والغربي عموما لدولة متماسكة كالمملكة،
وصدور بيان المثقفين الأمريكيين: على أي أساس نقاتل..؟! في (فبراير ٢٠٠٢) وتم الرد عليه من قبل علماء ومثقفين سعوديين كذلك. وتجد البيانين في موقع( الإسلام اليوم).
ومن النقص المنهجي هنا قلة المراجع المعتمدة في رصد ظاهرة الصحوة، والتعويل على كتاب الشيخ القرضاوي( الصحوة من المراهقة إلى الرشد) رغم أن الرجل ليس وثيق الصلة بصحوة المملكة، ولم يكونوا مروجين لطروحاته الفكرية، ومن الخطأ اعتقاد تشابه الصحوات في جل الأقطار العربية، والذي نكاد نجزم به هو التباين المنهجي والفكري بينها، ولو تشابهت في السيمياء العامة، التي اهتم بها هو اهتماما جما!
وأعرض عن بعض الأطروحات المتعمقة والمدققة من نحو كتاب ( زمن الصحوة ) للكاتب الفرنسي ستيفان لاكرو. وهو جيد في استجماع الجوانب التاريخية والفكرية والتحليلية للصحوة؛ إلا عثرات يسيرة لا تقلل من الجهد السنواتي المبذول من المؤلف، بحثا وميدانا واتصالا....
٤/ الصحوة الحشْدية: وهو بهذا المصطلح المكرر عشرات المرات في الكتاب، يفرغ الصحوة من أكثر المقدمات الفكرية؛ حيث ادعى وبلا برهان قاطع، أن الصحوة مجموعة حشود مهولة ومتوجسة، منزوعة الأفكار، يقول ( وما الصحوة إلا منظومة حشود، وهذا هو جوهرها البنيوي، ولو أزحنا الحشد عنها، لما بقي شيء يشكل تيارا ) (ص٣٠)
والمقصد تجريدها من أية أفكار تحتشد حولها..!! وسيأتي بإذن المولى الكريم مطلب خاص بأفكار الصحوة.
والأعجب أن ما اتهم به الصحوة هو تورط فيه، حيث لم يقدم فكرة نصية من الموروث الصحوي الغزير أي شيء يذكر؛ إلا نزرا يسيرا، وبنى كتابه النقدي على السيمياء والعلامات كما أبانه الأستاذ صالح الصاعدي في مقالته ( صحيفة الجزيرة٢٠١٤/١٠/٢٥) وهو مزلق منهجي لطيف..!
٥/ محددات المحاكمة : للأسف طال الكلام والملام في النقاب، وقيادة السيارة، وحكم الاحتساب، وأغفل المؤلف تسطيحا، قضايا الصحوة الكبرى، وأهدافها، وتوجهاتها التي فرضتها على الواقع العربي، من نحو تجديد الإسلام والتوحيد، وحاكمية الشريعة، ونبذ القوانين، ومشكلة الشباب والفقر، والظلم الاجتماعي، والتصدي للمناهج البدعية والتغريبية والفكرية الخاطئة، وبعض قضايا الإصلاح السياسي والأخلاقي!
تجاوزها الكاتب، ولم يشر إليها لا من قريب ولا بعيد، واختزل الصحوة في مناطق ضيقة، وهي مقدمة لتأصيل فكرة تلاشي الحشد وانتهائه كما انتهت القومية العربية! وللحديث بقية بإذن الله، والسلام.
مع مكانة الدكتور الغذامي النقدية، إلا أن نقد الأفكار الإسلامية الدقيقة من غير المتخصصين، له
ضريبته وتبعاته، ومع محاولاته الرجوع إلى بعض المصادر الإسلامية من أعلام معروفين، إلا أن التحليل والحكم النهائي والاستنتاجات؛ يكون شائبا ومتعثرا،إذا قل الجمع والرصد،وهو ما ستلحظه هنا، واتساع الملاحظات المدونة على تقويم الدكتور وفقه الله...
