الاثنين، 18 سبتمبر 2006

'صدق التحليل العقدي'

تعريف: المقصود بالتحليل العقدي: دراسة قضية ما، متعلقة بنشاطات مبرمجة مخططة، سواء كان منطلقها روحي أو مادي، من جانب عقدي، ثم بناء الحكم بالاعتماد على هذه الدراسة.

والمسألة المطروحة للبحث هنا، هي: هل هذه الدراسة صحيحة صادقة، أم كاذبة خادعة ؟.
* * *
أولا - مسائل تحت البحث.
الموقف من التحليل العقدي على أربعة أنواع، كل نوع تمثله فئة:
- الأول: إلغاؤه بالكلية. وهذه طريقة من لا يثق بالتحليل العقدي.
- الثاني: تحجيمه وإضعافه. وهذه طريقة من لا يعطي جانب العقيدة أهمية.
- الثالث: إعماله بعناية. وهذه طريقة من يعتني بالعقيدة.
- الرابع: إعماله بغلو وإفراط. وهذه طريقة من يبالغ في الجانب العقدي، ويهمل غيره.
وكل فئة من هذه الفئات لها طريقة في تعاطي هذه المسألة، يمكن بها الاستدلال عليها.
• فالأولى تتعامل مع الجانب العقدي بكثير - غير قليل - من التهوين والإلغاء. يظهر ذلك في نبزها العقديين ( = الذين يولون العقيدة عناية. ويجعلونها ميزانا) بالتزمت، وأحادية الرأي. وأن الحق هو ما عندهم وحدهم. وأنهم منغلقون، لا يدركون وقائع الحياة، ويقفون عند ظواهر النصوص. مستغرقون في أوهام المؤامرة. يتحملون وزر التفريق بين الأمة، ويخدمون الأهداف الصهيونية.
• والثانية لها التعامل نفسه الذي للأولى، لا يكاد يبدو فرق بينهما في الطريقة، وإنما الفرق: أن هذه الثانية علتها: عدم إدراك أهمية العقيدة، وأثرها في السلوك والحوادث. لعدم العناية بها؛ دراسة، أو تخصصا، أو نظرا وتأملا. أما الأولى فإنها تتخذ موقفها عن كامل إدراك ودراية. فالتشابه بين الطريقتين (= عدم الإدراك، وعدم الثقة) في الأثر كبير، وفي المقاصد والأحكام مختلف:
o إذ الجاهل يقصد الإصلاح، والجهل عذر يعذر به شرعا.
o وأما المرتاب فيقصد الإفساد، والريب إثم كبير.
• والثالثة، فإنها تتعامل مع الجانب العقدي بالعناية، والرعاية، والاستحضار الدائم، لكنها لا تغالي فيه؛ فلا تفسر كل حدث بدافع عقدي أو وحيد، إلا بدليل ثابت، فتستحضره ابتداء للاختبار؛ لترى إن كان له نصيب في صناعة هذا الحدث أو ذاك، فإن كان له نصيب أخذت به، واعتمدته، وجعلته من أدوات التحليل للتوصل إلى الحكم، بقدر ما تعلق به، وإلا فلا.
• والرابعة، تبالغ في نسبة كل حدث ولو عابر، إلى دافع عقدي، أو دافع عقدي وحيد.
والأمر المهم هنا: معرفة أي هذه الفئات، دون غيرها، تتبع منهجا صحيحا معتبرا؛ شرعا، وعقلا. وهي أقرب إلى حسن التعامل مع الوقائع السياسية ؟.
يمكن لنا أن نلتمس الحقيقة من خلال الجواب على الأسئلة التالية:
1- الحق واحد في الدين المنزل عقيدة وشريعة، أم متعدد ؟.
2- هل توجد فئة على الحق وحدها ؟.
3- هل للعقيدة دور في التوجهات ؟.
إن الإجابة على هذه الأسئلة بنعم، سترجح كفة الفئة الثالثة. وإلا فكفة الفئتين الأولى والثانية هي الراجحة؛ لأن الإثبات يدلل على أن العقيدة لها دور معتبر مقدر، وأساس في تفسير وتحليل الأحداث، بعكس النفي فإنه يلغي هذا الدور كليا، أو يحجمه. وسيتضح هذا في التفاصيل القادمة.
