الرياض/عبد الحي شاهين / مجلة الإسلام اليوم
يحتاج
الصحافي للكثير من القراءة والاطلاع لكي يستطيع أن ينجز حواراً ناجحاً مع
شخصية تتسم
بالموسوعية والتنوع كالدكتورة نورة خالد السعد، فخارطتها
الذهنية تتسع لتشمل العديد من المعارف والتخصصات؛ فهي قد درست إدارة
الأعمال، ولها خلفية جيدة في علوم الحياة من كيمياء وفيزياء؛ إذ كانت تطمح
أن تكون طبيبة في بواكير حياتها، ثم ساقتها الأقدار إلى حقول التربية
والتعليم، وهناك بدأت تهتم بعلم النفس التربوي، وعلم النفس الاجتماعي،
وكيفية التعامل مع الطالبات، وبخاصة المراهقات منهن، قبل أن تقرر أن تتخصص
في مرحلة الدراسات العليا في علم الاجتماع؛ بوصفه علماً يلبي معظم طموحاتها
الأكاديمية والفكرية.. فهو علم –كما تراه- يتسم بالشمول، ودارسه يجد نفسه
أمام بوابة مشرعة على كافة التخصصات الأخرى من علوم إنسانية وطبيعية،
وإضافة إلى ذلك كله فإن اختيارها لأطروحات المفكر مالك بن نبي لتكون مادة
لبحثها للدكتوراه، قد منحها الكثير من العمق الفكري والمنهجية المتميزة، ما
جعل أطروحاتها حول ما يحدث ويطرأ على المجتمع السعودي- أطروحات جديرة
بالمتابعة والتمعّن فيها. وفي هذا الحوار الشامل تستعرض نورة خالد السعد
بواكير حياتها منذ مرحلتي الطفولة والصبا، وتأثير الوالد وقراءاته عليها،
ثم معلماتها في المدارس المختلفة التي مرت بها، وقصة منعها من الابتعاث
والتحاقها بالدارسة في جامعة الملك عبد العزيز كبديل عن السفر، ثم تعرج إلى
مرحلة الكتابة الصحفية في جريدة الرياض التي استمرت ثلاثين عاماً،
والمضايقات التي وجدتها هناك قبل أن تقرر الرحيل عنها، كما تبدي رأيها في
التحولات الاجتماعية التي تمر بها المملكة حالياً، وغير ذلك من الملفات
الشائكة والمعقدة التي تناولتها (الإسلام اليوم) مع الأكاديمية السعودية
البارزة الدكتورة نورة السعد...أين ومتى تشكل وعيك الثقافي والفكري؟
إذا اعتبرنا الثقافة في أبسط تعريفاتها -كما يُقال- أنها معرفة وتطبيق، أي أن تعرف الشيء وتتعلمه، وتحاول أن تستفيد مما عرفته وتعلمته في إضافة الجديد لذاتك وحياتك، ثم حياة الآخرين في دائرة المجتمع الذي تقيم فيه.. فإنني أستطيع القول: إن تشكيل وعيي الثقافي بدأ منذ اللحظات الأولى لمعرفتي بالقراءة، واهتمامي منذ الطفولة بالقراءة للولوج إلى عالم جميل، تُستخدم فيه المخيلة لتكتمل الصورة في وعيك وإدراكك في تلك المرحلة من العمر.. بدأ منذ أن قرأت (قصص الأنبياء) للأطفال.. إذ ما زلت أتذكر المشاعر التي عشتها وأنا أقرأ قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام في بحثه عن إله هذا الكون، وكنت أحادث نفسي في تلك السنوات من عمري وطفولتي عن المناخ الذي عاشه الأنبياء والصحابة الذين قرأت قصصهم في تلك الكتيبات الصغيرة، بل حتى اللحظة أستعيد بكائي بحرقة عند قراءتي قصة وفاة حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-. وما أكتبه الآن هو استعادة المراحل لتشكيل وعيي الثقافي حول الكون وخالقه، وأحداث التاريخ قدر استطاعة ذهنيتي على استيعاب هذه المؤثرات، ودورها العميق في صياغة الرؤية للواقع الذي –بالطبع- تبلور لاحقاً على مدى السنوات التالية، واتساع دائرة المعارف لديّ، بالإضافة إلى المناخ الأسري؛ فقد كان والدي -يرحمه الله- قارئاً لمختلف القراءات في التاريخ والفقه و الحديث والأدب. وكان يحرص على المناقشة معنا حول مواضيع عديدة..
كما أن مناخ مدرسة (روضة المعارف في جدة) حيث درست المرحلتين الابتدائية والمتوسطة كان وعاء تربوياً آخر عزّز في شخصيتي اتساع مساحة الوعي الثقافي بما يتفق وقاموس ومصطلحات ومعارف تلك المرحلة. وكنت ألمس من معلماتي ومديرة المدرسة شخصياً السيدة (نعيمة الصالح) -يرحمها الله- احتواء تربوياً وثقافياً لما لمسته في شخصيتي في تلك المراحل.. هذه النقاط في حياتي لا يمكن تجاوزها إذا كنا نتحدث عن جذور وعينا الثقافي كأفراد.
فبدايات تشكيل الوعي تنطلق من جذورها في حياة الفرد منا.. كما أعتقد أن رحلتي للدراسة في الولايات المتحدة لدراسة الماجستير كانت صفحة أخرى لمزيد من إثراء الوعي الثقافي؛ لتكمل ما كان موجوداً في دوائر حياتي السابقة، وقراءاتي للعديد من الأدباء والمفكرين العرب، كما أن إعدادي لبحثي في مرحلة الدكتوراه عن المفكر الجزائري مالك بن نبي كان من أهم مراحل إثراء وعيي الثقافي الحضاري.. وأثق أن كل من قرأ فكر مالك بن نبي سيجد أثر ذلك في رؤيته للواقع والأحداث، وفي أسلوب ومنهجية تفكيره ولغته..
وحالياً ما تمر به مجتمعاتنا الإسلامية من ابتلاءات ومحن تحدث أثراً أقوى في وعيي وثقافتي ودوري في المجتمع.