مع إجادته في جوانب من الكتاب، وبروز الحاسة النقدية، وجرأته في التوصيف، وهي علامة في سائر مؤلفاته، إلا أنه أبقى ثغرات للمتعقب، وفتح مجالا ثريا للردود؛ لأن ظاهرة ضخمة حركية، ذرعت الأرض، كالصحوة الإسلامية، وطوقت العالم الاسلامي، روحيا وفكريا واجتماعيا،وقد استشرفها بعض فلاسفة الغرب ،لا يمكن اختزالها في مدة زمنية معينة، أو صفة حشود كما يقال، أو متجردة من الأفكار والأصول البنيوية لها! والأدهى تشبيهها بالتيار القومي العروبي!
وهذه إساءة بالغة للمد الصحوي المبارك؛ إلا إذا قصد الإعجاب بالفكرة، وتشبع الوجدان بها، وقد ذُكرت بلا أدلة قائمة، وهذا تعثر عقلي ومنهجي عجيب! وقد قال توماس هنري ( أعمق خطايا العقل الإنساني أن يعتقد شيئا دون أدلة )!
ومع أني لا أبرئ الصحوة من أخطاء؛ إلا أن حسناتها كثيرة، وسنشير إلى بعضها؛ لأن الدراسات النقدية التحليلية ما ينبغي إغفالها مثل ذلك؛ لا سيما وأنت في سياق نقدي تقويمي، تتطلب فيه الميزان العدلي، وليس التصيّد أو إبراز العثرات فحسب.
وقد كانت الصحوة بمثابة الرد المباشر على تيار الحداثة؛ والذي كان المؤلف واحدا من ذلك الجيل، وقضت على بقايا الفكر القومي!
فكيف يأتي لتقويمها؛ وهو متجرد من نسقيته السابقة تجاه الصحوة ومخرجاتها؟!
٢/ العنوان : ما بعد الصحوة؟!
وكأنه يشير إلى ولادة حدث جديد أو ظاهرة مختلفة؛ ولكأن الصحوة تلاشت وانتهت كالتيار القومي؛ لأن ظاهر التشبيه والعنونة يشي بذلك!
والما بعدية! وتهويل فكرة الحشد من أول الكتاب إلى آخره تومئ بوصولها للفصل الختامي الأخير!
ولم يناقش ما بعد الحشد الاجتماعي الإسلامي السابق، أو يفكر بجمالية التنوع الدعوي الجديد، وأن الصحوة انتقلت إلى نسق مؤسسي فريد في الإنتاج والحشدية والتأثير، واستقطبت كافة الأطياف، لمعطيات جديدة، ومسوغات مختلفة..
فقد لا يكون سلبيا ذلك كما أراد المؤلف؛ بل نهاية إيجابية أخاذة ورائقة..
إلا أن كلمة تحول (الخطاب من التفرد إلى التعدد) صادقة، وفي محلها شكلا ومضمونا، ونتفق معه أن الصحوة عاشت أحادية مطلقة، ورأيا مقدسا، وفردانية شديدة، تأبت على الخلاف والنقاش العلمي إلى حد ما؛ إلا ماكان من فلتات محدودة عولجت في حينها!
وهي شكل طبيعي لمولود حادث، غلب عليه جيل الشباب المتدين، وقلة العلماء فيه؛ مع أن رموزه تميزوا علميا، ولكنهم معدودون على الأصابع،بالنسبة لمساحة المملكة الشاسعة، وانعدام مواقع التواصل؛ حيث لا يوجد إلا الشريط، تلك المدة!
ومع تلاقيها مع النظام، إلا أنها في بلدان أخرى مقموعة، وأعلامها مطاردون، وكل تعويلهم على مشايخ المملكة، وعبر الشريط والكتيبات.
وأتعجب هنا من إغفاله لدور الرموز الثقافي والتربوي، في نشر أدبيات الحوار واحترام المخالف، وثقافة النقد والوعي ؛ لا سيما من أعلام متقنين كالشيخين العودة والحوالي!
وهو بارز في سيرة الشيخ سلمان الصحوية.
