الوعظ عملٌ أجلّ من أن يكون وصفاً سابغاً على: «القًصّاصين» ذلك أنّ
الله تعالى أخبر عن نفسه
بقوله: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾، ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، وعن كتابه – القرآن – بقوله:﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وبالوعظ كان تكليف النبيّ رسالياً: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ﴾، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ في حين كان عملٌ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في تأديته الرسالة علماً ومنهجاً، إنما كان وعظاً، ففي حديث العرباض بن سارية: «وعظنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد…»
الحديث عند الترمذي وغيره وهو صحيح.
--
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
بقوله: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾، ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، وعن كتابه – القرآن – بقوله:﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وبالوعظ كان تكليف النبيّ رسالياً: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ﴾، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ في حين كان عملٌ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في تأديته الرسالة علماً ومنهجاً، إنما كان وعظاً، ففي حديث العرباض بن سارية: «وعظنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد…»
الحديث عند الترمذي وغيره وهو صحيح.
وقال أبو وائل:
«كان ابن مسعود يذكرنا في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبدالرحمن لو وددت
أنك ذكرتنا في كل يوم فقال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني
أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتخولنا بها
مخافة السآمة علينا». متفق عليه.
فالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – كان يوقّت للموعظة لا أنها كانت الغالبة عليه وهو بين ظهراني أصحابه ما جعلهم يتطلّعون إليها تشوف المشتاق ومن أجل هذا كان لها إثمارها في حياة قلوب أصحابه – رضوان الله عليهم – (كان من أشد الناس تضييقاً على نفسه في الورع)
وإذن فإنّ الوعظ على جهة التحقيق هو: كلمة صادقة من قلب صادق – مخموم – سليم – وليس ضرباً من بكائياتٍ تُبتذل على نحو تمثيلي سمجٍ معوّله على قصص مكذوبٍ يتخلله لدى بعضٍ منهم: «تهريجٌ» مبالغٌ فيه وذلك بسوقهم نكتاً طرائف ساقطة الاعتبار أدباً وخُلقاً غاياتها الظاهرة الإضحاك والتضحيك بزعمها أسلوباً يُتخذ ذريعة لخطف قلوب المنصوحين وتحبيباً لهم في الوعظ» القص» بينما في باطنها الرغبة الملحة في تكثير السواد «الجماهير»!!
وقف الواعظُ الشهيرُ (أبو معاذ الرازي) فبكى، وأبكى الناس، ثم قال:
وغيرُ تقـيِّ يأمرُ الناس بالتقـى
طبيبٌ يداوي الناس وهُو عليـلٌ!
وبكلٍّ.. فغاية الوعظ هو الوعظ بكلام الله تعالى وبما صحّ من هدي النبيّ – صلى الله عليه وآله وسلم- بينما الواقع الذي ابتلينا به أنّ الواعظ (القصّاص) لا يُحسن غير الاشتغال بثرثرةٍ يبثّها علينا من: «كيسه»!! وبنقولٍ لبشرٍ في غالبها دون خطام ولا زمام كما أنها لا تصح عن أفرادٍ (ليسوا بأنبياء) ولئن صحّت نقلاً عنهم فإنّهم: «بشرٌ» يجتهدون فيخطئون ولسنا مُتعبّدين بمحض أقوالهم وما كان من أفعالهم المُخالفة لِما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -..!
إلى ذلك يجوز لنا القول: إنّ الوعظ – الذي يضطلع به القصاص اليوم – قد بات مرتبطا بشهرة صاحبه أكثر اربتاطاً بمَن طال نفعه وحسُن سمتُه ولذا كلما كَثُر وعاظنا – قصاصنا – ازدادت نسبة الجرائم التي يشتغلون على النهي عنها؟! ذلك أنّ هؤلاء القصاص إنما يقدمون فهمهم – القاصر – للدين وليسوا هم بالذين يقدّمون: «الدين» على حقيقته الشرعية/ العلمية في سياقٍ من بناءٍ وعظيٍّ يتوسّل منهج القرآن ومنهج الأنبياء له طريقة ومسلكاً ولا ريب في أنّ مَن تنكّب طريقة القرآن في: «الوعظ» وخالفها أن يكون ضُّرّه أكبرَ من نفعه وأن يُسعى لمنعه أولى من دفعه.
