الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

أفول شمس (أربعون عاما في صحبة والدتي)

ث-رمض-1429 12:02 PM
إهـــــــداء
أهدي هذا الكتاب إلى هؤلاء كلهم:
إلى والدتي: صاحبة القلب الرحيم ..
العطوفة الحبيبة .. الغالية الرحيمة .. الباذلة الكريمة
الرقيقة العفيفة .. الرفيقة الشريفة
من صبرت لأنام، وجاعت لآكل،وتعبت لأرتاح، وملأت عليّ
الدنيا من كل الوجوه.
أسكنها الله الفردوس الأعلى من الجنة ووالديها وذرياتها آمين.
وإلى: كل من فقد أمه إسهاماً في تخفيف مصابه، ومواساةً له في فقد أغلى الناس عنده، وتصبيراً له لينال أجر الصابرين.
وإلى : أخوالي صالح، وعبد الله، وإبراهيم،وخالتي أم راشد، وأبنائهم، وبناتهم، وأحفادهم جميعاً.
وإلى: أبناء خالتي قبيلة سعود بن سليمان الطيار،وأخته أم أحمد وأبنائهم وبناتهم.
وإلى: إخواني سعود ومزعل وعبدالرحمن وجبر، وأخواتي أم سعود وأم ناصر وأبنائهم وبناتهم جميعاً.
وإلى: أبنائي محمد وأسامة وأيوب وأنس وبناتي جميعاً.
وإلى: أبناء أخي عبد العزيز: محمد وطارق وحسان وأحمد ومعتصم وأخواتهم.
وإلى: أبناء أخي علي: محمد وعبد المحسن وأخواتهم جميعاً.
وإلى: كل قريب لوالدتي الغالية.
وإلى: كل من يحبها وتحبه من رجل وامرأة في جميع مناطق المملكة العربية السعودية وخارجها أهدي هذا الكتاب، عنوان محبة ووفاء، ورمز مودة وإخاء، ورجاء دعوة صالحة في ظهر الغيب لي ولوالدي وإخواني وذرياتهم جميعاً.

شكر ودعاء

قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)(رواه الترمذي)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)(رواه أبو داود).
اللهم إني أشهدك أن والدتي صنعت إليَّ معروفاً لا أستطيع أن أكافئها عليه، وأشهدك أن إخوتي سعوداً وعلياً وعبد العزيز صنعوا إليَّ معروفاً لا أستطيع أن أجازيهم عليه حيث وجهتني والدتي وساعدها إخوتي للعلم وفرغوني له، وساعدوني بكل وسيلة، وأراحوني مادياً ومعنوياً، وهيأوا لي الجو خلال أكثر من عشر سنوات وأنا في العقد الثالث من عمري.
وإني بهذه المناسبة أرفع أكف الضراعة سائلاً الله تعالى أن يغفر لهم، وأن يحفظ الحي منهم، وأن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يلطف بالميت وأن يعلي منزلته وأن يجعله في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجمعني بهم ووالدي وإخواني وذرياتنا والمسلمين في جنات النعيم اللهم آمين.
كما لا أنسى أن أشكر ابني البارّ محمداً الذي كان يتابع معي هذه الخواطر حتى رأت النور، وتولى طباعتها وإخراجها بمساعدة أخيه أسامة، زادهما الله براً وتوفيقاً وهدىً وصلاحاً، وجعلهما وإخوانهما وأخواتهما مباركين أينما كانوا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.


آياتٌ من كتاب الله


قال الله تعالى:[وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً *وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً*رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً]( الإسراء:23_25).
وقال تعالى : [رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ](إبراهيم:41).

من مشكاة النبوة


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاء يسأله: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)،قال: ثم من؟ قال: (أبوك)(رواه البخاري ومسلم).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: (أي العمل أفضل؟ قال: (الصلاة على وقتها)، قلت: ثم أي ؟ قال: (بر الوالدين)، قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)، حدثني بهن ولو استزدته لزادني)(رواه البخاري ومسلم).
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أجاهد؟ قال: (لك أبوان؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد)(رواه البخاري ومسلم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة)(رواه مسلم).

أقوال مأثورة

* قال ابن عمر _ رضي الله عنهما _ لرجل: (أتفر من النار وتحب أن تدخل الجنة؟ قال: إي والله، قال: أحيٌّ والداك؟ قال: عندي أمي، قال ابن عمر: فوالله لو ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلنّ الجنة ما اجتنبت الكبائر).
* قال الحسن البصري رحمه الله: (حق الوالد أعظم، وبر الوالدة ألزم).
* جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن لي أماً بلغ بها الكبر وإنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها وأوضئها وأصرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري وحبست نفسي عليها؟ قال: إنها كانت تصنع ذلك بك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنع ذلك وتتمنى فراقها).

أبيات من الشعر

قال الشاعر:
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً
* * تعل بما أجني عليك وتنهل

إذا ليلة نابتك بالشجو لم أبت
* * لشكواك إلا ساهراً أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي
* * طُرقت به دوني فعيني تهمل

تخاف الردى نفسي عليك وإنني
* * لأعلم أن الموت حتم مؤجل

وقال الآخر:
لأمك حق لو علمت كثير
* * كثيرك يا هذا لديه يسير

فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي
* * لها من جواها أنة وزفير

وفي الوضع لو تدري عليها مشقة
* * فمن غصص منها الفؤاد يطير

وكم غسلت عنك الأذى بيمينها
* * وما حجرها إلا لديك سرير

وتفديك مما تشتكيه بنفسها
* * ومن ثديها شرب لديك نمير

وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها
* * حناناً وإشفاقاً وأنت صغير

فآهٍ لذي عقل ويتِّبع الهوى
* * وآهٍ لأعمى القلب وهو بصير

فدونك فارغب في عميم دعائها
* * فأنت لما تدعو إليه فقير

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
تتحرك المشاعر وتختلط الأحاسيس ويبقى حنان الوالدين، وحبهما لا يدانيه حب، وعطفهما لا يدانيه عطف، ومتى فقدهما الأولاد أو فقدوا أحدهما وحلت المصيبة امتزجت الدموع وخيم الهم وأصبح الكرب يؤرق الولد، يتذكرهما في كل بقعة وكل زاوية من البيت.
يتذكر تلك الجلسات واللقاءات، يتذكر متعة الحديث ولذة اللقاء لكنه لا يملك حيال ذلك شيئاً.
يتذكر الضحكات والكلمات ومجاذبة أطراف الحديث، يتذكر ذلك النور في البيت وذلك الأنس وتلك البركة، فلا يشعر بِهمٍّ ولا غمٍّ ولا سأم ولا ملل، كلما أرهقته الدنيا واكتحلت عيناه برؤية والديه أو أحدهما نسي كل شيء وذهب عنه كل شيء.
الوالدان جنة الدنيا ومتعتها وسعادة الحياة وبهجتها، كم يعظم الخير وتكثر روافده ما داما في البيت يرفعان الصوت بالتسبيح والتهليل والحمد والدعاء.
فكم يخنس الشيطان ويخسأ وهما يوثقان الصلة بالخالق العظيم، وكم يندحر الشيطان وتسد أمامه الأبواب وهما يعالجان أحوال الأولاد ويسعيان باستصلاحهم بكل وسيلة.
إنهما الوالدان النعمة المسداة، فهل نعرف شكر هذه النعمة ونسعى لتحقيق هذا الشكر بكل ما يتاح لنا من وسيلة؟
أجل إن وقع المصائب عظيم، ولاسيما إذا كانت المصيبة موت أغلى الناس وأبرهم وأكرمهم وأكثرهم حقاً على المرء.
عشت مع أمي أعراض مرضها ثم لازمتها في شهرها الذي توفيت فيه، ثم انتقلت معها في الإسعاف إلى الرياض ولحقنا الأخ جبر بسيارته، وبدأت أفكر في الصبر على الفراق ولم أستعد لذلك اليوم ولكن [إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] (الزمر:10).
لوعة المحزون وأنات المكروب،وهمهمات المكلوم تعبير بليغ عن حجم الهم والمعاناة.
كم كانت نعم الله عليَّ عظيمة، لقد عشت بجوارها وفي كنفها بل وأتصبح وأتمسى بالنظر إلى وجهها البهي _ نضَّر الله وجهها في الجنة _ عشت عقوداً أربعة أستمع إليها وأجلس معها في الصباح والمساء وأكرمني الله خلال أكثر من عقدين مضيا بأن آكل معها يومياً أنا وإخوتي من إناء واحد بِرّاً بها ووفاءً بشيء من حقها علينا.
ولم أكن وحدي في الميدان بل كان إخوتي كلهم يتنافسون في برِّها ويتسابقون في كسب رضاها، وكثيراً ما يخفي الواحد منهم عمله لئلا يطلع عليه غيره خوفاً من المنافسة، بل قرّت عينيَّ في العقد الأخير من عمرها بتنافس أولادنا على برِّها وكسب رضاها ومتابعة حاجاتها الخاصة التي قد تفصح بها لأبنائنا أكثر منا.
لكن فجأة مضت وتجرعنا آلام البعد والفراق في لحظة كانت أصعب موقف مرَّ عليَّ في حياتي، لكنه التثبيت من الله الحكيم العليم.
لا زلت أذكر كلمة لأخي _ عبد الرحمن _ ونحن في استراحة ونحن من حولها ومعنا أولادنا فقال: كيف سنصبر على فراقها؟ ثم دمعت عينه وغيره ممن سمع كلامه ولم أكن حريصاً على تصور ذلك الموقف لخطورته ولكنّ قدر الله نافذ.
وتذكرت كذلك جلسة مع أخي وحبيب قلبي الشيخ سليمان
الحربي وقد تحدثنا حول البرّ وصعوبة فراق الوالدة وهل يمكن أن
يتحمله الشخص؟ فقلت له: الأمر عظيم، لكن نسأل الله الثبات.
كل ذلك تذكرته حينما وافاها الأجل ولو كان العمر يعطى لأعطيتها _ والذي فطر السماء والأرض _ عمري كله.
فلو كان يفدى بالنفوس وما غلى
* * لطبنا نفوساً بالذي كان يطلب

ولكن إذا تم المدى نفذ القضا
* * وما لامرئ عما قضى الله مهرب

أخي القارئ _ أختي القارئة _ هل لكم أمٌ على قيد الحياة؟ إن كان الجواب بنعم فأسألكم بالله أن تبرُّوا أمهاتكم ما دام في العمر إمكان؛ فالعز والشرف، والتوفيق والسعادة، واللذة والحياة الكريمة، والمجد والسؤدد في برها والقيام بحقها.
ألم تروا رجلاً باراً كيف حياته؟ كيف تتسهل أموره وتنفتح له أبواب الخيرات وتندفع عنه أبواب الشر؟ يأتيه الخير من حيث لا يحتسب، ويندفع عنه الشر من غير بذل سبب.
وبالمقابل ألم تروا رجلاً عاقاً تضيق عليه الدنيا حتى تصبح أضيق عليه من جب الإبرة؟.
نعم أربعة عقود عشتها مع والدتي في بيت واحد، وإكراماً لها تركت الكثير وتنازلت عن الكثير وتحملت ما لا يعلمه إلا الله، وأسيئ بيَ الظن لمَّا تركت المنصب في وزارة الشؤون الإسلامية ولكن لا يعلم عن ظروفي وأحوالي بعد الله إلا والدتي التي تركت من أجلها أعز الأشياء وأغلاها في الحياة.
ولكن مهما كان التكليف منها فهو أشهى وألذ من الماء البارد للعطشان في الصيف الحار، والطعام اللذيذ للجائع في ليل الشتاء القارس.
هذه _ العقود الأربعة _ أذكر أحداثها وكأنني أرى معظمها الآن رأي العين، ولعل أول حدث عشته مع أمي وأنا أعيه جيداً (جرح أصبعي) البنصر من اليد اليمنى ولا يزال أثره إلى اليوم، حيث سقطت عليه حجارة كبيرة قدته نصفين ولم يبق إلا العصب فأرسلتني والدتي على الفور إلى الجيران _ وكان الجوار في السابق له نكهة خاصة من حيث الاجتماع والمحبة والتعاون وتبادل الطعام وغير ذلك _ وبيت الجيران فيه امرأة صالحة كانت لي مثل أمي، حيث كنت كثيراً ما أجلس عندهم لأقضي الوقت مع أولادها _ هذه المرأة هي أم عبدالمحسن بن حمود النافع _ متعها الله وزوجها بالصحة والعافية ورزقهما بر أولادهما حيث بادرت على الفور بعلاج الجرح، وكان مما وضعته عليه _ الكحل _ الذي لا يزال أثره إلى اليوم، وربطت أصبعي وأعطتني شيئاً طيب خاطري ومسحت دمعتي وأرسلتني لوالدتي التي أعلنت حالة الطوارئ ومنعتني من
الخروج من المنزل _ خوفاً عليَّ _ من الالتهابات _ الشمم _.
أخي القارئ: هذه خواطر قيدت أصولها في أوقات متفاوتة وتحت إلحاح الإخوة والأبناء من ذرية أم سعود _ رحمها الله _ عزمت على إعادة صياغتها وإخراجها لعلها تكون معينة للقاصرين المقصرين في البرّ، ومبشرة للسابقين المتسابقين في البرّ، ومن لطف الله بي ورحمته أن غالب هذه الأوراق قيدتها في مكة _ شرفها الله _ وأنا أمام الكعبة، إذ لم أحتج إطلاقاً لمراجع بل كنت أسجل ما يفتح الله به عليَّ مما تسعف به الذاكرة، وقد حرصت كل الحرص أن تكون بأسلوب سهل واضح دون تعقيد أو التواء أو مبالغة.
ومعاذ الله أن أذكر شيئاً لم يقع،فوالدتي أشرف وأعز من أن أتصنَّع لها وأتزيد بشيء لم يحدث، وأجزم أني نسيت الكثير وأن غيري من إخوتي وأخواتي وأخوالي وأعمامي وأبناء عمي وزوجات إخواني وصويحبات أمي يعرفون أشياء لم أقيدها.
ولذا فمن حق الوالدة عليهم جميعاً أن يبلغوني بما عندهم مشافهة أو كتابة لإضافته في الطبعات القادمة إن شاء الله تعالى، وهم بذلك يهدون لي هدية أغلى من كل شيء.
أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يغفر لي ولوالديَّ وأن يجمعني بهما في الجنة وأن يجزيهما عني خير ما يجزي والداً عن ولده، وأن يصلح لي ذريتي وأن يبارك في ذرية والدتي أم سعود وأحفادها ومن ينتسب إليها ومن يحبها ومن تحبه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وكتب
أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
14/4/1424هـ
الزلفي ص. ب. 188ـ الرمز البريدي: 11932
الجوال:0505123100

ماذا يكون اسم الكتاب؟

ترددت كثيراً في تسمية هذه الخواطر هل أتركها دون عنوان يحمل اسمها أو أضع لها اسماً، وهذا الاختيار ملت إليه لكن أي اسم أطلقه على هذا الكتاب هل أسميه:
هكذا تكون النساء؟ أو مواقف سطرتها الوالدة؟ أو أربعة عقود في صحبة والدتي؟ أو لا نامت عين من لا يبر بأمه؟ أو أمي أثبتت أنها لا كالأمهات؟ أو من لي بمثل أمي؟ أو يا من تعيش أمهاتهم أفيقوا ؟ أو إلى من تعيش أمهاتهم؟ أو هكذا كانت والدتي؟ أو عظمة النساء في والدتي؟ أو أمي الحنونة؟ أو بيني وبين والدتي؟ أو أمي ومسيرة الحياة؟ أو أمي ومسيرة الحب والحنان؟ أو أمي أغلى أم في الدنيا؟ أو أمي والذكر الخالد؟ أو أمي والدموع الحانية؟.
كل هذه الأسماء وغيرها خطرت عليّ ولكني رأيت أن أضع أصدقها وأدقها وأسلمها وهي: (أربعون عاماً في صحبة والدتي) وهي أربعة عقود كلها في صحبة والدتي لأني أذكر ما وقفت عليه وعايشته منذ كنت صبياً لا أتجاوز العاشرة من عمري إلى آخر أيامها
_ رحمها الله _.
ثم عرض عليَّ الابن أسامة ونحن في الطريق إلى مكة أن أضع عنواناً رئيساً وهو (أفول شمس) وبعد التفكير والتأمل رأيت أن ذلك مناسب جداً ومعبر أدق تعبير عما أريد فسميته بذلك.

كل نفس ذائقة


يقول الله تعالى:[كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ](آل عمران:185).
ويقول تعالى:[كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ](الرحمن:27، 28).
ويقول تعالى:[قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ] (الجمعة:8).
الموت له أجل مضروب ووقت محدود لا يتقدم ولا يتأخر قال الله تعالى: [فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ] (الأعراف:34).
الموت ذاك الضيف القادم والموعد المتحقق، لا يمكن أن يسلم منه أحد،ولا ينجو منه أحد،ولا يهرب منه أحد،الناس أمامه سواسية، لا يهاب بواباً ولا يخاف حجاباً، لا يمنعه حراس ولا يؤخره ارتفاع بنيان قال تعالى: [أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْكُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ](النساء:78).

لم يسلم منه أفضل الخلق،بل كان يمسح العرق عن جبينه ويقول
: (لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات).
الموت حق ولو نجا منه أحد لنجا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا دهتك مصيبة فاصبر لها
* * واذكر مصابك بالنبي محمد

وصدق القائل:
الموت باب وكل الناس داخله
* * فليت شعري بعد الموت ما الدار

الدار جنة عدن إن عملت بما
* * يرضي الإله وإن فرطت فالنار

هما محلان ما للناس غيرهما
* * فانظر لنفسك ماذا أنت مختار

والقائل:
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب
* * متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

نشاهد ذا عين اليقين حقيقة
* * عليه مضى طفل وكهل وأشيب

والقائل:
هو الموت جسر للأنام مساير
* * عليه سنمضي كهلنا والأصاغر


وهكذا تجرعت أمي سكرات الموت، وكانت تقول: (يا ولدي الموت ساعة وتنقضي، لكن الموت ما بعد الموت، القبر وما بعده).
ولو أن هذا الموت يقبل فدية
** فديناك أموالاً كراماً وأنفسا

فأسأل الله _ جل وعلا _ أن يجعل قبرها روضةً من رياض الجنة، وأن يفسح لها فيه، وأن يفتح لها باباً إلى الجنة يأتيها من روحها وريحانها وطيبها، وأن يجمعني بها ووالدي وذريتها في الجنة.

كلماتٌ في البر
برُّ الوالدين من كمال الدين، وحسن الإسلام، ومن أفضل العبادات، وأجل القربات، وأيسر الطاعات، وأقصر الطرق إلى الجنات، وهو من أسباب مغفرة الذنوب، وزيادة الأعمار، والبركة في الأرزاق.
الأبوان في هذه الدنيا هما رمز العطف والحنان، وعنوان الشفقة والرحمة، الأبوان هما زينة الحياة وبهجتها، وسعادة الوجود، وامتداد الأنس، وتمام الرعاية والعناية، وحصول السكينة والرحمة.
وجود الأبوين دعاءٌ مستمر، وحنان صادق، ومتابعة ملازمة، ورحمة نازلة في البيت.
هل هناك أجمل من بيت فيه والد يسبح ويهلل ويدعو ويذكر ويقرب من الله ويبعد من الشيطان.
هل هناك أبهى وأحلى وأشهى من بيت فيه والدة على مصلاها ترفع يديها داعية بالبركة والحفظ والسعادة والطمأنينة،تستر السيئات وتغفر الزلات، وتتغاضى عن الهفوات، إن جاءها القليل شكرت، وإن لم تعط شيئاً سكتت، يضيق صدرها عند حصول الخلاف حتى بين الأطفال، إنها البركة في البيت، والنور فيه والسكينة والطمأنينة.
فهنيئاً لكل بيت فيه زاهدة عابدة تنتقل بين غرف البيت تدعو وترجو، وتخاف وتبكي، استغفار وانكسار، ودعاء للأولاد والبنات بالحفظ والرعاية والصلاح والهداية.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: (فهل لك من والديك أحد حي؟) قال: نعم. بل كلاهما. قال: (فتبتغي الأجر من الله تعالى؟) قال: نعم. قال: (ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)(رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهمافلم يدخل الجنة)(رواه مسلم) .
وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها) قال: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)(رواه البخاري ومسلم).
ويؤكد صلى الله عليه وسلم على أهمية حقوق الأم لأنها قاست آلام الحمل والرضاعة والمتابعة، فعلى جلالتها ومكانتها تزيل الأذى عنك بنفس رضية وقلب حان ودمعة صادقة، بل وأحياناً تزرع قبلة على خد الصغير وهي تمسح الأذى بيدها الكريمة؛ فاللهم ارحمهما كما ربيانا
صغاراً، اللهم أعل منازلهما في جنات النعيم.
كم ليلة باتت تعد النجوم وتضع يداً على يد تنتظر قدومك إلى البيت وأنت تلهو مع صحبك وأترابك غير مبال بما تقاسيه وتعانيه، كم ليلة لم تذق طعم النوم لأنها تعلم أنك تشكو من ألم وتحرص ألا تشعر بها لئلا يضيق صدرك عليها.
لقد وقفت فيما وقفت على هذه القصة العجيبة لأم وولدها؛ فقد كانت فتاة في عمر الزهور تحلم بفارس أحلامها، حتى إذا جاءها الخاطب الكفء وافق والدها فزوجها وقلوب الجميع تلهج بالدعاء أن يرزقها الله الذرية الصالحة،ويسَّر الله الأمر وجاء الولد وقد تعهده أبواه بالتربية والرعاية حرصا عليه، حتى إذا شب عن الطوق وكبر اختارا له أحسن البنات وزوجاه، وخلال شهر من الزواج بدأت العلاقات تتوتر بين أم الزوج وزوجة الابن، وتأزمت الأمور ومرض الأب فمات، ثم بقيت أم الزوج وحدها، فهجراها وتركاها في البيت وحيدة، وحملت زوجة الابن ووضعت ولداً، فتعلق قلب الجدة به، ولكن الابن وزوجته يمنعانه من الذهاب إلى جدته ورؤيتها، وعاشت الجدة عشر سنوات تعاني من الهموم والآلام وهي ما زالت في سن الشباب،ولكن هموم ولدها وزوجته وولدهما كانت تؤثر عليها، وذات مرة أرسلت رسالة تقطر أسى وتفيض مشاعر إلى ولدها وأخبرته أنها تحس بدنو أجلها وأنها لا تريد من الدنيا شيئاً وإنما تريد رؤيته وولده، ولكن الزوجة العاقة تقف بالمرصاد لمحاولات الأم؛ فماتت أمه بعد فترة وندم ندماً عظيماً، ولكن هيهات أن ينفع الندم بعد أن دفنت أعظم والدته في التراب.

حياتها الخاصة
ومواقف مرت بها

(1) من هي أمي؟.
(2) اسمها ونسبها ونشأتها.
(3) ذريتها.
(4) زواجها وحياتها مع زوجها الأول والثاني.
(5) وفاة زوجيها.
(6) العمليات الجراحية التي تمت في حياتها.


من هي أمي ؟!

هي الصابرة الوفية، العابدة التقية، الصائمة المصلية، العطوفة الحفية،الصادقة الأبية،عفيفة اللسان، القريبة من الرحمن، المتحببة للجيران.
هي الباذلة للمال، المرضية لجميع من حولها، المربية للأيتام، صبرت على محن الزمان ونوائب الدهر، وتنوعت المصائب التي حلت بها وهي كالجبل الأشم، تنظر إلى ما عند الله فتتحطم هذه المصائب على جدارها الصلب، وكأني بها ترجو أن تكون من أهل هذه الآية:[إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ](الزمر:10).
كم من صغير أفرحته، وكم من كبير قدرته، وكم من مبتلى صبَّرته، وكم من عليل واسته .
تميزت بالشكر وإكرام النعمة لأنها تعرف قدرها، فلله درُّها، ما أطيب قلبها الذي تحمله، وما أرجح عقلها، وما أسخى يدها منذ عرفت الدنيا،وأنا لم أسمع كلمة لا ترضي فيها، بل كل من عرفها
أحبها ودعا لها.
لا أعرف امرأة في زماننا اجتمع عليها الناس محبة ووفاء وحمداً وذكراً حسناً مثلها، هذه هي أمي صاحبة المحامد التي كانت في حياتها لا ترضى أن يمدحها أحد أو أن يثني عليها، ولا نسمع منها صباح مساء إلا الدعاء لنا وذرياتنا بالتوفيق والصلاح، ولله درُّها، كم من إساءة تحملتها وصبرت عليها وردت عليها بالحسنة، وكأنها تتمثل قول الله تعالى:[وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ](فصلت:34).
ولله درُّها، كم قومت معوجاً من الأخلاق وأصلحت كسراً في البيوت وردت شارداً من الشباب دون تهويل أو تشويش أو مبالغات.
هذه هي أمي،فهل يجود الزمان بمثلها؟وهل تستطيع أرحام النساء أن يلدن مثلها في هذا الزمن؟ وليس عليّ في ذلك لوم،فكل فتاة بأبيها معجبة، رحمكِ الله يا والدتي وغفر لكِ، وجمعني وإياكِ ووالدي وذرياتنا في جنات النعيم.


نشأتها، اسمها ونسبها

هي: ( منيرة بنت سابح بن صالح بن عبد المحسن بن محمد ابن عبد الله بن على الطيار) تلتقي بوالدي في الجد عبد المحسن، فوالدي محمد بن أحمد بن عبد المحسن،وينحدران من سلالة جعفر الطيار، فالأسرة من الأشراف وهي متفرقة في أنحاء المملكة وخارجها، وأمها حصة بنت فرحان بن محمد الفرحان.
وقد نشأت والدتي كعادة بنات جنسها في كنف والديها،إلا أن أمها ماتت وهي صغيرة فربتها زوجة جدي _ أم أخوالي عبد الله وإبراهيم _ تربية حسنة واعتنت بها وعوضتها وأختيها _ قبيلة وسبيكة _ عن فقد أمهم فجزاها الله عن والدتي وخالاتي وعنا خير الجزاء، وجعلها الله في الفردوس الأعلى من الجنة.
ولا أعرف على وجه التحديد سنة ولادة أمي، إلا أنها تقول حينما جاء البشير بانتصار الملك عبد العزيز رحمه الله في موقعة السبلة وأنا كنت مع جدك صغيرة مثل هذه وتشير إلى إحدى البنيات الجالسات وعمرها في حدود أربع سنوات أو خمس.
ولذا فيظهر أن ولادتها كانت سنة 1342هـ.
وقد سألت خالي صالح _ حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية _ فقال: أنا أكبر منها بست سنوات وخالي ميلاده قبل موقعة السبلة بعشر سنوات.
وتوفيت في ظهر يوم الأحد: 24/3/1424هـ رحمها الله رحمة واسعة عن اثنين وثمانين عاماً قضتها في جهاد مرير من أجل لقمة العيش وتربية أبنائها على الخير والفضيلة، عوضها الله سعادة أبدية في جنات عدن، وأوردها حوض سيد المرسلين، وحشرها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وذريتها وأحبابها وجيرانها وجميع المسلمين.


ذريتها

توفيت والدة أمي وهي صغيرة وتوفي أبوها عام 1391هـ، وتوفي ولداها عبد العزيز ثم علي، وصبرت على ذلك كله وسألَتِ الله أن يكون العوض في ذريتها، وقد تكاثرت ذريتها ولله الحمد.
وقد خلفت ثمانية أولاد وبنتين هم حسب ترتيبهم الزمني:
حصة أم الدكتور سعود الحمد، وسعود وعلي وعبد العزيز وأحمد _ توفي صغيراً _ وعبد الله ومزعل وعبد الرحمن وجبر والجوهرة _ أم ناصر الفهد الناصر_ وهي أصغر ذريتها.
علماً أن أكبر أحفادها هو الدكتور سعود بن عبد العزيز الحمد وآخر ذريتها قبل وفاتها هي (فيَّ) بنت علي بن عبد العزيز الحمد المولودة في: 13/2/1424هـ، وآخر ذريتها قبل إتمام هذا الكتاب هي (ليان) بنت محمد بن عبد الله الطيار المولودة في: 4/6/1426هـ
وإليك هذا المشجر يبين أولادها وأحفادها
إلى تاريخ: 1/7/1426هـ في الصفحة التالية:

أمي وسيرتها مع أبي _ رحمهما الله _

كانت والدتي تروي لي كثيراً بعض المواقف مع أبي وتذكر محبتها الشديدة له، وكيف أن الله _ جل وعلا _ فرق بينهما في عز شبابه حيث توفي رحمه الله في ريعان شبابه ولمَّا يبلغ الأربعين.
وتقول لي: إن والدك شديد، ويهتم بالنظافة ويحرص على الأولاد والعناية بهم، وكان كثير السفر إلى الأحساء لطلب الرزق ولا يقيم عندها إلا قليلاً.
وكانت والدتي تدعو له مع والديها في كل مناسبة وتسأل ربها أن يجمعها به في الجنة، وأنا أسأل الله بمنه وكرمه أن يجمعني بهما في جنات النعيم وسائر إخوتي وأخواتي وذرياتنا وأحبابنا وجيراننا ومن له حق علينا.
ولعل من أظرف الطرائف التي ذكرتها لي تلك الليلة الليلاء التي أخذت فيها الوالدة مع زوجات أعمامي تيساً مليئاً من اللحم فقمن وذبحنه وأخفين أمره وأكلن منه حتى شبعن وأعطين منه لوالدي وأعمامي وجدي ولم يعلم عنه والدي، وكان يبحث عنه والوالدة وصويحباتها قد أخفين الأمر وكثيراً ما تسألني الوالدة عن حكم ذلك شرعاً فقلت لها مادمتم أكلتم منه وطبختم لهم منه فلا شيء في ذلك، وقد طلبت مني أن أتصدق بقيمته لمن هو له، فنفذت أمرها إكراماً لها _ رحمها الله _.