حتى إن الصحوة في أشد وعظيتها ومعاركها الحشدية - كما يقول مع الخصوم - كان العودة يشع إشعاعات فكرية منهجية، عزت على الأندية الأدبية والثقافية آنذاك، والتي كان الأستاذ المؤلف أحد أقطابها، من نحو:
محاضرة أدب الحوار، ولماذا نخاف من النقد؟، والكلمة الحرة ضمان، وحصاد الهشيم، والصحوة الإسلامية بشائر ومحاذير، وحديث في منهج السلف، والموقف الصحيح من الاختلاف وأشباهها.
وهذه حسنة مشهورة، أغفلها صاحب الكتاب!
وعموما تراث الشيخ العلامة سلمان العودة الضخم الثري، كاف في بناء تصور فكري منهجي ، وحقيقي عن ظاهرة الصحوة المتوهجة؛ ولكن الأستاذ المؤلف لم يهتم بذلك ألبتة!
وأعرض عنه الإعراض شبه المقصود؛ فالصحوة كان لديها مسار فكري، يحاول الخروج من المأزق الذي يصفه الغذامي ، ولو باستحياء، ولم يكن العودة وعدد من أساتذة الجامعات يرضى بالأحادية الجاثمة؛ ولكنها كانت فترة زمنية ومرحلة لها أسبابها الداعية للأحادية والفردانية المتطرفة والمتوجسة كما بين هو وحقق...!
ولذلك محاولته سلب الواجهة الفكرية والحضارية للصحوة، ديدن خصوم الصحوة غالبا، ولا يمكن للأستاذ الغذامي تبرئة نفسه من ذلك!
٣/ آلة نقدية ناقصة المعلومات :
الأستاذ الغذامي مفكر وناقد سعودي متميز، وله إسهاماته الثقافية المتعددة، استفيد منها إقليميا وعربيا، وعرف في الثمانينيات بأنه أبو الحداثيين، وهو من روج للفكر الحداثي، ثم في الست السنوات الأخيرة، وبعد خملة غيابية، صرح لبعض الصحف المحلية، بأنه يمد يده للإسلاميين، وليس بينه وبينهم خصومة..!
وفي نفس الظرف هاجم التيار الليبرالي الصاعد بشراسة وجهلهم، وأنهم بلا مشروع ولا منهجية، وهو كما قال؛ لا سيما والناقد أستاذ قريب منهم، وليس إسلاميا خصما لهم؛ حتى ثارت ثائرتهم، مما حدا بالأستاذ عبد العزيز قاسم أن يستضيفه في قناة دليل في برنامجه الشهير ( البيان التالي )، معتبرا ذلك بالتحول المنهجي في حياة الرجل.
ومع دقة كتابات الرجل، وتوخيه لمنهجية علمية؛ إلا أنه نبَا هنا في هذا الكتاب( ما بعد الصحوة ) من عدة وجوه:
أولا: فقر النقل عن رموز الصحويين المنتقَدين، لا سيما والنقد الموجه ينصب عليهم ابتداء؛ لأنهم وعلى طريقته النقدية، هم من حشد الحشود، وجيش الجيوش، وخلق فكرة القانون التوجسي..!
وكتبهم متوفرة، وأشرطتهم بالمئات، وفيها توضيح جلي لبعض ما قرره..!
ويعظم التعجب هنا، والاندهاش من تجاهله الشديد للعلَمين الفذين دكتور العودة والدكتور الحوالي!
ولم ينقل عن الشيخ العودة إلا في موضع واحد تقريبا.....
وذلك من جهتين:
فأما الأستاذ العودة فهو العنصر الصحوي الحضاري الذكي، الجامع بين العلم والفكر، وقد لامس بعض أدواء الصحوة، وتحدث بإسهاب عن العلاقة بالآخر.
وأما الأستاذ الحوالي فقاصف العلمانية بأطروحته الشهيرة، وله المواقف الجسام في الذب عن المنهج الشرعي العقدي عبر محاضرات مشهورة، لا سيما وأنت بصدد ذكر رحلة الحداثة، وخصومها، فإغفال الشيخ سفر هنا علامة تعجب محيرة!