وليس بخافٍ على من لديه أثارة من علمٍ «شرعي» وعناية بـ: «أعمال القلوب» إدراكه بأنّ تنامى عدد القصاص – الوعاظ كثرةً في أي مجتمع ليس هو بالضرورةِ دليلاً على أنك إزاء مجتمع متدين محافظ ، بل ربما توحي هذه الكثرةُ بأن هناك خللاً وشقوقاً في سِتر «الأخلاق» يحتاجُ إلى ترقيع!
في حين أنّ الكثرة لتنامي: «الوعاظ القصّاص» يشي اجتماعياً بأن هناك انفلاتاً – وفق رؤية الواعظ – أراد هذا الأخير أن يردّ المصلين لجادة الصواب مع أنهم على التحقيق – هم الذين يعمرون مساجد الله صلاةً/ وذكراً!.
ويمكنُ أيضاً أن نقرأ ظاهرة تنامي الوعاظ كثرة في أي مجتمعٍ على أنها وظيفة من لا وظيفة له! وبمعنىً أدق يمكن القول: إنّ من حقق فشلاً في أي مشروعٍ (دنويٍّ) ثم لاذ بالوعظ وظيفةً فامتهنها (دون تأهيل) وجدَ شهرة وربحاً وقيمية اجتماعيةٍ باذخةٍ وآيةُ ذلك أنّه في أيّ مناسبةٍ (جماهيرية) لا يفتأ أن يجد: «الواعظ/ القصاص» نفسه مُصدّراً فيما تجد: «عالماً تقياً نقيّاً» لا يُعرف من قِبل الناس ولئن عرفه آحادهم فإنّه غير محتَفلٍ به وما من أحدٍ من القوم يمكن أن يكترث لقدومه أو يأبه لذهابه!
على أيّ حال.. فإنّ الوعظ في بلادي – لا يمكنه أن يصنع علاقة: «حبّ مع الله تعالى» وإنما أثبت – من لدن بعضهم – كفاءته في خلق الخوف ولكأن: «عقاب الله» سبق رحمته!! بينما هناك عباد خلص يحبون الله ويحبهم تتلمذوا على: «الوعظ القرآني» فكانوا أقرب إلى الحق وأرحم بالخلق وإن لم تشي مظاهرهم بأنهم أهل استقامة.
جملة القول: لاريب أنّنا بحاجة للوعاظ على نحوٍ ملحٍ، ذلك أنّ الوعظ بمجمله هو الذي يتفق وطبيعة المتلقين وغالبهم عامة إذ تقرر بناءً على تكوينهم العلمي وفهومهم بأنّهم لا ينتفعون كثيراً إلا بالوعظ غير أنّنا لسنا بكبير حاجةٍ إلى عدد كبير من أولئك: «القصاص» ممن لم يستقيموا على الطريقة القرآنية وعظاً ولم يقتفوا أثر محمد – صلى الله عليه وآله وسلم- اهتداء بمنهجه القويم في: «وعظه» واسترشاداً بفقه الوعظ النبوي.
بالمناسبة: هل أنّ وزارة الشؤون الإسلامية تعي هذا الخلل الذي تتسع مساحته يوماً بعد آخر..؟! وأيّ جهدٍ قامت به الوزارة حيال هذه المنهجية الوعظية المتخبّطة تلك التي قِوامها صراخٌ وترهيب وتزكية للنفس وإشاعة قصص لا تصح عقلاً ولا شرعاً.
ومن جميل ما نقفل به المقالة:
ما جاء في ترجمة المزني قول عمرو بن عثمان المكي عنه (كان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس).
ولتقارن الوزارة ما بين سلوكيات وعاظها وبين خطابهم الوعظي على ضوء ما كان عليه: «المزني»!!
فالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – كان يوقّت للموعظة لا أنها كانت الغالبة عليه وهو بين ظهراني أصحابه ما جعلهم يتطلّعون إليها تشوف المشتاق ومن أجل هذا كان لها إثمارها في حياة قلوب أصحابه – رضوان الله عليهم – (كان من أشد الناس تضييقاً على نفسه في الورع)
وإذن فإنّ الوعظ على جهة التحقيق هو: كلمة صادقة من قلب صادق – مخموم – سليم – وليس ضرباً من بكائياتٍ تُبتذل على نحو تمثيلي سمجٍ معوّله على قصص مكذوبٍ يتخلله لدى بعضٍ منهم: «تهريجٌ» مبالغٌ فيه وذلك بسوقهم نكتاً طرائف ساقطة الاعتبار أدباً وخُلقاً غاياتها الظاهرة الإضحاك والتضحيك بزعمها أسلوباً يُتخذ ذريعة لخطف قلوب المنصوحين وتحبيباً لهم في الوعظ» القص» بينما في باطنها الرغبة الملحة في تكثير السواد «الجماهير»!!
وقف الواعظُ الشهيرُ (أبو معاذ الرازي) فبكى، وأبكى الناس، ثم قال:
وغيرُ تقـيِّ يأمرُ الناس بالتقـى
طبيبٌ يداوي الناس وهُو عليـلٌ!
وبكلٍّ.. فغاية الوعظ هو الوعظ بكلام الله تعالى وبما صحّ من هدي النبيّ – صلى الله عليه وآله وسلم- بينما الواقع الذي ابتلينا به أنّ الواعظ (القصّاص) لا يُحسن غير الاشتغال بثرثرةٍ يبثّها علينا من: «كيسه»!! وبنقولٍ لبشرٍ في غالبها دون خطام ولا زمام كما أنها لا تصح عن أفرادٍ (ليسوا بأنبياء) ولئن صحّت نقلاً عنهم فإنّهم: «بشرٌ» يجتهدون فيخطئون ولسنا مُتعبّدين بمحض أقوالهم وما كان من أفعالهم المُخالفة لِما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -..!
إلى ذلك يجوز لنا القول: إنّ الوعظ – الذي يضطلع به القصاص اليوم – قد بات مرتبطا بشهرة صاحبه أكثر اربتاطاً بمَن طال نفعه وحسُن سمتُه ولذا كلما كَثُر وعاظنا – قصاصنا – ازدادت نسبة الجرائم التي يشتغلون على النهي عنها؟! ذلك أنّ هؤلاء القصاص إنما يقدمون فهمهم – القاصر – للدين وليسوا هم بالذين يقدّمون: «الدين» على حقيقته الشرعية/ العلمية في سياقٍ من بناءٍ وعظيٍّ يتوسّل منهج القرآن ومنهج الأنبياء له طريقة ومسلكاً ولا ريب في أنّ مَن تنكّب طريقة القرآن في: «الوعظ» وخالفها أن يكون ضُّرّه أكبرَ من نفعه وأن يُسعى لمنعه أولى من دفعه.
وليس بخافٍ على من لديه أثارة من علمٍ «شرعي» وعناية بـ: «أعمال القلوب» إدراكه بأنّ تنامى عدد القصاص – الوعاظ كثرةً في أي مجتمع ليس هو بالضرورةِ دليلاً على أنك إزاء مجتمع متدين محافظ ، بل ربما توحي هذه الكثرةُ بأن هناك خللاً وشقوقاً في سِتر «الأخلاق» يحتاجُ إلى ترقيع!
في حين أنّ الكثرة لتنامي: «الوعاظ القصّاص» يشي اجتماعياً بأن هناك انفلاتاً – وفق رؤية الواعظ – أراد هذا الأخير أن يردّ المصلين لجادة الصواب مع أنهم على التحقيق – هم الذين يعمرون مساجد الله صلاةً/ وذكراً!.
ويمكنُ أيضاً أن نقرأ ظاهرة تنامي الوعاظ كثرة في أي مجتمعٍ على أنها وظيفة من لا وظيفة له! وبمعنىً أدق يمكن القول: إنّ من حقق فشلاً في أي مشروعٍ (دنويٍّ) ثم لاذ بالوعظ وظيفةً فامتهنها (دون تأهيل) وجدَ شهرة وربحاً وقيمية اجتماعيةٍ باذخةٍ وآيةُ ذلك أنّه في أيّ مناسبةٍ (جماهيرية) لا يفتأ أن يجد: «الواعظ/ القصاص» نفسه مُصدّراً فيما تجد: «عالماً تقياً نقيّاً» لا يُعرف من قِبل الناس ولئن عرفه آحادهم فإنّه غير محتَفلٍ به وما من أحدٍ من القوم يمكن أن يكترث لقدومه أو يأبه لذهابه!
