عبارة (طير شلوى) لا نستطيع أن نقول عنها بأنها مثل من الأمثال الشعبية، وإن كانت أقرب ما يكون منه، وهي إلى
الاستعارة أو التشبيه أقرب، فمن يسمعها لأول مرة لا يستطيع فهمها، والمثل عادة يكون مفهوماً من تركيبه حتى لمن لم يكن لديه خلفية مسبقة عنه كما نقول: عريان ولافي على مفصخ، أو لابسة خلاخل والبلا من داخلفهذه تتضح من تراكيبها كجملة لها معنى يتضح كلما تعمقنا في فهمها.
ولقد تعارفنا على أن عبارة ( طير شلوى ) تعني المدح، وأنه تشبيه الممدوح بالمشبه به وهو طير شلوى، فمن كان يعرف ذلك مسبقاً سيشعر بأنه قد تم تقديره من خلال هذا التشبيه، كما نقول فلان: أسد، نريد الشجاعة، أو أنت حاتم ونريد الكرم، أو هو جمل ،ونعني الصبر والتحمل والقدرة على القيام بما يعجز عنه غيره، فهو صاحب المهمات الصعبة.
ويكثر عندنا استعمال طير شلوى ولا يهمنا من هو هذا الطير ولا شلوى التي نسب إليها، لكنه بلا شك مميزاً ومتميزاً بفعل جعله يثنى عليه ويخلده التاريخ، ويشبه الممدوح به، ولا نفكر في فعله بقدر ما نطمئن إلى أن المعنى مدح لا ريب فيه ولا شك، فنحن نستطيع الحصول على هذا اللقب من خلال تقديم عمل طيب و فيه جرأة وسرعة وشجاعة وإقدام وأنفة وحمية وتمام.
والساحة اليوم تلاقت في معلوماتها ورواياتها وتقاربت في نقل كل ما يدور وكل أسبابه ، سواء كانت لدينا قناعة بالروايات أو ليس لدينا تلك القناعة فالمهم أن الساحة الثقافية اليوم تجعل لكل حدث وحديث قصة وربما يتخلل القصص بعض الخلل أو الشك والزلل أو المبالغة.
وقصة طير شلوى مثل هذه القصص، فهي تنسب ل ( شلوى ) امرأة بهذا الاسم مات ولدها وزوجته، وخلفوا ثلاثة أولاد صغار السن ما بين رضيع وآخرين جاوزوا سن الفطام بسنة، وهم بهذا أعجز من أن يكسبوا رزقاً كذلك جدتهم لأبيهم شلوى المذكورة، لكنها كفلتهم لعدم وجود غيرها قرابة للأطفال الثلاثة [ شويش، عدامة، هيشان ] أبناء العجرش. وكانت تعيش في ضيافة الشيخ الجربا، وهو كما هو معروف صاحب قوة وقدرة وهيمنة وسيطرة، وكانت المرأة تطلب الرزق لأطفال ولدها، وتسميهم طويرات لصغرهم وللشفقة عليهم ولرحمتها بهم، وكانوا يسمونهم من خلال قولها: طيور شلوى نسبة لجدتهم، وكان الشيخ يكرمهم أيما إكرام وقد أسكنهم بجوار بيته ليكونوا تحت نظره من حيث معيشتهم.
وبعد أن كبروا وحملوا السلاح وصار لهم مواقف فروسية وشجاعة، بدأت قصة تربعهم على قمة الشهرة والسيادة.
أما الحدث الذي أبرز أحدهم وهو: شويش وإن كان يشابهه أخواه في الإقدام إلا أنه صاحب المبادرة في مواجهة الأتراك وهو الحدث المميز، فالأتراك الذين تتمركز قواتهم في شمال العراق والشام وبمقربة من شمر والشيخ الجربا امتدوا ناحية الجربا مبدين العداء بأخذ ضريبة أو ما يسمى ( ودي ) وهو مال يقصد من ورائه عادة جس نبض قوتهم وربما الإهانة ، ولكن من المستحيل أن يخضع الشيخ الجربا وقبيلته وعدته وعتاده لذلك وبانت فيه الرغبة في رد الاعتبار لهذا الطلب ، فكان شويش أول المبادرين بالإقدام لصد الأتراك ، وسمى نفسه طير شلوى لعلها ( نخوة ) أو ( عزوة ) فوافق فعله قوله وسطا في الأتراك معززا بالبقية.
وإذا كانت بعض الروايات تقول أنه دفع لهم مرتين وطلبوا ما يمس أعراضهم فهذا لا يتوافق مع التاريخ لقبيلة شمر، ولا ينطبق على قوة الشيخ الجربا، فهو لم يكن يوماً من الأيام في ضعف يوصل الأتراك إلى الجرأة والتمادي، ولعلها مبالغات من الرواة، إذ لا يسانده شيء من التاريخ أو الأحداث والعكس صحيح.
والمهم في الأمر أن المبادرة الشجاعة كانت من طير شلوى ( شويش ) وهزم الأتراك هزيمة منكرة.
ومن بعد ذلك صار طير شلوى صفة مدح، كما هو هداج تيماء وهي البئر غزيرة الماء صفة من صفات الكرم والجود.
يقول الشاعر:
يا طير شلوى جعل الأنذال تفداك
ولا تستعين بفاعلين الردية
لافعلهم فعلك ولاهم بشرواك
وعلى الرفيق يدورون الخطية
قال القصيدة هذا الشاعر في مدح عزيز عليه بعد فقده فهو يمدحه ويثني عليه ويجعله شبيها لطير شلوى في أفعاله الطيبة.
كتبه :
ناصر الحميضي
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..