دراستك الجامعية بدأت بإدارة الأعمال، ثم انتقلت إلى علم الاجتماع في مراحل الدراسات العليا .. فهل كان قرار الدراسة في البكالوريوس خاطئاً أم أنه حصل نوع من الائتلاف والتوافق بين إدارة الأعمال وعلم الاجتماع؟ وماذا أضاف لك هذا التخصص من الناحية الثقافية؟
قرار دراستي في مرحلة البكالوريوس لم يكن باختياري، بل فرضته ظروفي العائلية، فعلى الرغم من طموحاتي العلمية أثناء دراستي للثانوية العامة في القسم العلمي لدراسة الصيدلة أو الطب، فقد كنت أرغب أن أصبح طبيبة أطفال، وبعد حصولي على الثانوية العامة، ورفض والدي لسفري للدراسة خارج المملكة؛ إذ إن هذا التخصص (الطب أو حتى الصيدلة) لم تكن متوفرة في جامعاتنا حينها، و على الرغم من وجود أحد إخوتي للدراسة في خارج المملكة، ولكنه رفض.. ولهذا لم أجد سوى جامعة الملك عبد العزيز؛ إذ فتحت أبوابها في تلك السنة بكلية الاقتصاد والإدارة فقط، وكان التخصص الوحيد المتاح لنا نحن الطالبات هو "إدارة أعمال"، فالتحقت بهذا التخصص "مرغمة ولا اختيار لي فيه"، و على الرغم من معاناتنا نحن طالبات الدفعة الأولى من التخصص، إلاّ أني بعد عامين من دراستي فيه اقتنعت به، وقد تستغرب إذا قلت لك إني حمدت الله بعد التخرج أني لم ألتحق بكلية الطب أو بكلية الصيدلة؛ إذ يبدو أن رغباتنا صغاراً هي إسقاطات من رغبات الأهل وأمانيهم..
أما بعد أن تخرجت من الجامعة فقد انتقلت للعمل مديرة في المرحلة المتوسطة، وبعدها الثانوية، فكنت أقرأ كثيراً في علم النفس والتربية والاجتماع؛ كي أستفيد في كيفية التعامل مع الطالبات في مرحلة المراهقة.. ووجدت أن تخصص علم الاجتماع أكثر التخصصات التي وجدت أني أميل إليها، ولهذا كان اختياري الحقيقي الذي تحقق لي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عند دراستي للدكتوراه، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فكان تخصصي في (العلوم الفلسفية والاجتماعية للتربية) من جامعة مينيسوتا، مع الدراسة المكثفة في علم الاجتماع التربوي.
هذه التخصصات مع ممارسة التدريس في مختلف المراحل أضافت لي الكثير من المعرفة؛ فالتخصص في إدارة الأعمال يمنح الدارس له منهجية التفكير والتحليل النقدي، وكذلك التخصص في العلوم الفلسفية والاجتماعية للتربية، وأيضاً علم الاجتماع، ولكن وفق مستوى من التحليل، وإدراك السنن الاجتماعية، وآليات الحراك الاجتماعي. ولهذا أثق أن تقاطع هذه التخصصات يساهم في تحقيق مزيد من العمق في فهم الواقع وتفسيره وتحليل معطياته، واستيعاب المستجدات وآثارها على المجتمع.
هل كنت في صغرك تودين أن تكوني على ما أنت عليه الآن؟
أثق أن مرحلة الطفولة وما فيها من أمنيات، أو المراحل اللاحقة لها تكون مجالاً لاحتواء رغبات الأهل والمحيطين وآثار النماذج الإنسانية فيها.. وجميعها كالسحب تغيبها شمس العمر.. ولهذا لا أعلم أني كنت أتوقع ما أنا عليه الآن. ربما فقط في جانب عشق الكتابة؛ فقد كنت أكتب قصصاً قصيرة، وبعض صفحات يومياتي، ونُشرت لي أول مقالة وأنا في المرحلة الابتدائية، أما سوى ذلك فلم أتوقعه.
أوليتِ مالك بن نبي اهتماماً كبيراً في أبحاثك الأكاديمية.. الآن بعد مرور سنوات طويلة على وفاة هذا المفكر وتناول أعماله من قبل الكثير من الباحثين..هل ترين أنه (مالك بن نبي) قُرئ بالشكل الصحيح؟
على الرغم من تأثر العديد من المفكرين والتربويين بأفكار مالك بن نبي وتحليلاته العميقة والمتميزة بالمنهجية، وهناك من أعد عنه أبحاثاً ودراسات علمية عديدة، بل هناك من قام بتطبيق نظريته في الثقافة مثل د. ماجد عرسان الكيلاني في عدد من مؤلفاته، ود. سيد دسوقي حسن، بل هناك من لا يزال ينشر أفكاره دون الإشارة على أنها من أفكار مالك بن نبي!! وكم يدهشني هذا العقوق منهم لأفكار مالك.. وعلى الرغم من أن هناك ندوات شبه سنوية تُعقد في ذكرى هذا المفكر الكبير.. ولكن أعتقد أن هناك مساحات في مؤلفات هذا المفكر تحتاج إلى مزيد من الاستثمار لها، بما يعود بالنفع لعدد من المجالات التي ألف فيها؛ سواء في مجال علم اجتماع المعرفة، أو علم الاجتماع السياسي، وعلم اجتماع التنمية، ناهيك عن نظريته في التغيير الاجتماعي التي كانت موضوع بحثي للحصول على شهادة الدكتوراه، والتي أثق أنها "نظرية اجتماعية وليست تأمّلات كما يقول أحدهم"!!