على أيّ حال.. فإنّ الوعظ في بلادي – لا يمكنه أن يصنع علاقة: «حبّ مع الله تعالى» وإنما أثبت – من لدن بعضهم – كفاءته في خلق الخوف ولكأن: «عقاب الله» سبق رحمته!! بينما هناك عباد خلص يحبون الله ويحبهم تتلمذوا على: «الوعظ القرآني» فكانوا أقرب إلى الحق وأرحم بالخلق وإن لم تشي مظاهرهم بأنهم أهل استقامة.
جملة القول: لاريب أنّنا بحاجة للوعاظ على نحوٍ ملحٍ، ذلك أنّ الوعظ بمجمله هو الذي يتفق وطبيعة المتلقين وغالبهم عامة إذ تقرر بناءً على تكوينهم العلمي وفهومهم بأنّهم لا ينتفعون كثيراً إلا بالوعظ غير أنّنا لسنا بكبير حاجةٍ إلى عدد كبير من أولئك: «القصاص» ممن لم يستقيموا على الطريقة القرآنية وعظاً ولم يقتفوا أثر محمد – صلى الله عليه وآله وسلم- اهتداء بمنهجه القويم في: «وعظه» واسترشاداً بفقه الوعظ النبوي.
بالمناسبة: هل أنّ وزارة الشؤون الإسلامية تعي هذا الخلل الذي تتسع مساحته يوماً بعد آخر..؟! وأيّ جهدٍ قامت به الوزارة حيال هذه المنهجية الوعظية المتخبّطة تلك التي قِوامها صراخٌ وترهيب وتزكية للنفس وإشاعة قصص لا تصح عقلاً ولا شرعاً.
ومن جميل ما نقفل به المقالة:
ما جاء في ترجمة المزني قول عمرو بن عثمان المكي عنه (كان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس).
ولتقارن الوزارة ما بين سلوكيات وعاظها وبين خطابهم الوعظي على ضوء ما كان عليه: «المزني»!!
--
أحبُّ اللهَ تعالى وأكرهُ هذا: «الواعظ»!!
أعتقد أنّ مثلي كثير غير أنّهم يلوذون بالصمت مخافةَ أنْ يجدوا
أنفسهم في الخارج من: «الإسلام» دفعةً واحدة كما هو شأن مصيرهم في الآخرة
إذ زحزحهم «بعضٌ» من الوعّاظ (القصّاصين) عن الجنّة وأدخلوهم النار قسراً!
أنا لم أعد أُبالي بفخامةِ حناجر: «القصّاصين/ الوعاظ» وبجلجلة أجراس أصواتهم المتحشرجة ببقايا بكائيةٍ اقتضاها تقمّص دور: «الناصح الأمين» ذلك أنّ: «التّباكي» على هذا النحو المُتكلّف انكشف أمرُهُ إذ أدركَ العقلاء من: «جمهور المصلين»بأنّه لا يعدو أن يكون: «إكسسواراً» يصطحبه بعضٌ من: «الوعاظ» بوصفه من أدوات: «الشغل»!
لم يتوقّف محاوري عند هذا بل رفع صوتَه وكأنه بذلك يبتغي أن يسمعه «الجميع» فأردف قائلاً:
إنّي قد خبرت أساليبهم كلّها وسبرتُ طرائق وعظهم جميعَها فألفيتُ كثيرين منهم يصدّون الناس عن: «طريق الاستقامة» ويأخذونهم باتجاه الغَواية نتيجةَ ضعفهم في فقه: «النصوص الشرعية» التي أتقنوا حفظها من غير أنْ يتأسوا بهدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في: «الوعظ» الحق.!
بكلّ هذا الاندفاع – الصادق – استأنف حواره معي دون معرفةٍ سابقةٍ فيما بيننا.. استوقفتُه متسائلاً: يا صاحبي ليس لأي أحدٍ أن يزحزحك عن النار ويدخلك الجنة إلا الله تعالى، وباب: «الأسماء والأحكام» في مباحث العقيدة من أخطر الأبواب قرباً وتناولاً وما من أحدٍ يتجاسر في خوض هذا الباب (الأسماء والأحكام) فيمنح هذا اسماً شرعياً «الكفر/ الفسق/ الفجور» ويحكم على آخر بمصيره في الآخرة: «جنّةً أو ناراً» دون فقه إلا مَن كان قد ظلم نفسه وأوردها المهالك.!