أمي وسيرتها مع زوجها الثاني أبي بندر
عبد الله بن ناصر الجبر _ رحمهما


اضطرت والدتي _ رحمها الله _ تحت وطأة الحاجة للموافقة على الزواج من أبي بندر رحمه اللهالذي تقدم لها بعد وفاة والدي بأشهر ولكن اختلفت العائلة، فمن موافق عليه ومن رافض، وكانت والدتي موافقة عليه، ولذا لم يهتم جدي سابح رحمه الله بمعارضة من عارض، وكان يقول: ما دامت منيرة موافقة فسيتم الزواج، وفعلاً تم زواجها من أبي بندر، وأنجبت أول مولود فسماه أبوه _ ناصراً _ وسماه المعارضون للزواج _ مزعل _ لأن هذا الزواج أزعل بعض الأقارب فغلبت هذه التسمية، وصار اسم أخي _ مزعل _ ولا يزال بعض كبار السن إذا سلموا علينا يذكرون قصة التسمية، ومن هؤلاء _ الرجل المبارك صاحب الغيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أبو عبدالله إبراهيم الغنام _ متعه الله بالصحة والعافية، قلّ أن يقابلني إلا ويدعو لها ويضحك ويذكر هذا الأمر _ جمعنا الله ووالدينا به في جنات النعيم _.
هذه قصة الزواج: أما سيرة والدتي مع زوجها الثاني فقد كانت سيرة حميدة، وكانت تربينا على تقديره واحترامه.
وكان أبو بندر رحمه الله واسع الصدر عطوفاً رحيماً، لا يعنف ولا تسمع منه إلا كلمة طيبة من الدعوات الصادقة بالصلاح والهداية وكان يفضلني رحمه الله على ولده ويشجعني على الذهاب للمسجد مبكراً ومراجعة الدروس، ويعدني بالحوافز والهدايا، وكثيراً ما يضرب بي المثل للآخرين في الدراسة والعلاقة مع الأم والصلاة في وقتها، كل ذلك ونحن صغار لم نبلغ بعد.
إنه فريد في تعامله طاهر القلب عف اللسان واسع الصدر وهؤلاء هم الخيار من الخيار.
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
* * مثل النجوم التي يسري بها الساري

وكما قيل:
بيض الوجوه نقية حجزاتهم
* * شم الأنوف من الطراز الأول


أمي ووفاة زوجيها

توفي والدي رحمه الله عام 1373هـ وأنا صغير لا أتجاوز شهرين، فنشأت مع إخوتي يتيماً لكن والدتي _ رحمها الله _ عوضتني عن كل شيء، وكنت أسألها عن أبي فتقول: إن أقرب شبه له منكم أخوك سعود، وأقرب شبه له منكم في الكلام واللسان علي رحمه الله، وتقول:إنه كان حريصاً عليكم،لكن ظروف المعيشة جعلته لا يستقر عندنا ولا يجلس معكم كثيراً لكثرة سفره وتنقله من الزلفي إلى الأحساء لطلب الرزق.
فقلت لها: كيف كان وقع وفاته عليك؟ قالت: يا ولدي لما علمت كادت تخرج روحي من بين أضلعي، لكني صبرت وتحملت وكلما نظرت إليكم تذكرت الهم والمعاناة، لكن الله يسَّر الأمور وانقضت وكأنها ما حصلت.
أما ظروف وفاة زوجها الثاني _ أبي بندر _ فهذه أذكرها جيداً كنت معها ذات ليلة وجاء والدها جدي سابح رحمه الله على غير المعتاد، فقالت: يا ولدي، ما تعودنا مجيء جدك، لعل الأمر خير، فقال: يا أم سعود، معي خط (رسالة) جاءت من الرياض وأظنه حول _ أبي بندر _ وكان مريضاً، فقالت: لعله خير _ إن شاء الله _ فقال جدي: اقرأ يا عبدالله الرسالة، فقرأتها وإذا فيها خبر وفاته، وكان ذلك في صفر من عام 1387هـ وكنت في السنة الثانية بالمعهد العلمي.
فحَمِدتْ الله واسترجعت،وخرج جدي وبت مع والدتي، وغيَّرت ملابسها ولم تخبر أحداً حتى الصباح، وبدأت معاناة أخرى لكنها كانت أخف من الأولى؛ لأن أخي سعود كان مكتسباً لكنه تلك الفترة في المنطقة الشرقية، والموجود من إخوتي علي وعبد العزيز _ رحمهما الله_.

أمي والعمليات الجراحية

الحياة لا تصفو لأحد بل هي مليئة بالأكدار والمنغصات، فمن أضحكته يوماً أبكته في اليوم الثاني، وهكذا لا تدوم على حال والليالي حبالى يلدن كل عجيب.
ووالدتي بلغت الذروة في الصبر والتحمل وأذكر أنها عملت ثلاث عمليات جراحية:
الأولى: في صيف عام 1387هـ، وكنت وقتها طالباً في السنة الثانية في المعهد العلمي وقال لي أخي سعود إن نجحت وتفوقت سافرت معنا إلى الرياض،وقد اجتهدت وتحقق ما أراد، فسافرنا إلى الرياض مع أخي سعود وكانت معنا الوالدة وهي تشتكي من شعر ينبت في العين، فعرضها أخي _ حفظه الله _ على طبيب كبير مشهور يقال له (الغوري) وكان من أشهر أطباء العيون في ذلك الوقت، وأجرى للوالدة عملية نزع الشعر، وأحست بالراحة والطمأنينة، وذهبت المنغصات التي كانت الوالدة تشكو منها، وتحسن نظرها كثيراً، وجلسنا في الرياض عدة أيام زرنا خلالها الأقارب وكانت رحلة لا أنساها لأنها أول رحلة إلى عاصمة بلادنا الحبيبة.
الثانية: في عام 1407هـ بدأ نظر الوالدة يضعف، فقالت لنا: أنا أحس أنني لا أرى بعض الأشياء، فراجعنا المستشفى، وأفادوا أن الماء الأبيض يحتاج إلى عملية، وسعينا في فتح ملف في مستشفى الملك خالد الجامعي، ويسَّر الله الأمر عن طريق صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض _ حفظه الله وتولاه وجزاه عنا وعن والدتنا خير الجزاء _ ودخلت الوالدة المستشفى ونجحت عملية العين الأولى، ثم رغبت في أن تجري العملية للعين الأخرى، وفعلاً تم ذلك، ومنذ ذلك التاريخ وهي _ ولله الحمد _ لا تشكو من عينيها.
الثالثة: وفي صيف عام 1418هـ وكنا نستعد لأداء العمرة وجهزنا بعض الأمتعة، وفي تلك الليلة أحست الوالدة بآلام في بطنها وصارت تشتد عليها، وفي آخر الليل ألححت عليها ورجوتها أن نذهب للمستشفى فوافقت _ على مضض _ وهي تقول: أنا متوكلة على ربي وما قدره الله عليَّ سينفذ.
وبعد وصولنا المستشفى وإجراء الفحوصات اللازمة أفادنا بعض الأطباء باحتمال نزيف في البطن، وطوال تلك الليلة لم نذق طعم النوم، وفي الصباح أعيدت الفحوصات وتأكدنا أنه لا يوجد نزيف لكن هناك التهاب حاد في المرارة.
وتشاورنا مع إخوتي فألحّ الأخ سعود _ حفظه الله _ على أن يكون إجراء العملية في أحد مستشفيات الرياض، وفعلاً اتصلت بأحد الأقارب فيسّر الله سريراً في المستشفى العسكري عن طريق أحد الأطباء، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة ثبت أن المرارة فيها التهاب ولا بد من استئصالها، وبعد أن تحدد موعد العملية يسَّر الله طبيباً سعودياً _ من خيرة الأطباء _ وتحدثت معه وبينت له مكانة الوالدة في نفوسنا ورجوته أن يلبي طلبها، لأنها ألحت أن أدخل معها غرفة العمليات، فقال الطبيب: تدخل حتى يتم تخديرها وبعد ذلك تخرج، ثم انتظرنا حتى خرجت من العملية وقد تم استئصال فتق كانت تشكو منه كثيراً منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وقد استأصله الطبيب دون علمها، لكنه يقول وجدناه في طريقنا فأجرينا له العملية، وكانت هذه العملية عن طريق المنظار،وبعد تنويمها ذهبت ورجوت المسؤول عن المستشفى وطلبت منه أن أرافق والدتي فقال: ألا يوجد امرأة؟ قلت له: إن راحتي وراحة والدتي في مرافقتي، فقدَّر طلبي _ رفع الله قدره _ وطلب نقلها إلى الجناح الخاص وهو مشترك يدخله الرجال والنساء، ورافقتها ثلاثة عشر يوماً استفدت خلالها في المراجعة والقراءة ما لا يتحقق لي في مدة طويلة، وهذا كله من بركاتها.
وقد ألحّ أخي _ جبر _ على أن ينوب عني في المرافقة فرفضت، لكنه
تصرف وأخذ ورقة من الطبيب وأصبح يجلس عندي وإذا جاء وقت النوم ينام في مصلى الجناح الخاص.
وقد أكرم الله الوالدة بالشفاء وتحسنت صحتها ولم تَشْكُ خلال السنوات الأخيرة إلا في نهاية عام 1423هـ، وأوائل عام 1424هـ حيث أحست بآلام، البطن ثم توفيت بعد ذلك _ رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته _.

أمي والعلاقة
بأولادها


(1) أمي والشفقة على أولادها.
(2) كان من دعائها.
(3) قصة الجحة (البطيخة).
(4) كانت هي الأم والأب.
(5) بركاتهــا على أولادها.
(6) مرض أخويَّ عبد العزيز ثم عليّ.
(7) كانت نوراً يشع في البيت.
(8) يبقى الولد صغيراً حتى تموت أمه.
(9) أمي وهم السكن لأولادها.
(10) تربيتها لنا على حب الجيران.
(11) والدتي وبعض أقاربها.
(12) أمي وزوجات أولادها.
(13) الإحسان إلى الوالدين.


أمي والشفقة علينا
أمي تشفق علينا بشكل يستغربه الكثيرون، ولولا أنا عايشنا هذا الأمر ورأيناه واقعاً ملموساً لما صدقناه، وأضرب لذلك مثلاً عايشته معها ويعلمه بعض الإخوة ممن حَجُّوا معنا في عام 1396هـ، وكنا في مزدلفة وسمعنا شخصاً ينادي بالميكرفون اليدوي عن شخص تائه اسمه سعود وهو يقول: سعود _ سعود ، يكررها، فرفعت والدتي الحاجز الذي بين الرجال والنساء وقالت: عبد الله، لا يصير هذا أخوك سعود، فقلت لها: يا والدتي، نحن في مزدلفة وأخي سعود في الزلفي ، فقالت: ما في قلبي إلا أخوك، ولما سمعت الشخص ينادي خفت على أخيك، فقلت لها: لا، هذا الرجل ليس سعودياً، ويبحث عن قريبه الذي ضيعه قبل يومين، فارتاحت واطمأنت ودعت لي _ رحمها الله رحمة واسعة _.

كان من دعائها

كثيراً ما كانت تكرر : (جعل الله يومي قبل يومكم) فنبادر جميعاً ونقول: بل يومنا قبل يومك يا أماه، فتغضب وتقول: (لا تضيقوا صدري يا عيالي، موتكم قبلي جرح في قلبي وجرح القلب لا يبرأ، أما موتي قبلكم فيؤلمكم ويكدر خواطركم، لكن تستطيعون الصبر ويكفيني منكم الدعاء).
ولذا قيل: موت الولد صدع في فؤاد الأم لا يجبر وجرح في فؤاد الأب لا يندمل.
أمي وحادثة الجحة (البطيخة)

هذه قصة حدثت عام 1379هـ تقريباً _ حسب إفادتها _ وقد حدثت في بيتنا الذي بجوار الجامع _ الجنوبي _ ووقتها لم أدخل المدرسة بعد.
تقول والدتي _ رحمها الله _: إنها كانت تحضر الماء على رأسها من _ عسيلة _ وهي بئر ماؤها عذب وتبعد عن البلد في ذلك الوقت في حدود الكيلوين (2 كم)، وقد أهدى لها الذين تنقل الماء لهم بأجرة (بطيخة) ومن حرصها على وقتها، ولئلا تذهب عنها رفيقاتها إلى مكان الماء فتحت باب بيتها وأدخلت _ البطيخة _ وأغلقت الباب وكان في البيت حسب كلامها إخوتي علي وعبدالعزيز _ رحمهما الله _ فلما رأوا البطيخة والوقت بعد المغرب ولونها أخضر خافوا وفزعوا فأحضروا بعض الثياب واجتهدوا في إخراجها يظنونها حيواناً صغيراً، وأغلقوا الباب،وسدوا جميع المنافذ بالفرش والثياب فلما رجعت والدتي بقدرها بعد المغرب وأرادت أن تدخل البيت وجدت البطيخة عند الباب، ووجدت الباب محكماً والمنافذ مسدودة من تحت ومن الجهات كلها، فطرقت الباب بقوة وفتحوا لها وأدخلت البطيخة وضحكت وضحك إخوتي وفرحوا بها، وكانت والدتي تروي لنا القصة في حياة إخوتي وتضحك وتضحكنا معها إذا تذكرت الموقف، وكان إخوتي يؤكدون ذلك ويذكرونه جيداً.

أمي قامت بدور الأم والأب في وقت واحد

عاشت والدتي فترة عصيبة بعد وفاة والدي رحمه الله والكبير من أولادها عمره لا يتجاوز الثانية عشرة والصغير _ أنا _ كان عمري شهرين فقط، وكانت تقوم بدور الأم والأب من حيث التربية والنفقة والرعاية والأحوال ميسورة، ولكن الله _ جل وعلا _ إذا أخذ شيئاً أعطى أشياء، قامت على أمورنا تكد وتكدح وتنقل الماء على رأسها القدر بريال.
تقول لي _ رحمها الله _: إني أذهب قبل الفجر وآتي بقدرين قبل صلاة الفجر، ثم آتي بالثالث بعد الفجر، ثم أتفرغ لإخوانك ليذهبوا إلى المدرسة، وبعد نقل الماء على رأسها قامت بالعمل مع بعض النساء تحصد الزرع وغيره عند بعض أصحاب المزارع، كل ذلك بحثاً عن لقمة العيش لصبيتها اليتامى الذين أصبحت هي الأم والأب لهم، ثم أخذت تحصد الحشيش وتلقط التمر من بعض المزارع القريبة، وهي تعمل بجد واجتهاد ونشاط دائب سعياً وراء لقمة العيش؛ فهل يعي شباب اليوم وفتياته هذه المعاناة ويحمدوا الله على ما هم فيه من النعمة ورغد العيش ويقوموا بشكر ذلك على الوجه المطلوب.

أمي وبركاتها عليَّ وعلى إخوتي

رفع الله قدر الوالدين وأعلى مكانتهما، وهذا أمر مقرر معروف لكل أحد، ولكن لا يعرف كثير من الناس قدر والديه وفضلهم وبركاتهم عليه حتى يواري عليهما أو على أحدهما التراب.
ووالدتي _ رحمها الله _ أدركت أنا وإخوتي بركاتها علينا في حياتنا، فكم من المحامد دفعتنا إليها وربَّتنا عليها وجعلتها جزءاً من حياتنا، ولعل من أهم ذلك عندها الاجتماع والتآلف وتجاوز ما قد يقع بين الأقارب مما لا بد منه أحياناً، وكذلك غرس فضل الصدقة والبذل في نفوسنا منذ أن كنا صغاراً غير مكتسبين، بل إنها منعت إخوتي من بيع ناتج المزرعة من الخضار وغيرها وأمرتهم بتوزيعها مجاناً هدية للقريب والجار وصدقة على المحتاج.
وكم كانت تستمتع ضحى كل يوم وهي تتولى توزيع ما يحضره أخي علي رحمه الله من المزرعة، ثم بعده أخي سعود الذي تحمل مسؤولية المزرعة كاملة وكفانا هذه المهمة وهيأ لي الجو العلمي فجزاه الله عني خيراً.
وفي بعض الأيام إذا جئت إلى جناحها في البيت ورأيت على وجهها علامات الغضب وسألتها وحاولت معها من هنا وهنا أفصحت لي أن نصيب فلان أو فلانة من الخضرة لم يصلهم إلى الآن، فأقول لها: أنا أوصله الآن إن شاء الله، فيسر خاطرها وتظهر عليها علامات البشر والفرح، كل ذلك محبة للصدقة وبذلاً لها.
ولذا كم تعلمنا منها هذه المعاني العظيمة،وكانت تقول لي كثيراً يا ولدي: إذا أنفقت من هنا عوضني الله من هنا، بل تقول لي: إذا أعطيت الصغار من الموجود عندي من الحلاو والعلوك وغيرها يعوضني الله من أحدكم مباشرة، وهذا ما رأيناه رأي العين في مسائل الإنفاق على الأهل والأقارب، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقـاً خلفـاً، ويقول الآخر: اللهم أعـط ممســكاً تلفــــاً) (رواه البخاري ومسلم).

أمي ومرض أخويَّ عبدالعزيز ثم علي

الأمراض من جملة ما يبتلي الله به عباده، والابتلاء سنة ربانية لحكم عظيمة يظهر بعضها للناس وكثير منها لا يدركونه قال الله تعالى:[وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ](البقرة:155_157).
وقد خلق الله الخلق لعبوديته، ولذا ابتلاهم واختبرهم ليستخرج منهم عبودية السراء وهي الشكر وعبودية الضراء وهي الصبر، قال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)(رواه مسلم).
المرض سبب لتكفير الذنوب والخطايا، صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله:
(ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب،ولا هم ولا حزن ولا أذى
ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)(رواه البخاري).
وعلى من أصابه مرض واشتد عليه الأمر أن يتذكر ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلموالسلف الصالح، فكل مصيبة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جلل.
وإذا دهتك مصيبة فاصبر لها
* * واذكر مصابك بالنبي محمد

وهكذا كنت دائماً أربط مصاب أخويَّ _ رحمهما الله _ بهذا الأمر ويطول الحديث مع والدتي حتى تنتهي بالحمد والشكر ويطيب خاطرها.
وقد تجرعت _ رحمها الله _ غصصاً عظيمة مما أصاب أخوي خلال ست سنوات مضت كلها معاناة ومع ذلك تحملت وصبرت فعوضها الله خيراً.

أولاً: مرض أخي عبدالعزيز ومعاناة والدتي:
أصيب أخي عبدالعزيز رحمه الله بمرض عام 1409هـ وتم اكتشافه ذات ليلة حيث ارتفعت حرارته، وبعد التحاليل والأشعة اكتشف الأطباء مرضه،ثم أحيل إلى المستشفى التخصصي بالرياض،وبدأت المراجعات وأخذ العلاج بانتظام، وفي شهر صفر من عام 1411هـ رغب أن يجري فحوصات في أمريكا فذهبنا إلى هناك وجلسنا أكثر من أسبوعين، ولكن النتائج كانت نفس النتائج في المستشفى التخصصي بالرياض، بل قال لي أكبر الأطباء هناك: إن النتائج واحدة والعملية التي تجري هنا في أمريكا هي نفس العلمية التي تجري في التخصصي، وأنصحك إذا أقدمتم على العملية أن تكون هناك أريح للمريض وأقل في معاناته، وبعد أن عدنا قلت لأخي: استخر في العملية، ثم قال: أنا وكلت الأمر بعد الله لك انظر الأصلح لي، فقلت له: أرى ألا تستعجل فيها مادام العلاج يناسب ولا تحس بمضاعفات فانتظر، وهكذا استمر إلى بداية عام 1413هـ حيث ألح الدكتور المعالج بإجراء العملية، وبعد استخارة واستشارة انتهينا إلى إجرائها.
وقد دخل المستشفى يوم الأحد: 22/4/1413هـ الساعة الحادية
عشرة صباحاً،وبعد أسبوع أجريت له العملية _ زراعة النخاع _ في
يوم الاثنين: 1/5/1413هـ الساعة السادسة مساء.
وبعد أخذ العينات مني ومن الأخ سعود تبين أن الأخ سعود هو المناسب، مع أني كنت حريصاً على أن أكون المتبرع لكن ما قدره الرحمن غير ما خططت له.
وبعد يومين أي في يوم الأربعاء: 3/5/1413هـ الساعة التاسعة مساء تم عزل الأخ عبدالعزيز ومنعنا من الدخول عليه، ولا نراه إلا من خلف الزجاج، وقد خرج وسمح لنا بزيارته بعد ثلاثة أسابيع من العزل في يوم الأربعاء: 24/5/1413هـ الساعة الخامسة مساء، وبعدها بأسبوعين خرج نهائياً من المستشفى في يوم الاثنين: 6/6/1413هـ الساعة الثالثة والنصف مساء وكانت مدة بقائه في المستشفى أربعة وأربعين يوماً.
وقد مرت والدتي بظروف عصيبة خلال هذه الفترة، وكنت آخذها لزيارته وإذا رأته من خلف الزجاج يكاد قلبها يتقطع، وأنا أشجعها وأصبرها وأدعو لها وأطمئنها، والله أعلم ما في داخلي من المشاعر الملتهبة.
وقد صورت هذه المعاناة كلها في قصيدة طويلة وقد حاولت أن
ألقيها بحضوره وحضور والدتي فما استطعت من تأثري وتأثرهما وبقيت حبيسة حتى كتابة هذه الأسطر وقد عنونتها:
(همٌّ ومعانـــــاة)
حبست دمعي كظمت مُرَّ شكاتي
* * وأرخيت للتفكير حبل قناتي

وأشعلت من صبر ٍجنوداً شمَّرت
* * وتقاسمت إنقاذ نور حياتي

ولجأت للرحمن أطلب ضارعاً
* * أرجو كريماً واسع النفحات

قد هدَّني جهد وطول تفكرٍ
* * وشرود ذهن واضح اللمحات

حل المصاب فزلزلت أعماقنا
* * وتدافعت من بينها خطواتي

يممت وجهي نحو بارئ نسمتي
* * وتوجه الملهوف حول نجاة

لما عرفت الحزن كدَّر خاطري
* * فعلوت بالتوفيق في وثبات

وسألت أحباباً كراماً أخلصوا
* * وتوافقوا في الشد من عزمات

لما تحدد موعد لدخولنا
* * أضنيت نفسي من لظى حسراتي

قد راعني خوف ألمَّ بخاطري
* * لكنَّ ذكر الله كان نجاتي

لا همَّ هذي حاجتي مبسوطة
* * أنت المؤمل أن تجيب شكاتي

هذي جفوني أبرقت بل أمطرت
* * فأهاج مني دمعها عبرات

وبدأت أذكر للصحاب مراحلاً
* * كانت صدىً في القلب من كلمات

كانت جروحاً غائرات حية
* * تخفي وراها جملة الحُفُرات

عون من الرحمن قوَّى همَّتي
* * وأقال ما قد كان من عثرات

رقد الحبيب على السرير عشية
* * فبكيت من أعماقي النخرات

ونظرت أين الأنس أين مبيتنا
* * فأتى الجواب محشرج الزفرات


يا خيرتي من إخوتي يا مهجتي
* * يا درعي الواقي من اللفحات

يا درة التوجيه دمعي ساكب
* * ومنابع العزمات صار فتاة

يا صانع المعروف أبشر لا تخف
* * فالله ألطف والدعا قنواتي



يا باذل الإحسان حبك مشهد
* * أذكاه صوتُ الناس بالدعوات

يا جامعاً سُبْل المكارم مرخصاً
* * ما عزَّ من نقدٍ بيسر هبات

لما دخلت بيوم ثانٍ قبلها
* * عشرون في أحدٍ وفي الضحوات

ذا كم ربيع آخرٌ هو رابع
* * من أشهر الأعوام والسنوات

وأتى سنْبسُ مقرراً لزراعة
* * وكذاك فهدٌ والحضور رواتي

في يوم إثنينٍ لأولِ خامسٍ
* * كانت زراعة صفوتي وحياتي

كانت دموع العين تجري ثرة
* * تخفي وراها لوعة الحسرات

لكنّ فضل الله جل جلاله
* * في جوف ليل ظاهر البركات

وعلمت بعد تمامها بنجاحها
* * أحسست قلبي مسرع الضربات

عزلوا الحبيب بغرفة موصودة
* * عشرون يوماً خلْف ذي الحجرات

كانت زيارة حبِّنا من خارج
* * خلف الزجاج نصوِّب النظرات

جاء البشير بفك حجرٍ فجأة
* * فخررت للرحمن في السجدات

ورحلت يوم الأربعاء ميمماً
* * شطر الحبيب أعجل الخطوات

لكنَّ أمي قد علاها هاجس
* * تبغي الذهاب بهمةٍ وثبات

حاولت إقناع الحبيبة لم أطق
* * وأطعت أمي صفوة الخيرات

وذهبت أطوي البيد أرقب لحظة
* * ألقى الحبيب معطر الثغرات

كان اللقاء سويعة محفوفة
* * بالخير والتبريك والدعوات

هذي الحنون فهل يجود بمثلها
* * رحم النساء حواضرٍ وبداة

هذي الوفية لو علمت بحالها
* * صبرت على شظف وطول شتات

هذي الأبية كم علت من مَشْرَف
* * قطعت فيافٍ رحبة الفلوات

كم كان قلبي غارقاً في حبها
* * لهفي عليها جَّمة البركات

يهنيك يا حبي دعاء شريفةٍ
* * من نسل جعفر صاحب الخيرات

يهنيك دعوة أمنا في ليلةٍ
* * ليلاء من ليل الشتاء الشاتي

مساء الثلاثاء: 7/6/1413هـ
وبعد خروجه رحمه الله من المستشفى التخصصي أخذ يتردد عليه وكنت أرافقه في جميع مراجعاته وتتتابع مني الكلمات التي تدفعه إلى الأمام وتقوي عزيمته وثقته.
وكان رحمه الله جبلاً من الصبر والثبات واليقين بالقدر المحتوم، وقد عاوده المرض في رمضان على إثر _ حازوز _ في رجله.
ولما سافرنا إلى مكة أنا والوالدة في: 25/9/1413هـ ذهب إلى المستشفى ونوِّم هناك وخرج بعد رمضان، ثم تماثل للشفاء وقويت معنوياته ولم يحس بشيء ولله الحمد وكانت لنا مراجعات كل ثلاثة أسابيع.
ولما عدت من القاهرة في: 14/2/1414هـ استقبلني في المطار وبصحبته _ سعود الحمد _ ابن أختي، وعدنا إلى الزلفي ولم يكن فرحي بعودتي إلى أرض الوطن بأكثر من فرحي بصحة أخي ونشاطه وقوة معنوياته.
ثم في شهر ربيع الأول أحس بآلام، وبدا معه بعض الصفرة في اللون فنوِّم في المستشفى وجلس ثلاثة أسابيع؛ خرج بعدها وتماثل للشفاء، وفي الأسبوع الثالث من شهر ربيع الثاني من عام 1414هـ اشتد عليه المرض فلزم الفراش.
وفي صبيحة يوم الأربعاء:20/4/1414هـ ذهب إلى مستشفى الزلفي ونوِّم فيه ليلة الخميس.
وفي صبيحة الخميس قرر الذهاب إلى المستشفى التخصصي، وذهب به الأخ عبد الرحمن وكنت يومها في الشرقية لإلقاء محاضرتين حول كشمير.
ولما علمت بدخوله التخصصي رجعت مباشرة إلى الرياض واتجهت إلى المستشفى ليلة السبت، ووجدت الأخ في حالة غير طبيعية فأيقنت بقرب أجله وأوصيت الأخ سعود السليمان الطيار بأن يعطي قسم العناية المركزة هاتفه بالرياض للاتصال به عند الحاجة، وعدت في ليلتي لأبدأ التمهيد للوالدة.
ولما صليت الفجر جئت إليها على حسب العادة فسألتني عن أخي
فقلت لها: إنه متعب جداً وعليه أجهزة كثيرة وأسأل الله أن يلطف به وأن يكتب له ما فيه الخير والصلاح، فأحست الوالدة بثقل كلماتي.
ثم عدت إليها في الساعة الثامنة لتناول طعام الإفطار فلم أذقه فألحت عليّ وقالت: هل مات أخوك؟ فقلت: لا، أما البارحة فلم يمت، وأما هذا الصباح فالله أعلم، لكنه في حالة خطيرة جداً ثم ذهبت إلى القصيم _ للدوام _ وجلست في مكتبي إلى الساعة الحادية عشرة والنصف وكنت على اتصال بالمستشفى.
وفي لحظات جاءني شعور غريب فقمت من الكرسي واتجهت إلى سيارتي وعدت لوالدتي، وكان من عادتي الصلاة في الطريق خلال السنوات الماضية،إلا أنني نسيت ولم أقف ووصلت إلى البيت فوجدت أخويّ علي وعبدالرحمن خارج البيت لا يدريان ماذا يصنعان، وقد علما بخبر وفاته التي كانت في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً من يوم السبت:23/4/1414هـ.
فلما وقفت عند عبد الرحمن قال: عبد العزيز مات، فقلت: الحمد لله على قضائه وقدره، ثم قلت لهم: هل أخبرتم الوالدة؟ فقالا:لا، فلما رآني صابراً متجلداً ولله الحمد قال: هل أنت داري؟ قلت: نعم لأخفف مصابهم والله يعلم ما في نفسي، فقلت لهم سأخبر الوالدة، ثم أتيت واتصلت بسعود السليمان الطيار وأخبرته بالأمر وطلبت منه الذهاب إلى المستشفى وأخذ الجثة وإن لم يأذنوا له يخبرني وأذهب _ أنا _ لاستلامها لكنه _ رجل مبارك _ ذهب إلى المستشفى وأنهى الإجراءات واستلم الجثة واتصل بي فاتفقنا على أن تكون الصلاة عليه بعد صلاة العشاء ليكون عندنا وقت كاف لتغسيله والإتيان به إلى الزلفي، ثم بدأت التمهيد للوالدة واتصلت بأخي سعود وقلت له: سنحتاج الجمس لنحضر عبدالعزيز رحمه الله.
فقالت الوالدة: هل مات؟ فقلت لها: كلنا سنموت وبدأت ألاطفها بسيل من المواعظ مخوفاً ومذكراً ومرغباً ومبيناً عاقبة الصبر ومشيراً إلى أنها قدوة في البلد،وأن الناس سيتناقلون موقفها، ثم جاء إخوتي وجلسنا عندها وكل يدلي بدلوه، ثم جاءت أختي أم سعود وقابلتها وقلت لها: لا نريد بكاء فنحن بحاجة لتثبيت الوالدة فقالت: إن شاء الله، وفعلاً سرَّني موقفها حيث كانت تحمد الله وتشكره وتكثر من الحوقلة، وهكذا حلت المصيبة وحمدنا الله على تجاوز المحنة وحمدناه على صبر الوالدة، إذ كنت أحمل هماً كبيراً خوفاً عليها من عدم تحملها للموقف لأني أعرف مدى محبتها له.
ثم تولينا الرد على الهاتف وانتظرنا وصول الجنازة وشققت الأكفان وجهزتها وكل ما سنحتاجه في تغسيله،ثم ذهبت إلى المغسلة
في مسجد الغنام وانتظرنا حتى وصلت مع أذان المغرب،فقلت للإخوة
صلوا وبعد الصلاة نغسله إن شاء الله.
وبعد الصلاة بدأنا تغسيله وكنت ألهج بالحمد وأكثر الاسترجاع، وقد ساعدني الأخ عبدالرحمن وسعود السليمان ومزعل وجبر وجهزناه مع أذان العشاء،وذهبنا به إلى الجامع ثم صلينا عليه _ وقد أممت الناس في الصلاة عليه _ وقد شهد الصلاة عليه في المسجد والمقبرة خلق لايعلم كثرتهم إلا الله وذلك لمحبة الناس له، رغم أن الوقت بعد العشاء.
ثم حملناه على الأكتاف إلى المقبرة وأنزلناه في قبره،ولحدته أنا وإخوتي والأخ سعود السليمان، وهذا كله في يوم السبت: 23/4/1414هـ.
وأصبحنا نجلس عند الوالدة ولا نترك فرصة للشيطان، وإذا جاء أحد لتعزيتها لا يطيل عندها، وحضرت خالتي أم راشد وألححت عليها أن تدخل السرور على والدتي لتنسيها مصيبتها.
ومنذ ذلك الوقت حرصت على أن أرثيه فلم أستطع حتى جاء شهر الله المحرم من عام 1415هـ وكنت أتابع الأبناء في الاختبارات وكنت حريصاً على أولاده _ يرحمه الله _ ولما رأيت دخولهم وخروجهم للمكتبة بدأت القصيدة وكانت هذه الأبيات:
أماه هل تزهو بنا ذي الدار
* * أم هل تغرد في الدجى أطيار