ما نقاط الاختلاف واللقاء بين مالك بن نبي وابن خلدون؟
لقد تأثر مالك بن نبي بابن خلدون تأثراً كبيراً، وذكر ذلك في مؤلفاته، وانطلق كل منهما في تحليلاته لمشكلات العالم الإسلامي من استقراء الأحداث في نطاق الحضارة الإسلامية من لحظة ميلادها، مع نزول الوحي إلى مرحلة انحطاطها، وكان الإطار العام لتساؤل ابن خلدون هو: لماذا انهارت الحضارة العربية الإسلامية بعد أن بلغت مداها في العظمة و المجد؟ أما مالك بن نبي فإن إطار تساؤلاته كان أشمل؛ فبالإضافة إلى هذا التساؤل المحوري كان هناك تساؤل آخر حول كيفية إحداث التغيير الاجتماعي؛ للعودة بالإنسان المسلم إلى مرحلة الحضارة التي خرج منها المجتمع العربي الإسلامي. لقد كوّن كل من هذين المفكرين لنفسه تصوراً خاصاً به للمجتمع الإسلامي ومسيرته، وإذا كان مالك قد تأثر كثيراً بابن خلدون، إلاّ أن تصوّره كان مستمداً من ظروف تجربته المعاصرة، ووقائع العصر الحالي لعالمنا العربي الإسلامي، ومعطياته الاجتماعية والتاريخية، بينما ابن خلدون كان يصور تجربة سياسية واجتماعية لحضارة سابقة كان له ريادة إخضاعها إلى ما أُطلق عليه "علم العمران". قد نجد هناك اختلافاً في رؤية وتحليل ابن خلدون عن مالك بن نبي؛ فبينما نجد أن نظرية ابن خلدون للدورة الحضارية نظر إليها في نطاق "الدولة" الأمر الذي اختلف معه ابن نبي، ورأى أن الأولى النظر إلى الدورة في نطاق أوسع، وهو نطاق الحضارة. فبينما نظر ابن خلدون إلى الحضارة، وعنده تعني -في مجال تطور الدولة- مجموع المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي توافق هرم الدولة، وتلازمه ملازمة العلة للمعلول، ولكنه توقف عند تحليله لهذا الواقع للانهيار وعوامله، ولم يطرح حلولاً لإمكانية التغيير والعودة بالمجتمع ذاته، أو الدولة نفسها إلى مرحلة قوتها، وتحديد من هو القائم بالتغيير الاجتماعي، وهذه النقطة هي التي قمت بتحليلها في دراستي عن فكر مالك بن نبي، والتي لم يتطرق إليها أي دارس لفكره- كما أعتقد -. ما يمكن قوله إن هناك تقاطعاً بين ابن خلدون ومالك بن نبي سواء على مستوى تحديد أنواع المجتمعات، والفروق بين البادية والحاضرة، والمراحل التي يمر بها المجتمع وسواه من معطيات تاريخية وسياسية للمجتمع الإسلامي.
أفكار مالك بن نبي واشتراطاته للنهضة هل لا تزال صالحة حتى الآن؟
من يقرأ فكر مالك بن نبي سيجد أنه لم يبنِ شروطه للنهضة من "تأملات"، كما يقول الدكتور أبو بكر باقادر في معرض حديثه عن فكر مالك، وأنه ليس منظراً!! وليس لديه نظرية اجتماعية بل "تأمّلات"، وهذا رأي غير صحيح إطلاقاً؛ فمالك بن نبي تتوفر في أفكاره ومنهجيته جميع شروط التنظير ومقومات المنظر. فهو قد استمد شروط النهضة من تجارب ناجحة مرت بها الأمة الإسلامية، وأيضاً بعض الأمم المعاصرة مثل التجربة اليابانية مثلاً التي يراها مالك بن نبي أنها استفادت من مدرسة الحضارة الغربية، ولكن لم تتعامل مع ما كان يُطلق عليه (الأفكار الميتة في الحضارة الغربية) التي لا تتفق مع التقاليد اليابانية، ولم تصرفها عن طريق بنائها لمجتمعها؛ فقد بقيت وفيّة لثقافتها وتقاليدها، كما أن هذه الشروط لدى مالك لا تتوقف عند دائرة الإنسان فقط بصفته القائم بالتغيير الاجتماعي إذا ما امتلك مقومات التغيير مثلاً، بل تمتد إلى نطاق الثقافة والمجتمع، أي دوائر متداخلة لا تغيب عنها جزئية صغيرة تحدث أثراً في التكامل البنائي الاجتماعي الحضاري. كما أن تحليلاته ودراسته لواقع الأمة الإسلامية، ورصده لمختلف ظواهره ساهمت في تماسك نظريته عن التغيير الاجتماعي، وتحديد آلياته وفق السنن القرآنية الكونية. ومن يطلع على بعض مؤلفاته فقط -على سبيل المثال المتعلقة بالاقتصاد- فسيجد تصويراً لما هو عليه واقعنا اليوم، وسيجد حلولاً لها لمن لديه بصيرة. ويمتد هذا إلى ما له علاقة بعلم اجتماع المعرفة، أو علم اجتماع التنمية، ناهيك عن نظرياته في الثقافة وآلياتها. ثم هناك نقطة مهمة.. إن بعض من لديه مساحة من الظهور الإعلامي حالياً ومؤلفات متعددة سيجد أن مرجعيته الفكرية تعود لقراءته لفكر مالك بن نبي، حتى لو لم يذكر ذلك في بعض هذه المؤلفات، وهذا يعني أن أفكار مالك بن نبي وشروطه للنهضة لا تزال باقية في عطاءاتهم، على الرغم من عقوقهم لعدم ذكرها أو الإشارة إلى ذلك بصفته أمانة علمية.
هل تمثل الكتابة الصحفية أهمية كبرى بالنسبة إليك؟ (من جهة توصيل الأفكار والتواصل مع المجتمع أو نحو ذلك).
الكتابة بشكل عام هي أمانة بالدرجة الأولى قبل أن تكون وسيلة تواصل مع القارئ وغرس بذور الحقيقة في أرض الواقع، ولهذا أجد نفسي في الكتابة كما أجدها في مهنتي (معلمة وأستاذة بالجامعة). فكل منهما مسؤولية وأمانة وثبات على المبدأ. وتواصلي مع القارئ جزء مهم من تكوين شخصيتي؛ فالقارئ هو المتلقي وهو الناقد في الوقت نفسه.