وللتوصل إلى النتيجة علينا أن ندرس هذه المسائل الثلاثة، وهذا ما سنفعله بعون الله تعالى:
* * *
1- الحق واحد، أم متعدد؟
من المسلّمات لدى الجميع: اختلاف الناس في عقائدهم إلى مستوى التناقض التام الكامل؛ فهذا يؤمن بإله، آخرون يكفرون به. وهذا يؤمن بمبادئ وعقائد، الآخر يكفر بها.
ولدينا نحن المسلمون اعتقاد جازم، لا يصح إسلامنا من دونه: أن الإسلام هو الدين الحق وحده، وما عداه فباطل. فمن بين كافة الاعتقادات واحدة هي الحق، والنصوص كثيرة مشهورة، مثل قوله تعالى:
- {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
- {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أءسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا ..}.
وهذا ينتج: أن الحق في باب الأديان واحد، لا يتعدد، فهو بين إيمان هو الحق، وكفر هو الباطل.
ولن نعمل على الاستدلال لصحة الإسلام وبطلان ما سواه؛ لأن هذا بحث موجه للمسلمين.
وإذا ما انتقلنا إلى دائرة الإسلام، فدراسة أحوال المسلمين تبين: اختلاف المسلمين فيما بينهم في قضايا جذرية أصلية. فاختلاف أهل السنة مع الشيعة - مثلا - لا يمكن وصفه بالمذهبي الفرعي، وكذا المعتزلة. والمخالف في أمر معروف كهذا، في حاجة إلى الاستزادة من المعارف الأساسية !!.
وفي النصوص شاهد على وقوع الفرقة والاختلاف، كحديث الافتراق، قال صلى الله عليه وسلم:
- (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) .
فإن شكك في صحته — سندا ومتنا - غير المتخصصين في الحديث..!!، فما عساهم أن يقولوا في نصوص أخرى كثيرة صحيحة، تنبئ بوقوع الخلاف في الأمة:
- كقول صلى الله وعليه وسلم: (فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
- ( إني على الحوض أنظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال، فلأقولن: أي رب، مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم) .
وفي مثل هذا الحال من التناقض والتباين في العقائد، فالادعاء: أن كافة الفرق الإسلامية على الحق، وأن الحق في هذه الدائرة متعدد، أمر لا يقبله عقل، ولا يثبته واقع، ولا يصححه خبر الشارع، بل هو تدليس وتضليل في أمر واضح لا يخفى. كلا، بل الحق واحد غير متعدد، كما في النصوص الآنفة: (ما أنا عليه وأصحابي).. (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)..
إنه في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الصحابة.
فهذا ينتج أيضا: أن الحق في هذا الباب واحد، لا يتعدد، فهو بين سنة هي الحق، وبدعة هي الباطل.
والمحصلة: أن الحق في دين واحد هو: الإسلام. وفي اتجاه واحد هو: السنة النبوية وسنة الصحابة.
مع التنبيه إلى: أن الكلام في الحق الواحد، يختص بنطاقين اثنين هما: الإسلام مقابل الكفر. والسنة مقابل البدعة. هنا الحق واحد لا يتعدد، ليس في نطاق السنة مقابل السنة، فالاجتهاد سائغ فيما يحتمله الدليل، وتعدد الحق من جهة العباد ممكن.
فلا يخلطن أحد بين هذا النطاق والنطاقين الآنفين..!!
* * *
2- هل توجد فئة على الحق وحدها ؟.
ثبت أن الحق واحد، غير متعدد، فهل هناك من يحمل هذا، فيبقى به، لا ينقطع حتى يوم الدين؟
بحسب النصوص الآنفة، فإن الذي على الحق هم:
- المسلمون. وهذا في باب الأديان.
- والصحابة رضوان الله عليهم. وهذا في دائرة الإسلام:
o لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليهم في هذا، كما سبق. ولأن الله تعالى أثنى عليهم، ورضي عنهم، وأمر بإتباعهم، فقال:
? {رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار..}.
? {وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها..}.
? {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا..}؛ أي بمثل ما آمن به الصحابة.
ويلحق بالصحابة، فيأتي بعدهم في المرتبة: التابعون، وتابع التابعين. لقوله عليه الصلاة والسلام:
- (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم إن بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) .