ما للحمام يموت في أغصانه
* * والناس تبكي دمعها مدرار

أماه عشت مكفكفاً لمدامعي
* * الموت حل فأيقن الطيار

قالوا أخوك موسد في قبره
* * فأجبت إن ملاذيَ الغفار

عشت السنين مع الحبيب هنيَّة
* * ذقنا المسرة صفوها نختار

أمٌّ تلاحظ خطونا بتوازن
* * يهوي لها بين الضلوع أوار

عشنا كأحسن صبية في حيِّنا
* * عشنا فراخاً في العشاش نزار

لما كبرنا صرت أرسم خطوه
* * نعم المؤدب إنه صبَّار

ما كان يأبه بالتوافه طبعه
* * بل كان يهفو للعلا يختار

أعلى مكاني بين أترابي فما
* * يرضى هواني لو طغت أكدار

كم كان يمحض نصحه متبسماً
* * صوناً لنفسي أن يهب غبار

عبدالعزيز فجعتني برحيلكم
* * هذي فراخ يضْطَر بن صغار

إن جاء ليلي بت فيه مكبلاً
* * أهوى الفرار ولا يسوغ فرار

أو جاء صبح كان قلبي مولعاً
* * فبطلعة الأطفال لي استبشار

يا رب شُدَّ عزيمتي بصلاحهم
* * فأخي حبيس ما لديه جوار

أبدي التصبر بين أحبابي لكي
* * يسلو ولست بقادر فأحار

ماذا أقول إذا رأيت دموعهم
* * تجري على الخدين كيف تثار

مالي رجعت إلى الوراء مقلباً
* * صفحات ماض كله أكدار

لما جثا كابوس ظلٍ مطبق
* * مرض الحبيب تكاتفت أستار

لم يعرف الإخوانُ سراً خافياً
* * حتى ثوى في قبره الطيار

أخفيت سراً لا أبوح بمثله
* * مهما تشيع بدارنا الأخبار

لما أتى وقت الزراعة هدَّني
* * هم ثقيل كي يقرَّ قرار

وعيون أحبابي تسيل دموعها
* * لكنَّ قلبي جره التيَّار

يا ويح ذي الحسرات مالي مخرج
* * كيف الخلاص وقد بدت أخطار

أأجود بالدمع السخي لموقف
* * قد هدَّني فتقطَّعت أوتار

إني أفكر في الصغار وكلما
* * عضت بي الأكدار جا إنذار

أماه لو وقفت دموعي برهة
* * هل يستقيم الحال أم ينهار

أماه ضمي صبية قد أينعت
* * سنواتهم عدداً كما الأشجار

ثانياً: مرض أخي عليّ رحمه الله ومعاناة والدتي:
أحس أخي علي رحمه الله في رجب من عام 1415هـ آلاماً في البطن صاحبها قلة شهية، وبعد مراجعة لمستشفى الزلفي رغب أن يراجع في المستشفى العسكري بالرياض، وبعد اتصال بابن العم _ زيد ابن عبدالمحسن الطيار _ تم حجز الموعد واختار له طبيباً من أمهر وأكفأ الأطباء.
وبعد التحاليل والإشاعات اكتشف الطبيب مرضاً نادراً في بطنه وبعد المراجعة الثانية في شعبان من عام 1415هـ قرر الطبيب العملية الجراحية،فرغب أخي علي ألا تكون في رمضان، فحدد الطبيب موعدها في نهاية شوال، وأجريت له العملية وبقي في المستشفى ثلاثة أسابيع ثم خرج في منتصف ذي القعدة، وقد أقمت وليمة في البر على طريق عودته من الرياض جمعت أهلي وأقاربي وجعلتها باسم الوالدة، وقد فرحنا فرحاً عظيماً بقدومه وتماثله للشفاء.
وفي صيف عام 1416هـ سافرنا إلى مكة وكان يقود سيارته بنفسه، وفي رجب من عام 1416هـ بدأ يحس بثقل في المعدة، وبعد مراجعات للمستشفى وصف له الطبيب المختص علاجاً خفف عليه المعاناة، لكن سرعان ما اشتد عليه الألم ولاسيما في رمضان، فحاولت إقناعه أن نراجع في رمضان فرفض، وقال: سأكمل الصيام
فلا أدري هل أصوم غير هذا العام أم لا؟
وفي ثاني أيام العيد ذهبنا إلى المستشفى وسحبوا من بطنه بعض المياه وأحس بالعافية، ثم عاودته المياه فراجعناهم وسحبوها.
وبعد الحج حولونا إلى مستشفى المجمعة لأنه أقرب وأيسر لنا فراجعنا مرتين، وفي الثالثة اشتد عليه الألم، وفي يوم الأربعاء: 26/1/1417هـ خرجنا من البيت فقال لي: يا عبدالله، الله أعلم أني لن أعود للبيت، وجميع أوراقي الخاصة في شنطة جهزتها وقلت لأم محمد _ زوجته _ لا يفتحها إلا أخي عبدالله، ثم قال لي: ليس عليّ دين إطلاقاً إلا (17) ريالاً لفلان فاتصلت بأحد الإخوة وقلت: اذهب وأعط فلاناً (17) ريالاً وقل له من علي الطيار، ثم ذهبنا إلى مستشفى المجمعة ونوِّم هناك، ورافقت معه من الأربعاء إلى الأحد حيث اشتد عليه الألم وأدخل العناية، ثم قال لي: أرغب الذهاب للمستشفى العسكري،فقلت : إن شاء الله، قال: لابد أن نذهب غداً،فوعدته خيراً وأجريت اتصالاتي حتى تيسر السرير له، ثم نقلناه بالإسعاف ظهر يوم الاثنين: 1/2/1417هـ وقد ركبت معه ونوم في المستشفى العسكري، وقد سألني أكثر من مرة عن يوم الأربعاء متى؟ فأقول له: كذا وكذا.
وفي مساء الثلاثاء: 2/2/1417هـ زاره عدد كبير من الأعمام
وأبناء العم والأقارب والأصدقاء وكان يكرر النظر إليهم، فقلت لأحدهم: لعلها نظرات مودِّع.
وفي صبيحة الأربعاء:3/2/1417هـ أسلم روحه لباريها وكنت بجواره _ ولله الحمد والمنة _ وقد أوصاني ببعض الوصايا الخاصة التي تم تنفيذها بعد وفاته.
ثم قمت مباشرة بالاتصال بأخي سعود بالزلفي وقلت له: هيئوا الوالدة، فوضع الأخ علي صعب جداً،قال:هل مات؟ قلت له: هو يحتضروأنا سآتي بعد ساعات،وفعلاً رتبت من يحضره من المستشفى وعدت إلى الزلفي ونبهنا بأن الصلاة عليه عصراً.
ولما وصلت وجدت إخوتي حول والدتي، ثم أخبرتها وذكرتها ووعظتها وخففت عنها وجميع إخوتي وأخواتي حضور، كل يدلي بدلوه حسب جهده وطاقته،وذهبت إلى أولاده وأخبرتهم وطمأنتهم ثم لما وصل ظهراً غسلناه وهيأناه وصلينا عليه، وقد أممت الناس في الصلاة عليه، وشهد جنازته خلق كثير وأصبحنا نتناوب في الجلوس مع الوالدة ولا نتركها بمفردها خوفاً عليها.
وقد رثيته في هذه الأبيات في: 10/2/1417هـ :
أماه إني قد بلوت زماني
* * وسبرت أصحابي مع الخلان

وحملت أثقالاً ينوء بحملها
* * أقوى الرجال بعزمة الإيمان

عامان كانا مسرحاً لرزية
* * جثمت على صدري بغير أمان

إني أحدث يا حصان مؤملاً
* * أن أستعيد توازني ومكاني

لا شيء يا أمي يؤرق خاطري
* * غير اليتيم أراه أو يلقاني

أماه لو تدرين ماذا قد جرى
* * عند المريض مصائب تغشـاني

همٌّ يؤرق مهجتي ويهدني
* * فيحار مني الدمع في الأجفان

مالي ملاذٌ أرتجيه فأشتكي
* * غير الإله الواحد الديان

أماه كم من ليلة أمضيتها
* * فوق السرير مراقباً لجنان

الهم بيَّت بالفؤاد ومهجتي
* * غصت بكل مواجع الأحزان

أغلى الأحبة قد علته سحابة
* * سوداء أخفت بسمة الخلان


كانت والدتي نوراً يشع في البيت

لا يعرف الأولاد نعمة وجود الوالدين أو أحدهما حتى يفقدونهما أو أحدهما، وقد كان جناح والدتي في البيت يعج بالحركة وكثرة الزوَّار، ولا يمكن _ إلا ما شاء الله _ ما دامت الوالدة موجودة أن يخلو من الأطفال، فهم يترددون عليها لأنها تعطيهم الحلوى والكيك وغيرها مما يرغبه هؤلاء الصغار.
وإذا غابت عن البيت أظلم الجناح الذي تسكنه وأصبح غير مألوف، وهكذا لما ودعت الدنيا أصبح مكانها لا يكاد يزوره أحد إلا في الاجتماع الأسبوعي _ يوم الجمعة _ حيث يجتمع الإخوة والأخوات وأبناؤهم حيث كانت ترغب في هذه الاجتماع وتحرص عليه، ولذا حرصنا أن يستمر بعدها بِرّاً بها _ رحمها الله _.
وهنا أهمس في أذن كل من لديه أب وأم أو أحدهما أن يجتهد في برهما وتحصيل بركاتهما، فالخير كل الخير في وجودهما في البيت حيث يملآنه دعاء وذكراً وتسبيحاً وتهليلاً وورداً، والأولاد لا يشعرون بذلك، ولا يحسون به إلا إذا فقدوا هذا الخير والنور والبركات.
حدَّث أحد المشايخ الفضلاء( ) قال: أعرف شاباً باراً بأمه أراد أن يسافر من القصيم إلى المدينة، فقالت له: يا ولدي، لا تتأخر أنا ما أعرف بدونك، ولما وصل المدينة وقضى شغله رجع إلى القصيم لكنه كان متعباً فنعس في الطريق وخرج عن مساره الأيمن إلى المسار الأيسر وكاد أن يدخل تحت شاحنة، لكنه أبصر يد والدته تشير إليه، فاستيقظ وصرف السيارة إلى جهة اليمين فخرج عن الإسفلت وطار النوم عنه ولم يصب بأذى وواصل طريقه إلى بلده.
أما والدته فقد استيقظت من نومها بعد أن تحرك قلبها وتوضأت في جنح الليل وصلت ركعتين ودعت لولدها البار قائلة: اللهم احفظه بحفظك واكلأه برعايتك وأعده لي سالماً،فاستجاب الله هذه الدعوات وارتفعت إلى عنان السماء فأرسلها الله يداً حانية تشير إلى الولد فكانت سبباً في حفظه وسلامته، ولما وصل الولد إلى بيته وجد أمه عند الباب، فقال: مالك يا والدتي قالت له: بل أنت مالك يا ولدي، فأخبرته الخبر وأخبرها بأمره فحمدت الله على سلامته وضم والدته إلى صدره ودعا لها.
وهكذا ثمرة البرّ تعجل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.


يبقى الولد صغيراً في نظر والدته

هكذا كانت والدتي تعاملنا كأننا أطفال رغم أن الواحد أصبح له أحفاد، لكنه في نظر والدته يبقى صغيراً تتابعه بالأكل واللبس، كم كانت تتابع اللبس في الشتاء والأكل يومياً، يعطيها أحدنا نوعاً من الأكل يخصها به ثم تعطيه هي الشخص الآخر، المريض عندها هو الغالي حتى يشفى، والغائب هو الغالي حتى يعود من سفره، إذا سمعت صوت الإسعاف حتى وإن كنا خارج الزلفي تقول: اتصل بإخوانك، خوف عليهم عجيب ومتابعة مستمرة، وكل ذلك على حساب صحتها وراحتها، الشيب يجلل لحية الواحد منا لكنه في نظرها يبقى صغيراً.
سمِعَتْ ذات مرة شخصاً في مكة يقول لي: الله يجعل شيباتك في الجنة، وكان في وقتها في لحيتي شعرات من الشيب فقالت: شاب قرنك هذا صغيِّر شيبت به الدنيا وبلاها؟ فضحك الرجل وقال: ماذا تقول الوالدة؟ قلتُ له: أنت وقعت فيما لا ترضاه أمي، قال: أعرف، الله يرحم والدينا ويحرمهما على النار.

أمي وهم السكن

كانت السنوات الأولى في حياتنا بدون سكن _ مملوك _ بل كنا نتنقل من سكن إلى آخر بالأجرة، وأذكر أننا سكنا في خمسة مساكن خلال عشر سنوات حتى يسَّر الله أمرنا وامتلك أخي سعود السكن قرب مسجد أبي بندررحمه الله.
وكانت والدتي تحمل هماً عظيماً لمسألة السكن لأنها لا تجد ما تشتري به سكناً، وأبناؤها أيتام صغار لم يكتسبوا بعد، ولما كبر إخوتي واكتسبوا انتهت معاناة الوالدة واستقر بنا المقام في حي (8) في الزلفي ولدينا جيران من خيرة من عرفنا خُلُقاً وفضلاً، نسأل الله أن نتجاور معهم في جنات النعيم.
ومما يذكر في هذا المجال أن والدتي _ رحمها الله _ اشترطت على إخوتي أن تكون البيوت متجاورة، وأن يكون لها سكن في وسط البيوت، وهكذا اجتمعت مساكننا ولله الحمد في سور واحد لجميع أبنائها عدا الأخ جبر الذي استحال الأمر أن يكون ملاصقاً فاختار سكناً أقرب إليها من بعض البيوت لكن يفصله شارع عنها.
ولذا كانت هذه من بركات والدتنا علينا وعلى ذرياتنا حيث اجتمعنا في مجمع واحد، ولكل منا بيته الخاص لكن يلتقي النساء ويلتقي الأولاد، ويلتقي الرجال، ومكان التجمع عندها ضحى وظهراً وعصراً ومغرباً وبعد العشاء في مظهر لايمكن أن نشتريه بالذهب والفضة، لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء.
ووصل الحال بنا ونحن نذهب إلى المدرسة أننا نذهب على أقدامنا
وكذلك الحال في دراستنا في المعهد نذهب على أقدامنا والمسافة تزيد على ثلاثة كيلومترات، وهكذا الجامعة حينما كنا ندرس في كلية الشريعة، نذهب إليها على أقدامنا والمسافة تزيد على أربعة كيلو مترات، كل ذلك لضيق ذات اليد، ولكن والدتي _ رحمها الله _ ربتنا على الكفاف والعفة عما في أيدي الناس، ومن يرانا يظن أننا نملك شيئاً كثيراً وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

تربيتها لنا على حب الجيران

تَنَقَّلْنَا في بُيوتٍ كثيرة، وكانت والدتي _ رحمها الله _ توصينا على حب الجيران ومواصلتهم ومعاملتهم معاملة خاصة، حتى إنها توصينا وصايا خاصة لأسر معينة، وتقول: هؤلاء جيراننا لهم حق علينا.
وإذا جاء واحد منا يشكو أحد أبناء الجيران عنَّفت عليه وقالت: أنت المخطئ ولا تتركُ له فرصة أبداً.
ولذا لا أقابل أحداً من الجيران إلا ويذكرها بالخير ويدعو لها ويقول: إنها بمنزلة والدته.
وذات مرة سافر إخوتي ولم يبق في البيت إلا الوالدة ونحن صغار معها، وكنت في السادسة الابتدائية فخافت الوالدة علينا كثيراً وذهبت لأم أحمد السلمان _ رحمها الله _ وقالت: إنَّ العيال الكبار سافروا وما عندي إلا عبدالله والصغار وأخاف عليهم، قالت لها أم أحمد السلمان _ رحمها الله _: أنا أعلم أبا أحمد، فلما أخبرته قال لها: قولي لأم سعود تنام وتترك الباب مفتوح وما عليها إلا العافية.
وكان رحمه الله _ كما تقول الوالدة _ يدور على البيت طول الليل، وهذه الأسرة المباركة معروفة بقص الأثر فهم من أشهر الأسر على
مستوى المملكة في معرفة الشبه والأثر والدلالة على المجرمين، لكنهم في السنوات الأخيرة لا يقدمون خدمات في هذا الباب لأمور هم أدرى بها من غيرهم.

والدتي وبعض أقاربها

يحظى بعض الأقارب بمكانة خاصة عند والدتي وقد وقفت على مثالين أذكرهما تمثيلاً لما أقول:
الأول: تحظى خالتي أم راشد سبيكة بنت سابح الطيار وهي أصغر من والدتي بمكانة خاصة عند والدتي، حتى إنها قالت لي حينما بدأت أدرس في كلية الشريعة قبل خمسة وثلاثين عاماً: لا تهتم يا ولدي فأنت ستذهب للرياض وهناك أمك أم راشد ستكون أرأف بك مني فأنت أغلى عندها من أولادها.
وهكذا لمست ذلك حينما كنت أدرس، فقد شجعتني خالتي وأخذت بيدي وهيأت لي جميع الوسائل ومن ورائها زوجها التقي الورع الزاهد العابد الصالح الذي إذا رأيته ذكَّرك بالسلف الصالح العم حمد بن راشد الطيار _ شفاه الله وألبسه ثوب الصحة والعافية وجمعنا به ووالدينا ووالديهم وذرياتهم في جنات النعيم _.
وإذا ذهبنا للرياض وجدت أنها ترتاح مع خالتي وتقول: يا ولدي لذة الحياة إذا جلست أنا وخالتك مع خالك صالح أشعر كأني أملك الدنيا كلها، وإذا زارتنا خالتي في الزلفي _ وهذا قليل نادر _ خيمت السعادة على البيت وعشنا أياماً هنية لأن الوالدة تكون في قمة سعادتها مع شقيقتها _ جمعهما الله في جنات النعيم _.
الثاني: يحظى ابن خالتي _ سعود بن سليمان الطيار _ بمنزلة خاصة عند والدتي، وكذلك أخته أم أحمد الفنيسان، ولا تسميه والدتي إلا _ وليدي سعود _ وكانت تقول لي خلال سفرنا في مكة: يا ولدي _ سعود السليمان _ وليد أخيتي مالها إلا الله ثم هو، الله يجعله _ عين جارية _ ويصلح نيته وذريته، تراه يا وليدي مثلكم أو أغلى منكم وهكذا _ أبو محمد سعود السليمان _ عرفته رجلاً شهماً باراً بوالدتي، صاحب دمعة عند السلام عليها، ولا أذكر أنه جاء للزلفي ولو لحظات إلا ويقابل الوالدة ويسلم عليها ويبحث عنها في أي مكان .
ولذا لما أنزلت الوالدة في قبرها ورأيته على شفير القبر تذكرت كلام والدتي فخرجت من القبر وطلبت منه أن ينزل ليكمل تلحيدها فهو واحد من أبنائها وقد أشعرته بذلك حينما علمت بزواج ابنه _ عبدالرحمن _ ليلة الخميس:1/6/1426هـ، وقلت له: أنت رجل تستاهل، ولو كان الواحد منا في أقصى الدنيا لحضر إكراماً لك ووفاء بشيء من حقك لوفائك لوالدة الجميع _ رحمها الله تعالى _.

أمي وزوجات أولادها

حينما ترد عليَّ بعض المشاكل بين زوجة الرجل ووالدته _ وهذه المشاكل يومية _ وأظن كثيراً من الذين يستقبلون أسئلة الناس يعرفون ذلك جيداً.
حينما ترد هذه المشاكل أتذكر نعمة الله عليّ وعلى إخوتي حيث وفق الله والدتنا أتم توفيق في معاملة زوجاتنا، بل إن والدتي لا تسمي بعضهن إلا _ يا بنتي _ فهن عندها مثل بناتها، وأكاد أجزم أن هذا من توفيق الله لوالدتي وتوفيقه لزوجات أولادها، ومن تمام سعادتنا وأهلنا، وقد عرفت الزوجات كيف يتعاملن مع الوالدة واجتهدن في برِّها، بل تنافسن في ذلك حرصاً على رضا أزواجهن، ولذا فوصيتي لكل امرأة عاقلة أن تحسن التعامل مع أم الزوج لتكسب قلب زوجها.
ولقد عايشنا نمطاً من التعامل بين زوجاتنا وبين والدتنا، فكم كانت النساء والأطفال يلجأون _ بعد الله _ إلى الوالدة لطلب رحلة أو اجتماع، ثم تبادر الوالدة بالأمر عليّ أو على أحد إخوتي، فنهيئ الجو إكراماً لوالدتي وحيث كانت _ أم محمد السعود _ أول زوجات الأولاد فقد كان لها تعامل خاص مع والدتي أكبرناه كثيراً وقدرناه، ولذا نعرف لها حقها وقدرها.
وكم كنت حريصاً على رد شيء من جميلها مع والدتي، وقد حرصت أن أحج بها مع محرم لها وبصحبة والدتي إكراماً لها، فهي من أكثر النساء معرفة لرغبات الوالدة ودخولاً على نفسيتها وإدراكاً لمشاعرها، وكم كان لها ولأختي أم سعود وسائر زوجات إخوتي مواقف رائعة خدمة للوالدة وقياماً بالواجب.
ولعل من آخر هذه المواقف ما كان من _ أم محمد السعود _ حيث رافقت مع الوالدة في مستشفى الزلفي ثم المستشفى العسكري باستثناء الليلة الأولى في المستشفى العسكري التي رافقت فيها _ أم أنس _ زوجة الابن طارق بن عبد العزيز.
هذه مواقف أكبرناها كثيراً وحمدنا الله _ جل وعلا _ لأننا نرى بيوتاً تغلي بسبب الخلافات العاصفة بين زوجة الولد وأمه وهنا يبقى الولد بين نارين لا يدري ماذا يصنع فإن أرضى أمه غضبت زوجته، وإن أرضى زوجته غضبت أمه، وهكذا تصبح الحياة أضيق من جب الإبرة على مثل هذا الولد لاسيما إن كان باراً بأمه محباً لزوجته.
ووالدتي _ رحمها الله _ كانت تترك الأمور في البيت ولا تتعرض لها، وحينما انتقلنا إلى منازلنا _ في (حي 8) رغبتْ أن يكون لها ملحق خاص ورفضت دخول المنازل والنوم فيها وقالت: من رغب أن يجلس عندي فليأتِ إليَّ في مكاني، وهكذا كان الملحق الخاص بها يعج بالغادين والرائحين ولا يخلو أبداً في الليل والنهار من الأطفال الذين ترى فيهم الوالدة تمام متعتها وسرورها.
وذات مرة أثناء إصلاح بين زوجين قالت المرأة بكل صراحة: أنا أطالبه بأن يعاملني هو وأمه كما تعامل أمك زوجتك ويكفيني ذلك وكنت أظن أن المرأة لا تعرف أحوال بيتنا، فقلت لها: وما يدريك عن معاملة والدتي لزوجتي والعكس؟ قالت: الناس يتحدثون عن والدتك ومعاملتها لزوجاتكم وأنها تساويهن ببناتها،فقلت:صدقت بل وأكثر من ذلك.
ثم يسَّر الله الأمر بالمشورة على الزوج والحديث مع والدته وتذكيرها فاستقرت الأحوال إلى يومنا هذا.



الإحسان إلى الوالدين


ذات ليلة ونحن في إحدى الاستراحات تفرق من حولنا، فجلست مع والدتي وكنا وحدنا فقالت: يا ولدي، الحمد لله الذي أصلحكم وأصلح ذريتكم، والله يا ولدي لم يكتف أولادكم بالبرّ بل تعدوه إلى الإحسان، وهاهم يتسابقون على بعض الأغراض، وذكرت لي منافسة اثنين من الأولاد على شراء أغراض لها وهما أحمد ابن سعود ومحمد بن عبدالله، وقالت: كل واحد منهما لا يريد الثاني يدري، وأخذت الأغراض منهما ودعوت لهما، وهنا تذكرت أثناء حديثها أن البرَّ إذا لم يصل إلى درجة الإحسان قبل الطلب والمبادرة بتلبية الحاجات للوالدين قبل طلبها فليس ذلك براً، وتذكرت كلاماً نفيساً للعلامة ابن سعدي حول مراتب البر وأنه ينبغي للأولاد أن يتسابقوا في الإحسان إلى الوالدين، وأما قضاء حاجاتهما وتلبية طلباتهما فهذا أقل حقوقهما على الأولاد، ولذا أشار الله إلى ذلك بقوله تعالى: [وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً] غفر الله لأمي وجعلها في الفردوس الأعلى من الجنة، وجزاها عني وعن إخوتي وذرياتنا خير ما يجزي والداً عن أولاده.

علاقتي بها وما صاحبها من مواقف

(1) مرضي وأنا رضيع.
(2) أمي والسفر خارج البلد.
(3) أمي ورحلات الحج والعمرة.
(4) أمي ومكانها في المسجد الحرام.
(5) أمي وزواجي الأول والثاني.
(6) أمي وأسماء الأولاد.
(7) أمي والسفر لأمريكا الذي لم يتم.

أمي ومرضي وأنا رضيع

روت لي والدتي قالت: أصابك مرض شديد فتحولت صحتك وأصبحتَ نحيفاً من شدة المرض وكثرة القيء والإسهال، تقول: وقلبي يتقطع عليك حتى وصل الحال إلى أني فقدت الأمل إلا من الله، وكان جدك _ سابح _ والد أمي رحمه الله يتردد عليَّ ويقول لي: ماذا تريدين بهذا _ العايل( ) _ فأقول له: هذا الذي سينفعني إن شاء الله في حياتي وبعد موتي، ثم قام بحفر قبر( ) صغير لك وهو ممن يتولون حفر القبور للأموات، وبعد شفائك تماماً كان يمسح على رأسك ويقول: الحفرة للمهاب يا ولدي.

أمي والسفر خارج البلد

بادئ ذي بدء أقرر حقيقة هامة وهي أنها لم تسافر منذ أكثر من عشرين عاما إلا وأنا معها _ وهذا من فضل الله عليّ _ حيث كنت أصاحبها في جميع أسفارها إلى مكة وغيرها علماً أن سفرها نادر جداً لغير مكة، فقد تمضي السنة والسنتان لا تسافر فيها إلا لمكة.
أما سفرها إلى البقاع الطاهرة فلها ثلاث سفرات ثابتة سنوياً منذ سنوات؛ في رمضان وفي الحج وفي الصيف.
والسفر مع الوالدة متعة لا تعدلها متعة، تيسير للأمور، وبركة علينا وعلى أولادنا، ودعاء مستمر، وأنس في الحديث، وعطف على الصغير والكبير، حتى أن بعض الصغار والصغيرات يفضلون النوم في غرفتها ويتركون أمهاتهم؛ وذلك للين جانبها وتبسطها مع الصغار وعدم رفع صوتها عليهم، فلا يلقون منها إلا خيراً محضاً.

أمي ورحلات الحج والعمرة


رحلات الحج والعمرة من الرحلات التي يستمتع بها المسلمون ويأنسون بها ويتخللها الكثير من الذكريات في تلك البقاع الطاهرة.
ولقد عشت هذه الرحلات واقعاً ملموساً مع والدتي ابتداء من عام 1396هـ ثم في عام 1399هـ، ثم استمرت هذه الرحلات إلى عام 1423هـ،وقد تخلفَتْ عن الحج عام 1403هـ لظروف أختي أم ناصر، وفي عام 1407هـ و 1408هـ لظروف خاصة، ثم واصلت الحج وقد حدثت أمور عجيبة خلال هذه الرحلات في الحج.
وكذلك بالنسبة للعمرة في الصيف وفي رمضان، حيث بدأَتْ منذ عام 1396هـ واستمرت إلى عام 1423هـ. ولم تتخلف عن عمرة الصيف خلال هذه المدة، وأما عمرة رمضان فقد تخلفت ثلاث سنوات فقط لظروف صحية لها ولأخوي علي وعبد العزيز _ رحمهما الله تعالى _.

مواقف من رحلات العمرة والحج

الموقف الأول: في إحدى رحلات العمرة في الصيف حصل حادث لأخي علي رحمه الله وهو يقود سيارته الجيب بعد أن دخلنا أول مكة وهو على الجسر، ولم يصب أحد بأذى عدا بنته بُشْرى التي أصيبت في أذنها ونوّمت في المستشفى ليلتين ثم خرجت، وكذا أخي علي رحمه الله أصيب في يده وجلس في المستشفى ساعات ثم خرج وتأثرت سيارته، وقد أصلحتها في إحدى ورش السيارات بمكة بمبلغ سبعة آلاف ريال.
وكانت المشكلة هي إخبار والدتي بالأمر فجئت إليها وأخبرتها بأنه حصل حادث بسيط وأدخلت الأولاد عليها وقالت: أين أخوك؟ فقلت: نتابع الإجراءات ونأتي إليك إن شاء الله،وفعلاً جاء إليها أخي في الليل واطمأنت كثيراً.
الموقف الثاني: حدثت مواقف عجيبة تتيسر فيها أمور سيرنا للحج والعمرة أحياناً تصل إلى حد الكرامة ولله الحمد، فمثلاً تضيق الأمور ونمنع من الدخول بسيارتنا وأغراضنا ثم تقول: يا ولدي الله يبي يسر أمرنا، فأذهب وأتحدث مع أحد مسؤولي المرور فيفتح الله لنا مغاليق عويصة أذكر على سبيل المثال:
* سافرنا ذات مرة في عام 1421هـ في رمضان يوم: 19/9/1421هـ ولما وصلنا مركز حجز السيارات حاولت مع رجل المرور وكان جندياً _ دون رتبة _ فرفض وأقسم بالله ألا أتجاوز وضرب بيده على السيارة، وجاء من جهة ولدي محمد وكان يقود السيارة فأقسمت وهو يسمع أن نعبر بسيارتنا، فغضب ومنع المرور بالسياج الحديدي فنزلت من السيارة وسألت عن المسؤول عن المركز فخرج علي ضابط من عربة واقفة وأقبل عليَّ يقول: ما تريد يا شيخ؟ قلت له: هذا وضعنا ومعي والدتي وهذه عربيتها وحاولت مع العسكري فلم يأذن لي علماً أنني قد هيئ لي موقف أمام سكني في مكة، فقال: اطمأن أنا أكلفه بأن يأذن لك، ثم أمره بسحب السياج الحديدي ومشينا، ثم قال لي: سأتقدم بسيارة النجدة وأفتح لكم الطريق، ولما عبرنا جميع المراكز وقف وودعنا، فقلت له: هل تعرفني؟ قال: لا والله، لكن وأنا في العربة أحسست بأمر دفعني للقيام، ووجدتك أمامي وسألتك، إنها الدعوات من والدتي وأوصانا بالدعاء له وأعطاني رقم جواله، وقال: أي شيء تحتاجونه في مكة اتصل بي وأنا أساعدكم.
الموقف الثالث: وفي حج عام 1420هـ حدث أمر عجيب حيث استأجرت شقة بحي العزيزية، ووصلت مكة ليلة عرفة وطفت مع والدتي صبيحة يوم عرفة، وأثناء السعي وفي الشوط الأول اتصل الأخ الحبيب _ سليمان بن مقبل الملحم _ صاحب حملة الرسالة وكان جوالي مع ولدي أيوب فقال: أين والدك؟ قال له أيوب: يسعى مع والدتي _ أم سعود _ ثم عاود الاتصال مرة ثانية ونحن نسعى في الشوط السابع في نهايته فأعطاني أيوب الجوال وألحّ علي _ أبو مقبل _ أن ألتقي بهم في موقع الحملة بعرفة، وقال: لا تحرمنا كلمة للحجاج تكسب منها دعوات في هذا اليوم المبارك، ثم أخذ الهاتف والده _ أبو صالح _ وقال لي: أين الوالدة؟ فأعطيتها الهاتف ثم طلب منها أن تأمرني بالذهاب إليهم ودعا لها ووعدها بدعاء الحجاج لها وذريتها، ثم كلمته فقال: أنا أعرف كيف نلزمك بالمجيء إلينا، فدعوت له ثم قال لي: إذا وصلت إلى الخط العرضي فاتصل بنا لإحضار سيارة لنقل والدتك إلى المخيم، ولما وصلنا إلى الخط العرضي وكانت الساعة في حدود الثانية عشرة ظهراً طلب مني ابني محمد وكان يقود السيارة أن أطلب من رجال المرور السماح لنا للذهاب إلى المخيم، فطلبت من العسكري الأول الذي واجهني فرفض ثم سألته عن المسؤول في هذا الشارع فقال: _ النقيب _ وأشار إليه فذهبت إليه وألححت عليه فقال: لا يمكن أن نسمح لك ولو أذنا لغيرك لما أذنا لك، ثم خلع نظارته وقال: يا شيخ ألم تعرفني؟ فقلت: لا فقال: أنا _ فلان _ وسلَّم عليّ سلاماً خاصاً، ثم سمح لنا بالدخول ووقفت سيارتنا عند المخيم ولله الحمد وأنزلت والدتي وأخذناها بالعربية واستقبلنا أبو صالح وأبناؤه بكل حفاوة وترحيب ودعاء، وكنت أحمل _ البرج _ الذي تستخدمه الوالدة لقضاء حاجتها، فلما رآني أبو صالح دمعت عيناه ودعا لي بالخير.
وبعد الغداء التقينا بالحجاج وأجبت عن أسئلتهم ومن ذلك التاريخ وأنا أحج مع _ حملة الملحم _ أسأل الله أن يتغمد والدتي برحمته وأن يتقبل منا جميعاً.