ما ملابسات تخليك عن الكتابة الراتبة في صحيفة (الرياض) والتي استمرت لسنين كثيرة؟
لقد استمرت مدة تعاوني مع صحيفة الرياض حوالي عقود ثلاثة، وليس لسنوات فقط، وأدرك جيداً أن جزءاً كبيراً من مساحات كتاباتي كانت في صحيفة الرياض.. خصوصاً أن من شروط الصحيفة ألاّ يكتب أي كاتب أو كاتبة لديها في أي مطبوعة أخرى. ومؤخراً بدأت نبرة التعامل مع كتاباتي تأخذ منحنى مختلفاً عما كنا عليه سابقاً، وخصوصاً بعد أن مرت بالمجتمع تغيرات فجائية؛ فأصبح الهجوم على المتدينين وعلى هيئة الأمر بالمعروف، وتحميل هذين الجانبين جميع سلبيات المجتمع.. وكنت أكتب موضحة رأيي في هذا الواقع ليس محاباة للمتدينين –كما يُقال- وليس تنزيهاً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهي قطاع لديه إيجابيات وسلبيات كأي قطاع آخر، ومن النزاهة والموضوعية للإعلام أن يكون موضوعياً. فالقضية تتعلق بالوطن أكثر من الشرائح فيه. فوجدت أن هذه المقالات تُحذف ولا يُنشر منها إلاّ القليل، بل حتى توضيح وجهة نظري تجاه الأحداث الإجرامية التي يقوم بها المحتل الأمريكي في العراق وأفغانستان تُمنع أحياناً، على الرغم من أن هناك من يناقشها في الصحيفة نفسها!! وكأن العبارة الصادرة مني تختلف عن العبارة نفسها عندما تصدر من كاتب آخر!! وعندما اشتدت وطأة هذا التعامل قدمت شكوى إلى مسؤول كريم لإيجاد حلول لهذا الوضع، وكان تدخلاً كريماً من هذه الجهة، وسارت الأمور -إلى حد ما- بصورة جيدة، ولكن يبدو أن من يحيط بإدارة التحرير لهم مصلحة في إبعادي عن الكتابة في الصحيفة؛ لأني لا أتفق معهم في الاتجاه الحداثي!! فاستمرت المضايقات، ولكن عن طريق تقليل ظهور الزاوية من ثلاث مرات أسبوعياً إلى مرتين فقط؛ بدعوى أن هناك عدداً من الكتاب لا يجدون لهم مواقع لنشر زواياهم!! ومؤخراً أبلغني نائب رئيس التحرير بأن الزاوية بناء على استشارة من فلان وفلان!! ستكون ليوم واحد فقط هو يوم الخميس!! وبالطبع كان واضحاً أن هذا الأسلوب القصد منه "التضييق" كي أترك الصحيفة كرد فعل للشكوى التي رفعتها ضد رئيس التحرير سابقاً لدى ذلك المسؤول الكريم، ولهذا أرسلت رسالة إلى رئيس التحرير أوضحت له فيها أنه انتصر لنفسه، ولم ينتصر لموقعه؛ بصفته ليس رئيس تحرير الصحيفة فقط بل رئيس هيئة الصحفيين على المستوى المحلي والخليجي.. وأنه لا يطبق ما يُقال عن "احترام الرأي الآخر"، وأبلغته أني سأتوقف عن الكتابة في الجريدة، وعلى الرغم من أني تركت الصحيفة، ولكن ما زلت أحمل احتراماً لبعض من يعمل فيها، كالدكتور عبد المحسن الداود، والدكتور عبد العزيز الجار لله الذي أصبح رئيساً لتحرير مجلة المعرفة، وأيضاً للمصحح كمال زكي.
هل صحيح أن هناك شخصاً ما أطلق عليك لقب (نورة الزرقاوي)؟
هذا ليس لقباً كما ذكرت-ولكن ما حدث هو أن رئيس التحرير تركي السديري اتصل بي هاتفياً لمناقشة فكرة انضمامي إلى عضوية مؤسسة اليمامة في بداية انضمام الكاتبات المتعاونات.. فناداني بهذا اللقب قائلاً: "أهلاً بنورة الزرقاوي"، وأجبته بالمثل قائلة: "وأهلاً بتركي بوش"، ولم تكن هذه المهاتفة تحمل أي هجوم أو حدة، كما نُشر في بعض مواقع الإنترنت.. وتم تضخيمها بل إن إحدى المذيعات من القناة الأولى اتصلت بي لتجري معي لقاء يناقش اتهام تركي السديري لي بأني كتبت مقالات تكفيرية وتشجع على الإرهاب!! وعندما سألتها: أين كُتب هذا؟! أجابت إن هناك مواقع في الإنترنت نشرت هذا.. وعندما أرسلتها لي وجدتها تعليقات من كتاب لا يُعرف من هم، وتعجبت من مذيعة مصدر معلوماتها "الإنترنت، وفي مواقع مناوئة للدين والتدين"!!
هل أنت مع إعطاء الحرية لإدارة الصحيفة لكي تدخل ما تراه مناسباً أو تحذف ما يخالفها من كتابات الكُتّاب؟
إدارة الصحيفة يفترض أن تتدخل في حالة واحدة فقط، وهي إذا كان هناك خروج عن الثوابت الشرعية.. أو السنة النبوية.. أو ما قد يمثل مساساً بأمن الوطن.. أما ما عدا ذلك فيُترك للكاتب أو الكاتبة حرية التناول والمناقشة؛ فليس المطلوب أن يكون الكاتب نسخة من آراء وتوجيهات رئاسة التحرير، فذلك منتهى التخلف الثقافي والتناقض التام بين ما يتم تدبيجه في مواد هيئة الصحفيين أو سواها وبين الواقع الحقيقي. ومن اللافت للنظر أن بعض رؤساء التحرير يمارسون هذا الأسلوب (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)، ويدّعون في المقابلات الصحفية أو التلفازية معهم أنه لا يوجد هناك أي تدخل أو منع بل هناك حرية للرأي.. وهم في الوقع يقصدون حرية للرأي الذي يتفق وآراءهم!!