والمقتضى العقلي يقرر: أن كون فئة ما على وصف معين، لا يعني ولا يلزم منه اختصاصها به وحدها، كلا، بل كل من حقق شروطه فله الوصف نفسه، إلا إن دل الدليل على الاختصاص.
وعليه: فإنه إذا كان الصحابة على الحق، فإن من قلدهم وسار على هديهم، فلا بد أن يناله هذا الوصف؛ كونه حقق الشروط الذي حققوه، وإن بتفاوت في القدر. وتحقيق الشروط أمر غير محال عقلا، كما أنه لم يثبت اختصاصهم بالحق وحدهم على مر الزمان، بل الحق فيمن بعدهم كذلك.
والمقتضى الشرعي يقرر: أن الله تعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين، الذي أنزله. وذلك لا يكون إلا بوجود فئة تقوم بالحق، وهي عليه إلى يوم الدين؛ إذ جعل الله لكل شيء قدرا وسببا. وإلا فإن الحق يضيع ولا بد، وهذا محال؛ فإن وعد الله تعالى بحفظ الدين لا يختلف.
فالمقتضيان العقلي والشرعي يقرران: وجود فئة متمسكة بالحق دون غيرها، لا يخلو منها زمان.
وجاء النص مؤكدا هذا، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأمر أمر الله، وهم على ذلك) .
فالذي نخرج به من هذا:
- أن للمسلم أن يعتقد أنه على الحق وحده من بين سائر أهل الديانات، وإلا كان شاكا.
- ولمتبع الصحابة أن يعتقد أنه على الحق دون من لم يتبعهم، وإلا اختلطت السنة والبدعة.
* * *


3- هل للعقيدة دور في التوجهات؟
هناك رأي يفيد: بأن كل إنسان هو متدين، يتصرف ويتحرك وفق اعتقاد كامن. وأن التدين غير محصور في العقائد الروحية؛ سماوية (= الإسلام. اليهودية. النصرانية)، أو وضعية (= بوذية. هندوسية. مجوسية)، بل في المادية (= الشيوعية. الرأسمالية. العلمانية. الديمقراطية. الليبرالية.. إلخ)كذلك.
ولإثبات هذا الرأي أو نفيه علينا أن ننظر في: معنى الدين، وتاريخه.
- معنى الدين.
الدين في اللغة هو: الخضوع. وبهذا المعنى فكل إنسان متدين، بغض النظر عن صحة الدين من عدمه. والعلة: حاجته إلى غيره، لعدم استقلاله بقضائه حوائجه. وبهذا فإنه يلجأ إلى من يعتقد فيه القدرة على العون؛ ليقدم له الخضوع، طمعا في التفاته وعونه. فيكون الخضوع في صورة الطاعة المطلقة، والموالاة والمعاداة فيه، والسعي في تحقيق أهدافه، واتخاذ قوانينه ومبادئه أسسا للبناء والانطلاق.
وهكذا لا تجد أحدا، إلا وهو بهذه المثابة، حتى اللاديني الملحد؛ شيوعيا كان أو غير ذلك.. حتى الديمقراطي، والعلماني، والرأسمالي.. كل هؤلاء متدينون بمبادئهم ولمبادئهم؛ لأن معنى التدين (= الخضوع) موجود فيهم، لا ينكر هذا أحد.
- تاريخ الدين.
من جهة التاريخ؛ فإنه لا يعرف أمة في الأرض إلا وهي متدينة. حتى الوثنيات هي متدنية لأوثانها؛ بمعنى خضوعا لقوانينها.
ولقد بدأ تاريخ الإنسان بالتدين بالإسلام، في حالة آدم عليه السلام وبنيه، ثم وقع الشرك في قوم نوح، فانتقلوا من دين التوحيد إلى دين الشرك، وكلها عملية تدينية، اختلف مضمونها، بل إن الذريعة التي انتقلوا بها هي كذلك دينية؛ فإنهم ما أقبلوا على الدين الجديد إلا رجاء القرب من الله تعالى والازدياد من الخير والبركة، كما قال قائلهم:"لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم"؛ عنى: ودا، وسواعا، ويغوث، ويعوق، ونسرا. رجال صالحين كانوا في قوم نوح، صنعوا لهم تماثيل رجاء البركة بالعبادة، ثم عبدوهم من دون الله تعالى. قال ابن جرير:
"عن محمد بن قيس قال:" كانوا قوما صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم. فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر. فعبدوهم"، قال عكرمة: " كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام" .