والدتي ومكانها في المسجد الحرام

اعتادت والدتي أن تجلس غربي المسجد الحرام منذ عام 1396هـ حيث استأجرنا شقة في هذه الجهة ثم تعرفَتْ على بعض المقيمات ممن لا يغادرن الحرم، وبعدها أصبحت لا ترضى أن تجلس إلا في مكانها في رمضان والصيف وفي بعض الأعوام نضطر للاستئجار في غير الجهة الغربية فتقول لي: إن لم أجلس في مكاني المعتاد فلن أذهب إلى مكة، فأعدها بإيصالها إلى مكانها وقد نضطر لاختراق الحرم من أجل إيصالها إلى مكانها.
وقد قويت علاقتها بصويحباتها _ أم عبدالله _ وزينب _ وفاطمة _ ومريم _ وزهرة _ وغيرهن، وأصبحت تعطف عليهن وتسأل عنهن كثيراً،بل وتبلغ السلام لهن مع من يذهب من الأقارب، وقد حصل لهذه النسوة خير كثير ببركة علاقتهن بالوالدة، وكن يخدمنها خدمة البنات لوالدتهن، ولما علمن بوفاتها حزنَّ عليها، ولا زلت أحرص على إكرامهن حسب المستطاع براً بوالدتي ووفاء لهن لما قدمنه لها من خدمة في حياتها.

والدتي وزواجي الأول والثاني

كنت طالباً في كلية الشريعة بالرياض ونظراً لظروف الحياة المادية وصعوبة السفر فقد كنا نجلس الشهر والشهرين والثلاثة، إذا سافرنا إلى الرياض لا نزور أهلنا، فقررت والدتي _ رحمها الله _ أن أتزوج وطلبت من أخي سعود أن يزوجني، وقالت له: أخوك ليس له حل إلا أن يتزوج لئلا يبقى في الرياض.
وفعلاً حضر أخي سعود إلى الرياض وعرض عليَّ الأمر، فقلت له: أنا ليس لي رغبة إلا بعد التخرج والحصول على الماجستير، فقال: لا خيار لك، الوالدة رغبتها أن تتزوج في إجازة العيد القادم ولك مهلة أسبوعان تحضر عندها وتحدد المرأة التي ترغبها لننهي الخطبة وندفع المهر، وإلا سأضطر للزواج وأنت السبب وهو يعرف مكانة زوجته _ أم محمد _ عند الوالدة وعندي أنا وإخوتي،وقد قصد من هذا الأمر الضغط علي.
وبعد أسبوعين قدمت إلى الزلفي وحددت المرأة وذهب إلى والدها فقال وهو في المسجد على بركة الله، وتم الزواج في الموعد الذي حددته
الوالدة.
وكان رأيها مباركاً عليَّ فقد حمدت الله على المبادرة ورزقني الله _جل وعلا _ ذرية أسأل الله أن يوفقهم ويهديهم ويجعلهم مباركين أينما كانوا.

زواجي الثاني

لم تكن والدتي راغبة أن أتزوج وكانت تضرب بي المثل في عدم الرغبة في الزواج لكن إذا قدَّر الله _ جل وعلا _ أمراً يسر أسبابه.
وقد تقدمت لخطبة زوجتي ولم أخبر والدتي،وعقدت عليها ولم أخبر والدتي، ولما حددت موعد الزواج كنت أراعي خاطر والدتي فأتيت إليها وهي في مصلاها وقلت لها سأتزوج وأسافر إن شاء الله؛ فظنَّت أنني أمزح وهي مشغولة في صلاتها.
ثم تزوجت،وفي الصباح الباكر كلمتها وطيبت خاطرها وأخبرتها عن زواجي،فسألتني عن الأمور العامة والخاصة فطمأنتها ودعوت لها ودعت لي وباركت لي، وإذا حاول إخوتي إثارة هذا الموضوع قالت: زواج عبدالله أمر كتبه الله، وسدت عليهم الطريق، وبعد ذلك كان للمعاملة الحسنة آثارها في دعاء الوالدة لأهلي وأولادي.

أمي وأسماء الأولاد والبنات

غالباً ما يسأل إخوتي الوالدة عن رغبتها في تسمية الأولاد والبنات ولكنها لا تحرص على تسمية أحد إلا إذا علمت أن الزوجة _ أم الولد أو البنت _ ليس لها رغبة في اسم معين، أما إذا تأكدت أن هناك رغبة في اسم معين فهنا تحرص على التسمية به حتى ولو لم يرغب أبوه في هذا الاسم أو ذاك.
ولا زلت أذكر حينما رغبتُ أن أسمي أسامة وبعده أيوب، كانت تقول لي: يا ولدي، أنت أدرى بالأسماء الحسنة، ولما بشرتها ببنتي الكبرى _ وكنت أرغب في اسم معين، فقالت: ما شاء الله تبارك الله _ منيرة العبدالله _ فعلمت أنها ترغب في تسميتها عليها فقلت على الفور:
أمنيرة جاء البشير فهللت
* * أم القرى وتجاوبت أحساء

فقالت: ماذا تقول؟ فقلت: سميتها منيرة حسب رغبتك، فقالت: اسم مبارك، وهكذا أولاد أخي سعود _ عبدالعزيز وعلي _ هي التي سمتهم على إخوتي، وهكذا ياسر ولد أخي جبر وغيرهم.

أمي وقصة سفري لأمريكا الذي لم يتم

كنت مستعداً للسفر لأمريكا للمشاركة في أحد المؤتمرات الدعوية وبعد مشاورة لوالدتي لم تمتنع، لكنها تقول: أنا غير مرتاحة لهذه السفرة، فقلت لها: إن كنت لا ترين أن أسافر اعتذرت، قالت: لا يا ولدي، الله يقسم ما فيه الخير لك في العاجل والآجل.
وقد توجهت صباح الأربعاء: 19/6/1412هـ إلى الرياض وقابلت معالي مدير الجامعة، ثم ذهبت لقسم العلاقات الخارجية وأخذت بعض الوصايا وعقدت العزم على السفر مغرب الأربعاء وبعد تأكيد الحجز والاتصال بالسفارة في أمريكا توجهنا إلى المطار لكنني أحسست بآلام شديدة في بطني وهي تزيد شيئاً فشيئاً وسفري الساعة التاسعة مساء، وبعد مشاورة أخي _ الحبيب _ عبدالله الهابس الموسى الذي كان ينوي توديعي في المطار شككنا أن الألم _ زايدة _ فرجعنا إلى الزلفي وفي منتصف الطريق تضاعف الألم فعرَّج قبيل المجمعة على الهلال الأحمر الموجود في الطريق وحملوني بسيارتهم إلى مستشفى المجمعة وبت فيه تلك الليلة بعد أن أُجريت الفحوصات اللازمة وشك الأطباء أن تكون (مرارة) وقد بات معي أخي _ الهابس _ وفي صباح الخميس:20/6/1412هـ اتصلت على الزلفي فجاء أخي عبدالعزيز رحمه الله وأخي جبر _ حفظه الله _ فقررت الذهاب إلى الزلفي لئلا تنزعج الوالدة، وسلمت عليها وقلت لها: لم يكتب الله أن أسافر وأنا أحس بألم في بطني وسأذهب للمستشفى وفعلاً عرضت الأمر على الأطباء فقرروا تنويمي وبقيت فيه ثلاث ليال.
وفي مساء الجمعة: 21/6/1412هـ كانت هذه الأبيات من على السرير الأبيض:
جاءت إليّ تميس في حركاتها
* * وتشير في زهو إلى وجناتها

وتبسمت تغضي بطرف ناعم
* * تمشي بكل رتابة خطواتها

وتقدمت نحوي تلاطف رغبتي
* * وتثير من مكنونها رغباتها

فأشحت وجهي والهموم بخاطري
* * وأجبت أختي بالذي قد فاتها

يا أخت قد بدأ المشيب بعارضي
* * فتداركي مافات من غفلاتها

ما كان يغريني جمال باهر
* * أبداً ولا سحر غشى نظراتها

ما كان لي (والله أبرم أمره)
* * أن أصحب الأخيار في رحلاتها

حزن الفؤاد وما علمت بأنه
* * خير وكل الخير في جنباتها

يا صاح لا تحزن بفوت رغائب
* * فلقد يكون الخير لي بفواتها

أعراض آلامي بدت في حوطة
* * وتأزمت بجلاجل آهاتها

شخص الحبيب بقلبه وبفكره
* * فأناخ عند هلال إسعافاتها

وحملت فوق أسرة محمولة
* * ومنازل الأقدار في طرقاتها

ودخلت مستشفى كبيراً حجمه
* * وسررت للإبداع في غرفاتها

جاء الفريق مطمئناً ومتابعاً
* * فأهاج مني حرصهم دعواتها

ياليلة بات المنام مؤرقي
* * طعم الفراش مكانه حسراتها

وأتيت في يوم الخميس وخاطري
* * نحو الحنون ملاطفاً عبراتها

ودخلت مستشفى يزين بأهله
* * بمديره وجهازه قاداتها

بدأ الفريق علاجه مترسماً
* * في كشفه ما بان من خطواتها

مقبول مع عدنان صبحي كلهم
* * أبدى التفاعل مظهراً قدراتها

أما المدير فهمُّه متواصل
* * أبدى التفاعل في ذرى غاياتها

أبدى الجميع حماسهم وتكرموا
* * فجنيت من إخلاصهم ثمراتها

كم في المشافي من همامٍ ماجدٍ
* * رضع العلوم فكان من ساداتها

أمحمداً عذراً فإن قصيدتي
* * لا تبلغ المأمول في أبياتها

أوليس حقاً للرجال تحيتي
* * وثنائي الفياض عن عزماتها

أعربت في قولي فهل من سامع
* * أم ليس يبلغ ميتاً دعواتها

يا رب وفق كل شهم مخلص
* * يهوى المعالي في ذرى هاماتها

يا شافي الأسقام أنت ملاذنا
* * هوِّن مصاب النفس من عثراتها

يا بارئ الأكوان أمرك نافذ
* * مهما يكن للعبد من شهواتها

يا غافر الزلات عفوك إننـي
* * قد بان مني الجم من زلاتها

احفظ إلهي ديننا وجسومنا
* * واختم لنا بالخير في جناتها


خصائص لها وميزات وقفت عليها

(1) أمي والحديث مع الشيخ ابن باز رحمه الله.
(2) أمي والعلاقة مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
(3) أمي وعلاقتها بالوفي الغالي عبد اللطيف القشعمي رحمه الله.
(4) أمي ومؤذن الحي (أبو حمود جوير الفراج).
(5) أمي والصدقـــــــــــــــة.
(6) أمي وعطية الصغـــــــــــار.
(7) أمي والمحافظة على النعم.
(8) أمي وصويحباتهــــــــــــا.
(9) أمي وقيام الليـــــــــــــل.
(10) أمي والحرص على الاجتماع ولم الشمل.
(11) أمي وتوليد النســاء.
(12) أمي والحرص على العبادة.

أمي والحديث مع الشيخ ابن باز رحمه الله
عبر الهاتف في تعزيته في أخي عبد العزيز

لما توفي أخي عبدالعزيز رحمه الله اتصل سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز معزياً، ثم قال: أعطني الوالدة، فسلَّم عليها وعزَّاها وطيب خاطرها بكلام سُرَّت به كثيراً.
وكان لهذا الاتصال وأمثاله كاتصال سماحة الشيخ محمد ابن عثيمين أثر كبير في تطييب نفسها وتقويتها وشد أزرها حتى تجاوزت المحنة وصبرت ولله الحمد، وإلا فما أعظم فقد الوالد لولده وفلذة كبده ولاسيما إذا كان يرى صبية ولده وهم صغار،فقلبه يتقطع وهم يمشون ذهاباً وإياباً، فرحم الله والدتي وأخي وشيخنا رحمة واسعة.
أمي والعلاقة بفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

نظراً لعلاقتي القوية مع فضيلة شيخنا فقد كان يجل والدتي ويحترمها ويكثر السؤال عنها، وقد عزَّاها بفقد أخويَّ عبد العزيز رحمه الله ثاني يوم من وفاته الأحد:24/4/1414هـ وكانت وفاته بعد ظهر السبت: 23/4/1414هـ.
وعلي رحمه الله ثاني يوم من وفاته الخميس: 4/2/1417 وكانت وفاته يوم الأربعاء: 3/2/1417هـ.
وذات مرة زارني الشيخ في مكتبتي عام 1413هـ وقال: سأسلم على والدتك، فظننت أنه عن طريق الهاتف، فقال لي: لا، سأقابلها، فقلت: دعني أدعوها،فقال: هذه امرأة صالحة،أنا أذهب إليها لكن أخبر من في البيت، فذهبت لجناحها الخاص وهيأت الأمر لشيخنا فدخل عليها ولم يكن بينه وبينها إلا متر واحد، وسلم عليها ودعا لها ودعت له.
ولما خرج الشيخ قالت لي: يا ولدي كيف يدخل عليّ وهو العالم الكبير لقد استحييت منه، فقلت: يا أماه هذا من تواضعه، ودلالة _ ولله الحمد _ على صلاحك وفضلك، فأسأل الله أن يرفع درجاتك ودرجات شيخنا في الجنات.
وفي مكة كان سكني في السنوات الأخيرة في نفس الجهة التي يسكن فيها شيخنا، وإذا صادف الوالدة وهي على العربية قرب منها وسلَّم عليها ودعا لها.
وفي عام 1421هـ في الصيف قبل سفر الشيخ إلى أمريكا اتصلت بالشيخ للاطمئنان على صحته ثم أخبرت الوالدة فقالت: لا بد أن أكلمه، فاتصلت ثانية وكلمته والدتي واطمأنت على صحته، ولما رجع شيخنا من أمريكا كنت مع والدتي في الرياض لزيارة بعض الأقارب؛ فاتصل بي الوجيه عبدالرحمن الطوالة من الطائف، ودعاني للغداء على شرف شيخنا القادم من أمريكا، فقلت: لا أستطيع لأني مع والدتي في الرياض، فقال: سلَّم لي عليها وأخبرها بذلك فأخبرت الوالدة بالليل وقلت لها: دعاني أبو عبدالله وعنده شيخنا، فقالت: يا ولدي، اذهب وأنا أرغب الجلوس في الرياض فهذا الاجتماع فرصة وسلم لي على الشيخ واطمئن على صحته وسلم لي على عبدالرحمن الطوالة، وفعلاً حجزت آخر الليل وحضرت اللقاء في منزل أبي عبدالله عبدالرحمن الطوالة في الطائف _ سلمه الله تعالى _.

أمي وعلاقتها بالوفي الغالي أبي سليمان
عبد اللطيف القشعمي رحمه الله

منذ أن توثقت علاقتي بالوالد الغالي عبد اللطيف القشعمي وصلة والدتي تقوى معه ومع أسرته، ولا أذكر مناسبة عنده رحمه الله إلا ويتصل يدعوني ويطلب من الوالدة أن تحضر معي.
بل أحياناً يجبرني على الحضور بدعوته لوالدتي،حيث لا أستطيع الاعتذار إطلاقاً متى رغبت الوالدة بالذهاب إليه، وكم كانت الدعوات متبادلة بينه وبينها، ولذا كانت تقول لي هذا يا ولدي من أوفى من عرفت من كبار السن حيث كان رحمه الله يأتي إليَّ في مكتبتي رغم كبر سنه ومكانته ويرفض أن يدخل ويقول: جئت محبة في الله وبقصد السلام عليك؛ فأكبر فيه هذا الشعور العظيم وتدمع العين أحياناً حياءً وإجلالاً وتقديراً واحتراماً له على هذا العمل الكبير، ويقول لي أنت مثل أولادي أو أغلى.
وهكذا استمرت صلة والدتي به حتى توفي رحمه الله، ثم استمرت الصلة مع أسرته ولاسيما مع أخته الوفية _ أم محمد القشعمي _ والدة صديقي الوفي أبي عبد الرزاق حتى توفيت أمي، ولا تزال صلتي بأبناء عبد اللطيف إلى يومنا هذا؛ فلا أذكر مناسبة عندهم إلا ويدعوني لها ولاسيما الابن البار بأبيه _ عبد الرحمن _ الذي أخذ مكان أبيه في العلاقة مع المشايخ وأهل العلم والحرص على دعوتهم واستضافتهم، وقد أنزلني نفس المنزلة التي كان أبوه ينزلني إياها وهذا وفاء منه لأبيه ووالدتي _ رفع الله درجاته وأصلح له نيته وذريته، وجمعنا به ووالديه ووالديَّ في جنات النعيم _.

أمي ومؤذن الحي _ أبو حمود _ جوير الفراج


والدتي تقدر مؤذن الحي وتدعو له كثيراً وتقول: إذا أذَّن أحد غيره لا نسمع صوته وصوت _ أبي حمود _ مشهور على مستوى الزلفي، حيث يسمعه من كان في أقصى البلد مع دقة وضبط في الوقت رغم كبر سنه _ متعه الله بالصحة والعافية _.
وذات يوم سافر أبو حمود _ وهو قليل السفر جداً _ ومكث ثلاثة أيام،وبعد عودته سمعت والدتي صوته:فهلَّت ورحبت به، وقالت لي: قل له لا يسافر عنَّا فنحن نفقد صوته ولا يعوض عنه أحد، وكانت في رمضان لا يمكن أن تفطر حتى تسمع أذانه.
ولما أجرى أبو حمود عملية جراحية في ركبته وغاب غيبة طويلة أكثر من شهرين ورجع وكان لا يجلس إلا على كرسي قالت لي: أصلح له كرسياً وأنا سأدفع قيمته إكراماً له، فأخبرت المؤذن في ذلك واستأذنته، ولا يزال إلى اليوم يستخدم هذا الكرسي ويدعو للوالدة _ رحمها الله _.

أمي والصدقة


أصبحت الصدقة جزءاً من حياة والدتي، فلا يكاد يمر يوم إلا وتبذل فيه ما في يدها قليلاً كان أو كثيراً، وإذا لم تجد من تتصدق عليه بذلت للأطفال الذين عندها في البيت.
وكانت تحرص على إيصال ما فضل في يدها إلى المحتاج ولاسيما من كبيرات السن بحكم العلاقة معهن ومعرفتهن معرفة خاصة.
ولا زلت أذكر تلك الحادثة حينما جئت ذات صباح إليها فسلَّمت حسب المعتاد وجلست لمؤانستها بعض الوقت، فقالت: يا ولدي اليوم في الصباح ذكر لي أخوك سعود أن امرأة كانت في مكان كذا تجمع الأخشاب وكانت تلك الأيام في الشتاء القارس _ وقد جلست والدتي حول النار التي تستدفئ حولها في الصباح والمساء وليتك _ يا ولدي _ تأخذ لهم من الحطب الذي اشتريته ليكون سراجاً لك ووالديك، فقلت: أبشري واتصلت وأنا عندها بأحد باعة الحطب وطلبت منه إحضار سيارة جيب _ مليئة بالحطب _ وقلت له: يحضرها بعد المغرب، وفعلاً تم ذلك ونزَّلنا الحطب في بيت هؤلاء _ لاحرمني الله ووالدتي ووالدي أجر ذلك _ ولم يعلم عن هذا الأمر غير والدتي لكن أختي _ أم الدكتور سعود الحمد _ متعها الله بالصحة والعافية وأسكنها فسيح جناته _ رأت في المنام في نفس تلك الليلة أخي عبدالعزيز رحمه الله وهو يشعل النار للدفء وأختي تقول له: يكفي يا عبدالعزيز وهو يقول لها: الخير واجد يا أم سعود، ولما جاء الصباح سألتني عن هذه الرؤيا فاضطررت لإخبارها عن الأمر وأخبرت والدتي بالرؤيا فاستبشرت كثيراً.
لقد كانت والدتي تحرص على الصدقة ولها ترتيبات خاصة في رمضان وفي مكة وأعطيات ثابتة، واليوم الذي تخرج من عندها الصدقة يتهلل وجهها بشراً.
فكم من أسرة أدخلت السرور عليها، وكم من أيتام مسحت دمعتهم، وكم من محتاجين سدت حاجتهم، لاحرمها الله أجر ذلك كله وبوأها الفردوس الأعلى من الجنة.
والصدقة لها أثر عجيب في سرعة الفرج وإزالة الكرب، وقد ذكر لي الأستاذ الفاضل أبو أحمد عبدالله بن أحمد النصار وهو ثقة فيما يرويه لاسيما أن الله أعطاه دقة في النقل وقوة في التأثير على السامع وضبطاً للقصص والحكايات، وكان حديثه في _ مجلس العطا الله _ عن قصة واقعية لعمه أبي محمد حمود بن محمد النصار وقد عايش ما قبل النهضة في بلادنا وأدرك الفقر والجوع قال: كنا في سفر وبعد عودتنا من السفر نفد الماء إلا شيئاً يسيراً وقد تعاهد رفقتنا ألا يشرب أحد بمفرده ولا نأخذ إلا ما يبل الشفاه، قال وكنا جلوساً لصلاة المغرب فذهبت لإحضار تمر من مزادنا _ وهو لا يزيد على جراب تمر فقط _ وشيء من الماء اليسير في إحدى القرب وأثناء أخذي للتمر رأيت قطاة تحوم حولي تذهب وترجع مرات وأدركت في الأخير أنها تبحث عن الماء فنظرت إلى رفقتي ووجدتهم غافلين عني ففتحت القربة وأخذت ماء يسيراً ووضعته في إناء وهيأته للقطاة فنزلت وشربت منه حاجتها ثم طارت فشربتُ ما بقي منها وكان لا يملأ الفم ثم ذهبت بالتمر إلى رفقتي ولم أخبرهم بشيء ونحن في ضائقة لا يعلمها إلا الله وحاجتنا للماء حاجة ماسة وكنا نخشى على أنفسنا من الموت وأثناء صلاتنا المغرب أحسسنا بصوت غريب ثم ما لبثت الأمطار أن هطلت وكان حولنا بعض الحفر فامتلأت فشربنا وملأنا القرب وسقينا الإبل ثم لما نظرنا إلى ما حولنا وجدنا المطر لا يتجاوز خمسين متراً مع الجهات كلها فعلمنا أننا سقينا بدعوة هذا الطير.
وهنا سأل رفاقي ما الذي حدث؟ فأخبرتهم وقلت: إنني أخفيت الأمر عليكم خوفاً منكم فقالوا عملك عاد علينا بهذا الخير العظيم فحمدنا الله وشكرناه وعلمنا بركة الصدقة وفضلها وسرعة جزائها.

أمي وعطية الصغار

اعتادت والدتي _ رحمها الله _ على عطية الصغار وأصبح ذلك جزءاً من حياتها فلا تكاد تخرج إلى مناسبة أو زيارة أو لقاء أو دعوة خاصة أو عامة إلا وجيبها مليء بأنواع الهدايا من المأكولات للصغار من الحلاو والعلك وغيرها، ولا يمكن فيما علمت أن تذهب لصلاة الجمعة إلا ومعها ريالات من فئة ريال ومعها شيء من الحلاو والعلك.
وكم تُسرُّ كثيراً إذا جاءها صغير أو صغيرة ومدت لهم شيئاً مما معها، وإذا ذهبت إلى المسجد وعادت وهي لم تعط أحداً قالت
_ عبارتها المألوفة _: الله لايحرمنا فضله اليوم ما جاء أحد من الأطفال.
ولذا كان _ البرَّاد _ الخاص بها وطوله متران في متر لا يخلو من أنواع الحلاو والعلوك والبسكوت والكاكاو والفيشار وغيرها من مأكولات الأطفال.
وكم كنت أُسر إذا قالت لي: إن البراد ما فيه _ إلا بركة الله _ وهي
عبارة عندها كناية عن قلة ما فيه علماً أن إخوتي _ وكلهم مبارك _
يتنافسون في تكميل ما تحتاج إليه.
وأكثر ما تعطي والدتي أولادنا الصغار فلا يكاد يمر يوم إلا وهناك أعطية عامة لجميع الأولاد والبنات الصغار، أما الأعطيات الخاصة حسب الظروف فحدث ولا حرج عن كثرتها وتنوعها ولا زلت أذكر تلك المواقف المتكررة حينما تدخل إحدى البنيات أو الأبناء _ ممن لهم حظوة خاصة _ فتفتح الوالدة لهم البراد على مصراعيه وتقول لهم: خذوا ماشئتم فيحمل الطفل ما يستطيع في يديه وجيبه وفمه حتى يعجز.
وحالها كما قيل:
تراه إذا ما جئته متهللاً
* * كأنك تعطيه الذي أنت سائله


أمي والمحافظة على النعم

عرفت عن والدتي الحرص الشديد على المحافظة على النعم وعدم التفريط في ذلك ومعاتبة أي فرد من الأسرة لا يهتم بالنعمة ولو كان صغيراً.
وأحياناً إذا جئت إليها وسلمت عليها عرفت في وجهها الغضب ثم بعد الملاطفة والسؤال تفصح لي أنها رأت قطعة خبز هنا أو تمرة هناك وتقول: لا يعرف قدر النعمة إلا من مسته الحاجة وكثيراً ما تذكر لي أنها كانت تبيت من الجوع ولم تذق طعاماً لقلة ذات اليد وكان من عادتها تفقد أماكن النعمة ولاسيما المكان المخصص لذلك في المطبخ.
ومن عادتها أنها تضع بقية الأطعمة وخصوصاً الأرز للطيور التي تهبط بجوار مسكنها وقد ألفت هذه الطيور هذا المكان لأنها تجد فيه الماء والطعام وإنك لتعجب من كثرتها خصوصاً في الصباح والمساء.
إن ربَّاً كفَاكَ ما كان بالأمسِ
* * سيكفيكَ في غدٍ ما يكون


أمي وصويحباتها

والدتي امرأة أمية لكنها تفْضُلُ عندي ملايين المتعلمات عقلاً ورأياً ووفاء وحسن علاقة مع الأخريات.
عرفت عنها وفاءها لصويحباتها خلال الثلاثين عاما الماضية ولعل صلتها بصويحباتها في مكة خير مثال على ذلك حيث كانت علاقتها بنساء من خارج هذه البلاد من الفقيرات تعطف عليهن وتبذل الميسور لهن وتشترط عليَّ أن تكون في نفس مكانها الذي ألفته منذ أكثر من ثلاثين عاماً حيث تجد في هذا المكان بعض صويحباتها ممن أشرت إليهن كما أن لها علاقة بأخريات تطمئن عليهن وتتصل بهن وهن يبادلنها ذلك بل وكلهن يرتبن زيارة لها بين وقت وآخر.
ولا زلت أُكبر فيها حرصها على بعض البنات اللواتي حججن معنا في بعض السنوات _ قبل حملات الحج _ وكانت تتابع أخبارهن وتدعو الله لهن حتى تزوجن وأنجبن وهن على اتصال بها حتى وفاتها _ رحمها الله _.
ومن الأمثلة على قوة علاقتها بصويحباتها وحرصها وتحقيقاً
للنصوص الشرعية الداعية للبرّ والصلة علاقتها بوالدة محمد ابن خالد الحربي ووالدة صديقي محمد بن عبدالله البدر_ العريفجة _ ووالدة صديقي الوفي الغالي عبد العزيز القشعمي أبو عبد الرزاق وإخوانه الأوفياء، ووالدة صديقي محمد بن عبد العزيز الزنيدي وغيرهن كانت الوالدة _ رحمها الله _ على علاقة حميمة مع هذه النساء وتبادلهن المودة والمحبة وتدعو لهن بظهر الغيب.
ولذا غرست محبتهن في نفوسنا فأحببناهن وأحببنا ذرياتهن، أسأل الله أن تكون محبة صادقة خالصة وأن يشملنا قول حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المتحابون بجلال الله على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء).