اندفع ثانيةً وهو يقول: أجل كيف لو كنتَ معنا البارحة في هذا المسجد إذ خرج علينا واعظ «قصّاص» لا يعرفه منّا أحد ولايُرى عليه أثر: «التّورع» فاستأذننا بحديثٍ قالَ إنه لن يتجاوز فيه الخمس دقائق وما منحَنا فرصةً أن نأذن له..!! إذ طفِقَ يتحدّث مبتلعاً «الميكروفون» فامتدت: «مواعظه» ساعةً ويزيد لم نخرج منها إلا بشيءٍ واحد وهو: أنّ من كان في مثل حالتي (أتتن/ وحليق/ ومسبل) ذلك أني لا أخلو من مخالفاتٍ عسى الله أن يغفرها لي.. المهم أنّ من كان على مثلي ما أنا عليه في ذات المسجد هم كثيرون إذ اكتظت بهم جنباتُ المسجد، حيث جاءوا بيت الله حُباً ورغبة فيما عنده من العفو والمغفرة والرحمة التي وسعت كلّ شيء..غير أنّ هذا الواعظ أبى إلا أن يضيّق علينا واسعاً من عفو ربي ورحماته.. وما بين فينةٍ وأخرى كان ينظرُ إلينا الواعظُ شزراً حتى ضاقت علينا أرض – المسجد – بما رحُبت.!
قلتُ له وقد همّ بالانصراف: دعك منه ويكفيك أن تقرأ قوله تعالى: «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير».
وفي تفسيرها ستجد للمحققين من أهل العلم نحواً من هذا القول:
(و «أورثنا» جعلنا وارثين. يقال: ورث، إذا صار إليه مال ميت قريب. ويستعمل بمعنى الكسب عن غير اكتساب ولا عوض، فيكون معناه: جعلناهم آخذين الكتاب منا، أو نجعل الإيراث مستعملا في الأمر بالتلقي، أي أمرنا المسلمين بأن يرثوا القرآن، أي يتلقوه من الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وعلى الاحتمالين ففي الإيراث معنى الإعطاء فيكون فعل «أورثنا» حقيقا بأن ينصب مفعولين..
والمراد بالذين اصطفاهم الله: هم المؤمنون كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) إلى قوله (هو اجتباكم)، وقد اختار الله للإيمان والإسلام أفضل أمة من الناس، وقد رويت أحاديث كثيرة تؤيد هذا المعنى في مسند أحمد بن حنبل وغيره ذكرها ابن كثير في تفسيره.
ولما أريد تعميم البشارة مع بيان أنهم مراتب فيما بشروا به جيء بالتفريع في قوله فمنهم ظالم لنفسه إلى آخره، فهو تفصيل لمراتب المصطفين لتشمل البشارة جميع أصنافهم ولا يظن أن الظالم لنفسه محروم منها، فمناط الاصطفاء هو الإيمان والإسلام وهو الانقياد بالقول والاستسلام.
وقدم في التفصيل ذكر الظالم لنفسه لدفع توهم حرمانه من الجنة وتعجيلا لمسرته.
والفاء في قوله فمنهم ظالم لنفسه إلخ تفصيل لأحوال الذين أورثوا الكتاب أي أعطوا القرآن. وضمير «منهم» الأظهر أنه عائد إلى الذين اصطفينا، وذلك قول الحسن، وعليه فالظالم لنفسه من المصطفين ولذلك يكون قول الحسن جاريا على وفاق ما روي عن عمر وعثمان وابن مسعود وأبي الدرداء وعقبة بن عمرو وما هو مروي عن عائشة وهو الراجح.
فالظالمون لأنفسهم هم الذين يجرون أنفسهم إلى ارتكاب المعصية، فإن معصية المرء ربه ظلم لنفسه لأنه يورطها في العقوبة المعينة للمعاصي على تفصيلها، وذلك ظلم للنفس لأنه اعتداء عليها إذ قصر بها عن شيء من الخيرات قليل أو كثير، وورطها فيما تجد جزاء ذميمها عليه. قال تعالى حكاية عن آدم وحواء حين خالفا ما نهيا عنه من أكل الشجرة قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وقال ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وقال إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم، وقال قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا….) ومن قبل أن أودّعه قلت له: لا تنس قراءة تتمة الآيات إذ جاء في آخرها قوله تعالى: «جنّات عدن يدخلونها» إذ عمّ الله تعالى – منةً منه وفضلا – جميع الأصناف الثلاثة ومنهم: «الظالم لنفسه» بدخولها.