فالتدين على معنيين: عام، وخاص.
- فأما العام فهو الخضوع لعقيدة ما، سواء كانت روحية (= سماوية، أو وضعية)، أو مادية.
- والخاص هو الخضوع لعقيدة روحية سماوية، أو وضعية.
وبالإضافة إلى ما ذكر آنفا في معنى الدين، وتاريخ التدين، فثمة نصوص تدل على عموم مفهوم التدين وشموله لما هو خارج عن العبادات المحضة والروحانيات، منها:
- قوله تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه..}.
فهذا النص لم يحدد مضمون الهوى؛ أهو دين سماوي، أم وضعي، أم مادي؟
بل أطلق ولم يقيد، فدل على اشتماله على جميع أنواع التدين العام والخاص.
والهوى هو ما تهوى النفس؛ أي تميل إليه، والنفس قد تميل إلى الأمور والعقائد الروحية، وقد تميل إلى المادية. فكل هذه قد تكون آلهة، وكونها آلهة، فإن متخذها هو عبد خاضع لأحكامها وقوانينها، وهذا هو التدين والعبودية؛ لأن الإله هو المعبود. يؤكد هذا النص التالي:
- قوله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار..).
فقد سمى الذي جعل المال غايته، يخضع لقوانين جمعها، وكنزها: عبدا. من العبودية، وهي التدين، فالمال إله عند بعض الناس، يوالون ويعادون فيه، ويحرمون ويحللون من أجله. وإذا أردنا أن نضرب مثلا على هذه العبودية، فإن الرأسمالية أبرز مثال.
* * *
فالحاصل أن الدين - بالمعنى العام - هو المحرك للجميع؛ في تصرفاتهم المرتبة، المخططة، ليست العابرة. فكل نشاط مرتب يراد به الاستقطاب والهيمنة على الآخرين، إنما هو صادر عن عقيدة، سواء كانت: ديمقراطية، أو علمانية، أو شيوعية، أو رأسمالية.. أو يهودية، أو نصرانية، أو مجوسية، أو هندوسية، أو إسلامية؛ سنية، أو شيعية. لأن الإنسان لا يتحرك إلا بعقيدة كامنة، تخطط له أهدافه.
وبهذا يعلم خطأ من يقرر وجود أحد يصدر في خططه المرسومة، واستراتيجياته المحددة، عن غير عقيدة يدين بها خضوعا، تتمثل في إيمانه بها، وسعيه في نشرها، وإزالة كل ما يعوقها. إلا أن يقصد العقيدة والدين بالمعنى الخاص، فنعم. ليس كل أحد يصدر عن عقيدة سماوية، أو ديانة وضعية.
وفي المحصل: فإن من لم يصدر عن عقيدة وتدين خاص، فإنه يصدر عن عقيدة وتدين بالمعنى العام. فلا فرق إذن فالجانب العقدي - بنوعيه - حاضر في جميع هذه النشاطات والتصرفات.


* * *
ثانيا - نتائج وواجبات.
1- نقض الدعوى.
وصلنا إلى النتائج إذن:
- فالحق واحد، هو الإسلام وإتباع السلف، من الصحابة والتابعين ومن تبعهم.
- وثمة فئة متمسكة بهذا الحق، لا يكاد يخلو زمان منهم.
- وكل إنسان إنما يصدر، في تصرفاته المحكمة المخططة، عن تدين واعتقاد عام أو خاص.
وفي ضوء هذه الحقائق فليس من العلمية، ولا المنطقية، ولا المنهجية النبز والاستخفاف والقول: إن هؤلاء يحتكرون الحقيقة، ويظنون أنهم على الحق وحدهم.
فمثل هذا لا يصدر إلا ممن يجهل المسلمات الآنفة، أو يشكك فيها. إنما العلم، والمنطق، والمنهج أن يعرضوا على الميزان، وهم السلف؛ لإثبات إن كانوا على مثل مذهبهم، أم لا؟؟.
- فإما أن يكونوا متبعين للسلف، فليس بمقدور أحد أن يخرجهم مما هم فيه.
- أو لا يكونوا كذلك، فما أسهل فضحهم وإسقاطهم.