هناك من يرى أن صحيفة الرياض عملت لاستقطابك (في الماضي) لإضفاء نوع من الوجه المتعدد للصحيفة(تنوّع أطياف الكتاب)، خاصة وأنها تُتّهم بموالاة التيار المناوئ للإسلاميين في المملكة؟
لا أعتقد أن استقطابي سابقاً كان للهدف الذي تذكر.. ولكن في الآونة الأخيرة تبدّلت التوجيهات، ولمستها بنفسي، وهي تتزامن تماماً مع ما تلا أحداث سبتمبر، فقد حُجِبت أعداد من مقالاتي، بل عوقب من أجاز بعضها بحسم مالي من مكافآته غير مرة!! على الرغم من أن هذه المقالات -وما زلت أحتفظ بنسخ منها بل أرسلت منها نسخاً للشخصية الكريمة التي ذكرت موقفها معي في إجابة سابقة هنا –لا تتعارض مع التشريع الرباني، ولا مع السياق الوطني، بل هناك من كان يكتب مثلها!! وفي الصحيفة نفسها!!
مقالاتك دائماً كانت تطرق الجانب الاجتماعي. فهل ما يدفعك لهذا نوعية التخصص والاهتمام العلمي أم ترين أن المجتمع السعودي يعاني من بعض المشكلات الاجتماعية التي تقتضي منك تناولها في كتاباتك؟
أحياناً تفرض الأحداث وجوب مناقشتها، خصوصاً إذا كانت التحديات العقدية والثقافية قوية، والنسيج الاجتماعي مهدد في أمنه وتماسكه، ولا يخلو أي مجتمع من مشكلات تفرض معطياتها على الكاتب كي يناقشها، وبحكم تخصصاتي واهتمامي، وقبل ذلك حسي الديني، ثم الوطني أجدني أجتهد في توضيح المواقف ومناقشة السلبيات والإيجابيات لكل حدث، ولكل دفعة اجتماعية.
وحالياً مجتمعنا السعودي أصبح يواجه العديد من المشكلات والقضايا؛ كالطلاق والعنوسة، والفقر، والبطالة، والفساد الإداري، والآثار المتعددة لوسائل الاتصال والفضائيات، وعقوق الوالدين وسواها من قضايا يُفترض مناقشتها، ولا يغيب عنا ما تحمله اتفاقيات الأمم المتحدة (السيداو) من مخاطر تفرض وجوب التحذير منها، ونشر الوعي حولها وسواها من مؤتمرات وندوات، غياب حقيقتها سوف يؤثر سلباً في البناء الأسري والمجتمعي.
الصحف السعودية هل هي بالفعل موزعة على تيارات فكرية وثقافية معينة؟
كما هو معروف أن من الأدوار المهمة للإعلام دعم أشكال الوحدة في الأمة، واستثمار إيجابياتها، ومعالجة سلبياتها من خلال المنظومة التشريعية، ثم الاستثمار الأمثل للتجارب الثقافية والاقتصادية الناجحة لدى الآخرين. ما يحدث لدينا -وفي معظم الصحف- أن هذا الهدف أو الدور أصبح غير واضح، وتُرك الحبل على الغارب لمن يرغب بالكتابة للنيل من التشريع الديني تحت مظلة "حرية الرأي" التي أصبحت مظلة مفتوحة لمن يمثلون الاتجاه الليبرالي كما يُقال!! وأصبحت هناك شعارات جديدة منتشرة ومصطلحات تم استعارتها من أحداث الثورة الفرنسية، وما يقال عنها إنها حركة تنوير هناك، ويطبقونها على هذا الواقع، وبالطبع يهجون ما يقال إنها مرحلة "التشدد والقهر وإقصاء الرؤى".. الخ. من مصطلحات تمثل نقلة نوعية وشاذة عن السياق التشريعي والمجتمعي، بل نجد أن هناك هجاء حاداً لعلماء الأمة الإسلامية كابن تيمية مثلاً، مقابل الإشادة بالملحدين أمثال عبد الله القصيمي وسواه من الملحدين في الدول العربية.. أليس هذا "نكوصاً" وتغيّراً للأسوأ وليس للأمثل؟! ما لدينا هنا ليس تيارات بالمعنى المتعارف عليه في المجتمعات التي نشأت فيها هذه التيارات الليبرالية أو الاشتراكية أو سواها. ما لدينا هو "تقليد" وخروج عن الثوابت الشرعية في بعض المقالات والمواضيع والتحقيقات في معظم الصحف، وقد تزداد مساحتها في صحيفة عن أخرى. وهذا المنحنى أصبح فرصة للظهور إعلامياً للبعض، طالما أن لديه مفتاح الدخول لسقف رضا إدارة التحرير، وهو "الهجوم على المتدينين"، وادّعاء الدفاع عن حقوق المرأة، والدعوة للاختلاط، وأنه غير محرم وما هو محرم هو الخلوة!! الحديث عن الحجاب وكشف الوجه، ومهاجمة غطاء وجه المرأة، أو الدفاع عن تدخلات مكاتب الأمم المتحدة في التشريعات والقوانين وسواها من قضايا متشابكة، أكاد أجزم أن بعض من يتناولها هو أو هي شخصياً لا تفقه جيداً، ولكن هي وسيلة رضا رئيس التحرير والظهور الإعلامي. ما لدينا ليس تصنيفاً بالمعنى الواضح، ولكن هو في مجمله نكوص ثقافي وفكري عند البعض ممن تيسر لهم الموقع (الإعلامي) نجده في معظم المطبوعات.. فتبقى هذه المطبوعة كالجزيرة المغلقة على"نوعية من الكتاب ينتقدون ويهاجمون، وهم في مأمن من ردة فعل من يهاجمونهم؛ لأن صفحات هذه المطبوعة تمنع وصول آرائهم!!". ولهذا نجد أن بعض المواقع على شبكة الانترنت أصبحت الملتقى الحقيقي للحراك الثقافي والفكري.