أمي وقيام الليل

كان السلف يتنافسون في إحياء الليل وصار ذلك في الخلف قليلاً:
وقد كانوا إذا عُدُّوا قليلاً
* * فقد صاروا أعز من القليل

كان السلف جبالاً في العلم والعمل ملكوا الدنيا بصدقهم وإخلاصهم وعلو همتهم وعبادتهم ولسان حالهم ، يقول لمن بعدهم:
كنا جبالاً في الجبال وربما
* * سرنا على موج البحار بحارا

وقد اجتهدوا وثابروا وخلفوا لنا عملاً جليلاً، وسطروا صفحات ناصعة لكننا لم نقدرها قدرها ولم نعطها حقها من الاهتمام والرعاية والاقتداء و لسان حالهم يقول لنا:
غزلت لهم غزلاً دقيقاً فلم أجد
> * * لغزلي نسَّاجاً فكسَّرت مغزلي

والعز والشرف والفخر والمجد في السير على ركابهم والاقتداء بهم فصمتهم كثير وعملهم كثير وعطاؤهم ثر، وصدق من قال: (صلاح العمل بصلاح القلب وصلاح القلب بصلاح النية ومن صفا صُفِّي له ومن خلط خُلِّط عليه)
وهكذا قيل: (إن الخطأ الأكبر أن تنظم الحياة من حولك وتترك
الفوضى في قلبك).
وفي قيام الليل علو الهمة وصلاح القلب وسعادة الحياة ولا شك أن حياة النفس في سموها، ونجاتها في علوها.
وهكذا يحفظ العبد نفسه بقيام الليل ويجاهد إصلاح قلبه بطول القيام وكثرة الركوع والسجود ليسلم القلب من الآفات.
وصدق ابن القيم إذ يقول: (مثل القلب مثل الطائر كلما علا بَعُدَ عن الآفات وكلما نزل احتوشته الآفات).
أجل إن هناك أقواماً موتى لكن القلوب تحيا بذكرهم، وهناك أقوامٌ أحياء تقسو القلوب برؤيتهم وإن من يتخرج في مدرسة الليل ويجاهد نفسه يؤثر في غيره بطلعته البهية ووجهه النَّضِر، ومن تخلف عن هذه المدرسة ورسب فيها، فهو يابس قاس تقسو القلوب بالنظر إليه، وهذا أمر مشاهد وملموس.
ونصوص الوحيين كثيرة في هذا الباب، قال تعالى:[وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ](آل عمران:133).
وقال تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ](العنكبوت:69).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع
الليل المظلم)(رواه مسلم).
وجاء في الحديث القدسي: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها)(رواه مسلم).
وقال تعالى:[تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ](السجدة:16، 17).
ولله در الصحابي الجليل عبدالله بن رواحة حيث يقول:
وفينا رسول الله يتلو كتابه
* * إذا انشق معروف من الفجر ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
* * به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه
* * إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

وقال تعالى:[كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ *وَبِالأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ](الذاريات:17، 18).
وقال تعالى:[وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ](الفرقان:14)
منذ كنت صغيراً وأنا أعرف هذه الصفة _ وهي قيام الليل _ عن والدتي حيث كان قيام الليل جزءاً من حياتها، ولما تقدمت بها السن اشتد حرصها وعظمت رغبتها حتى في سفرها للحج والعمرة وغيرها لا يمكن أن تترك هذه العبادة.
وإذا جئت إلى مصلاها قبل أذان الفجر أو بعده أو بعد الصلاة
أعرف في وجهها الحزن فأسألها: ما لك يا والدتي لا بأس عليك، فتقول: لا يا ولدي اليوم ما قمت إلا مع الأذان الأول أي قبل أذان الفجر بساعة كاملة ومع ذلك يظهر عليها الحزن والخوف من الله لأنها لم تقم قبل الفجر بثلاث ساعات أو ساعتين.
إنه التعود على العبادة لا يعرف صاحبها غيرها، أما نحن فنسأل الله أن يلطف بنا وأن يرحمنا فكم قصرنا في طاعة ربنا وتكاسلنا عن هذه الشعيرة العظيمة.
قال بعض السلف: (الشتاء ليله غنيمة الصالحين المصلين لطوله
ونهاره غنيمة الصائمين لقصره).
ورحم الله والدتي، كم كانت خلال سفرنا إلى مكة في رمضان
والصيف بل وفي موسم الحج تحافظ على صلاة الليل وكأنها عندها فرض لا يمكن أن تتركها مهما كانت متعبة ومشغولة بل حين يشتد عليها المرض تحرص على أن تقوم حسب عادتها دون أن تقلل الركعات أو مدة القيام، وقد ذكر أخي جبر في كلمته عنها طرفاً من ذلك .
وهكذا حال الصالحين والصالحات لا يمنعهم من تحقيق أعمالهم الجليلة والقيام بها همٌّ أو شغل أو تعب، بل هم أحرص عليها من حرص الآخرين على الفرائض.

أمي والحرص على الاجتماع

حرص والدتي على الاجتماع لا يدانيه حرص أحد، متى أراد أحد منا السفر أو النزهة أو الذهاب للعمرة وطلب منها مرافقته قالت: نذهب جميعاً.
وكم من مرة أخذنا سيارة إضافية بناء على رغبتها وإذا اجتمع عندها الأولاد والبنات فهذا غاية ما تسعى له في الدنيا بعد العمل الصالح، ولذا حرصنا أن نرتب اجتماعاً يومياً بعد المغرب عندها واجتماعاً أسبوعياً ظهر الجمعة نجتمع كلنا عندها علاوة على الاجتماع اليومي عند الإفطار والغداء والعشاء.
ومن فقدته منا اتصلت عليه وسألت عنه وتفقدت أهله وأولاده، وإذا رغبنا في لقاء في إحدى الاستراحات دعت الخاص والعام من الأقارب وقالت: الله يجمع شملكم ولا يفرقكم، وكثيراً ما تقول: الاجتماع عز والتفرق ذلة.

أمي وتوليد النساء

تعتبر والدتي قابلة على درجة عالية من المهارة والإتقان وحسن التصرف، وكم كانت تذهب في جوف الليل في الليل الشاتي وهي لا تريد من وراء ذلك إلا دعوة صالحة، وكم حصل لها من المواقف في هذا الباب ومن ذلك:
* أنها تتطهر عندما تبدأ بتوليد المرأة وتجعلها تستقبل القبلة وتلقنها بعض الدعوات.
* إذا ذكر أهل المرأة الطبيب أو الطبيبة خرجت من عندهم وقالت: هؤلاء لا يتوكلون على الله وإلا لو توكلوا لما أحضروا الطبيبة أو فكروا في ذلك.
* إذا تعسرت ولادة المرأة تقول لي: أَرْفَعُ رجليها وأهزها بقوة فإن كان الولد معترضاً يعتدل بإذن الله.
* تعطي المرأة شيئاً حالياً كالتمر والحليب ليسهل الولادة.
* ترفع صوتها بالذكر والدعاء والتهليل والتسبيح لتردد المرأة معها وكل من حضر من النساء.
* لا يمكن أن تركب مع رجل أجنبي بل تمشي والسيارة بجوارها إلى أن تصل إلى البيت المقصود.
* تقول لي: إذا اشتد الأمر طلبت من كبار السن الموجودين في البيت أن يدعوا للمرأة بسرعة الفرج.
* لدى الوالدة غرفة في بيتنا تسمى غرفة الولادة من أحست بقرب ولادتها ذهبت إلى هذه الغرفة وهنا تجلس عندها الوالدة الليلة والليلتين حتى يحصل الفرج من الله.
* تقول والدتي: ما ولدت امرأة إلا جزمت أن الموت أقرب للمرأة من الحياة لكن ما أسرع فرج ربنا _ سبحانه وتعالى _.

أمي والحرص على العبادة

العبادة تورث نوراً في قلب العبد فتصلح أحواله ويعظم توكله على ربه، وهكذا كانت حياة والدتي تعتبر العبادة جزءاً من حياتها تحافظ عليها كما تحافظ على الأكل والشرب، بل والله إنها تهتم بالعبادة أكثر من اهتمامها بأكلها وشربها، فمنذ عرفت _ العلم _ وهي تحافظ على قيام الليل، وصلاة التراويح في المسجد، وصلاة العيدين، والاستسقاء، وصلاة الجمعة، وصلاة الضحى، بل وتصلي الكسوف في البيت.
وكان أخي علي رحمه الله هو الذي يتولى إيصالها باستمرار، ثم بعد وفاته توليت ذلك حتى ناب عني ولدي محمد في إيصالها يوم الجمعة، وأما التراويح فتولى إيصالها للمسجد مع أمه وعمته أم سعود _ الابن سليمان السعود _.
وهكذا كانت العبادة مثل الغذاء لوالدتي، وكم كانت تقدمها على كثير من الرغبات والحاجات الدنيوية.
وأما الصيام فكانت لا تدع صيام النوافل، وقد ربَّت من حولها على صيام ستة أيام من شوال وصيام يوم عرفة وصيام تاسوعاء وعاشوراء، بل قرت عينها في العقد الأخير بصيام أولادنا وبناتنا معها ولا أنسى فرحتها إذا اجتمعنا في وقت الإفطار لصيام النفل حتى وصل الحال إلى أن عينها تدمع من الفرح والسرور باجتماعنا حولها.
وقد استمرت سنوات كثيرة تصوم شهر الله المحرم حتى ألححت عليها بعد أن أصبحت تتعب أن تكتفي بثلاثة أيام من كل شهر واستمرت تصوم تسع ذي الحجة حتى ولو كانت تعزم على الحج ولا تدع الصيام إلا في اليوم الذي نمشي فيه إلى مكة كما استمرت في صيام ثلاثة أيام من كل شهر وكان أخي سعود _ حفظه الله وتولاه _ يصوم معها وتمر عليه ظروف صعبة جداً، قد يكون الفطر أيسر له وأعون على قضاء بعض المصالح ومع ذلك يقوم من أجلها ويتسحر معها ويفطر معها ويتحمل ولاسيما في شدة الصيف وكم كانت تشفق عليه وتقول لي _ رحمها الله _: أحياناً أفكر أني لا أصوم من أجل أخيك سعود الذي يكلف نفسه، فقلت: هو يريد العبادة ويريد البرّ بك، ثم تدعو لنا بدعوات أغلى من الذهب والفضة.
وهكذا أهل الخير والفضل تسهل عليهم العبادة وتدعوهم الطاعة إلى أختها فيتقلبون من خير إلى خير، ومن طاعة إلى طاعة في أجواء إيمانية فسيحة.

أمي ونوم الأطفال عندها

الجناح الخاص بوالدتي يعج بالحركة نهاراً لكثرة الغادين والرائحين وهو أكثر المنازل حركة، ويندر أن يخلو من الرجال أو النساء أو الأطفال، والكل يجد مبتغاه الرجل والمرأة يجدان الاستقبال والبشاشة والتقدير والدعاء، والأطفال يجدون ما يحتاجون إليه من المأكولات والمشروبات التي تناسبهم.
هذا في النهار، أما في الليل فبعد المغرب الاجتماع الأسري للرجال والأولاد والأقارب ممن لا تتحجب عنهم والدتي وبعد العشاء ينام عدد من الأولاد عندها، ومنذ جاء أحفادها ومكانها لا يخلو من أولاد ينامون معها بدءًا من محمد بن سعود، ثم أحمد، ثم محمد بن عبد الله، ومحمد بن عبد العزيز وإخوانهم، حتى بدأ أيمن بن سعود ينام عندها منذ عشر سنوات هو وإخوانه خالد وعبد الله ويزيد إلى وفاتها، ويحظى أيمن بمكانة خاصة عند والدتي وتأمنه على طلبات خاصة لأنه رهن إشارتها في الليل والنهار، والغريب العجيب أن الأطفال إذا ناموا في بيوتهم يصعب إيقاظهم، أما إذا ناموا عند الوالدة فتكاد لا تكرر النداء لإيقاظهم مرتين كل ذلك احتراماً لها وتقديراً ومهابةً، ولعل ذلك سر من أسرار صلاحها وتوفيقها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

حوادث في حياة والدتي لا أنساها

(1) إصابة أخي عليّ رحمه الله في عينيه بعد شراء البطيخ.
(2) إصابة أخي عبدالعزيز رحمه الله بالرعـــــــاف.
(3) سباحتي في بركة _ أخوالي _ وحضورها لإنقـــاذي.
(4) حادثة الســــــــــــــــــــيارة لي.
(5) شرب أخي عبدالرحمن _ الجاز _.
(6) زواج أبي سعود _ الغريشي _ زوجة ثانية على أختي
أمي سعود وموقف والدتي من ذلك.
(7) إصابة أختي أم ناصر بمرض طارئ وموقف الوالدة من ذلك.
(8) إجراء أخي سعود عملية البواسير وموقف الوالدة من ذلك.
(9) زواج أبي ناصر زوجة ثانية وموقف الوالدة من ذلـــك.
(10) إرسال البيض البلدي لأخي أبي محمد عبدالعزيز المديد وهو منوم في المستشفى.
(11) العملية الجراحية لأسنان الابن حسان بن عبدالعزيز وموقف الوالدة من ذلـــــــك.
(12) العملية الجراحية لإزالة الناسور لابني محمد والابن محمد ابن عبدالعزيز في وقت واحد وموقف الوالدة من ذلك.
(13) حادثة رمي القطعة الصغيرة من يد أحمد الحمد واستقرارها بحلق أخي عبدالرحمن بمنظر من الوالدة.
(14) حادثة العقرب التي استقرت على عانة أخي عبدالرحمن وهو صغير.
(15) أمي وحادثة العقرب التي استقرت في ظهرها فترة ثم طلبت
من أختي _ أم سعود _ أن تنظر ما هي.
(16) حادثة الحية التي وجدناها تحت الزير وموقف الوالدة وكيف تصرفت.
(17) أختي أمي سعود والحية وموقف الوالدة من ذلك.
(18) أمي ومحبتها للخير _ قصة حليب البقرة _.
(19) أمي وحادثة _ الجاز _.
(20) أمي وحادث محمد بن سعود.

أولاً: إصابة أخي عليّ رحمه اللهفي عينيه بعد شراء البطيخ

كان أخي علي رحمه الله يعمل في البلدية وذات مرة وفي بداية موسم البطيخ اشترى كمية كبيرة من أجل أن توزع منها الوالدة لكن أحد كبار السن رآه فأصابه _ بالعين _ ولما أحضر الأخ علي البطيخ للبيت وذهب للبلدية للدوام طار المبيد في عينيه فعمي تماماً وأصبح لا يرى، ولما أحضره زملاؤه للبيت كانت والدتي _ رحمها الله _ ذات فطنة عجيبة فقالت لي: عبدالله اذهب إلى المسجد بعد الظهر وخذ من التراب من الجهة الفلانية ومر على دكان فلان وخذ منه وأحضره لي سريعاً، وأعطتني خرقة مبلولة وقالت: جرها على محل الأقدام فقمت بالمهمة على خير وجه وأحضرت لها ما طلبت ثم وضعته في ماء حار وجعلت دخانه يتجه لعيون أخي علي ففتح عينيه مباشرة وقالت لأخي سعود اذهبوا به إلى الرياض ليتسامع الناس أنه حصل عليه كذا وكذا لعلها تكون حاسمة الشر، وفعلاً ذهبنا إلى الرياض وأجرينا له فحوصات وظهرت النتائج سليمة ولله الحمد والمنة.

ثانياً: إصابة أخي عبدالعزيزرحمه الله بالرعاف

أصيب أخي عبدالعزيز برعاف حاد ولم يقف الدم فأمرت والدتي أخي سعود أن يذهب به إلى الرياض فأخذني معه، وكان أخي عبد العزيز مضطجعاً في المرتبة الخلفية، ولما وصلنا الغاط خف نزيف الدم فقال: لعلنا نرجع كأنه خف عليّ الدم فرفض أخي سعود وقال: لا بد أن نذهب إلى الرياض ونعرض الأمر على طبيب مختص وفعلاً ذهبنا إلى الرياض وعرضنا الموضوع على طبيب صيني وقام بكيِّ أخي مع أنفه وشفاه الله تماماً ورجعنا إلى والدتي بعد ما وصلت حالها إلى حد كبير من الخوف على أخي ولم يكن وقتذاك هاتف ولا غيره من وسائل الاتصال.



ثالثاً: سباحتي في بركة (أخوالي) وحضورها لإنقاذي

في صيف عام 1390هـ وفي ضحى يوم الجمعة كنت مع ابن خالتي _ الدكتور راشد بن حمد الطيار _ وهو أصغر مني فتذاكرنا حول الكفاءة والقدرة وجودة السباحة،وقال لي: لا تستطيع أن تسبح في بركة أخوالي، وكانت بركة مغطاة كبيرة تكاد تمتلئ بالماء فتحمست ونزلت وتعبت في الخروج لكن الله أعانني وخرجت فقلت له: انزل أنت، فقال: هل تستطيع مرة ثانية؟ قلت: نعم، قال: اسبح وأنا بعدك فنزلت لكنني عجزت عن الخروج ورأيت الموت بأم عيني فتأزمت الأمور وبكى _ راشد _ ولم يكن حولنا أحد إطلاقاً فذهب راشد وأخبر الوالدة فجاءت من غير عباءة ولم يكن بين بيتنا وحوش أخوالي إلا الشارع فقط وفزعت وأخذت تحرج علي ألا أنزل وأنا بين الحياة والموت لأن نَفَسِي انكتم وقال لها راشد:ياخالتي أولاً نطلع عبدالله ثم امنعيه واجتهد مع والدتي واستجمَعْت قواي حتى يسَّر الله وخرجت، لكن الدماء كانت تسيل من الساق والساعد وبعد معالجتي من والدتي ذهبنا وصلينا الجمعة، وأصبحت تتعاهدني ألا أنزل مرة ثانية.

رابعاً: حادث السيارة لي

في صيف عام 1398هـ وفي ضحى يوم الجمعة جلست مع بعض الإخوة استعداداً لخطبة الجمعة في _ العقلة _ وبعد أن قمنا من مكاننا لنوقف بعض السيارات عند البيت وننطلق إلى المسجد وكان ورائي الدكتور سعود الحمد ابن أختي في سيارة وأنا معي سيارة مازدا ووضعت معه حافظة الشاي.
وفي الطريق الترابي قدر الرحمن عليّ فانقلبت بي السيارة عدة مرات وقفزت عن الأرض أمتاراً ثم وقفت بي وأنا أتشهد وسعود خائف عليّ أن يكون أصابني أمر لأنه يسمع صوتي أتشهد فنزلت وقال لي: سلامات يا خال، فقلت : الحمد لله ليس بي بأس ما عدا أصبعي ينزف دماً وقد لوث ملابسي فقلت له: يجلس عند السيارة أحد الإخوة وأنا سأذهب لوالدتي لئلا تعلم عني.
فذهبنا إلى المستشفى وعلم أخي علي رحمه الله فأحضروا من يجر السيارة وعالجت أصبعي ودخلت على والدتي وأخبرتها وقلت لها: سأذهب لأخطب الجمعة وأتغدى عند أحد الإخوة فدعت لي بالتوفيق والحفظ والإعانة.


خامساً: شرب أخي عبدالرحمن _ الجاز _(1)

كان أخي عبدالرحمن صغيراً فتناول جازاً في إناء وشربه فلما علمت الوالدة أمرت أخي علي أن يذهب به إلى المستشفى وذهبنا إلى الطبيب وأعطاه علاجاً وعدنا إلى الوالدة وهي واقفة عند الباب وقلنا لها: إنه طيب وسليم فضمته إلى صدرها ودعت له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تسميه العامة (القاز).

سادساً: زواج أبي سعود _ الغريشي _ رحمه الله
زوجة ثانية على أختي أم سعود وموقف والدتي من ذلك
تزوج أبو سعود الحمد _ عبدالعزيز بن سليمان الحمد _ زوجة ثانية على أختي وكنا وقتها في مكة فطلبت الوالدة حينما سمعت بدايات الخبر من أختي أن ترافقنا إلى مكة فاعتذرت أختي وهي أدرى بظروفها لاسيما في ذلك الوقت وكانت والدتي مشغولة البال حيث أكثرت الاتصال والسؤال ، ولما علمت أن الأمر صار عادياً عند أختي فرحت ودعت لها وقالت: هكذا تكون المرأة العاقلة، فقلت للوالدة: وأنت ما رأيك في الزواج، فقالت: والله لو ينخل الدنيا كلها ما يجد مثل أم سعود من جميع الوجوه، فقلت لها: هذا أكيد لكن ما رأيك هل تصبر أم سعود ولا تنغص على زوجها؟ قالت: هذه بنتي وأنا أدرى بها يا ولدي المرأة العاقلة إذا وقع الفأس بالرأس صبرت وتحملت ثم تكون العاقبة لها إن شاء الله، وإذا كانت المرأة الثانية بنت _ أجواد _ فالأمر يهون وأبو سعود يقولون: إنه خاطب امرأة صالحة وبنت أخيار ولهذا لا يمكن أن تظلمها أم سعود ولا هي تظلم أم سعود.
وفعلاً حدس والدتي في مكانه حيث كانت حياتهما هنيئة كريمة بل أشهد أن أختي كثيراً ما توصي أبناءها بالبر بإخوتهم والعناية بهم، ولقد وقفت على أمور أثلجت صدري قد لا يعرفها أقرب الناس ولكن الطيب من معدنه لا يستغرب.
وهكذا كان هم والدتي أكثر بكثير من هم أختي في مسألة الزواج ولكنها معاناة انتهت إلى خير ولله الحمد.

سابعاً: إصابة أختي أم ناصر بمرض طارئ وموقف الوالدة من ذلك
أصيبت أختي أم ناصر بمرض مفاجئ لم يلزمها الفراش لكن كان له آثار نفسية حادة عليها فأعلنت والدتي _ رحمها الله _ حالة الطوارئ وأخذنا نتردد بأختي على الرياض أنا وأخويّ عبدالرحمن وجبر وتحسنت حالتها مع العلاج لكن زادت معاملة والدتي لها وكانت تعاملها معاملة خاصة رحمة بها وعطفاً عليها _ لاسيما أنها آخر العنقود _ ودائماً ما يكون الصغير محبوباً لوالديه وصدق من قال: (أحب أولادي إليّ صغيرهم حتى يكبر، وغائبهم حتى يرجع ومريضهم حتى يشفى).
واستمرت والدتي في ملاطفة أختي ومراعاتها ومطالبتنا في ذلك وكان إخوتي _ رحم الله الميت وحفظ الحي منهم _ يتنافسون في مراعاة خاطر أختي إكراماً لأمي _ لاسيما عبدالرحمن وجبر _ حيث كانا رهن إشارة والدتي في هذا الأمر، وقد أوصت بأختي كثيراً ونحمد الله أن زوجها من خيرة الأزواج حيث عوضها عن كثير من الأمور حتى كبر أولادها الذين نؤمل فيهم أشياء كثيرة في بر والديهم وصلة أرحامهم وفقهم الله وسدد خطاهم وأسعدهم في الدنيا والآخرة.


ثامناً: إجراء أخي سعود عملية البواسير وموقف الوالدة من ذلك
أخفى أخي سعود على والدتي أمر عمليته وقال لها: سأسافر للرياض لقضاء بعض الأعمال وكان حريصاً ألا تعلم عنه لئلا ينشغل خاطرها معه لكن سرعان ما تبين الأمر حيث أجرى عملية جراحية للبواسير في مستشفى قوى الأمن بالرياض وعلمت عنه الوالدة فألحت عليَّ أن تذهب للرياض وحاولت أن أقنعها وطلبت من أخي سعود أن يقنعها بالهاتف ألا تأتي إليه بالرياض لكن دون جدوى وفعلاً ذهبنا للرياض وأكبت عليه وهي تبكي وكان المنظر يدعو للشفقة والرحمة وينبئ عن عطف الوالدين وحنانهما حتى وإن كان الولد كبيراً.
ولما رجعنا من الرياض قالت: يا ولدي الآن طابت نفسي واطمأنيت ولو لم أره لبقي خاطري مشغولاً ودعت له ولي بالخير والصحة والعافية.

تاسعاً: زواج أبي ناصر زوجة ثانية على أختي أم ناصر وموقف الوالدة من ذلك
أشرت سابقاً أن لأختي أم ناصر منزلة خاصة عند والدتي ولاسيما بعد ظرفها الصحي العارض، وكان من آثار ذلك أن أقدم زوجها فهد بن ناصر الناصر على الزواج من امرأة ثانية لظروف خاصة وحينما علمنا بمقدمات الأمر أصبحنا نمهد للوالدة ونعطيها الخبر على جرعات وأشرنا إلى ظروف زوجها وقلنا: إن ذلك قد يكون من مصلحة أم ناصر حيث تخف حقوق الزوج عليها وتتولى شؤونه امرأة أخرى تتحمل مسؤولية الزوج، وقلنا إن زوجها رجل عاقل حصيف ولن يضرها أو يؤذيها فهو الذي كانت له مواقف جيدة معها في محنتها السابقة.
وفعلاً ظهر تأثير ذلك على والدتنا وبدأت تنقله لأختنا أم ناصر وتقنعها به حتى تم الزواج ومرت الأمور عادية واجتهد زوجها ألا يشعرها بشيء يضايقها لكن تبقى قناعات النساء وسرعة تقلبهن وتأثر عواطفهن بالمواقف السريعة الطارئة ومع ذلك كانت الوالدة كثيراً ما تدعو لأبي ناصر وتثني عليه وتذكر له مواقفه الطيبة من بنتها وكثيراً ما كانت تمنع الأخريات من الكلام في هذا الأمر لأنها تعرف أين تكمن المصلحة، رفع الله درجاتها وبوأها الفردوس الأعلى من الجنة.

عاشراً: إرسال البيض البلدي لأخي وزميلي أبي محمد _عبدالعزيز المديد _ وهو في المستشفى من آثار آلام في ظهره
كنت أتحدث مع والدتي عن حالة أخي وصديقي عبدالعزيز ابن محمد المديد السويكت وكان منوماً في المستشفى لعارض في ظهره فقالت الوالدة: لعله يستعمل البيض البلدي لأنه ينفع لعلاج الظهر.
ولما جاء من الغد قالت: تبي تروح لرفيقك قلت: نعم فأعطتني كمية من البيض وقالت: قل له هذا من أم سعود وتراها ملزمة عليك إنك تشربه لعل به شفاء، وفعلاً سلمته لأبي محمد واستعمله واستفاد منه وكانت والدتي تدعو له كثيراً وتقول : يا ولدي رفيقك مثلك لعله ما يشوف إلا العافية وهكذا يمتد عطفها وحنانها لأصحابنا وأصدقائنا في أوقات ومناسبات متفاوتة.

أحد عشر: العملية الجراحية لأسنان حسان بن عبدالعزيز بعد وفاة والده رحمه الله وموقف الوالدة من ذلك
اشتكى حسان بن عبد العزيز آلاماً في أسنانه فأخبرتني الوالدة فذهبت به إلى المستشفى وتحدثت مع الطبيب وحرَّصته وقلت له: هذا عندي أغلى من ولدي وشرحت له ظروفه فوعدني خيراً ثم حدد موعد العملية ودخلت معه ولما خرج اتصلت بالوالدة وأخبرتها فبكت ودعت لي وقالت: من سيجلس عنده؟ قلت لها: أنا ولا أرضى أن يجلس عنده أحد غيري، فقالت: جعلك الله مباركاً ورزقك برَّ أولادك وأنبتهم نباتاً حسناً.
وقد جلست عنده في المستشفى ليلتين ثم خرج معافى ولله الحمد والمنة.


اثنا عشر: العملية الجراحية لإزالة الناسور لابني محمد وأخيه محمد بن عبدالعزيز في وقت واحد وموقف الوالدة من ذلك
أجرى ابني وأخوه محمد بن عبدالعزيز عمليتي جراحة إزالة ناسور كانا يشكوان منه فشجع بعضهم بعضاً وأزالوه ولما علمت الوالدة ذهلت وألحت على زيارتهما فحاولت أن تكتفي بالهاتف فلم ترض وكانت شفقتها وخوفها لا تكاد توصف مع أني طمأنتها بأن العملية سهلة وعادية لكنها _ غفر الله لها _ كانت تحبهما محبة عظيمة وتشفق عليهما أكثر منا ولم أجلس عندها تلك الفترة إلا وترفع يديها لهما بالدعاء بأن يعجل الله شفاءهما، ولذا يسَّر الله أمرهما وفرَّج عنهما وشفيا ولله الحمد، ولم يكن لذلك آثار عليهما بفضل الله ثم بسبب دعاء الوالدة _ حرَّمها الله على النار_ .

ثلاثة عشر: حادثة رمي القطعة الصغيرة (القميزا) من يد ابن أختي أحمد بن عبد العزيز الحمد واستقرارها بحلق أخي عبدالرحمن بمنظر من الوالدة
حدثني أحمد بن عبدالعزيز ونحن جلوس أمام الكعبة قال: هل تذكر حينما كنا صغاراً في البيت القديم _ الذي جوار مسجد أبي بندر _ حينما كنت أمزح مع خالي عبدالرحمن أمام جدتي، فاختلفت معه وكان معنا قطعة صغيرة نلعب بها تسمى (القميزا) فقلت لخالي عبدالرحمن: أنا أستطيع أن أدخل هدف في فمك، فقال: أتحداك، فأبعد وفتح فمه فرميت القطعة التي معي ودخلت في فمه واستقرت في حلقه ولم تدخل في جوفه ولم تخرج فأخذ يكح بشدة وجدتي تنظر فأخذت تتكلم عليَّ وتقول: أبعد عني كيف تصنع بخالك كذا، يقول أحمد: وخرجت من عندها وقلبي مع خالي عبدالرحمن فلما ذهَبَتْ إلى الغرفة لتحضر له شيئاً يجعله يعطس لعلها تخرج من حلقه رَجَعْتُ إلى خالي وضربته مع ظهره فخرجت القطعة وعادت جدتي وتبسمت ودعت لي وقالت: يا وليدي ما يصلح تمزحون بهذه الطريقة خطر عليكم،الله يصلحكم ويوفقكم ويخليكم لعين ترجيكم.

أربعة عشر: حادثة العقرب التي استقرت على عانة أخي عبدالرحمن فترة من الليل وموقف الوالدة من ذلك


تقول أختي أم سعود استيقظت ذات ليلة وأنا نائمة عند الوالدة وإذا أخي عبدالرحمن عليه عقرب كبيرة ولم أكن أعرف أنها عقرب فأيقظت أمي فجاءت وضربتها بيدها فأبعدتها فلما سقطت بعيداً عنا تحركت فصحت: العقرب العقرب، فخافت الوالدة أن تكون لدغت أخي عبد الرحمن وهو ما يزال نائماً وقالت لي أمي: نادي أم حمد بن ناصر البدر وكانوا جيراننا لما كنا في بيت (الجوير)، فناديتها وجاءت، وبعد إيقاظ عبدالرحمن تبين أنها لم تلدغه، أما العقرب فابتعدت وجلست تحت الجدار وأمي تقول: اللهم صل على محمد، اللهم صل على محمد، اللهم صل على محمد.
وهنا نلمس ما كانت عليه الوالدة من اللجوء إلى الله في تربية صغارها حيث هرعت للصلاة على رسول الله وأخذت تدعو الله أن يكفيها شرها.
ونلمس أيضاً ما كان عليه الجيران من الألفة والمحبة والتقارب
وخدمة البعض فحينما خافوا أنها لدغت الطفل الصغير استعانوا بعد الله بخيرة جيرانهم للمساعدة في العلاج وذلك في الليل حيث أيقظوها من النوم وذلك عن طريق ندائها مع الجدار فالناس ينامون في الأحواش ويسمع بعضهم حديث بعض بل أحياناً يتحدث بعضهم مع بعض وكل في بيته وهذا يشعر بأن الجيران كأنهم أسرة واحدة، وهكذا علمتنا والدتنا خلال مجاورتنا للعديد من الجيران في منازل مختلفة.

خمسة عشر: أمي وحادثة العقرب التي استقرت في ظهرها فترة ثم طلبت من أختي _ أم سعود _ أن تنظر ما هي؟

تقول أختي _ أم سعود _ حينما كنا في بيت _ الجوير _ وكنت وقتها نفساء في إحدى بناتي وكان أخي سعود يدرس في المجمعة _ في المدرسة الزراعية _ وكان عنده ضيوف، فذهبت الوالدة لتنظيف المجلس فرقت عليها عقرب كبيرة ولم تشعر بها فلما جاءت عندي في الحوش قالت: يا بنيتي أحس أن في ظهري شيئاً وطلبت مني أن أرفع ثوبها لأرى ما فيه ووضعت الجلال عليها فلما رفعت ثوبها إذا العقرب جاثمة على ظهرها فسقطت فصرخت أنا وأم محمد السعود السليمان الطيار وكانت عندنا هي وأم علي العبد الرحمن الطيار _ زينب الفالح _ والوالدة لم تتحرك وهي تتعوذ منها بكلمات الله التامة وتقول: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، فذهبت العقرب ولحقتها زينب الفالح وقتلتها فحمدنا الله وفرحنا وقالت الوالدة: يا بنيتي ما لنا إلا المكتوب والله هو الحافظ سبحانه.
ستة عشر: حادثة الحية التي تحت الزير وموقف الوالدة من ذلك
دخلت البيت في أحد الأيام وأنا صغير وذهبت للزير لأشرب منه ماءً فوجدت حية تحت الزير فناديت الوالدة وقلت لها: هذه حية _ داب _ فقالت: يا ولدي سم الله وصل على محمد حتى لا تتحرك من مكانها فكررت الصلاة على رسول الله وهي كذلك فلم تتحرك من مكانها ثم ذهبتُ وأحضرتُ خشبة من الحوش فمنعتني والدتي من قتلها وقالت: تعوذ منها يا ولدي فأخذت تتعوذ منها حتى أخرجتها من البيت فلحقتها وضربتها بالخشبة التي معي حتى قتلتها ودفنتها خارج البيت، وبعد ذلك علمت أن الوالدة تعرف أن حيات البيوت لا تقتل حتى يستعاذ منها.