فليس لمن ينكرون على فئة دعواها: أنها على الحق وحدها. طريق لنقض دعواها، سوى إثبات مخالفتها للصحابة، وبذلك يهدمون أساس الدعوى، ولا طريق لهم غير هذا.
والكون على الحق، تلك مزية غير لازمة، بل كما قال تعالى: { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون * أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين}.
فمن وفى بالشروط وعمل وبقي بها؛ وذلك باتخاذ منهج الصحابة وطريقتهم، والأخذ بأقوالهم (= إجماعهم، أو جمهورهم) في تفسير النصوص، فهو على الحق. والحق لا يحابي، فمن أخل اختل وخرج عن دائرة الحق، ودخل مكانه من وفّى لاحقا، واستدرك ما فاته.
فالباب مفتوح بشروطه للداخل والخارج. لا عنصرية، ولا غيتو، ولا طائر العنقاء، فلا احتكار إذن.
* * *
2- الواجب الإلهي.
إذا ثبت أن فئة واحدة هي على الحق، فإن من أوجب الواجبات الإلهية في حقها، أن تحفظ هذا الحق من الضياع، مع كثرة المتربصين، والله تعالى سيسألها عنه، قال تعالى:
- {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم}.
- {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}.
فهذه النصوص دلالتها واضحة على فئة عرفت الحق، أنها إن لم تبلغه وتبينه، فإن لها اللعنة والعذاب.
سيعود من يقول: فأين الدليل على هذا الادعاء: أن هذه الفئة على الحق. من يحدد ذلك ؟.
سنعود ونقول: الميزان.. الميزان.. إنه متاح لكل إنسان. يعرضون على منهج الصحابة، ثم التابعين، ثم من تبعهم، فإن حققوه فهم على الحق، وإلا فلا، كأي شرط لفضل، من حققه ناله، وإلا فلا.
فهذا كلام لمن آمن بالميزان، أما من لم يؤمن به فهذا له شأن آخر، وكلام في مقام آخر.
فهذا من جهة أن فئة ما تملك الحقيقة.
أما عن استعمال هذا الفئة للحق الذي بين يديها؛ أداة في تحليل مواقف وتصرفات الآخرين؛ المخالفين في الملة أو في السنة، فيقال فيه:
* * *
3- صدق التحليل العقدي.
إذا ثبت لدينا: أن الفئات المختلفة تنطلق في مواقفها الإستراتيجية الحاسمة، من مواقف عقدية فكرية؛ روحية كانت (= ديانات)، أم مادية (مذاهب، وفلسفات).
وثبت: أن فئة ما وحدها على الحق، في الإسلام مقابل الكفر، والسنة مقابل البدعة.
ثم جاءت النصوص تحذر من الكافرين (= كتابي، وصاحب ديانة وضعية، مادي)، لتقول:
- {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}.
وهي نصوص عامة لكل زمان ومكان، فالمعتقدات كما هي لم تتغير، فكيف تتغير المواقف ؟.
كما جاء في النصوص التحذير من البدع والمبتدعة، وقد تقدمت. فلدينا إذن:
- حق ثابت، وفئة على الحق ثابتة.
- وباطل بيّن، وفئة على الباطل، تعمل على تزييف الحق، وصرف الناس عنه.
في مثل هذا الحال، الذي لا يمكن أن ينكره إلا فاقد العلم بالشرع والواقع، أو مريد للفتنة والإضلال: هل يلام على المتبع للسلف، الذي يعتقد أنه على الحق، وله ما يبرر اعتقاده هذا، وزاده يقينا أن أحدا لم يقدر على نقض اعتقاده هذا؛ بإسقاط دعوى الانتساب للسلف.
هل يلام على تحليله لمواقف هؤلاء المخالفين، ونشاطاتهم الموجهة المرتبة، الإستراتيجية لا العابرة:
- من منظور عقدي، ولو بالمعنى العام؟
- وعلى قياس المواقف بعضها على بعض، إذا اتحد المعتقد والهدف؟
كلا، لا يلام، فإن الملامة تعني هدم كافة الأسس العقلية، والشرعية، والمنهجية المقررة آنفا؛ إذ يعني:
- أنه ليس ثمة حق متميز، يمكن التزامه، ولا توجد فئة ملتزمة بالحق تعمل في حفظه ونشره.!!