قال القرطبي في «تفسيره»{16/2}:»فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر والسني والمبتدع، مداهنة أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: «فقولا له قولا لينا»، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه، وقال طلحة بن عمر قلت لعطاء: «إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل فيّ حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى: «وقولوا للناس حسنا» فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي؟»
تبقّى من القول: إني أرى: «الوعظ» مقاماً هو أجلّ من أن يكون صفة لهؤلاء إذ هم: «قُصّاص» ليس إلا.. وثمة مقالة قادمة أحرر فيها القول بأنّ: «الوعظ مهنة الأنبياء» عليهم السلام وشرفٌ لمن كان على إثرهم (يعظ) على منهاج النبوّة حيث الرحمة والرفق واللين والحب.
أنا لم أعد أُبالي بفخامةِ حناجر: «القصّاصين/ الوعاظ» وبجلجلة أجراس أصواتهم المتحشرجة ببقايا بكائيةٍ اقتضاها تقمّص دور: «الناصح الأمين» ذلك أنّ: «التّباكي» على هذا النحو المُتكلّف انكشف أمرُهُ إذ أدركَ العقلاء من: «جمهور المصلين»بأنّه لا يعدو أن يكون: «إكسسواراً» يصطحبه بعضٌ من: «الوعاظ» بوصفه من أدوات: «الشغل»!
لم يتوقّف محاوري عند هذا بل رفع صوتَه وكأنه بذلك يبتغي أن يسمعه «الجميع» فأردف قائلاً:
إنّي قد خبرت أساليبهم كلّها وسبرتُ طرائق وعظهم جميعَها فألفيتُ كثيرين منهم يصدّون الناس عن: «طريق الاستقامة» ويأخذونهم باتجاه الغَواية نتيجةَ ضعفهم في فقه: «النصوص الشرعية» التي أتقنوا حفظها من غير أنْ يتأسوا بهدي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في: «الوعظ» الحق.!
بكلّ هذا الاندفاع – الصادق – استأنف حواره معي دون معرفةٍ سابقةٍ فيما بيننا.. استوقفتُه متسائلاً: يا صاحبي ليس لأي أحدٍ أن يزحزحك عن النار ويدخلك الجنة إلا الله تعالى، وباب: «الأسماء والأحكام» في مباحث العقيدة من أخطر الأبواب قرباً وتناولاً وما من أحدٍ يتجاسر في خوض هذا الباب (الأسماء والأحكام) فيمنح هذا اسماً شرعياً «الكفر/ الفسق/ الفجور» ويحكم على آخر بمصيره في الآخرة: «جنّةً أو ناراً» دون فقه إلا مَن كان قد ظلم نفسه وأوردها المهالك.!
اندفع ثانيةً وهو يقول: أجل كيف لو كنتَ معنا البارحة في هذا المسجد إذ خرج علينا واعظ «قصّاص» لا يعرفه منّا أحد ولايُرى عليه أثر: «التّورع» فاستأذننا بحديثٍ قالَ إنه لن يتجاوز فيه الخمس دقائق وما منحَنا فرصةً أن نأذن له..!! إذ طفِقَ يتحدّث مبتلعاً «الميكروفون» فامتدت: «مواعظه» ساعةً ويزيد لم نخرج منها إلا بشيءٍ واحد وهو: أنّ من كان في مثل حالتي (أتتن/ وحليق/ ومسبل) ذلك أني لا أخلو من مخالفاتٍ عسى الله أن يغفرها لي.. المهم أنّ من كان على مثلي ما أنا عليه في ذات المسجد هم كثيرون إذ اكتظت بهم جنباتُ المسجد، حيث جاءوا بيت الله حُباً ورغبة فيما عنده من العفو والمغفرة والرحمة التي وسعت كلّ شيء..غير أنّ هذا الواعظ أبى إلا أن يضيّق علينا واسعاً من عفو ربي ورحماته.. وما بين فينةٍ وأخرى كان ينظرُ إلينا الواعظُ شزراً حتى ضاقت علينا أرض – المسجد – بما رحُبت.!