وحتى الشيخ ناصر العمر؛ لم يذكره إلا في مسالة( لحوم العلماء المسمومة ). والتي وظفها لظرف ما بعد الصحوة والتعددية البارزة، والانشطار الصحوي، كما يقول بعضهم، وإفناء العالم الافتراضي للنظرية العلمية السمية!
وليس هو انشطارا أو تفككا، بقدر ما هو ولوج مرحلة جديدة، وتدفق العنصر التقني ، وحصول حوادث ضخمة عصفت بالأمة من نحو زلزال الحادي عشر من سبتمبر، واحتلال العراق، وتداعيات تراجع القضية الفلسطينية ونحوها.
فمثل تلك الأحداث كافية في إعادة النظر وتراجع المد قليلا؛ حيث الاستهداف الثقافي الأمريكي والغربي عموما لدولة متماسكة كالمملكة،
وصدور بيان المثقفين الأمريكيين: على أي أساس نقاتل..؟! في (فبراير ٢٠٠٢) وتم الرد عليه من قبل علماء ومثقفين سعوديين كذلك. وتجد البيانين في موقع( الإسلام اليوم).
ومن النقص المنهجي هنا قلة المراجع المعتمدة في رصد ظاهرة الصحوة، والتعويل على كتاب الشيخ القرضاوي( الصحوة من المراهقة إلى الرشد) رغم أن الرجل ليس وثيق الصلة بصحوة المملكة، ولم يكونوا مروجين لطروحاته الفكرية، ومن الخطأ اعتقاد تشابه الصحوات في جل الأقطار العربية، والذي نكاد نجزم به هو التباين المنهجي والفكري بينها، ولو تشابهت في السيمياء العامة، التي اهتم بها هو اهتماما جما!
وأعرض عن بعض الأطروحات المتعمقة والمدققة من نحو كتاب ( زمن الصحوة ) للكاتب الفرنسي ستيفان لاكرو. وهو جيد في استجماع الجوانب التاريخية والفكرية والتحليلية للصحوة؛ إلا عثرات يسيرة لا تقلل من الجهد السنواتي المبذول من المؤلف، بحثا وميدانا واتصالا....
٤/ الصحوة الحشْدية: وهو بهذا المصطلح المكرر عشرات المرات في الكتاب، يفرغ الصحوة من أكثر المقدمات الفكرية؛ حيث ادعى وبلا برهان قاطع، أن الصحوة مجموعة حشود مهولة ومتوجسة، منزوعة الأفكار، يقول ( وما الصحوة إلا منظومة حشود، وهذا هو جوهرها البنيوي، ولو أزحنا الحشد عنها، لما بقي شيء يشكل تيارا ) (ص٣٠)
والمقصد تجريدها من أية أفكار تحتشد حولها..!! وسيأتي بإذن المولى الكريم مطلب خاص بأفكار الصحوة.
والأعجب أن ما اتهم به الصحوة هو تورط فيه، حيث لم يقدم فكرة نصية من الموروث الصحوي الغزير أي شيء يذكر؛ إلا نزرا يسيرا، وبنى كتابه النقدي على السيمياء والعلامات كما أبانه الأستاذ صالح الصاعدي في مقالته ( صحيفة الجزيرة٢٠١٤/١٠/٢٥) وهو مزلق منهجي لطيف..!
٥/ محددات المحاكمة : للأسف طال الكلام والملام في النقاب، وقيادة السيارة، وحكم الاحتساب، وأغفل المؤلف تسطيحا، قضايا الصحوة الكبرى، وأهدافها، وتوجهاتها التي فرضتها على الواقع العربي، من نحو تجديد الإسلام والتوحيد، وحاكمية الشريعة، ونبذ القوانين، ومشكلة الشباب والفقر، والظلم الاجتماعي، والتصدي للمناهج البدعية والتغريبية والفكرية الخاطئة، وبعض قضايا الإصلاح السياسي والأخلاقي!
تجاوزها الكاتب، ولم يشر إليها لا من قريب ولا بعيد، واختزل الصحوة في مناطق ضيقة، وهي مقدمة لتأصيل فكرة تلاشي الحشد وانتهائه كما انتهت القومية العربية! وللحديث بقية بإذن الله، والسلام.
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..