- وأنه ليس ثمة باطل، وأصحاب باطل يعملون في نشره، وكبت الحق..!!
بل الواجب عليه: معرفة الخلفيات العقدية لهؤلاء؛ ليكون أقرب إلى الإصابة في التحليل والحكم.
ومن الخطأ الفادح، والتوريط الحقيقي: الحكم على الحدث بمجرده؛ بقطعه عن خلفياته، وأشباهه ونظائره. فهذا غير مقبول في عرف المخططين، والمدركين علاقة الأشياء ببعضها، إلا إن كان الحدث صادرا من مجنون، كل أفعاله مستقلة، لا رابطة بينها، أو كان عابرا مقطوعا، ليس نتاج تخطيط.
إن من ينازع في صدق هذا التحليل العقدي، فهو:
- إما مكذب بوجود الحق الواحد، فيزعم تعدد الحق المعنى الذي تم إبطاله سابقا!!
- وإما أن يكذب بوجود فئة متمسكة بالحق، متميزة به.!!.
- أو يكذب بوجود الباطل، أو بوجود من يعمل على تزييف الحقيقة.!!.
* * *
4- من يغالي؟
نعم، هنالك من يغالي في التحليل العقدي:
- فيفسر كل ما يصدر من مخالف للدين أو السنة، أنه بخلفية عقدية، حتى تلك الحوادث الفردية المجردة، العابرة، التي لا يظهر فيها التخطيط جليا، أو لا يظهر فيها أثر لمخطط ديني خاص.
- ويجعل من كل مخالف كافرا محاربا، أو كل واقع في بدعة مبتدعا. ويبني على ذلك التسوية في الأحكام بين المحارب وغير المحارب، والواقع في البدعة والمبتدع.
- ويجعل أتباع الفرقة الواحدة سواء في البدعة، وأتباع الملة الواحدة سواء في الكفر والعداوة.
ووفق منهج التسوية هذه، فإنه يحلل تصرفات ونشاطات جميع هؤلاء من منظور عقدي موحد، تحليلا لا يراعي فيه المراتب والفروق، ولا بين التدين العام، والتدين الخاص.
وهذا كله غلو في التحليل، يقع فيه من أخذ جانبا من الحق، وغفل عن جانب.
وليس منشأ هذا الغلو: ظن هذا أو غيره أنه على الحق وحده. كلا.. بدليل: أن معه أناسا على ذات المنهج في أتباع السلف، وليس عندهم هذا الغلو، كما أن في غيرهم أناسا فيهم هذا الغلو نفسه، وهم غير منتمين إلى أتباع السلف.
إنما منشؤه الضعف في إدراك تفاصيل مهمة في تحديد المخالفين، وأنواعهم، ومراتبهم، وقلة العلم بأحوالهم، وعلومهم، وكيفية التعامل معهم ؟.
فالأصول لا تهدم لأجل غلو في التعاطي بها، إنما يهدم الغلو وحده، ويكون الهدم مقننا مخططا له بدقة، حتى لا يتعدى على الصالح والثابت. وطريقة ذلك أن يأتي إلى خلايا الغلو فينقضها بمهارة، كمهارة الطبيب حينما يقص الخلايا السرطانية وحدها، ويبقي ما حولها. ويكون ذلك بتحديد نوع الغلو، ثم الكر عليه بالقص والاستبعاد. أما استعمال مقص كبير، لا يعرف إلا قص الأجزاء الكبيرة، فإنه سيأخذ معه كل شيء؛ يأخذ الغلو ومعه الأصول والأسس المهمة.
هذا بالضبط ما يحدث إذا صار عنوان الطبيب، المعالج للغلو في التحليلات العقدية، هو قوله: "خدعة التحليل العقدي"، فهذا مقص كبير، وعنوان عام، شامل لكل تحليل عقدي، أو لغالبها..!!.
ولن تفيد الاعتذارات: بأن القصد بعض التحليلات، وليس إلغاء التحليل العقدي بالكلية.
فالكلمة هي التي تحكم وتحدد مضمون المقروء عند القارئ، وليست النيات، وبالإمكان استعمال الكلمة المناسبة، المحددة للمعنى بدقة، كأن يقال:
- "خدعة بعض التحليلات العقدية".
- "خدعة تحليلات عقدية".