قلتُ له وقد همّ بالانصراف: دعك منه ويكفيك أن تقرأ قوله تعالى: «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير».
وفي تفسيرها ستجد للمحققين من أهل العلم نحواً من هذا القول:
(و «أورثنا» جعلنا وارثين. يقال: ورث، إذا صار إليه مال ميت قريب. ويستعمل بمعنى الكسب عن غير اكتساب ولا عوض، فيكون معناه: جعلناهم آخذين الكتاب منا، أو نجعل الإيراث مستعملا في الأمر بالتلقي، أي أمرنا المسلمين بأن يرثوا القرآن، أي يتلقوه من الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وعلى الاحتمالين ففي الإيراث معنى الإعطاء فيكون فعل «أورثنا» حقيقا بأن ينصب مفعولين..
والمراد بالذين اصطفاهم الله: هم المؤمنون كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) إلى قوله (هو اجتباكم)، وقد اختار الله للإيمان والإسلام أفضل أمة من الناس، وقد رويت أحاديث كثيرة تؤيد هذا المعنى في مسند أحمد بن حنبل وغيره ذكرها ابن كثير في تفسيره.
ولما أريد تعميم البشارة مع بيان أنهم مراتب فيما بشروا به جيء بالتفريع في قوله فمنهم ظالم لنفسه إلى آخره، فهو تفصيل لمراتب المصطفين لتشمل البشارة جميع أصنافهم ولا يظن أن الظالم لنفسه محروم منها، فمناط الاصطفاء هو الإيمان والإسلام وهو الانقياد بالقول والاستسلام.
وقدم في التفصيل ذكر الظالم لنفسه لدفع توهم حرمانه من الجنة وتعجيلا لمسرته.
والفاء في قوله فمنهم ظالم لنفسه إلخ تفصيل لأحوال الذين أورثوا الكتاب أي أعطوا القرآن. وضمير «منهم» الأظهر أنه عائد إلى الذين اصطفينا، وذلك قول الحسن، وعليه فالظالم لنفسه من المصطفين ولذلك يكون قول الحسن جاريا على وفاق ما روي عن عمر وعثمان وابن مسعود وأبي الدرداء وعقبة بن عمرو وما هو مروي عن عائشة وهو الراجح.
فالظالمون لأنفسهم هم الذين يجرون أنفسهم إلى ارتكاب المعصية، فإن معصية المرء ربه ظلم لنفسه لأنه يورطها في العقوبة المعينة للمعاصي على تفصيلها، وذلك ظلم للنفس لأنه اعتداء عليها إذ قصر بها عن شيء من الخيرات قليل أو كثير، وورطها فيما تجد جزاء ذميمها عليه. قال تعالى حكاية عن آدم وحواء حين خالفا ما نهيا عنه من أكل الشجرة قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وقال ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وقال إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم، وقال قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا….) ومن قبل أن أودّعه قلت له: لا تنس قراءة تتمة الآيات إذ جاء في آخرها قوله تعالى: «جنّات عدن يدخلونها» إذ عمّ الله تعالى – منةً منه وفضلا – جميع الأصناف الثلاثة ومنهم: «الظالم لنفسه» بدخولها.
قال القرطبي في «تفسيره»{16/2}:»فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر والسني والمبتدع، مداهنة أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: «فقولا له قولا لينا»، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه، وقال طلحة بن عمر قلت لعطاء: «إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل فيّ حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى: «وقولوا للناس حسنا» فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي؟»
تبقّى من القول: إني أرى: «الوعظ» مقاماً هو أجلّ من أن يكون صفة لهؤلاء إذ هم: «قُصّاص» ليس إلا.. وثمة مقالة قادمة أحرر فيها القول بأنّ: «الوعظ مهنة الأنبياء» عليهم السلام وشرفٌ لمن كان على إثرهم (يعظ) على منهاج النبوّة حيث الرحمة والرفق واللين والحب.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٥٥٤) صفحة (٢٨) بتاريخ (٠٦-٠٣-٢٠١٦)
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..