بوصفك باحثة في حقل الاجتماعيات كيف تقرئين التحولات التي طرأت على البنية الاجتماعية في السعودية خلال السنوات الأخيرة؟
وما العوامل التي دفعت لهذه التغيرات (إن اتفقتم بوجود هذه التغيرات)؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب بحثاً كاملاً لأهميته، ولكن سأختصر الإجابة في الآتي: إن أي تغيّر أو تحوّل يحدث في مجتمعنا إذا لم يكن ضمن حدود النسق الديني ثم القرابي "فإنه يُعدّ تغيّراً خاطفاً"؛ فهما محوران أساسيان في بنية المجتمع السعودي، وأي تفعيل أو تحوّل في هذه البنية لا يصدر من تشريعات النسق الديني والتعاليم التشريعية الشرعية، وخصوصاً أنه المادة المهمة في نظام الحكم. وفي السياق نفسه نجد أن مجتمعنا يتميز بالنسق القرابي الذي يضم أنماط العلائق الصهرية والدموية بين الأسر والعشائر القاطنة في المملكة توضح الارتباط الداخلي والتماسك الاجتماعي.. إن أي تغير في بنية المجتمع إن لم يكن مستمداً من هذه الجذور فإنه سيتحول إلى "تغير خاطف" يحتاج إلى قاعدة قوية لبقائه.. وهذه القاعدة لا تُبنى من تدخلات وتوصيات مكاتب الأمم المتحدة أو تقاريرها!! تحت مظلة "حقوق الإنسان، حقوق المرأة، قضايا العنف الأسري".. بالطبع هناك إيجابيات لمسناها في إنشاء جمعية حقوق الإنسان، ومركز الأمان الوطني الأسري، وبعض الجمعيات الأخرى، وأصبح هناك مرونة في مشاركة النساء في المؤتمرات العلمية والندوات خارج الوطن الذي كان في السابق ممنوعاً.. ما نرجوه ألاّ نبتعد عن سياقنا الديني في هذه التغيرات، وألاّ نجعل قضايا المرأة هي "الحل" لجميع مشكلات المجتمع. وألاّ نجعل وجهتنا "النموذج الغربي"، بل لا بد من تطويع تشريعاتنا وقوانيننا للتشريع الرباني. وليس العكس كما هو حادث في بعض المجتمعات الأخرى، حتى لا يحدث خلل ثقافي وأسري على مستوى الشرائح الاجتماعية، قد يتطلب سنوات لتعديلها وتصحيح مسارها، ممّا هو حادث الآن، كمظاهر التخلي عن الحجاب الساتر سواء لدى المذيعات في القنوات السعودية، أو في هذه الفعاليات التي تُدمج فيها المرأة "قسراً" كأننا أصبحنا نخشى من تقارير الأمم المتحدة.. فأصبحت صور النساء في الصحف هي الزاد اليومي، وكأن نشر الصور سواء للنساء السعوديات أو الممثلات والمطربات في ملابسهن الفاضحة هي المؤشر للتحديث لدينا، وأننا "ننصف المرأة ولا نلغيها من المجتمع". هذا التوجّه ليس شرعياً ولا فائدة منه؛ لأنه تغير يمسّ "القشور" ولا يصل إلى البنية الصحيحة لإبقاء النساء حقوقهن الشرعية وواجباتهن ضمن منظومة الأسرة والمجتمع.. فلن تستفيد المرأة في القرية الفقيرة أو التي تشكو من الأمية من وجود امرأة ما في مجلس إحدى الغرف التجارية!! هذا على سبيل المثال فقط.. ما أقصده أن "بناء الإنسان" وفق الإطار الإسلامي ودور كل من الرجل والمرأة في المجتمع هو "البناء الصحيح"، وهو النموذج الأمثل للتقدم والتطور، أما أن نحذو حذو تشريعات وسلوكيات النموذج الغربي فلن يتحقق لأي مجتمع التقدم المنشود، ولدينا الواقع المجتمعي في العالم العربي، وقد خرجت النساء للحياة العامة، وتخلين عن الحجاب لعقود، وشاركن في بعض المجالس النيابية، فهل تحقق للمجتمع القضاء على مشكلاته؛ كالبطالة، والفقر، والعنف الأسري، والطلاق، والعنوسة، والفساد الإداري.. ؟! وغيرها من مشكلات لا يزال المجتمع العربي يعاني منها إلى اليوم.. وبالمثل هناك النتائج في المجتمعات الغربية حيث المشكلات التي يعاني منها المجتمع تجاوزت ما كان متوقعاً لها كزيادة نسبة الجرائم والمخدرات.. ما أردت التأكيد عليه أن ما يمرّ به مجتمعنا من تحوّلات يُرجى لها أن تكون محافظة على النسق الديني والقرابي والأسري؛ فهذا هو المخرج من كل مشكلات اجتماعية أو اقتصادية.
هل تعتقدين أن الساحة السعودية بحاجة ماسّة إلى حوار واسع بين مختلف الأطياف الفكرية والمذهبية؟
الساحة السعودية في حاجة ماسّة لحوار حقيقي وإعلامي للجميع، وليس لفئة دون أخرى؛ لأن مرحلة "إقصاء من يمثلون المنهج المعتدل" لن تفيد في مسيرة التكامل الاجتماعي وتحقيق الوحدة الوطنية.. منذ بداية مشروع "الحور الوطني" حدثت بعض الانفراجات.. -إن جاز لنا استخدام هذا التعبير- ولكن أعتقد أنها لم تحقق بعد ما هو متوقع؛ فعلى أرض الواقع زادت الفجوات الثقافية، وبقي الفضاء الإعلامي لمن يمثلون التوجه الجديد (ضرورة وجود مسرح تشارك فيه النساء وسينما، ومشاركة في الدورة الأولمبية للنساء المسلمات السعوديات، والذهاب والسفر بدون محرم، وإلغاء ولاية الأب ..الخ مما هي عليه وصايا التقرير الأخير لمكاتب الأمم المتحدة من قاصرات للأبد). هذه المطالب هي ما تنتشر في الإعلام وكأنها الحلول الجذرية لمشكلاتنا.. ولو كانت مساحات الحوار في الفضاء الإعلامي كما هي عليه في فعاليات مركز الحوار الوطني لوجدنا نتائج أفضل.