- " خطأ المبالغة في التحليل العقدي".
ونحوها، فهذا الأسلوب فيه قصر، وتخصيص، وتقييد، وبه ينتفي التعميم.
كذلك سيكون المقص كبيرا، إذا صار المقال المنتقد للتحليل العقدي يساوي في الأوصاف بين الملتزم للحق، وهو المسلم السني، والذي ضده كالشيعي، وكذا الخارج عن الملة مثل الشيوعي، والنازي. ليجعل من الجميع صورة واحدة في أسلوب التمسك الاعتقاد، وطريقة التعاطي مع الأحداث..!!.
فهل يستوي هؤلاء، ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم في الأسلوب، دع عنك التمسك ؟!.
من أراد علاج ظاهرة خاطئة، في بيئة صالحة، فعليه أن يعظم ويبرز جانب الصلاح، ويشيد به، ثم يأتي بعد للظاهرة، للمعالجة بقدرها، أما فعل العكس، فذلك فيه هضم وجناية، يوهم القارئ أنه لا جانب إلا هذه الظاهرة السيئة السلبية.. وهو فعل لا يجوز بحال ..!!.
فهذا طريق لنقض الأسس والأصول، حتى لو كان القصد نقيا، فالانطباع الذي يخرج به من يقرأ مقالة، في عنوانها تعميم وشمول على خطأ التحليل العقدي. وفي مضمونها وصف العقدي بالأوصاف الناقصة، مثل: القصور، وقصر النظر، والتزمت، وأن معرفته تافهة، يأنس لرؤيته أولئك المحدودون؛ الذين لا يتحملون تعدد مجالات الرؤية.. إلخ، وتشبيهه بالشيوعي والنازي: يورث انطباعا لدى القارئ، فيه كثير من التوجس والحذر من أي تحليل عقدي، والبعد عنه قدر الإمكان، أو إقصاؤه بالكلية، حتى يسلم من هذه الأوصاف غير الحميدة.
والسبيل الصحيح: أن يكون المقال على صورة تطبع في نفس القارئ:
- تعظيم جانب العقيدة والتحليل القائم على العقيدة، لغرض الحفاظ على الدين، وحفظ الأجيال من الانحراف العقدي.
- وفي الوقت ذاته يدرك أن التحليل له حدود وضوابط، وليس وسوسة ووهما وتجنيا، كمن يفسر كل خطين متقاطعين في أي مكان، بأنها مؤامرة صليبية لنشر الصليب، وقد يكون هذا التقاطع ضروريا لخدمة أو إشارة، ونحو ذلك.
فالتوازن مهم، وكل شيء يعطى قدره، فالأسس تعطى قدرها حفظا، والغلو يعطي قدره من العلاج.
فهناك من يجعل التحليل العقدي في كل موقف ونشاط صادر من المخالف، وهناك من يقصيه من كل ذلك. ثم يعود هذا أو هذا يستدرك فيقول: لم أقصد التعميم.
لكن بعد أن طار الناس بكلامه، وفهموه وفق ألفاظه. فأنى يفيد الاستدراك حينئذ ؟!.
فلتكن العبارات منضبطة، والألفاظ محددة، واللغة من سعتها خادمة لكل راغب، ولم تعجز يوما عن تحقيق مراد طالب. حتى لا تكون فتنة في الجانبين: إما وسوسة وتجنيا، وإما تهوينا وإضعافا لجانب العقيدة. فكم من فتنة تحصل، وأصحابها ما أرادوا إلا خيرا، وكم من مريد للخير لم يبلغه ؟!.
* * *
5- الجانب العقدي عامل وحيد، أم عليه المدار؟.
هنا سؤالان:
الأول: ما المقصود بالجانب العقدي؛ أهو العام أم الخاص ؟.
والثاني: ما أثر هذا السؤال ؟.
فأما عن الأول، فقد مر معنا سابقا: أن التدين منه العام، ومنه الخاص.
فإن قصد العام، فإن الجانب العقدي عامل وحيد في التحليلات؛ إذ لا يوجد غيره مفسرا لنشاطات البشر، المرتبة المخططة، التي يراد منها الاستقطاب والهيمنة، فكلها تنطلق من منطلقات عقدية..
- فهذه الذي قصده التبشير، أو الذي قصده احتلال الأرض المقدسة، أو الذي قصده تبليغ الإسلام.. كل هؤلاء منطلقاتهم عقدية.