سبعة عشر: أختي أم سعود والحية
وموقف الوالدة من ذلك

تقول أختي أم سعود: خرجنا ذات مرة للبر في وادي مرخ عند _ أبو صفا _ كلنا إخوتي وأولادي وكان ولدي سليمان صغير _ رضيع _ تقول وكانت والدتي بجواري وسمعتُ _ خرفشة _ فخفت ونزلت الخرفشة من الخلف من عند الكتف الأيمن من الأمام فلما رأيت الحية خفت خوفاً شديداً وكانت الوالدة ثابتة فقالت: قولي يا بنتي أعوذ بكلمات الله التامة، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، اللهم صل على محمد، اللهم صل على محمد، فأبعدت الحية ولحقها أخي علي ليقتلها فدخلت في وسط شجرة كبيرة فأخذ يضرب الشجرة بالمسحاة حتى خرجت منها فضربها بالمسحاة حتى قتلها وحمدنا الله على السلامة.

ثمانية عشر: أمي ومحبتها للخير قصة حليب البقر وتوزيعه على الجيران

قلت لأمي ذات مرة: يا والدتي البقرة تعب عليك وتأخذ منك وقتاً كبيراً قالت: يا ولدي أنا ما أصبر بدونها فيها خير كثير، فيها حليب ونعطي منه وهو الذي يدفع عنكم السوء ونسوي منه الغفيص وغيره، يا ولدي هذي من أهل الدار وكانت _ رحمها الله _ تعلفهن وتحلبهن وتنظف مكانهن، تقول أختي أم سعود في بعض الأوقات يصير عندنا خمس بقرات ويصل الحليب إلى الجيران في آخر الشارع وهذا غاية المتعة والرضا عند أمي فاليوم الذي لا تُظْهر فيه شيئاً من البيت يضيق صدرها مع أن بيتها في هذا الوقت كان من أفقر البيوت وأكثرها حاجة.


تسعة عشر: أمي وحادثة (الجاز) (1)

تقول أختي أم سعود: كان فيه رجل يبيع _ الجاز _ على حمار ويمر على البيوت ويعبي _ الجيك _ بعشرة ولم يكن عند أمي إلا جيك واحد وأرادت أخذ زيادة فأحضرت القدور_ التي تطبخ بها _ فوضعت الجاز فيها ووضعتها في المطبخ وبعد يومين جاءت لهذه القدور وكانت تطبخ الغداء في يوم الجمعة فنسيت أن فيها الجاز وظنت الذي فيها ماء وصبت منه على الغداء وكان قريب النضج ولكنه تأخر ما نضج وكان الطبخ على الكولة وشمينا ريحة غريبة، فذهبتُ وفتحت غطاء القدر فإذا رائحة الجاز فقلت لأمي: الغداء به جاز فتذكرت أنها أخذت من القدر الذي فيه الجاز فأبعدت القدر وبدأت تعد الغداء من جديد وتستعجل مخافة أن يحضر إخوتي سعود وعلي من الصلاة والغداء لم ينضج فلما جاءوا أخذنا نتحدث واستغربوا أن الغداء غير جاهز فأخبرتهم بالأمر فضحكوا وتغدينا والوالدة تقول: سبحان الذي لا ينسى ولا ينام.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ تسميه العامة (القاز).


العشرون: أمي وحادث محمد السعود

كان ابن أخي الشاب محمد بن سعود الطيار يدرس في إحدى القرى الشرقية، وأثناء رجوعه في يوم:26/7/1413هـ استوقفه في الطريق عامل، فطلب منه أن يوصله إلى البلد، فأحسن إليه وأركبه معه لإيصاله للبلد، وأثناء نزوله من _ طلعة أم الذر _ انقلبت به السيارة وارتطمت بعمود مما تسبب في موت العامل الذي ركب معه، وإصابة زميله المدرس بإصابات خفيفة، وإصابة الابن محمد بن سعود بإصابات بالغة، أغمي عليه من أثرها، ونقل لمستشفى الزلفي، ثم جرت المكاتبات للرياض والقصيم لنقله لأحد المستشفيات المتخصصة، وفي نفس الوقت كان عند الأخ عبد العزيز رحمه الله مراجعة في المستشفى التخصصي، وأثناء انتظاري لأخذ العلاج اتصلت بالوالدة بعد العصر وإذا خاطرها متكدر جداً، فألححت عليها بالسؤال عن السبب فلم تخبرني، ثم أخْبَرَتْ إخوتي، وقالت علموا عبد الله، لكن لا يعلم عبد العزيز لئلا يتكدر، فاتصلتُ مرة ثانية وإذا أحد إخوتي عند الهاتف، فقال لي: إن محمد السعود يدرب الطلاب في الصباح وسقط وانكسرت رجله فقلت: هل مات،قال: لا لكنه متعب جداً، ولم يخبرني بالحادث إلا بعد إلحاح شديد، وقال: إنه بالمستشفى وننتظر الموافقة من الرياض أو القصيم لنقله، ثم رجعت أنا وأخي عبد العزيز رحمه الله إلى الزلفي، وفي الطريق أخبرته بهدوء ومهدت له، وبينت له أن أقدار الله نافذة وقلت له لعلنا ندركهم قبل ذهابهم، فقال:_ أنت كلك بركة وسيحقق الله مرادك _ ووصلنا بعد المغرب، وقد صلينا صلاة الجمع في الطريق، ولما وصلت وسلمت على الوالدة وكان عندها بعض إخوتي،وسلم عليها عبد العزيز قالت: عسى المراجعة _ طيبة _ فقلت لها: أبشرك ولله الحمد، مراجعته ممتازة، لكن أين بقية إخواني، فقالت عند محمد السعود، فقلت هل سافروا، قالت: ما أدري جاءت موافقة من القصيم وأظنهم سافروا، فودعتها ولم أجلس، وذهبت إلى المستشفى فوجدت الابن محمد قد حملوه في الإسعاف، وعنده الأخ سعود والأخ مزعل وعبد الرحمن وجبر فقلت للطبيب من يركب في الإسعاف، فقال: أنا وممرضة فقط فقلت: سأركب لأقرأ عليه، فهو بحاجة إلى القراءة، لكنه اعتذر وأثناء حديثي كان مدير المستشفى يشرف على نقل المريض وهو الأستاذ الشاب _ محمد بن حمود الشايع _ وهو موفق ومسدد في عمله فقلت له سأركب معهم، فقال: اتكل على الله واركب بجوار السائق، ووجودك معه مثل وجود الطبيب _ فدعوت له وشكرته _ وركبنا في الإسعاف واتجهنا إلى المستشفى التخصصي، ولحقنا الإخوة بالسيارة حتى وصلنا المستشفى، فاستقبلونا وبدأوا بالكشف والأشعة، وجاء استشاري المخ والأعصاب، وبعد أخذ الإشاعة المقطعية وكانت الساعة في حدود الحادية عشرة، قال لي سراً: لعل الإخوة يخرجون خارج الغرفة، وكان يريد الحديث الخاص معي _ وهو يعرف أنني في الجامعة _ فقلت لإخواني أنتم ما صليتم العشاء وأنا صليتها في الطريق مع أخي عبد العزيز فاذهبوا للصلاة وأنا سأبقى مع الابن محمد، فلما خرجوا بدأ الدكتور يتحدث وكأنه يشير إلى أن الولد في عداد الموتى، ويقول هيء والده وأعمامه، وكنت جالساً على الكرسي، فوقفت وقلت صدق الله وكذبت، الولد تحت مشيئة الله، لكن ليس هذا أسلوباً مناسباً، فقال لي: أنت دكتور وفاهم، فقلت: مع ذلك ليس هذا مناسباً، ولو قلت: حالته خطرة والأمل ضعيف لكن الأمر بيد الله، لكان هذا أولى، ثم دار بيني وبينه كلام، فقال: أنا أدرى بعملي وستعرف خلال هذه الليلة أو يوم غد، ثم نقلوه إلى غرفة العناية المركزة، وجلس فيها _ خمسة عشر يوماً _ والعادة أنه إذا مر على مثل هذه الحالة يوم وليلة زالت مرحلة الخطر الشديد، ثم بقي منوماً وهو في غيبوبة قرابة الشهر، وبعدها بدأ يفتح عينيه، ولم يتكلم إلا بعد شهرين، وبقي في المستشفى قرابة ثلاثة أشهر، لكن لما بدأ يفتح عينيه ذهبت إلى الطبيب وقلت له ألم أقل لك صدق الله وكذبت، فقال: نحن نتكلم حسب معلوماتنا، والله جل وعلا لطف بالمريض، وكان والده _ الأخ سعود _ ملازماً له في المستشفى، وأجلس أنا مكانه في بعض الأيام من أجل أن يرتاح، أو يذهب لأمر لابد منه في عمله، وإذا رافقت معه ذهبت في الصباح ساعة أو ساعتين للدوام في الكلية ثم أعود، وكان الإخوة يترددون عليه يومياً مع الأبناء.
والوالدة _ رحمها الله _ استقبلت خبره وكأنه صاعقة، ومع الأيام كنا نطمئنها، فلما أخبرناها أنه فتح عينيه بكت فرحاً، وأبكت من حولها، ولما خرج من المستشفى ودخل عليها وهو على العكاز تأثرت كثيراً وتأثر من حولها من الرجال والنساء، وكانت طيلة هذه الأيام تدعو له بالشفاء والعافية، وتلزمنا بالقراءة عليه أنا ووالده، وكان أخي سعود يحمل هم الوالدة أكثر من ولده، وقال لي ذات مرة حينما ألححت عليه أن أرافق مكانه ليرتاح، أنا راحتي أن تريح الوالدة وتطمئنها وتحرص ألا تنزعج وتحاول ألا تأتي لئلا تتعب، وقد اجتهدنا في ملاطفة الوالدة، لكنها تصر كثيراً أن تذهب لزيارته
وتجلس عنده الساعة والساعتين وتقرأ عليه وتدعو له.
وهكذا _ رفع الله قدر والدينا _ يكون ولد الولد مثله أو أكثر في المحبة والمودة والرعاية والمتابعة، فرحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته.


في أخريات حياتها وما بعدهـــــــا

(1) مرضهـــــــــــــا.
(2) موتهــــــــــــــا.
(3) وفي ظهر يوم وفاتهـا.
(4) تركــة الوالـــــــــدة.
(5) رثـاؤهـــــــــــــا.
(6) رؤى تبشر بالخير.
(7) لا نامت عين من لا يبر أمه.
(8) وفقدت كل شيء بفقد أمي.
(9) هل هناك أحد له أم كأمي.
(10) قالــوا عن الوالــــــدة .


خواطر حول مرضها ووفاتها
(بداية البداية)

عندما شكت _ رحمها الله _ جنبها الأيمن وقالت: يا ولدي ما أدري وش هذا الوجع، فقلت لها _ وكان ذلك قبل ذهابنا للحج بأربعة أيام _ غداً سنأخذ إشاعة على الصدر.
وفعلاً في صباح الثلاثاء ذهبت بها إلى المستشفى في الزلفي وأخذت إشاعة على الصدر وأخذت تخطيطاً للقلب وتبين أن عندها نزلة حادة وظهرت آثار ذلك في أسفل الرئة من خلال الأشعة، وتبين أن عندها ضعفاً في القلب وهذا معروف لدي منذ سنوات حينما أجريت فحصاً شاملاً عليها عام 1414هـ واشترطت علي أن آخذ منظار المعدة مثلها وفعلاً أخذت المنظار وتخطيط القلب وتبين أن عندها ضعفاً يظهر أثره في سرعة دقات القلب لاسيما عند المشي اليسير ثم قلت لها: إن الطبيب صرف لك مقويات وبقي على سفرنا للحج ثلاثة أيام وقد ألح عليها بعض إخوتي ألا تحج هذا العام لكن كنت أخالفهم واجتهدت في إقناعها وتحدثت مع من يؤثر عليها أن يرغبوها في الحج وفعلاً قالت لي: أنا عازمة على الحج وما عليّ منهم _ تعني الذين يقولون لها لا تحجين أنت متعبة _ وكان ينتابني شعور أن هذه آخر حجة لها قبل ذهابها بل صرحت لبعض إخوتي بذلك.
وبدأت تستعمل العلاج قبل سفرنا بيومين وأخذته يوماً واحداً ثم قالت: ودي يا ولدي ألا أستعمل العلاج حتى أرجع من الحج فذهبت وسألت الطبيب: هل يلزم استخدام العلاج من الآن؟ فقال لي: لا ولكن خذه معك احتياطاً وإن احتاجت له فلتستعمله.
وفعلاً أخذت العلاج وذهبنا للحج ولم تشتك إلا ثاني العيد وقرأت عليها وأعطيتها العلاج وهدأت ولم تحس بشيء حتى عدنا.
وبعد ثلاثة أسابيع بدأت تشكو من جنبها فذهبت بها إلى المستشفى وأجرينا تحاليل وفحوصات فتبين أنها سليمة ما عدا ضعف القلب، ثم تشاورت مع أخي جبر وقررنا الذهاب بها إلى مستشفى الحبيب وأجرينا فحوصات كاملة من جميع النواحي وتبين سلامتها، وأخذنا لها علاجاً للقلب.
ثم في أول شهر صفر شكت جنبها فذهبنا بها إلى الإسعاف وقرروا تنويمها وجلست في المستشفى من مساء السبت إلى ضحى الثلاثاء ثم أخرجتها وأخذت لها العلاج اللازم، ولكن بدأ الألم يتزايد عليها أحيانا ويخف أحياناً أخرى.
وفي آخر شهر صفر لما رأيت أنها أحست بالنشاط قلت لها: سنجمع العائلة، وفعلاً جمعتهم في استراحة الراية يوم الخميس: (29/2) وكانت مسرورة غاية السرور لاسيما أن الدعوة باسمها لجميع العائلة.
وفي يوم السبت 2/3: دخلت المستشفى ومكثت فيه أسبوعين، ثم في يوم السبت 16/3: نقلناها للعناية المركزة بمستشفى الزلفي، وكانت ضحى هذا اليوم تردد[يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ] وأحياناً تقرأ آية الكرسي ثم غاب وعيها قبل ظهر ذلك اليوم، ومكثت فيه إلى ضحى الثلاثاء ثم نقلناها للعسكري تحت ضغط بعض إخوتي وكنت غير راغب في نقلها لأني أدركت وضعها من خلال كلامها ووصاياها الخاصة ومكثت في العسكري من الثلاثاء إلى ظهر الأحد، وفي هذه الأيام حدثت خواطر ومواقف أُجْمِلها فيما يأتي:
يوم الثلاثاء 19/3: بعد وصولنا للمستشفى عن طريق الطوارئ وقد نقلناها في إسعاف مستوصف القمة جلسنا ساعتين ثم تم تهيئة السرير بعد أن خرج المريض الموجود عليه، وأجريت لها الفحوصات اللازمة والتحاليل الشاملة، وقد رافقت عندها تلك الليلة أم أنس الطيار زوجة الابن طارق بن عبد العزيز.
وفي يوم الأربعاء 20/3: نقَلْتُ بعض أسرتي واستأجرت شقة أمام بوابة المستشفى لأتمكن من متابعتها باستمرار،وهكذا الحال في أيام الأربعاء والخميس والجمعة وفي يوم السبت قلت حركتها واختلفت لهجة الأطباء، ومساء ذلك اليوم قابلني الطبيب وشرح لي وضعها وحالتها الخطرة فقلت له: إن لدي مسلمات لا تقبل النقاش ومنها أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها مهما كانت الرغبات والأسباب المبذولة.
وثانياً أنا مؤمن بالقضاء والقدر وأني لن أستطيع رد هذا الأمر عن نفسي فكيف بغيري، وثالثاً: الأسباب المقدور عليها بذلناها والنتائج يتولاها الخالق الرازق المحيي المميت.
وفهمت من تصريحات الطبيب أنها في آخر ساعات عمرها حسب عرفهم الطبي.
وفي هذه الليلة _ ليلة الأحد:23_24/3/1424هـ دارت خواطر واستعرضت أموراً مرت عليّ، وانتابني شعور ممزوج بلحظات الوداع الاضطرارية ولذا جاهدت النوم فلم أستطع إلا آخر الليل ثم
قمت قبل أذان الفجر وتوضأت وصليت في المسجد القريب.
وبعد صلاة الفجر تلفت أبحث عن أخي جبر فلم أجده فدار في خاطري هواجس كثيرة لكني غالبتها بالاتصال على المرافقة _ وهي المرأة الوفية المخلصة أم محمد السعود الطيار التي رافقت الوالدة في مستشفى الزلفي وفي العسكري، وكانت نعم المرأة في خدمتها للوالدة وحرصها عليها فجزاها الله عني وعن إخوتي خير الجزاء _ فأفادتني أنها نقلت قبل ساعتين للعناية المركزة في نفس القسم، ثم اتصلت على أخي جبر وأيقظته من النوم وأخبرته أنها نقلت للعناية، وقلت له سأذهب إليها وأخبرك بالوضع، وفعلاً ذهبت واستأذنت ودخلت عليها في العناية ووجدت نفسها يتردد دون حركة إطلاقاً ورأيت الضغط ينخفض وقرأت في نظرات من حولها من الهيئة الطبية أنها تودع الدنيا ، ثم عدت أدراجي واتصلت على أخي فوجدته دخل المستشفى فأعدته إلى السكن وأخبرته بحالتها الصحية وخطورتها، ثم ذهبت وحاولت أن أستريح دون جدوى لكن غفت عيني فرأيت الناس كأنهم يقدمون لي العزاء ورأيت أشخاصاً أعرفهم ورأيت أخي علياً رحمه الله معهم فأولتها بأن وفاتها هذا اليوم.
ثم ذهبت مبكراً إلى المستشفى ودخلت عليها ووجدتها على
حالتها فجراً لكن الضغط ينخفض ثم سألت جهاز التمريض عن حالتها فقالوا: الطبيب يريد مقابلتك ليشرح لك وضعها، ثم حصل اللقاء بالطبيب والتقيت بخمسة من الأطباء والمساعدين وأخذوا يوضحون حالتها وباختصار يقولون لي: هي في طريقها إلى الوفاة، فقلت: أريد ملازمتها لأني لديَّ يقين أنها لن تتأخر ثانية ولن تتقدم ثانية عن أجلها المحتوم فأعطوني ورقة بالدخول عليها في أي لحظة، ثم قلت للمرافقة من الأفضل أن تخرجي عندي في السكن مع أولادي فهيأت أغراضها ولكني تأخرت عليها فاتصل بها أخي جبر وجاء وأخرجها من المستشفى وذهب بها إلى البيت ولم يدخل على الوالدة حيث لم يؤذن له علماً أنني داخل العناية قد أغلقت الجوال.
ثم ذهبت إلى السكن وأنا أعلم أن الوالدة تودع الدنيا واتصلت بأخي سعود وهيأته للموقف ومن اتصل بي من إخوتي وأولادنا أخبرته بأنها في اللحظات الأخيرة ليتهيؤوا للموقف
وعند الساعة العاشرة والنصف اتصل بي أخي سعود وقال: سأحضر للمستشفى وفعلاً جاء فأدخلته على الوالدة وقرأ عليها وودعها وجلسنا حولها حتى أذان الظهر وذهبنا للصلاة وبعدها للسكن ننتظر اتصال الممرض، وفعلاً عند الساعة الواحدة والنصف اتصل بي وكان أخويّ سعود وجبر معي فأخبرتهم وسبقتهم إلى المستشفى ودخلت عليها وقد توفيت، فقابلت سعود قبل دخوله وأخبرته بوفاتها، ثم قابلت جبر قبل دخوله وأخبرته بوفاتها، فدخلا وودعاها ثم بدأت بإنهاء الأوراق الرسمية لنقلها إلى الزلفي، وكان أخي مزعل وعبدالرحمن وابني محمد وأحمد بن سعود ومحمد ابن عبدالعزيز في الطريق إلى الرياض، وبعد صلاة العصر استطعت إنهاء الأوراق واستلمنا جثمانها الساعة الرابعة والنصف واتجهنا إلى الزلفي.
وقد اتصلت بأم عبد الله بن راشد الرومي، وأم أحمد المنيع وطلبت منهما تغسيلها لما أعرفه من حب الوالدة لهما واتصلت بأخي عبدالله السلمان وطلبت منه تهيئة الثلاجة لتكون الإجراءت أيسر ووضعناها فيها بعد صلاة المغرب مباشرة.
وفي الساعة العاشرة صباحاً نقلناها إلى المغسلة وحضرت مجموعة من النساء من أسرتنا وبعض المحبات لها وتركناها في المغسلة ودخلت عليها النساء ثم اتصلت إحداهن تشكو من كثرة الحاضرات اللواتي يرغبن في المشاركة فقلت لها نختار خمساً فقط وحددتهن لها وقمن بتغسيلها وطلبت منهن وغيرهن ممن حضرن توديعها ثم خرجن وأدخلت إخواني وكل أقاربنا من محارمها وودعوها ثم نقلناها إلى المسجد.
وصليتُ بالناس صلاة الظهر ثم صليت عليها والمسجد بساحته قد امتلأ وصلى عليها جمع غفير في المقبرة قل نظيره فيما أعلم ثم صلى على قبرها عدد كبير أيضاً وجلسنا في المقبرة حتى خرج الناس كلهم ولم نستقبل العزاء في البيت إطلاقاً، وأظهرت تجلدي أمام الناس وتحملت والله أعلم ما بداخلي.
صبرت لأن الصبر خير مغبة
* * ولا جزع يجدي عليّ فأجزع

صبرت على ما لو تحمَّل بعضه
* * جبال شرورى أصبحت تتصدع

ملكت دموع العين ثم رددتها
* * إلى ناظري فالعين في القلب تدمع


تركة والدتي
كم كانت والدتي تعتب عليَّ وعلى إخوتي وأخواتي وأولادنا إذا أحضرنا لها بعض الثياب قائلة: أنا لا أدري مقامي في هذه الدنيا وأخاف أموت وعندي هذه الثياب، ولذا في كل صيف تجمع ما عندها وتتصدق به على صويحباتها في مكة.
ولذا لما تغدينا ظهر الاثنين الذي دفناها فيه أي بعد ساعتين من دفنها _ تماماً _ جمعت إخوتي ومعنا أختي أم سعود وقلت لهم: هذا ما خلفته والدتي وكانت التركة بعض الثياب والدهونات وسجاجيد وأشياء يسيرة جداً فقومناه وتصدقنا به عليها وقلت لأختي أم سعود: تصرفي فيه كما ترين فهو صدقة عليها فمن رغب من النساء شيئاً فليأخذه.
وهكذا ينبغي أن يحرص الحي على قسمة ما يخلفه الميت وألا يترك مدة بحيث لا يستفيد منه الحي ولا الميت.
لقد كانت والدتي غنية النفس وإن كانت قليلة ذات اليد وصدق القائل:
يعز غنيُّ النفس إن قل ماله
* * ويغنى غنيُّ المال وهو ذليل

وكما قيل:
إن الغني هو الغني بنفسه
* * ولو أنه عار المناكب حاف

ما كل ما فوق البسيطة كافياً
* * وإذا قنعت فبعضُ شيءٍ كاف


رثاؤهــــــا
وقد رثيتها بهذه القصيدة التي كانت بعد وفاتها بعشرين يوماً في يوم السبت:14/4/1424هـ:
سكتت ودمعي سال من أجفاني
* * ومضت وقلبي فارغ ويعاني

أمَّاه ماذا قد أقول ومهجتي
* * في معمل التفكير دون توان

أمَّاه قلبي طار من رجفانه
* * والهم أثقلني وهدَّ كياني

أنت الأمان إذا يخاف مروَّع
* * سعدوا لديك بِعِشْرَة وحنان

أنت الكريمة يا سليلة عنصر
* * من فارس أمضى من الشجعان

أنت الوفية يا كريمة مـعشر
* * منك اليدان تمد للخلان

يا برَّة بقريبة وغريبة
* * يا نعمة كانت من الرحمن

أمَّاه قد هيلت لفقدك أمةٌ
* * الأبعدون وقبلهم جيـراني

أمَّاه إني قد وردت مناهلاً
* * والمرء مثل الوارد الظمآن

يا ليتني منها رويت بمنهل
* * فلي الهناء بكأسها الملآن

أمَّاه قد جفت بفقدك أنهر
* * تروي ذوي الحاجات كل زمان

زفرات قلبي يا بنيَّ تكاثرت
* * فتبادرت عيناي بالهملان

أبنيَّ إني قد فقدت دعاءها
* * فاهنأ ببرٍّ قبل فقد الثاني

ها قد وقفت حيالها ممدودة
* * فوق السرير سريعة الخفقان

أنحو عليها بالنداء ولم تجب
* * ها قد وقفت كوقفة الحيران

أرنو بطرف العين نحو سريرها
* * والنفس في وجل من الهجران

هذي الحنون فأين كل أساتها
* * والأهلِ والإخوان والجيران

عجز الجميع أمام أمرٍ محكم
* * قد خطه الرحمن في الأكوان

كُتب الفناء على الخلائق كلها
* * ويدوم وجه الله ذي الإحسان

يا ليت شعري هل نقوم بحقها
* * يوم انطوت في عزة وتفاني

ترعى اليتامى بعد فقد أبيهم
* * وتجود بالمعدوم دون تواني

كنَّا صغاراً يوم مات حبيبها
* * فروت سنين العمر بالتحنان

ترضى القليل وتعطه لصغارها
* * وتبيت طول الليل وهي تعاني

وتبث فينا كل فعلٍ فاضل
* * وتميت فينا كل عيب وانـي

وتردنا ردَّاً جميلاً للعلى
* * والعلمِ والأخلاق والإيمان

كبُر الصغار على مناهلها التي
* * فاضت فعمَّت كل صاحب شان

يا لهف نفسي هل يموت جميلها
* * بنفوسنا أو هل تموت معاني

لا والذي برأ الحنون وخصّها
* * بالحب والإيثار والإحسان

لا ننثني عن حبها وحنانها
* * نحيي مآثرها بكل لسان

يا رب واجمعنا بها في صحبة
* * طه الحبيبُ إمامُهم بجنان


رؤى تبشر بالخير
الأولى: رأيت صبيحة الأحد:24/3/1424هـ كأنها توفيت وجاء المعزون وعرفت أشخاصاً منهم، ورأيت أخي علياً رحمه الله وكأنه حريص ويتحرك وقد أهمه الأمر ولما قمت من النوم توقعت وفاتها في ذلك اليوم وقد كان حيث خرجت روحها الساعة الواحدة والنصف ظهراً _ رحمها الله _.
الثانية: ورآها أحد المشايخ من أحبابنا وأمه من خواص الوالدة الغاليات عندها وعندنا _ متعها الله بالصحة والعافية _ وهو:ع. ع. ب أبو عبدالله رآها كأنها ممدة في مكان التغسيل وابنها عبدالله _ يقصدني _ عند رجليها وسمع _ الرائي _ هاتفاً يقول: غسلوها واتركوها نرفعها وقد شاركت والدة هذا الرائي في تغسيلها.
الثالثة: ورآها أحد المشايخ _ أبو خالد _ ج . ع . ج _ قال لي: رأيتها وكأن على المغسل فراشاً والنعش محمول ويقول الناس: هذه أم الطيار،يقول: وكأني سمعت أنها رفعت لأني لا أرى إلا الفراش على النعش.
الرابعة: ورآها أبوعبدالله _ س . ج . ج _ قبل وفاتها بأيام وكأنها
مريضة والناس متهيئون للحج وكأنها لن تحج يقول: فقلت في نفسي هي حجت كثيراً يقول: وأنت _ يقصدني _ مرافق معها، يقول الرائي: فوقع في نفسي أنها ستموت قريباً.
الخامسة: ورآها الشاب _ م . ر . ج _ قبل وفاتها بأيام وكأنها قبرت وقبرها يتسع لأربعة أشخاص.
السادسة: ورأتها امرأة صالحة _ نقلاً عن أختي أم سعود _ متعها الله بالصحة، تقول الرائية : رأيت نساء على بساط أخضر معهن _ فاطمة الدخيل _ وهي من خواص صويحبات الوالدة _ رحمهما الله تعالى _ وفاطمة تقول: ننتظر أم سعود ستأتينا.
السابعة:ورأيتها صبيحة الجمعة: 6/4/1424هـ وهي مضطجعة على جنبها الأيمن وعليها ثوب أحمر كانت تلبسه في آخر حياتها وأنا عندها وعن يميني ابني محمد ومعنا مجموعة وكأنها طلبت ثلاث حاجات فقلت سأحضرها لكن لمست منها أنها لا تريد أن تكلفني فقلت: هذا محمد سيحضرها، فطابت نفسها بذلك.
الثامنة:ورأتها بنت أخي _ ن.ع.ط _ يوم الأربعاء:4/4/1424هـ وكنت في مكة، تقول: رأيتها مضطجعة وأنت يا عمي _ تقصدني _ تدهن رأسها بطيب دهن العود فأولتها أن ذلك دعائي لها في العمرة و في الطواف خاصة وفي سفرتي تلك عامة.
التاسعة:ورأتها _ م. ن. ن _ تقول:كأن جدتك حصة _ أم الوالدة_ تقول: سآخذ منيرة بنتي معي، تقول الرائية: ورأيت ابنيها علياً وعبدالعزيز حول الجامع الجنوبي يقولون: ستأتينا الوالدة.
العاشرة: ورأيتها _ أنا _ بعد مدة من وفاتها، وقد رأيت نخلاً عليه حمل عجيب متراص وبعضه مربع وحمله كبير جداً وكأننا نخرف منه بلحاً وكأنه لها وكأني أنظر إليه الآن يتدلى حمله أصفر وأحمر وهو بالمترين والثلاثة متشابك.
الحادية عشرة: ورآها أبو عبد الحكيم _ س . ع . ج _ قبل وفاتها بثلاثة أيام يقول: رأيت _ شرق جامع الغنام _ شكلاً كأنه طائرة ورأسه رأس حصان وأرجله أرجل حصان ومؤخرته مؤخرة حصان لكن الشكل كأنه طائرة ورأيت عنده رجلاً لباسه أبيض وجهه يشع نوراً، فقلت له: ما هذا؟ قال: هذا براق، قلت: ولماذا؟ قال: ستركب عليه منيرة السابح، يقول أبو عبدالحكيم: ولم أعرف أن اسمها منيرة إلا منه فنحن نعرفها بأم سعود، يقول: وكنت أتحين الفرص لسؤالك عن هذا، فلما دفنا الوالدة يوم الاثنين سألت زوجتي ما اسم أم سعود الطيار؟ قالت: منيرة السابح فأدركت تعبير الرؤيا.
وأخيراً أقول: إن هذه نماذج من المرائي وقد بلغني عنها عشرات المرائي مما سجلته وما لم أسجله اكتفيت بما أوردته نموذجاً للرؤيا المبشرة ومعلوم أن الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره ويستبشر بها خيراً.