تعتبرين إحدى الناشطات البارزات في الدفاع عن المرأة السعودية.. بعد هذه السنوات الطويلة من العمل في هذا الحقل .. ما المكاسب التي استطعت تحقيقها (مع زميلاتك)
للمرأة السعودية؟ بمعنى آخر: ماذا كسبت المرأة السعودية طيلة السنوات الأخيرة؟ وكيف تقيّمين هذه المكاسب؟ يبدو أننا أصبحنا نتحدث ضمن السياق العولمي، الذي يقيّم الواقع الاجتماعي وفق المكاسب والخسائر، وما أراه أن وضع المرأة في مجتمعنا بشكل عام مر بعدة مراحل من قبل توحيد المملكة إلى الآن، وكي تكون الإجابة مختصرة وفي الوقت نفسه وافية سأضع إطاراً عقدياً وتشريعيًا وثقافيًا واجتماعيًا لوضع المرأة. وتغيّره من عقود إلى أخرى كان يتساوق بين الجانبين العقدي التشريعي والنظامي القانوني، ولا نغيب الإرث والعرف الذي لا يتناقض مع التشريعات الإسلامية، سواء على مستوى فرص التعليم ونوعه، والابتعاث للدراسة في الخارج، والعمل ونوعه ومجالاته ومساحات الاختلاط بالرجال فيه، وبين حقوقها و واجباتها الشرعية الحقيقية. سنجد أنه تحقق لها الكثير بمقارنة كل حقبة بما قبلها، ولكن الأهم هو كيف عليها وعلى مؤسسات المجتمع أن تعزز نجاحاتها، بعيدًا عن الخروج عن مظلة التشريعات الإسلامية والقيم الإسلامية؟! فنحن مجتمع مسلم له ضوابطه وحدوده التي لابد أن تنفّذ حتى لا نحرق هذه الإنجازات التنموية، في ظل الركض حول التقليد "للنموذج العولمي للنساء". فمجتمعنا السعودي مجتمع مسلم له "خصوصيته" المستمدة من موقعه وتاريخه ودوره الإسلامي، ولابد أن نحقق هذه الخصوصية؛ فهي أمر رباني لا يخضع للمساومة، ولا للتنازل عنه في سياق هذه الشعارات الأممية الحالية التي يروّج لها مشروع الشرق الأوسط الكبير.. نحن الآن أمام مفترق طرق ويجب أن نحقق "مكاسب حقيقية" وليس "قشورًا"، كما يروج لها حاليًا في الإعلام ومطبوعاته وقنواته، مما يحدث التناقض بين النموذج الذي يتم الترويج له وهو نموذج المرأة التي وجدت حقوقها كما يقولون في فرص العمل والحياة العامة.. وما يقدم لها من محتوى إعلامي نجده لا يخرج عن صورة "المرأة الجميلة فقط" أي الخطاب الإعلامي في أغلبه يحاكي جمال الجسد والملامح، ولا يخاطب العقل، ولا الإنجاز التنموي الحقيقي. أما إذا كان الحديث عن دوري وزميلاتي في هذا السياق من المكاسب فأعتقد أنّ ما قمنا به على مدى عقود ثلاثة -هي تاريخ مشاركتي الفعالة في نشاط الجمعيات الخيرية من تأسيس ودعم ثقافي وإحداث وعي اجتماعي في شرائح المجتمع- أعتقد أنه كان جيدًا وفق ما كان متاحاً لنا، سواء على مستوى النظام، أو على مستوى الحركة الاجتماعية. فقد كانت تواجهنا عقبات عديدة وإجراءات طويلة كي نقيم ندوة ثقافية أو نشاطاً اجتماعياً.
إلى أي حد تصح مقولة إن هناك نموذجاً معيناً للمرأة السعودية يتم تسويقه بعيداً عن الثوابت الشرعية؟ هل من الممكن تقديم مثل لهذه النماذج؟
نعم، هناك نموذج يحاول الإعلام من خلال الفضائيات والمطبوعات المتنوعة التي تزدحم بها رفوف (السوبر ماركت) أن يغرسه في بنية مجتمعنا السعودي المسلم المتدين.. وهو "النموذج الغربي العولمي"، بكل مساوئه، وليس إيجابيات بعض ما لديه.. مقولة إسقاط الجدران العازلة أصبحت تتردد كثيرًا كي يروّجوا للاختلاط بين الرجال والنساء.. ومقولة إن المرأة السعودية مقهورة ومحبوسة بين أربعة جدران.. الخ من هذه المقولات التي بعضها يجانب الواقع، وبعضها يضخم هذا الواقع، هي التي تتردد في الإعلام، ولأن الصوت الذي يمكن أن يوضح حقيقة مثالب ومآسي (النموذج الغربي) مغيب فإن المتلقي لهذا النموذج سيتصور أنه البديل.. وعلى الرغم من أن هذه المحاولات مستمرة، ولكن يمكن القول إن تقبل هذا النموذج ليست وارداً؛ لأنها "جزئية ثقافية تتعارض مكوناتها مع مكونات وعناصر هذا المجتمع" وكما قال مالك بن نبي أي جزئية ثقافية أو فكرة غريبة إذا ما تم محاولة إدماجها في المجتمع فستكون مثل تزويد الجسم بدم من فئة لا تناسبه، فبالتالي يكون الرفض لهذا الدم أو يؤدي إلى سقوط الجسد!! وما هو متوقع أن هذا النموذج سيظل مرفوضًا؛ لأنه منتج ثقافي ليس شرعيًا، وسيبقى في مراوحته وتذبذبه حتى لو وجد دعماً لانتشاره. وما هو مطلوب كي نقدم (النموذج الصحيح) هو تفعيل التشريعات الإسلامية على مستوى الإجراءات القضائية، خصوصًا في قضايا الميراث والنفقة، وحضانة الأبناء والطلاق، وما هو التطبيق الشرعي للقوامة، وهكذا حتى لا تكون أرضًا مستباحة لتشريعات وتقارير مؤتمرات الأمم المتحدة المنتشرة في جميع دولنا العربية للأسف.