- وهكذا غيرهم من أهل الديانات الوضعية، فإن نشاطاتهم كذلك منطلقاتها عقدية.
- ومثل هذا أصحاب العقائد المادية، من: شيوعية، وعلمانية، وليبرالية، ورأسمالية، واستعمارية، فإنهم ينطلقون من منطلقات عقدية مادية، ونشاطاتهم تحت هذه العقائد أمر واقع.
وحينئذ فالمطلوب تفسير تحركاتهم في هذا المضمار من جانب عقدي، وإلا كان التحليل خاطئا.
أما إن قصد المعنى الخاص؛ أي العقيدة المختصة بالديانات، فكلا، ليس هو العامل الوحيد، ولا المفسر الوحيد للأحداث؛ فالنصراني مثلا عندما يقوم بنشاط مرتب مبرمج، فليس بالضرورة أن يكون برؤية وهدف عقدي، مرتبط بالتبشير أو فرض النصرانية، بل قد يكون الغرض استعماريا، أو اقتصاديا.
وقد تندمج الرؤيتان والهدفان، فيكون التحرك والنشاط بغرض ديني، وكذلك مادي. هذا يستتر بهذا، أو هذا يستتر بهذا. فكل هذا معقول وممكن وحاصل. والسؤال هنا:
- هل العامل العقدي الخاص، في هذه الحالة، سيكون رئيسا عليه المدار، أم ثانويا ؟.
وجواب هذا: إن ذلك يكون بمقدار تدين أصحاب تلك النشاطات:
- فإن كان التدين عليهم أغلب، فالعامل العقدي هو الرئيس وعليه المدار، كاحتلال اليهود لفلسطين، فإنه مبني على قراءات توراتيته، ونبؤات إنجيلية، على الأقل هذا هو الظاهر.
- وإن كانت الناحية المادية هي الغالبة، فالعقدي ثانوي، كاحتلال الدول الأوربية لبلدان كثيرة في العالم، فإن مبني على أهداف استعمارية، اقتصادية بالدرجة الأولى، استعمل فيه الدين غطاء لتحريك الشعوب الأوربية، لتنخرط في العملية.
والسؤال المهم هنا، كما ورد سابقا: ما أثر هذا التساؤل ؟.
لو كان العامل العقدي ثانوي، فكان ماذا ؟.. ولو كان رئيسا وعليه المدار، فأي شيء كان ؟.
لو فرضنا أن حرب الولايات المتحدة الأمريكية للمسلمين في العراق، وأفغانستان، وفلسطين، ولبنان هدفه عقدي ديني، تبشيري، إنجيلي، توراتي؛ لطمس الإسلام. فهل موقف المسلمين سيختلف، فيما لو أنها غدت حربا لأجل نهب الثروات، وفرض التخلف على الأمة، والتحكم بمصيرها، مع إبقاء دينها؟.
ولو فرضنا أن سعي إيران لامتلاك النووي، وبسط سلطانها على: العراق، وسوريا، ولبنان. ونشر التشيع في: مصر، واليمن.. إلخ.. هدفه عقيدة طائفية، توسعية لرقعة التشيع. فهل موقف السنة سيختلف لو أنه كان نشاطا من أجل هيمنة اقتصادية وسياسية على المنطقة ؟.
ففي الأولى العامل العقدي رئيس وعليه المدار، وفي الثانية ثانوي.. لكن الأثر فيهما واحد. اختلف الطريق والنتيجة واحدة أو متقاربة، ففي كلها هناك انتهاك للحقوق، وتسلط، وعدوان، سواء كان بهدف عقدي أو بدونه.
فإن كان المقصود بهذا التفريق تحقيق مسألة البراء. فإن البراء ليس مبناه على مجرد النشاط الصادر من هؤلاء، والخلفية المحركة، إنما مبناه على التعدي والعدوان، فبأي سبب تعدى أحد على المسلمين، فهو باغ، تجب البراءة منه، كما قال تعالى:
- {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}.
وفي المحصلة ليس ثمة فرق بين كون العامل العقدي رئيس أم ثانوي، ما دامت النتيجة واحدة.
فإن اختلفت النتائج فثمة فرق.

2006-9-18 | د. لطف الله خوجة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..