لا نامت عين من لا يبر بوالديه
أليسا يجوعان ليشبع الولد، ويعطشان ليروى.
أليسا يسهران لينام ويتعبان ليرتاح.
إنهما الوالدان ترتبط سعادتهما وفرحهما بسعادة الأولاد وفرحهم.
أرأيت أباً وأماً حين يقدم ولده المسافر.
أرأيتهما حين يحضر الولد أو البنت الشهادة ناجحاً ومتفوقاً.
أرأيتهما حين يسمعان الثناء على الولد أو البنت.
إنهما يفرحان فرحاً شديداً أكثر من فرح الولد والبنت؛ فلا نامت عين من لا يبر والديه.
لقد عشت ـ قصة ـ تعتبر مأساة؛ فأين وقعت ومن هم أبطالها؟ فانتبه لها ـ رعاك الله ـ وجنَّبك العقوق:
في حرم الله الآمن وفي مغرب ليلة سبع وعشرين من رمضان من عام 1421هـ، وكانت والدتي ـ رحمها الله ـ معي في الحرم، خرجت لأتوضأ فمررت من طريق باب الملك فهد بالحرم، وفجأة رأيت شاباً جلداً (من جنسية عربية غير سعودية) يدفع امرأة ثبطة ـ غليظة ـ في ذلك اليوم الفاضل، في الشهر المبارك، في البلد الحرام، وفي المسجد الحرام أمام الكعبة المشرفة ـ كلما سقطت المرأة أقامها، ثم أخذ يدفعها، فجئت إليه وقلت له اتق الله، لا تؤذي هذه المرأة، اتركها تمشي على مهلها، فقال لي ـ لا دخل لك في شؤوني ـ فقلت لانسمح لك بهذا الفعل والمرأة تمطره بوابل من الدعاء عليه أن يدخله الله النار، وأن لايسامحه، وأن يبتليه ..، وهو يمطرها بالشتائم والكلام البذيء، وخلال حديثنا معه اجتمع حوله عدد كبير من جنسيته وغيرها، وعرفنا من خلال حديثهم أنها أمه ـ عياذاً بالله ـ فأخذوا المرأة منه وأدخلوها مع النساء، وأخذوه خارج الحرم، وهنا كاد أن يغمى عليَّ، وبعد أن هدأتُ سألتُ من حضر، ما خبر هذا الرجل؟ قالوا هو مهندس أحضر أمه للعمرة، ولكن اختلف معها داخل الحرم، هو يريدها تخرج معه للسكن، وهي تريد البقاء فيه، وقد أصر على رأيه مدعياً الخوف عليها أن تضيع.
فقلت سبحان الله! كم من مريد للخير وحريص عليه لا يوفق له، وسألت الله أن يحفظ والدتي، وأن يرزقني برّها على الوجه الذي يرضيه عني.
ولما خرجنا من الحرم وجلسنا ـ نتعشَّى أخبرتها بأمر ذلك الرجل،
فقالت على الفور _ لعله مجنون _ فقلت لها ليس بمجنون، لكنه لم
يوفق للبر، وقلت لها ادعي له بالهداية والتوفيق؛ فبدأت بالدعاء لي ولإخوتي وأخواتي، ثم ثنت بالدعاء له.

وفقدت كل شيء بفقد أمي
كل شيء كنت أتمناه يتحقق عند والدتي فأولادها وأحفادها يجتمعون مغرب كل يوم ويحلو الحديث، وتعذب السواليف وهي بينهم، كل حريص على كسب رضاها، الكبير قبل الصغير، قمة سعادتها وأنسها في لم شمل أسرتها، كم كانت تلبي طلبات الصغار والصغيرات برحلة أو نزهة أو جلسة في استراحة عن طريق أمر الكبار، وهنا تواصل الاتصال على كل واحدة من البنات وبناتهن، والزوجات، وتشعرهم جميعاً أن الدعوة منها، وهنا يتنافس الجميع في تحقيق مطلوبها، ولذا يندر أن يعتذر أحد منهم.
لقد فقدت بفقدها طعم الجلسات،ولذة الحديث،ومتعة الاجتماع .
كم كانت طلعتها بهية، وكم كانت جلستها هنيَّة، وكم كانت مسامرتها رضية.
رحمك الله _ يا أم سعود _ فقد كنت ملء العين والبصر، وكنت صاحبة القلب الكبير، كما أنت صاحبة البيت الكبير الذي يتسع للجميع.
لقد عبَّرت أختي _ أم سعود _ عن فقدها والدتي تعبيراً صادقاً حينما رثتها بأبيات عامية( ) لكنها معبرة أتم تعبير عما فقدته بفقد أمها.
كل شيء في هذه الدنيا يعوض،أما فقد أحد الوالدين فلا يعوض.
لقد فقدت حنانها، وضمها لي ولا سيما عند القدوم من السفر، وذلك ينسينا هموم الدنيا ومتاعبها.
ولذا أقول _ وهذا أمر مجرب _ على كل شاب أو شابة يصيبه هم أو غم، أو تحدث له مصيبة أو محنة في هذه الدنيا _ وهذا كثير _ عليه أن يبسط الأمر لأمه، ويسعد بلقائها، ولثم جبينها، واستمطار دعائها، فالفرج عند الله قريب؛ فحنان الأم وعطفها لا يدانيه عطف أو حنان.
فإن الحنان الحق في الأم وحدها
* * وغير حنان الأم ضرب من الوهم

هي الأم سرٌّ لست تعرف كنهه
* * وإن خلتها في صورة الدم واللحم

ولعل من أثمن ما فقدت بفقدها تلك الدعوات لي ولإخوتي صباح مساء.
ولذا قلت في رثائها مخاطباً ولدي:
أبنيَّ إني قد فقدت دعاءها
* * فاهنأ ببرٍّ قبل فقد الثاني

وصدق القائل:
لا تقولوا بكيت أقسى بكاء
* * فبكاء المحب رمز الوفاء

كيف لا يذرف الدموع محب
* * ذاق مرّ الفراق بعد اللقاء

هي أمي في فقدها فقد عمر
* * وحياة من الرضا والصفاء

هي كنز للدعاء يالهف نفسي
* * وأساها لفقد كنز الدعاء

صرت كالطفل حين فارقت أمي
* * تائهاً مثل ريشة في الفضاء


من له أم كأمي؟!
* الأم عظيمة في نفسها، صابرة على محنتها، قائمة بما أنيط بها.
* أرق الناس قلباً على أولادها، وأكثرهم حنواً عليهم.
* لكن أمي ليست كالأمهات،وقديماً قيل _ كل فتاة بأبيها معجبة وكل يغني على ليلاه _.
*أمي نادرة الوجود،عجيبة في حياتها،وإني معها كقول القائل:
أثني عليك بما استطعت وربما
* * يُعْيِي البليغ جلالة الممدوح

* أمي امرأة صاحبة همة علية، وقلب قطعه الأسى والحسرات، لكن زينه الصبر، وجمله الرضا، وثبته التعلق بالله؛ فلا تراها إلا حامدة شاكرة، مصلية صائمة، داعية واعظة.
* مجلسها يعمر بالخير، ولا مكان فيه لأصحاب الغيبة والنميمة، حتى إنها إذا جاءت بعض النساء وتحدثت بما لا ترغبه أمي رفعت صوت المذياع على إذاعة القرآن، أو رفعت صوت التسجيل إلى حد التشويش على المتحدث أو المتحدثة لتقطع الحديث وتصرفه إلى الخير.
* أمي صاحبة رأي نادر ولاسيما في حل مشكلات النساء، ولذا أحياناً تسألني عن أمر فأقول لها وأنت ماذا ترين، فتذكر العلاج الدقيق، وكم تولت بعض المشكلات دون أن يعلم عنها بعض الأطراف، وحسمتها في مهدها.
* أمي صاحبة صدر واسع يتسع لكثير من الخلاف والخصام، ولذا اليوم الذي لا يكون عندها أطفال ترتفع أصواتهم لا ترتاح على عكس كثير من النساء اللواتي يطردن الأطفال ولا يرضين بعبث الأطفال ولعبهم، ولذا كثيراً ما كانت تقول: (عسى عدو عينك بيت ما فيه أطفال).
وكانت تقول إذا دعوت على أحد فقل: (عساها تفر بوجهك الطيور في بيتك) يعني أنه لا يولد له.

هذه هي أمي
فيا لائمي دعني أغالي بها فأنا الذي أعرف قدرها ومكانتها.
قلت ذات يوم لسماحة الشيخ الوالد صالح اللحيدان _ في مكانه في الحرم _ : معي أعظم امرأة تطأ على الأرض الآن.
فقال: قل أعظم امرأة عندي ولا تلام في ذلك.
وكان _ حفظه الله _ يسألني عنها ويقول: إذا جئت لمكة فالأمر في الذهاب والبقاء لها، وليس لك.
فأقول: نعم، صدقت يا شيخ، فيقول: لعلها تلزم عليك وتجلس إلى الجمعة القادمة.
وكثيراً ما يحدث ذلك فأعود إليه في الجمعة التي بعدها، فيقول: عيت عليك الوالدة، هذا خير عظيم لك ولها.
هذه هي أمي مربية ومعلمة وصاحبة عقل راشد ورأي سديد وتقدير للعواقب، تحب القريب، وتكرم الجار، وتصل الرحم، وتواصل العبادة، ضربت المثل بالصبر والتحمل كلما ضاقت عليها الأمور عظم لجوؤها إلى الله، فيفرج كربها ويزيل همها، فرحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة.

قالوا
عن الوالدة

خلال العقود الأربعة التي عشتها في كنف والدتي تعلم وتوجه وتربي وتحنو، هي الأم والأب والأخ والمعلم، كنت أسمع عنها الشيء الكثير من رجال ونساء في ثنائهم عليها وذكر شيء من فضائلها ومحامدها، ولم أقيد ذلك في وقته، ولكن منذ عام 1401هـ حينما عينت عميداً لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء وابتعدت سكناً عن والدتي لكنها في سويداء قلبي، بدأت أقيد بعض الخواطر وما أسمعه عنها أسجله في أوراق لأقرأه عليها لكنها في بعض الأحيان ترفض ذلك.

قالت عنها أختي أم سعود
* رثتها أختي أم سعود وهي أكبر أولادها سناً وأكثر النساء علاقة بوالدتي وأعرف النساء بأسرارها وإذا رغبنا في أمر تقنع به الوالدة طلبنا من أختي أم سعود أن تتولى هذا الأمر وبطريقتها الخاصة تقنع الوالدة بما نريد،وقد عبرت عما في داخلها بهذه الأبيات _ العامية _ ونظراً لأنها من أختي فقد وضعتها في هذا الكتاب إكراماً لأختي _ متعها الله بالصحة والعافية _:
يا سعود وين الوالدة وين يا سعود
* * يا حجرة أمي وش بلا النور طافي

أمي سراج البيت والنور يا سعود
* * الله يكرمها بحسن الضيافي

غاب القمر يا سعود مع طلعة النور
* * من عقبها والجو ماهوب صافي

وقالت:
يوم الأحد جاني خبر قرة العين
* * قالوا لي أمك بالعناية مسجاة

يا الله ياللي تفرج الهم والضيق
* * يا كاشف عن عبدك أيوب بلواه

مالي جدى غير البكا والتناهيت
* * وأبكي على اللي تذرف الخير يمناه

الوالدة يا سعود ما نيب ناسيه
* * والله لو طال الدهر ما أتناساه

يا الله عساها بجنان عليات
* * وبجنة الفردوس والخلد مثواه

وصلاة ربي عد رمل الطعاميس
* * على نبي كمل الحق وأرساه



وقال عنها ابنها البارّ سعود السليمان الطيار
وكانت والدتي تعده من أبنائها
* (خالتي أم سعود السابح الطيار _ رحمها الله _ هي أغلى خالة لي في الوجود إذْ كان يوجد لي أكثر من خالة وهي بحق والدة وليست خالة فأنا أعتبرها عوضي عن أمي في هذه الحياة، كان لي معها بعض المواقف _ رحمها الله _ وشهادتي فيها مجروحة لكن الحق يقال فهي أمي بعد أمي وكانت تقول عني هو وليدي لكن ما رضع ديدي ، على كل حال كانت امرأة صالحة واصلة محبة في الله لا رياء عندها ولا سمعة وحبها لي ولأختي أم أحمد محبة إلهية بلا شك، عشت معها في صباي جل وقتي حيث لا يوجد من أقضى معه وقتي اليومي لعدم وجود أم لي في البيت فوجدت فيها ضالتي وعشت مع أولادها سعود وعلي رحمه الله وعبدالعزيز رحمه الله وعبدالله رعاه الله لكن زمالتي كانت مع الأخ سعود زمالة دراسية في الابتدائية من عام 1371هـ وحتى عام 1379هـ وكنت أقضي جل وقتي عندها ومع أولادها وكانت امرأة مكافحة تسعى لكسب قوتها وأولادها بجهدها البدني طيلة يومها متحملة حرارة الشمس صيفاً وزمهرير البرد شتاء _ رحمها الله رحمة واسعة _ وإليك هذا الشاهد على سبيل المثال:
أ ـ كان بي دمل في الرسغ ومنتفخ جداً ومشوه ليدي اليمنى، وكنت متأذي من ألمه، ولكن لا أرغب في أن يلمسه أحد، فقالت لي في يوم من الأيام إن هذا الخراج سيتعبك لكن أتركني أفضخه؛ فاستجبت لها وأخذت إبرة ووخزت رأسه وكان بارزاً، فضرب القيح في وجهها ولم تتأفف أو تتضجر ـ رحمها الله ـ فمسحته في يدها اليسرى ومسكتني في اليمنى، وأخذت تعصر القيح حتى أخرجت جذور الدمل كما تسميها (المواتة) ولا أنسى ذلك الموقف لها ـ عليها رحمة الله ـ فأي امرأة تعمل ذلك وتصبر على ما وصل لها من الأذى بدون تأفف أواشمئزاز ـ عليها رحمة الله ـ؟.
ب ـ كانت زوجة لعبد الله الناصر الجبر ـ رحمهم الله جميعاً ـ وكان مقيماً في الرياض معظم وقته، وأرسل لها ذات مرة في عام 1379 مع ابنه بندر ـ رحمه الله ـ الذي كانت له سيارة ـ يؤجرها للمسافرين من وإلى الرياض ـ وقد أرسل معه والده خيشة بطاطس لها رائحة منتنة لزوجته أم سعود وأولادها وأولاده، فلما رأتها قالت شل معي ياوليدي نضعها في كومة السماد الذي في زاوية من البيت، فلما كبتها على السماد تقبلت القبلة وقالت الله يعظم أجره وش نبي في هذا المروح يرسله لنا،فما غضبت ولا سخطت عليه ولاسبته.
إن هذا الموقف يراودني ويدور في خلدي كلما مر بي موقف بين زوجة وزوجها، أو سمعت تسخطاً أو تذمراً من أحد على أحد فأقول أين أنت من أم سعود _ رحمها الله _؟ فهي بحق لا تعتبر من نساء هذا الزمان بل تعتبر من نساء السلف الصالح _ عليها رحمة الله _ وبارك في ذريتها وأصلح عقبهم، وباختصار هي امرأة مربية، عفيفة اللسان،كريمة الخصال، سليمة الجنان، صوامة قوامة،إنسانية بمعنى الكلمة.

وقال عنها الأخ جبر _ أبو ياسر _
حفظه الله وأصلح نيته وذريته
* قال الله تعالى:[وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً](الإسراء:23_25).
كل مصائب البشر تهون عند مصيبتين ألا وهما مصيبة الدين ومصيبة فقدان أحد الوالدين وخاصة الأم التي فضلها الإسلام على سائر الناس.
لقد كنت ألازم والدتي في مرضها وعند دخولها المستشفى، وفي قسم النساء انقطع الاتصال بها إلا عن طريق أوقات الزيارة والهاتف المستمر معها ومع من يرافقها.
وفي ليلة الأحد الموافق:24/3/1424هـ كنت أنتظر زيارة المساء على أحر من الجمر،وكنت أول الداخلين للمستشفى، وعند دخولي على والدتي كعادتي _ رحمها الله _ وجدت عندها مجموعة من الأطباء، وكان واحد منهم الطبيب المشرف على علاجها وهو استشاري الأمراض الباطنية.
وعند دخولي للغرفة طلب مني الحديث فأمسكت بيده وخرجت خارج الغرفة، وبدأ يخبرني عن حالة والدتي وكأنه في حديثه يريد أن يصل إلى صعوبة وخطورة الموقف لصحة والدتي، وأنهم بذلوا جهداً في محاولة العلاج، فشكرت للطبيب مشاعره وقلت له: نحن علمنا ديننا أن الإنسان له أجل محتوم وأنه سوف يستكمل رزقه وأجله، وما أنتم إلا سبب أمرنا الإسلام باتخاذه ونقدر جهودكم وجهد العاملين معكم في هذا المستشفى، وكل من وقف معنا في هذا الموقف العصيب، أسأل الله ألا يريهم مكروهاً وأن يجزيهم عنا خير الجزاء.
استأذنت من الطبيب ولازمت والدتي حتى نهاية الزيارة وقبلتها قبل الخروج منها ودعوت لها بأن يجعل ما يصيبها تكفيراً لذنوبها.
ذهبت إلى غرفتي المستأجرة جوار المستشفى، والتي استأجرتها حتى أكون قريباً منها، في هذه الليلة أردت أن أنام ولم أستطع فجسدي في الغرفة فقط والباقي جوار والدتي _ رحمها الله_ وفي هذه الليلة ذهب خاطري يقلب أحداث السنين السابقة والتي تتجاوز الثلاثين عاما،والمواقف مع هذا الجبل الصامد والدتي _ رحمها الله_.
وفي هذه الليلة تذكرت عندما كنت مرافقاً لها في المستشفى العسكري بالرياض عند استئصال المرارة مع أخي الدكتور عبدالله الذي رفض أن يفارقها، حيث باحت لنا بكل معاناتها بعد وفاة والد إخواني لأمي رحمه الله رحمة واسعة وبعد زواجها من والدي رحمه الله وبعد وفاته وما عانت من الفقر والحاجة والعمل الشاق في حياتها لتأمين لقمة العيش لأولادها، وأنها مرَّ عليها اليوم واليومان والثلاثة لا تجد ما تطعم به أولادها.
وفي هذه الليلة تذكرت وقفتها معنا في حياتنا، خاصة في مراحل الدراسة حيث تذهب إلى زوجات وأمهات المعلمين وتوصيهم بالحرص على تعليمنا وتربيتنا، فكانت _ رحمها الله _ أماً وأباً وأخاً وصديقاً، علمتنا الأدب وربتنا عليه وعلى حب الخير وحب الناس والتسامح وعمل المعروف وبذل المال في وجوه الخير والدعاء للناس.
وفي هذه الليلة تذكرت مواقفها في استقبال وفاة إخوتي _ رحمهم الله رحمة واسعة _ أخي عبدالعزيز وأخي على، فكانت كالجبل استندت على حمد الله والثناء عليه واستقبال المصاب بالحمد والاسترجاع، وكانت تردد إنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي هذه الليلة تذكرت عندما بدأت تشعر بالمرض في بداية ذي الحجة من هذا العام وقد عزمت على الحج لهذا العام، وطلبتُ منها عدم الذهاب هذه السنة نظراً لما تعانيه من آلام ولكنها رفضت _ وقد ألح عليها الأخ عبدالله بأن تذهب معه وولده محمد للحج. _ وقالت: (لقد دعتني الحجة هذه السنة فلا تحرموني من طلب الطاعة).
وفي هذه الليلة تذكرت عند ملازمتي لها في مرضها وهي في المنزل وفي إحدى الليالي قد كنت بجانبها وهي لا تعلم بوجودي وقامت تشكو بعض الآلام فقمت لتألمها فقلت لها: ما بك يا أمي، ما يؤلمك؟ فقالت: أحس بآلام شديدة في جنبي الأيمن فأعطيتها بعض المسكنات وطلبت منها النوم، وطلبت مني أن أذهب لأنام عند أولادي، وأنها لا تسمح ببقائي عندها وترك أولادي، فقلت لها: سوف أذهب إن شاء الله، وتظاهرت بالذهاب، وبعد نومها عدت ولازمتها دون علمها وقد استأذنت زوجتي _ حفظها الله _ بالسماح لي بالبقاء مع والدتي هذه الأيام.
وفي هذه الليلة وعند الساعة الثالثة ليلاً سمعت صوتاً مزعجاً واستيقظت من نومي وإذا هي _ رحمها الله _ تخاطب ساعة التوقيت التي توقظها لقيام الليل وتقول: صوتها منخفض ولا أسمعها وقمت وقلت: ما بك يا أمي؟ فقالت: من الصبح وهي ترن الساعة ولم أستيقظ للصلاة، وهي لم تنم إلا بعد الثانية عشرة ليلاً من شدة آلامها، فقلت لها: يا أمي الساعة الآن الثالثة ومعك وقت للصلاة، ذهبت وتوضأت وجلست تصلي، وذهبت لأكمل نومي فقلت: عجباً أنا الصحيح أنام وهذه المسنة المريضة غضبت لأنها تأخرت نصف ساعة عن عادة قيامها، عجباً أهذا بشر أم جبل؟!.
وفي هذه الليلة تذكرت عندما كانت ترقد في مستشفى الزلفي وفي إحدى أوقات الزيارة كنت مع إخواني الأربعة نلازمها ونقوم بإجلاسها _ ومعنا أولادنا _ فبادرت بالدعوة التي كنا نسمع دعواتها في كل وقت ونؤمن عليها فدعت بقولها: (قولوا آمين _ جعل يومي قبل يومكم) فنظر بعضنا إلى بعض ولم يؤمن واحد منا على دعوتها ودعونا لها بالشفاء وأن ما أصابها تكفير لذنوبها إن شاء الله، وأن يلبسها ثوب الصحة والعافية، فقلت في نفسي: عجباً أهذا بشر أم جبل؟!.
وفي هذه الليلة تذكرت عندما اشتدت عليها الآلام، فقلت لها: استعيني بالله ثم بالدعاء والاستغفار والذكر فردت بقولها:[يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ] ثم رددت الآية الثانية: [الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ] فمازالت ترددها حتى فقدت الوعي وصارت لا تستطيع الكلام ولا تعرف من حولها.
وأنا أتذكر ونظري إلى ساعتي فإذا هي تشير إلى الثالثة والنصف ولم أنم بعد فتعوذت من الشيطان وقرأت بعض الأذكار، فنمت حتى صلاة الفجر، وكنت معتاداً عند الاستيقاظ لصلاة الفجر وقبل الصلاة أن أتصل هاتفياً بمرافقة والدتي _ رحمها الله _ على هاتفها وهي أم محمد وهي نعم الرفيق الرافق بوالدتي من زواجها من أخي سعود منحه الله الصحة والعافية حتى وفاتها، وجعل ما قامت به في موازين أعمالها وأصلح لها النية والذرية، وعند مكالمتها كان الصوت مغايراً لما قبله من الأيام السابقة، وسألتها عن حالة والدتي في هذه الليلة، فقالت لي: إنها نقلت إلى غرفة العناية المركزة نظراً لسوء صحتها، وانطلقت بعد صلاة الفجر لزيارتها واستأذنت بالدخول وإذا أخي عبدالله بجانبها يسمي عليها ويقرأ عليها.
وفي الساعة الحادية عشرة صباحاً قبلتها ثلاث قبلات أحسست أنها آخر قبلات لها في حياتها، وخرجت لصلاة الظهر.
وفي الساعة الواحدة والنصف اتصل المستشفى بأخي عبدالله فقام فزعاً وكنا جالسين وقال: الوالدة متعبة جداً وكانوا أخبروه بوفاتها وسبقنا إليها، ثم لحقته أنا والأخ سعود، وإذا هي مسجاة.
وعند دخولي وحدة العناية أحسست بقشعريرة غريبة جداً،
وأبلغني أخي عبد الله بوفاتها ـ رحمها الله ـ وذهبت وكشفت وجهها
وقبلتها على نفس الجبين، وقلت ما أطيب هذا الجبين حياً وميتاً.
رحمك الله، وثبتك الله عند السؤال، وجعل ما انتقلت إليه خيراً مما قدمت منه، وأبدلك الله منزلاً خير من منزلك، وأسكنك الله الجنة.
وانغلق باب من أبواب الخير كنا نستمد منه الدعوة والتوجيه، ونتقرب به إلى الله.
أسأل الله تعالى أن يعوضنا باباً آخراً من أبواب الخير .. آمين.
(أبو ياسر).

وقال عنها الابن أحمد بن سعود الطيار
يا نايم الليل كلـه
* * قم صل ما فيك عِلّه

بكرة تزور المقابر
* * تنام الدهر كله

بهذه الأبيات الموعظة التي ما زال صداها يتردد في مسمعي إلى الآن كانت الوالدة أم سعود _ رحمها الله وأسكنها فسيح جناته _ توقظني لصلاة الفجر عندما كنت أنام عندها فكانت _ رحمها الله _ جاهرة بالحق آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، الصغير والكبير عندها سواء لا تخشى ملامة أحد، صاحبة قيام ليل، سباقة إلى الخير، رحيمة عطوفة، تحب المساكين، تبذل في الخير كان للأطفال نصيب كبير من عطفها حتى نحن الكبار لم نحرم من خيرها، كانت تحب صلة الرحم وتحثنا عليها، لا تكتمل سعادتها إلا باجتماعنا، تتفقد الصغير قبل الكبير، قدوة في الصبر رأيناها صابرة محتسبة عندما فقدت فلذات كبدها، كانت هي شمس البيت وضياءه، اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة واجعل مقرها في عليين واجمعنا بها ووالدينا وجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وقال عنها الابن محمد بن عبد الله الطيار
زاده الله هدىً وتوفيقاً وبرَّا وصلاحاً
( والدتي أم سعود )
* الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم، أما بعد: فلقد كانت _ والدتي أم سعود _ مثالا رائعا في الدين والخلق والتعامل، ولا أزكيها على الله .
كانت مثالاً للمرأة الصالحة العاملة، تقضي أكثر يومها في عبادة ربها، فكنا نرى فيها القدوة الحسنة في العبادة والمعاملة، ولو أبصرتها تنتقل من عبادة إلى أخرى، لسانها يلهج بذكر الله, تؤدي من نوافل الصلوات المطلقة والمقيدة ما شاء الله لها ، وتحافظ على السنن القبلية والبعدية للصلوات المفروضة، وسبحة الضحى، وتقوم الليل ساعتين أو أكثر، وتصلي الجمعة والعيدين والاستسقاء والتراويح مع جماعة المسلمين، تفرح بسماع الأذان أيما فرح، وكانت تستمع من الصباح حتى المساء إلى إذاعة القرآن الكريم، وتتصدق كل يوم على بيوت كثيرة من الأقارب والجيران مما بين يديها لا سيما ما يجلب من المزرعة، وتصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأيام الفاضلة كست من شوال، وتسع ذي الحجة، وغيرها، وتعتمر وتحج كثيرا مع والدي حفظه الله, وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, وتصل الرحم، وتؤدي الحقوق, وتحفظ المعروف.
قد ودّعتنا وما زالت مفاخرها
* * تتلى علينا ونتلوها لتالينا

أما بالنسبة لنا فكانت كل شيء في حياتنا, هي مركز الاجتماع, وملتقى الإخوة والأقارب والأحبة، نجتمع دائما عندها, و كثيرا ما نتناول الطعام معها, أما أبناؤها البررة فهم دائما بالقرب منها, وكل واحد منهم رهن إشارتها, يتسابقون لخدمتها، أما نساء البيت فلهن جزء من يومها تجلس إليهن فيأنسن بها ويستفدن منها، والأطفال حولها لا يغيبون عنها، أما من أراد السفر من أبنائها أو أبنائهم فإنه يستأذنها ويخبرها عن سفره، فينطلق لسانها بالدعوات الصادقات أن يحفظه الله، ويرده سالما، وتوصيه بالرفق وعدم العجلة، وأن يخبرها إذا وصل إلى مقصده، فإذا رجع من سفره فأول ما يبدأ به السلام عليها وطمأنتها، فتفرح بقدومه، وتبتهج لرؤيته، وتدعو لـه، فيالها من حياة ما أروعها، ومن لذة عيش لا نجد منها إلا لذة ذكراها وحسرة فقدها.
فقدناك فقدان السحابة لم يزل
* * لها أَثَر يُثني بِه السهل والوعر

لقد كانت والدتي أم سعود لنا قلبا حانيا مشفقاً، وحِجْراً واسعاً ، وظلاً وارفاً، ونوراً في البيت مشعاً، وسعادة ظاهرة، وفرحة غامرة، وأنساً وبهجة، واجتماعا ورحمة، وسروراً وألفة، وصلة وقربة، ونبعاً من الخير والفضل، وباباً من أبواب الجنة .
لقد علمتنا حب الناس والإحسان إليهم، علمتنا صلة القريب والبعيد، علمتنا حب العبادة والطاعة، علمتنا الغيرة على حرمات الله، علمتنا المداومة على ذكر الله، علمتنا الجد والصبر والتحمل والجلد في هذه الحياة .
ولقد كان فقدها مصيبة عظيمة حلت بنا، وقارعة نزلت بساحتنا, ولولا اليقين بأن كل نفس ذائقة الموت، وأن ما حل بها هو مراد الله وقضاؤه، وأن ما نرجوه لها عند ربها خير من هذه الدنيا وما فيها، لولا ذلك لما جفت المآقي، ولما انقطع الحزن، ولما فرحنا بعدها بشيء أبدا, وعلى مثلها فلتبك البواكي.
فمثل فقدك ترتاع القلوب له
* * وفقد مثلك جرح ليس يندمل

اللهم آنس وحشتها في قبرها واجعله روضة من رياض الجنة، اللهم أورثها الفردوس من الجنة، اللهم أكرمها بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم اجمعنا بها في جنتك يا رب العالمين .