هل الصحافة النسائية في السعودية قادرة على مقاومة هذا النموذج وتقديم النموذج الصحيح؟
لدينا نموذجان للصحافة النسائية، بعضها ممتاز، ويحاول أن يكون رافدًا قويًا لتحقيق النموذج الإسلامي الصحيح للنساء، مثل مجلة (حياة) و(المتميزة)، وبعضها يُساق للترويج للنموذج الغربي كي تضمن المحررة رضا رئيس التحرير (الرجل)، سواء في بعض المجلات الخاصة بالأسرة والمرأة، أو في بعض الصحف اليومية، بل نجد بعضهن يترسمن خطا رئيس التحرير واتجاهاته كي تضمن (الرضا) والبقاء ضمن كادر الصحيفة، وقد حدث أن نُشر تقرير خاص بإنجازات المرأة السعودية في إحدى الصحف، فوجدت أن هناك أسماء لنساء سعوديات مع صورهن –وهي الموضة الجديدة الآن أن تُنشر صور النساء مع أي خبر أو مقالة أو تحقيق!! المهم بحثت في هذا التحقيق الصحفي عن اسم الأميرة الدكتور/ سارة آل جلوي، وكانت قد حصلت على جائزة على المستوى العربي، ولم أجده، وأرسلت رسالة إلى هذه المحررة لأسألها عن هذا التغييب لسيدة سعودية حققت إنجازًا نالت عليه جائزة. هل لأنها "منقبة" وليست سافرة الوجه أو حاسرة الرأس؟! ولم تجبني بسوى قولها إنها لم تتعمد ذلك!! إذًا هذا هو النموذج للصحافة النسائية الحالية، بل إن بعض العاملات في هذه الصحافة هن أول من يحارب وجود النساء اللاتي يختلفن معهن في التوجه من اللاتي "لا يتقبلن النموذج الغربي"، والدليل نوعية من يتم استضافتهن في المنتديات الإعلامية الموجهة من قبل مكاتب الأمم المتحدة بل والمدعومة منها.
المثقفات من الإسلاميين "النساء" ليس لهن صوت في الحياة العامة.. فليس هناك أسماء يمكن الإشارة إليها.. هل هذا صحيح ؟ ثم ما أسباب ذلك إن اتفقت مع هذا الرأي؟
أعتقد أن المثقفات من الإسلاميين "النساء" أثبتن وجودهن، سواء على مستوى العمل الدعوي أو الفعاليات الثقافية الدعوية والمواقع على شبكة الإنترنت، ولكن ربما لا يزال هذا النشاط في دائرة التثقيف الفقهي، وليس مواجهة التحديات المتعلقة بقضايا المرأة في المواثيق الدولية.. وما تحمله من خطورة على بنية الأسرة المسلمة في كل مجتمع مسلم.
يُقال إنك كنت حداثية، ثم في السنوات الأخيرة تمّت أدلجتك من قبل التيار الديني المتشدّد.. بماذا تردّين؟
نعم كثيرًا ما أسمع هذا التعليق، بل هناك من تمنح نفسها حق الكتابة في هذا الجانب، وأنا متأكدة أنها لم تقرأ لي سوى في السنوات الأخيرة.. وكي أجيب سأقول إني نشأت في بيئة متدينة جدًا مثل بقية العوائل السعودية، وبالتالي فلا يوجد هناك أي مؤثرات لي كي أكون حداثية.. ولكن لأني كنت أذكر أني أقرأ لزكي نجيب محمود وتوفيق الحكيم، وأحيانًا أضع بعض مقاطع شعرية لبعض شعراء الحداثة يتم "تصنيفي هكذا"!! وهذه قراءة خاطئة وتصنيف مبنيّ على أوهام، وعلى اقتطاع الأجزاء من السياق الكتابي لي.. وقد وضحت عدة مرات أن كتاباتي التي يُقال إني فيها أنساق لطلبات التيار الديني المتشدّد لم تكن وليدة هذا التيار، ولكنها مستمدة من مرجعيتي الدينية، خصوصًا أن الأحداث الأخيرة ولدت من يهاجم الدين، وليس الإنسان المتدين فقط، وبالتالي كان لابد من توضيح ومناقشة هذه القضايا.. فما يُسمّى بأني (تأدلجت) هي تهمة لا أرضاها؛ لأني (متدينة) -ولله الحمد- منذ طفولتي.
أخيراً.. ما وجهتك القادمة ككاتبة صحافية؟
إن شاء الله في صحيفة الاقتصادية؛ فقد وجدت من رئيس تحريرها كل ترحيب وتقدير.--------------------------
لقاء مع الدكتورة نورة خالد السعد
أستاذة الاجتماع التي كانت تطمح أن تكون طبيبة..
- خاطبني رئيس التحرير قائلاً: "أهلاً بنورة الزرقاوي"، وأجبته بالمثل قائلة: "وأهلاً بتركي بوش"
- لو كانت مساحات الحوار في إعلامنا كما هي عليه في فعاليات "الحوار الوطني" لوجدنا الحلول لكل مشكلاتنا
- لم أكن حداثية في يوم من الأيام ولم أؤدلج من قبل المتشدّدين
- بعد دراستي لإدارة الأعمال حمدت الله أني لم ألتحق بكلية الطب
- كتبت في صحيفة (الرياض) لمدة ثلاثين عاماً، وبعد 11/9 غيّروا تعاملهم معي
- صحفنا تركت الحبل على الغارب لكل من يريد النيل من الدين تحت مظلة حرية الرأي
- الصحف السعودية تحتفي بالملحدين وتهجو علماء الأمة
- مواقع الإنترنت أصبحت الملتقى الحقيقي للحراك الثقافي والفكري في السعودية
- مجتمعنا يواجه مشكلات البطالة والفساد الإداري والعنوسة والطلاق ويجب أن نواجه ذلك بشجاعة
- نعم، هناك نموذج معين للمرأة السعودية يتم تسويقه الآن بعيداً عن ثوابت الشرع
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..