وقال عنها الابن أسامة بن عبد الله الطيار
زاده الله توفيقاً وبرَّا وهدىً و وصلاحاً
(أفول شمس)
دمعة وفاء وزفرة رثاء في حق الوالدة أم سعود _ غفر الله لها _:
شمس توارت في دجى الظلماء
* * وسراج حُبٍّ بات غير مضاء

والليل ليل الحزن أسـدل ستره
* * فغدا فؤادي موحش الأرجاء

والدمع بات على الخـدود محرقا
* * تلك الجفون بلوعة وبكاء

قالوا توارت شمسكـم ياويحهـم
* * أو مادروا أنا بدون ضياء

أفلت وكانت للقلوب ضـياءها
* * وسناءها فغدت بدون سناء

غابت فغـاب النور بعــد غيابها
* * شتان بين النور والظلماء

يا أمـنا فارقتنا ورجاؤنا
* * بعد الفراق يكون خير لقاء

ياطالما كــنا نـراك منيـرة
* * بيت المحبة مشــرق الأنحاء

كنا نراك فتبهج الـدنيا لنا
* * ونعيش عندك عيشة السعداء

كنت الحنون وكان شخصك دائما
* * رمز اجتماع صادق ووفاء

كم قد تعبت وكم بذلت كريمة
* * ترجين في الجنات خير جزاء

كم قد صبرت على البلاء عـزيزة
* * ترعين للأيتام والفقراء

مات الأحبة من بنيك فلـم نرى
* * غير ابتهال صادق ودعاء

لم تجزعي بل كان حالك ناطقا
* * هذا قضاء الله دون مـراء

من كفك المعروف ينبت زهـره
* * ويضوع مسك البذل في الأرجاء

لم تبذلي الإحسان يوما سمعـة
* * أو منة بل كان خير عطاء

لما مرضت أتى الأساة بطبهـم
* * هل يستطيع الطب رد قضـاء

المــوت حق والفـناء محتم
* * كل الخلائق عرضـة لفناء

رباه أسكنها الجـنان برحمـة
* * في روضة وحـدائق غناء

رباه في الفردوس فاجمعـنا بها
* * في نضـــرة وسعـــادة وهناء

رباه إنا قد دعــونا فاستجـب
* * أنت الكريم مجيب كل دعـاء


وقال عنها ابن عمي الشيخ الوفي المحتسب
أبو عبدالمجيد عبد الله بن عقيل الطيار
* تشغل الوالدة أم سعود أو منيرة السابح _ رحمها الله _ حسب تعبير معارفها حيزاً كبيراً، وسمعة طيبة وثقلاً اجتماعياً في الحي، حيث عرفت بالمثابرة والصبر والجد والاجتهاد والصلة والكرم والحكمة وحسن التصرف مع قوة في الدين، واجتهاد في العبادة.
ونالت بفضل الله ثم بنيتها الصالحة محبة الجميع وثناءهم ودعاءهم مما يرجى لها أن تكون قد طُرح لها القبول الوارد في حديث المحبة، ويكفيها فخراً أنها ترملت من زوجين تركا لها عدداً من الأيتام فتكفلت برعايتهم وتربيتهم وتدبير شئونهم حتى قرت عينها برؤيتهم علماء صلحاء بررة.
كانت على صلة قوية بجدتي لوالدي نورة بنت حمد البدر الشهيرة بـ (نورة الحمد) رحمها الله، وكانت على صلة بوالدتي، ولا أحصي تبادل رسائل السلام بينهما وبين والدي مع أولادها وأحفادها.
إذا كلمتها أحس وكأنها والدتي بتحاياها الندية ودعائها الطيب وسؤالها عن الدقيقة والجليلة، ولا تنسى أن تختم المكالمة بإبلاغ السلام لوالديَّ وجدتي إبان حياتها.
لقد عايشتها عن قرب لكونها والدة شيخي _ حفظه الله ونفع بعلمه _ وكثيراً ما أطلب الشيخ على هاتفها الخاص، وكانت حماة لخالتي، وبالطبع فهي جدة لإخواني وزملائي أبناء الشيخ وهم : الشيخ محمد والشيخ أسامة وأيوب.
لقد سعدت لما أبلغني الشيخ _ حفظه الله _ أنه يزمع إخراج كتاب خاص بوالدته فعلمت أن الله قد شرح صدره لباب من أبواب البرِّ بعد وفاتها.
رحم الله الفقيدة أم سعود رحمة واسعة وجعل قبرها روضة من رياض الجنة ورفع درجتها في عليين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وجزى الله الشيخ على برِّه بوالدته خير ما يجزي عباده الصالحين، ونفع بكتابه عامة المسلمين إنه جواد كريم.

وقال عنها الشيخ زيد المنيفي
* ولعل من أول ما قيدت كلمات قالها لي أستاذي القدير ومعلمي الأول في المدرسة المربي الفاضل والخطيب المفوه والواعظ المتقن والناصح الغيور _ زيد بن محمد المنيفيرحمه الله فقد قال لي وهو يشجعني بعد أن أخذت الدكتوراه بثلاث سنوات تقريباً: (يا ولدي عوِّض والدتك عما قدمت لك ولإخوانك فقد ربتكم تربية أفضل من تربية كثير من الرجال، ها أنت درست وتفوقت وحصلت على الشهادة العليا كل ذلك بسببها وتشجيعها وحرصها فاحرص على برها والقيام بحقها، ثم قال رحمه الله: سلِّم لي عليها وقل لها: يقول زيد الله يجعل ذريتك مباركين ويغفر لك ووالديك والمسلمين).
وكم كانت هذه الكلمات دافعة لي ومشجعة ولاسيما من أستاذي أبي محمد الذي كان مثلاً يحتذى لي وزملائي أثناء الطلب.




وقال عنها شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله
* (هذه امرأة صالحة السلام عليها عبادة ) حينما طلب مني أن يسلم عليها في مكانها في المنزل فقلت له: تأتي إليك هنا قال: لا أنا أذهب إليها وأسلم عليها في مكانها.



وقال عنها الوالد الزاهد الورع الناصح الغيور إبراهيم الغنام

* (جعلها الله في الفردوس الأعلى من الجنة عملت وتعبت وجنسها قليل في هذا الزمن؛ فبرُّوها وادعوا لها أنت وإخوانك أصلحكم الله).



وقال عنها شيخي وأستاذي الشيخ الدكتور عقيل العقيلي
بعد ما دار بيني وبينه حديث حولها في المسجد النبوي

* (الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: (فإن من خيرة من عرفت من نساء الزلفي ديناً وأدباً واحتساباً أم الأخيار سعود وعبدالله وإخوتهم الآخرين الذين تربوا في حجرها وكانوا مثالاً يحتذى ديناً وأدباً وأمانة.
ومن المسلَّم به أن طيب المحتد له أثر في امتياز الأسرة وامتياز النشء كما يشهد له الواقع ومهما يعبر به من عبارة فإن أم سعود بن محمد الطيار حقيقة بالشكر على جمائلها والدعاء لها بأن تكون في بحبوحة بشائر النبي صلى الله عليه وسلم للخيِّرات الصالحات الصابرات).
وكتب هذه الأحرف: عقيل بن أحمد بن دخيل العقيلي
وصلى الله وسلم على نبينا محمد. في: 8/7/1426هـ

وقال عنها شيخنا الفاضل
الشيخ محمد بن مرزوق المعيتق

* (الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإن لذكر أهل الفضل والإحسان أثراً في تربية النفس على ترقي مدارج الكمال البشري،كما أن في إظهار تلك الفضائل والمحاسن رداً لشيء من الجميل لأهله.
ويعظم هذا الأمر إذا كان المتحدَّث عنه معروفاً عن قرب، ولعل في هذا الكتاب المبارك _ إن شاء الله _ الكشف عن كثير من الجوانب المشرقة التي هي _ بحق _ مدرسة متكاملة يجليها فارس نشأ وترعرع فيها، وعبَّ من معينها.
وحسبي أن أبين شيئاً مما يخصني فيما يتعلق بمعرفة المرأة الصالحة، والمربية الفاضلة، الصوَّامة القوَّامة، أم المساكين، والدة الجميع _ أم سعود بن محمد الطيار_ رحمها الله رحمة واسعة، وأعلى درجتها في المهديين.
فلقد جاورتها مدة طويلة ناهزت ربع قرن من الزمان عهدت منها
حب الخير وأهله، والمسارعة إلى الأعمال الصالحة على كبر في السن ووهن في العظم، إلا أن قوة إيمانها، ورباطة قلبها، وصفاء روحها، وإشراقة نفسها طغت على ذلك كله مع حسن في التربية، وجهد مبارك في التنشئة انعكس ذلك _ بتوفيق الله تعالى _ على الأبناء رحم الله من مات منهم وبارك في الأحياء، وصلى الله على نبينا محمد).

وقال عنها الأستاذ الدكتور سعود الفنيسان

* (كانت والدتك _ أم سعود رحمها الله _ امرأة صابرة عابدة تحب الخير وتمتد يدها إلى أقاربها، أحسنت في تربية الأيتام ورعايتهم فتخرجوا من مدرستها ولقد قامت بما يعجز عنه كثير من الرجال).

وقال عنها أخي وصديقي الدكتور عبد الله المنصور
حينما دار بيني وبينه حوار حولها على سطح المسجد الحرام
في رمضان عام 1424هـ

* (حق عليك أن تكتب عنها ليقتدي الشباب والفتيات ولتعرف الأمهات فضلهن وحقهن؛ فبركات أمك عليكم وعلى غيركم معروفة مشهورة).

وقال عنها الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد

* وقال عنها الحبيب الوفي صاحب الفضائل والمحامد والقلب السليم والقلم السيال الأخ الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله وتولاه وحقق له مطلوبه ومبتغاه.
(أم سعود ، وما أدراك ما أم سعود ؟!)
إنها أم الشيخ سعود الطيار ووالدة شيخنا أ. د. عبدالله بن محمد الطيار. امرأة من عُقْلَيات النساء، تحمل قلباً ينبض بالحب، ويدًا تفيض بالعطاء،ولسانًا يلهج بالذكر، والدعاء، والشكر، والنصح.
ولن أطيل في ذكر مآثرها، فهي متميزة بأمور كثيرة يدركها كل من عرفها،أو سمع بها،وأظن أن ابنها البار شيخنا الشيخ عبد الله سيبين قدراً كبيراً من ذلك.
وإنما أذكر بعض المواقف التي تحضرني في شأنها؛ فمن ذلك أنها تحرص كل الحرص على أحفادها، ومتابعتهم في دراستهم خصوصًا عند ظهور النتائج؛ فلما كنت وكيلاً للمعهد العلمي في الزلفي من عام 1413_ 1418هـ كانت _ رحمها الله _ تتصل وتطمئن على نتائج الأولاد؛ فكنت أفرح كثيرًا لاتصالها، وأتعجب من حرصها، ومتابعتها، وأسعد كثيرًا بحسن تأتيها، وسؤالها وتلطفها ودعائها.
وإذا اتصلتُ عبر الهاتف أريد شيخنا الشيخ عبد الله ولم يكن موجوداً وردت هي عليَّ، أَخَذْتُ أتجاذب معها أطراف الحديث، وأَخَذَتْ تسألني عن والدتي، وأولادي، وتدعو لي بالتوفيق.
وكانت _ رحمها الله _ تغمر القاصي والداني، والصغير والكبير من أقاربها ومعارفها بقلبها الكبير، وحنانها الفياض، وعطائها المتدفق.
ولقد رزقها الله  بالأولاد والأحفاد البررة الذين يتنافسون على خدمتها، ويتسابقون إلى برها، ويسارعون إلى مرضاتها.
ولعل النصيب الأوفى، والقدح المعلى لشيخنا المفضال الذي يرعاها، ويحرص كل الحرص على مداراتها، بل _ حسب علمي_ أنه لا يراجعها في أي أمر تريده، وكان يحرص على أن تذهب معه إلى الحج كل عام.
بل إنه _ حفظه الله _ أصبح قدوة في هذا الباب،ومضربًا للمثل في حسن الصحبة للوالدة.
ولا أريد أن أطيل أكثر من هذا؛ خشية أن تطاله يد الحذف.
وأذكر في عام 1423هـ أنني كنت أطوف طواف الوداع قبيل صلاة الفجر فالتفت وإذا بجانبي شيخنا الشيخ عبدالله وعن يساره ابنه البارّ الشيخ محمد وهو يسير بجدته في العربة، وكانت متعبة في تلك الليلة، فكنت أقول في نفسي هل ستحج بعد عامها هذا؟ وكتب الله  أن تكون تلك السنة آخر حجة تحجها، حيث فارقت الدنيا في ربيع الأول عام 1424هـ.
وبعد أن رحلت عن الدنيا خلَّفت سيرة غراء، وذكراً أطيب من ريح المسك ولئن غابت عن الأعين فإنها حاضرة في القلوب.
ولئن انقطع عملها في هذه الدنيا فإن الدعوات الصادقة والصدقات الجارية التي يبذلها أولادها، وأحفادها البررة، ومحبوها، ونائلو معروفها مستمرة _ بإذن الله تعالى _.
ولقد تركت فراغًا كبيرًا بعد وفاتها، وأصبحتَ ترى ذلك باديًا على حال ذويها ومعارفها،فكلما ذكرت هاجت الأحزان، والذكريات، إذ كل واحد من أقاربها ومعارفها يحمل عنها ذكرى طيبة، سواء بدعاء صادق، أو بهدية معبرة، أو بملاطفة، أو نحو ذلك.
وخلاصة القول أن الوالدةَ المرحومةَ _ بإذن الله _ أمَّ سعودٍ نادرة من نوادر النساء، وعَقِيْلة من كرائم العقائل، ومذكرة بنساء الرعيل الأول وما كنَّ عليه من الصيانة والعفاف والتقى.
وأخيراً هذه كلمات يسيرة، وخواطر عجلى كتبتها؛ وفاءً لبعض حق أم سعود، واستجابةً لإشارة شيخنا أبي محمد.
وفي الختام أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر للوالدة الكريمة أم سعود، وأن يجعلها في الفردوس الأعلى، وأن يجمعها بأحبتها في جنات النعيم، وأسأله أن يغفر لولديها عبدالعزيز وعلي _ رحمهما الله _ اللذين سبقاها إلى الدار الآخرة، وأن يبارك في أولادها الشيخ سعود، والشيخ عبدالله، والأستاذ مزعل، والأستاذ عبدالرحمن، والأستاذ جبر، وأختهما الكبرى أم سعود، وأختهما الصغرى أم ناصر.
كما أسأله _ تبارك وتعالى _ أن يصلح الذرية، وأن يجعل الجميع مفاتيح للخير، مغاليق للشر، مباركين أينما كانوا.
محمد بن إبراهيم الحمد (الجمعة، 7/8/1426هـ)


وقالت عنها أم فراج بن عبد العزيز الزنيدي

* وقالت عنها أم فراج بن عبدالعزيز الزنيدي _ وأم صديقي الوفي محمد _ وقد أرسلت لي مجموعة من الأوراق فيها ثناء على الوالدة وذكر لصفاتها ومحامدها وقد لخصت ذلك في آخر كلامها وقالت: هذا هو الذي ينشر وأما غيره فهو لكم وأنا أذكره كما جاءني ملخصاً دون زيادة أو نقصان: (كانت أم سعود _ رحمها الله _ معروفة بالكرم وكانت لا تحتقر من المعروف شيئاً وكانت سخية ومن ذلك أنها كانت تحتطب وتحش وتروي وتهدي من ذلك كله وأيضاً تطحن العيش وتهدي منه كل ذلك احتساباً لوجه الله رغم ما هيَ فيه من ظروف معيشية صعبة، وقد أهدتني في آخر حياتها إبرة وكانت تعطيني الخمسة والعشرة ولا تحتقر شيئاً تجود به نفسها _ يرحمها الله _ وكانت تحبني لأنها تحس أنني مثلها بنفس صفاتها حيث عانيت مثلها وربيت الأيتام كما فعلت.
لم تتح لي مدة طويلة في معرفتها حيث كان ذلك حينما حججت معها قبل عشر سنوات وكان معنا ولدها الشيخ عبدالله وولدي أبو عبدالعزيز محمد وفقهما الله لكل خير وأصلح لهما الذرية وقد استفدت من مرافقتها في رحلات الحج حيث رأيت بر ولدها بها فاستفاد ولدي منه كثيراً وأصبح من ذلك الوقت يتفانى في برِّي وإكرامي وأنا أدعو للشيخ عبدالله ووالدته وولدي في كل الأوقات.
وكانت أم سعود إذا رأتني متضايقة تعزيني بنفسها وتذكر لي أنها عانت في تربية أبنائها وعوضها الله كثيراً ولاسيما ولدها عبدالله وتقول لي: أنت تعرفينه جيداً وترين عمله معي وإخوانه مثله ولله الحمد والمنة، وكانت تدعو لابنها عبدالله دعاء كثيراً وقد رأيتها في عرفة وهي مستقبلة القبلة في السنوات التي حجينا معها وهي رافعة يديها وتبكي وتدعو له بطول العمر وصلاح النية والذرية وسعة الرزق والعلم النافع وأن ينفع الله به البلاد والعباد.
رحمها الله رحمة واسعة وجمعني وإياها وذرياتنا في جنات النعيم.


وقالت عنها الغالية الكريمة موضي السويد

* وقالت عنها الغالية الكريمة _ موضي السويد _ ووالدة أخي الوفي وصديقي الغالي محمد بن عبد الله البدر وإخوانه البررة الأوفياء: (عرفت أم سعود صابرة تقية، وافية حفية، تعطف على اليتامي، والصغير والكبير، تأكل من كسب يدها إلى أن أصبحت تأكل من كسب أبنائها، تفرج عن المكروب، وتقضي حاجة المحتاج، ومن أرجى أعمالها التي يعرفها الصغير والكبير رعايتها للأيتام من أبنائها من ذرية زوجها الأول ثم من ذرية زوجها الثاني، وكذا ما كانت تقوم به خلال ثلاثين سنة من توليد للنساء، تذهب أول الليل ووسطه وآخره مشياً على الأقدام، محتسبة الأجر من الله، ولقد كانت تذهب من بيت والدها إلى _ العقلة _ ومعها ثلاثة أطفال، واحد في _ زبيل _ على رأسها، والثاني على كتفها، والثالث تمسكه بيدها الثانية، وتقطع هذه المسافة الطويلة بصبر عجيب وطمأنينة، وكانت وفية لي فحين حصل لي عارض في رجلي تتصل كثيراً وتدعو وتطمئن عليّ.
ولذا أحبها الصغير والكبير، وحزنوا على فقدها _ رحمها الله رحمة واسعة _ وجمعنا بها في الجنة، وجعل البركة في ذريتها وذرياتهم، وصلى الله على نبينا محمد.


وقالت عنها _ أم محمد _ بن خالد الحربي
* وقالت عنها _ أم محمد _ بن خالد الحربي _ شيخة الرشيد _ وكانت من جيراننا وهي من أعز وأفضل وأصفى صويحبات والدتي وجيرانها: (أم سعود قضاية الحاجة، قليلة الساية (السيئة)، مكرمة الجار، قوَّامة الأسحار، مفرحة الأيتام، تقدر الكبير، وترحم الصغير، كم من حاجة قضتها، وكربة فرجتها، ومشكلة حلتها، مجلسها ما يوزن بالملايين، وكل على فرقاها حزين، والله يجمعنا وإياها بجنات النعيم.

الخاتمة

هذه هي أمي: سطرت ما حضرني من خواطر في حياتها وما خفي عليّ كثير، وعزائي أني سأجد من أولادها وأحفادها وأقاربها الشيء الكثير مما سأقيده في الطبعات اللاحقة _ بإذن الله _.
رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة، وحشرها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأوردها حوض خاتم النبيين، وجمعها بوالديها وزوجيها وذريتها وإخوانها وأخواتها وأعمامها وعماتها وأجدادها وجداتها وجيرانها وكل من أحبته ويحبها في جنات النعيم.
وعوضها عن آلامها وأحزانها نعيماً وسروراً، ورزقها الله لذة النظر إلى وجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وكان الفراغ من هذا الكتاب في ضحوة الخميس الثامن عشر من شهر شعبان من عام 1426هـ.

( كتب صدرت للمؤلف )
م الكتاب دار الطباعة
1 خيارا المجلس والعيب في الفقه الإسلامي جامعة الإمام
2 البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق الوطن
3 الزكاة وتطبيقاتها المعاصرة الوطن
4 التكافل الاجتماعي في الفقه الإسلامي مكتبة المعارف
5 زكاة الحلي في الفقه الإسلامي دار العلوم والحكم بالمدينة
6 فيض الرحيم الرحمن في أحكام ومواعظ رمضان (جزءان) مكتبة التوبة ـ الوطن
7 الصيام الوطن
8 المواعظ الحسنة الحسينية في حكم مستعمل التتن وشجرته القبيحة وآلته الكريهة _ تحقيق ودراسة مكتبة التوبة
9 المخدرات في الفقه الإسلامي ابن الجوزي
10 الحج والعمرة وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الوطن
11 كيف تزكي أموالك المؤلف
12 توظيف الأموال بين المشروع والممنوع الوطن
13 انتصار الحق لابن سعدي العاصمة _ مكتب الدعوة بالربوة
14 صفحات من حياة علامة القصيم عبد الرحمن بن سعدي ابن الجوزي
15 أثر علامة القصيم ابن سعدي على الحركة العلمية المعاصرة ابن الجوزي
16 العدل في التعدد العاصمة
17 أحكام العيدين وعشر ذي الحجة العاصمة
18 كيف يحج المسلم ويعتمر المتعلم
19 الصلاة الوطن
20 أحكام الجنائز الوطن
21 سجود السهو الوطن
22 بلاد الحرميين الشريفين والموقف الصارم من السحر والسحرة الوطن
23 الإخلاص المسير
24 الأحكام الشرعية للدماء الطبيعية الوطن
25 إشارات في أحكام الكفارات البر بالربوة _ الدعوة بعيون الأحساء _ الحوطة
26 توجيه وتنبيه إلى هواة الصيد ومحبيه المتعلم
27 كيف تتخلص من السحر المتعلم
28 الشهادتان وما يتعلق بهما المؤلف
29 خلاصة الكلام في أركان الإسلام ابن خزيمة
30 مختصر في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للسعدي المتعلم
31 الإجابة الصادرة في صحة الصلاة في الطائرة للشنقيطي المتعلم
32 ضوابط تعبير الرؤيا المتعلم
33 رسالة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن سيف المتعلم
34 الوصية (ضوابط وأحكام) المؤلف
35 إتحاف أهل العصر بمسائل الجمع والقصر ابن خزيمة
36 فتاوى الحج والعمرة المؤلف
37 لقاءاتي مع الشيخ ابن باز رحمه الله
ولقاءاتي مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. الرشد
38 نظم الدرر والجواهر في النواهي والأوامر لابن سيف المتعلم
39 صفحات من حياة الفقيد العالم الزاهد الشيخ ابن عثيمين المجلة العربية
40 المخالفات الشرعية عند المرأة المسلمة المؤلف
41 صناعة الصورة باليد مع بيان أحكام التصوير الفوتوغرافي ابن خزيمة
42 كيفية الزيارة الشرعية للمدينة النبوية مكتب الدعوة بحريملاء
43 مباحث في العقيدة (القسم الأول) الرشد
44 مباحث في العقيدة (القسم الثاني) الرشد
45 مسائل في بيع الصابون مكتب الدعوة بحريملاء
46 فتح الودود بشرح منظومة ابن أبي داود الرشد
47 أحب الأعمال إلى الله ابن خزيمة
48 الاستخلاف مكتب الدعوة بحريملاء
49 أفول شمس _أربعون عاماً في صحبة والدتي المؤلف

كتب صدرت للمؤلف بالاشتراك
م الكتاب الطبعة
1 موسوعة فقه ابن سعدي العاصمة
2 إلى العابثين بالأعراض العاصمة
3 تحقيق كتاب التمام فيما صح من الروايتين عن الإمام للقاضي الفراء بن أبي يعلى العاصمة
4 تحقيق كتاب التسهيل لابن أسبا سلار العاصمة
5 جرح في قلب كشمير الندوة العالمية للشباب الإسلامي
6 فتح الحق المبين في علاج السحر والصرع والعين الوطن
7 الفتح الرباني بمفردات الإمام أحمد بن حنبل الشيباني العاصمة
8 تحقيق ودراسة كتاب الروض المربع شرح زاد المستنقع الوطن
9 منسك الإمام الشنقيطي ـ تحقيق ودراسة. الوطن
10 أحكام العمامة ـ للعلامة يوسف بن عبد الهادي ـ تحقيق ودراسة. الوطن
11 الفقه الميسر الوطن
12 الإغراب في أحكام الكلاب الوطن

خدمة المؤلف لكتب الشيخين
العلامة ابن باز، والعلامة ابن عثيمين ـ رحمهما الله ـ
م الكتاب الطبعة
1 الأقليات المسلمة ـ محاضرات للعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، والعلامة الشيخ محمد العثيمين ـ رحمهما الله ـ. الوطن
2 فتاوى العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في العقيدة (ثلاث مجلدات) الوطن
3 فتاوى العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الحج والعمرة ( مجلدان) الوطن
4 فتاوى العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الصيام والزكاة(مجلد) الوطن
5 فتاوى العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الطهارة والصلاة (مجلدان) الوطن
6 فتاوى العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في الطلاق (مجلد) الوطن
7 رياض الصالحين ـ شرح الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ـ صدر منه (سبع مجلدات) الوطن
8 فتاوى منار الإسلام للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (ثلاث مجلدات) الوطن
9 لقاء الباب المفتوح للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (كتيبات: من 1 إلى 70 ). الوطن
10 اللقاء الشهري للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( كتبيات: من 1 إلى 20 ). الوطن
11 مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله شرح الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (مجلد) الوطن
12 فقه العبادات للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (مجلد) الوطن
13 فتاوى في الصيد للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الوطن
14 فتاوى نور على الدرب لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (مجلد) الوطن

( كتب للمؤلف تحت الطبع)
م الكتاب
1 من أحكام أهل الذمة
2 من أسرار الآيات المتشابهات في القرآن الكريم
3 مباحث في العقيدة (القسم الثالث)
4 شرح عمدة الفقه

فهرس الكتاب
م الموضوع الصفحة
1 إهداء 3
2 شكر ودعاء 5
3 آيات من كتاب الله 7
4 من مشكاة النبوة 8
5 أقوال مأثورة 9
6 أبيات من الشعر 10
7 مقدمة المؤلف 11
8 ماذا يكون اسم الكتاب؟! 18
9 كل نفس ذائقة الموت 20
10 كلمات في البرّ 23
11 حياتها الخاصة ومواقف مرت بها: 27
12 من هي أمي؟ 28
13 نشأتها: اسمها ونسبها 30
14 ذريتها 32 ـ أ
15 مشجر يبين أولادها وأحفادها 32ـ ب
16 أمي وسيرتها مع أبي _ رحمهما الله _ 33
17 أمي وسيرتها مع زوجها الثاني أبي بندر 35
18 أمي ووفاة زوجيها 37
19 أمي والعمليات الجراحية 39
20 أمي والعلاقة بأولادها: 43
21 أمي والشفقة علينا 45
22 كان من دعائها 46
23 أمي وحادثة الجحة (البطيخة) 47
24 أمي قامت بدور الأم والأب في وقت واحد 49
25 أمي وبركتها عليَّ وعلى إخوتي 50
26 أمي ومرض أخويَّ عبد العزيز ثم علي 52
27 أولاً: مرض أخي عبد العزيز ومعاناة أمي 54
28 ثانياً: مرض أخي علي ومعاناة والدتي 65
29 كانت والدتي نوراً يشع في البيت 69
30 يبقى الولد صغيراً في عين والدته 71
31 أمي وهمُّ السكن 72
32 تربيتها لنا على حب الجيران 74
33 والدتي وبعض أقاربها 76
34 أمي وزوجات أولادها 78
35 الإحسان إلى الوالدين 81
36 علاقتي بها وما صاحبها من مواقف: 82
37 أمي ومرضي وأنا رضيع 83
38 أمي والسفر خارج البلد 84
39 أمي ورحلات الحج والعمرة 85
40 مواقف من رحلات الحج والعمرة 86
41 والدتي ومكانها في المسجد الحرام 90
42 والدتي وزواجي الأول 91
43 زواجي الثاني 93
44 أمي وأسماء الأولاد والبنات 94
45 أمي وقصة سفري لأمريكا الذي لم يتم 95
46 خصائص لها وميزات وقفت عليها: 99
47 أمي والحديث مع الشيخ ابن باز رحمه الله عبر الهاتف 101
48 أمي والعلاقة بفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله 102
49 أمي وعلاقتها بالوفي الغالي عبد اللطيف القشعميرحمه الله 104
50 أمي ومؤذن الحي أبو حمود (جوير الفراج) 106
51 أمي والصدقة 107
52 أمي وعطية الصغار 110
53 أمي والمحافظة على النعم 112
54 أمي وصويحباتها 113
55 أمي وقيام الليل 115
56 أمي والحرص على الاجتماع 119
57 أمي وتوليد النساء 120
58 أمي والحرص على العبادة 122
59 أمي ونوم الأطفال عندها 124
60 حوادث في حياة والدتي لا أنساها: 125
61 أولاً: إصابة أخي علي رحمه الله في عينيه 128
62 ثانياً: إصابة أخي عبد العزيز رحمه الله بالرعاف 129
63 ثالثاً: سباحتي في بركة أخوالي وحضورها لإنقاذي 130
64 رابعاً: حادث السيارة لي 131
65 خامساً: شرب أخي عبد الرحمن (الجاز) 132
66 سادساً: زواج أبي سعود (الغريشي) زوجة ثانية 133
67 سابعاً: إصابة أختي أم ناصر بمرض طارىء 135
68 ثامناً: إجراء أخي سعود عملية البواسير 137
69 تاسعاً: زواج أبي ناصر زوجة ثانية على أختي أم ناصر 138
70 عاشراً:إرسال البيض البلدي لأخي وزميلي أبي محمد 140
71 أحد عشر: العملية الجراحية لأسنان حسان بن عبدالعزيز 141
72 اثنا عشر: العملية الجراحية لإزالة الناسور لابني محمد، وأخيه محمد بن عبد العزيز 142
73 ثلاثة عشر: حادثة رمي القطعة الصغيرة (القميزا) 143
74 أربعة عشر: حادثة العقرب التي استقرت على عانة أخي عبد الرحمن 144
75 خمسة عشر: أمي وحادثة العقرب التي استقرت على ظهرها 146
76 ستة عشر: حادثة الحية التي تحت الزير 147
77 سبعة عشر: أختي أم سعود والحية 148
78 ثمانية عشر: أمي ومحبتها للخير (قصة حليب البقرة) 149
79 تسعة عشر: أمي وحادثة الجاز 150
80 العشرون: حادث محمد السعود 151
81 في أخريات حياتها وما بعدها: 156
82 خواطر حول مرضها ووفاتها (بداية البداية) 157
83 تركة والدتي رحمها الله 165
84 رثاؤها 167
85 رؤى تبشر بالخير 169
86 لا نامت عين من لايبر بوالديه 173
87 وفقدت كل شيء بفقد أمي 176
88 من له أم كأمي؟! 179
89 هذه هي أمي 181
90 قالوا عن الوالدة: 182
91 قالت عنها أختي أم سعود 183
92 وقال عنها ابنها البارّ سعود السليمان الطيار 185
93 وقال عنها الأخ البار جبر (أبو ياسر) 188
94 وقال عنها الابن أحمد بن سعود الطيار 195
95 وقال عنها الابن محمد بن عبد الله الطيار 196
96 وقال عنها الابن أسامة بن عبد الله الطيار 199
97 وقال عنها ابن عمي الشيخ عبد الله بن عقيل الطيار 201
98 وقال عنها الشيخ زيد المنيفي 203
99 وقال عنها الشيخ محمد العثيمين رحمه الله 204
100 وقال عنها الوالد إبراهيم الغنام 204
101 وقال عنها الشيخ عقيل العقيلي 205
102 وقال عنها الشيخ محمد بن مرزوق المعيتق 206
103 وقال عنها الأستاذ الدكتور سعود الفنيسان 208
104 وقال عنها الدكتور عبد الله المنصور 208
105 وقال عنها الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد 209
106 وقالت عنها أم فراج بن عبد العزيز الزنيدي 213
107 وقالت عنها الغالية الكريمة موضي السويد 215
108 وقالت عنها أم محمد بن خالد الحربي 216
109 الخاتمة 217
110 كتب للمؤلف 218
111 فهرس الكتاب 223



_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..