يتحمّل الشرق الأوسط الكلفة الأعلى للحروب والنزاعات بين دول العالم، وتتكبّد هذه المنطقة أعلى نفقات عسكرية ومالية وأكبر خسائربشرية نتيجة صراعات الحدود بين دول المنطقة والصراعات الأيديولوجية والمذهبية داخل الدول نفسها، في حين يبقى الصراع العربي- الإسرائيلي من أكثر الصراعات المكلفة في عالمنا المعاصر وأطولها من الناحية الزمنية الممتدّة منذ خمسين عاماً متواصلة، أي منذ أن تقرّر إقامة دولة قومية دينية لليهود على أرض فلسطين.
يكشف تقرير "كلفة الصراعات في الشرق الأوسط" الصادر في العام 2010 عن مجموعة "ستراتيجيك فورسايت" والذي حظي بدعم رسمي من النرويج وسويسرا وقطر وتركيا، أن الشرق الأوسط احتلّ مكانة الصدارة بين المناطق الأكثر تسليحاً في العالم، ويؤكد أن الخسائر الاقتصادية في الشرق الأوسط بلغت 12 تريليون دولار في الفترة بين عامي 1991 و2010 بسبب تكلفة الصراع وأن هذه الخسائر مرشحة للارتفاع في حال عدم التوصل الى حلول مقنعة وقابلة للاستمرار في المنطقة. في المقابل، فإن تحقيق السلام في المنطقة بالتزامن مع تطبيق سياسات اقتصادية سليمة سوف يؤدّي إلى نسبة نموّ قد تصل إلى 8 في المائة لدى بعض الدول.
ويناقش التقرير نفسه التكلفة الاقتصادية والعسكرية والبيئية والاجتماعية والسياسية للصراع وسيناريوهات السلام، ويؤكد أن الشرق الأوسط هو المنطقة الاكثر تسليحاً في العالم بجميع المقاييس لجهة نسبة إجمالي الناتج المحلي المخصّصة للنفقات الدفاعية، وأنه يخصّص أعلى نفقات عسكرية في العالم، بلغت في المتوسط 6 % من إجمالي الناتج المحلي في العام 2005، موضحاً أن الصراعات الموجودة في الشرق الأوسط منذ العام 1948 وحتى 2008 كانت في الأساس صراعات سياسية ذات أبعاد اجتماعية ودينية قوية، والتلف الذي حدث في البيئة كان نتيجة لهذه الصراعات، لكن في المستقبل قد تتحوّل موارد البيئة، خصوصاً ندرة المياه إلى سبب للصراع، إضافة إلى كونها نتيجةً للصراع.
في شهر أبريل 2011 أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) تقريراً شاملاً له حول الإنفاق العسكري العالمي في العام 2010، أظهر فيه ارتفاع الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط من 78.2 مليار دولار في العام 2001 إلى 111 مليار دولار في العام 2010. وأظهر التقرير نفسه أن هذا الإنفاق بلغ 1630 مليار دولار مسجّلاً زيادة قدرها 1.3% عن العام 2009. وقد بلغت الزيادة في الإنفاق العسكري خلال الفترة بين 2001 – 2010 ما نسبته 50%. وجاءت هذه النسبة في المناطق الجغرافية المختلفة على النحو التالي: أفريقيا 64% (69% في شمال أفريقيا، و 61% في أفريقيا جنوب الصحراء)، الأميركيتان 76%، موزعة على 28% في أميركا الوسطى والكاريبي، 80% في أميركا الشمالية و 42% في أميركا الجنوبية.
وبحسب التقرير نفسه، فقد جاء ترتيب أول خمس دول من حيث الإنفاق العسكري العام 2010 على النحو التالي: الولايات المتحدة (698 مليار دولار)، الصين (119 مليار دولار)، بريطانيا (59.6 مليار دولار)، فرنسا (59.3 مليار دولار)، روسيا (58.7 مليار دولار). وجاءت نسبة الزيادة في الإنفاق العسكري في الفترة ذاتها في آسيا والأوقيانوس 64%، في وسط وجنوب آسيا 50%، شرق آسيا 70%، جنوب شرق آسيا 60%، أوروبا 12% ،الشرق الأوسط 35%.
واستناداً إلى تقرير صادر عن المعهد نفسه في مارس 2010، فقد تلقى الشرق الأوسط ما نسبته 17% من إجمالي صادرات الأسلحة التقليدية على المستوى الدولي. وأسهم الشرق الأوسط بما نسبته 7% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، مقابل 2% لأفريقيا، 4% أميركا اللاتينية، 23% أوروبا، 19 % آسيا والأوقيانوس، 45% أميركا الشمالية.
ويؤكد تقرير نشره موقع ديفينس توك العالمي مطلع العام 2011 على زيادة الإنفاق العسكرى ومشتريات السلاح المستقبلية لدول الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس القادمة، ويوضح التقرير أن ميزانية الدفاع فى منطقة الشرق الأوسط وبخاصة دول الخليج سترتفع، وأن الإنفاق على الدفاع سيزيد بنسبة 14%
وستشهد برامج تحديثات عسكرية طموحة، وتصنّف المؤسّسات الدولية المنطقه بأنها عالمية ورائدة فى مشتريات السلاح خصوصاً دولتيّ الإمارات العربية والسعودية. ومن المقرّر أن ينفق العراق 12.5 مليار حتى العام 2015 ليواجه التحديات الداخلية والخارجية، وتعمل الولايات المتّحدة لتكون المورد المسيطر للقوة العسكرية العراقيه وهي أنشأت لهذه الغاية صندوقاً خاصاً للمبيعات العسكرية.
في المقابل يؤكّد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن الميزان العسكري لعام 2001 كان على ازدياد وأن مجموع الإنفاق العسكري لدول الشرق الأوسط التي تضمّ مصر والبحرين وإيران والعراق وإسرائيل والأردن والكويت ولبنان وسلطنة عمان والسعودية وسوريا وتركيا والإمارات العربية المتحدة واليمن بلغ العام 1998 ما مقداره 57.3 مليار دولار ثم انخفض العام 1999 إلى نحو 56.2 مليار دولار، لكنه قفز إلى 60.9 مليار العام 2000، وبلغت الزيادة نسبة 8% في الإنفاق العسكري العام 2000 وطوال السنوات منذ العام 1995 زادت الميزانيات العسكرية لإسرائيل ودول الطوق العربية. ففي العام 2000 بلغت ميزانية الدفاع الرسمية لإسرائيل حوالى تسعة مليارات دولار بنسبة زيادة 5% عن العام 1999، في حين لم تزد ميزانية مصر العسكرية على ثلاثة مليارات دولار في عامي 1999 و2000، وزادت ميزانية الأردن قليلاً لتقترب من المليار دولار العام 2000، في حين تخطّت الميزانية العسكرية السورية لعام 2000 الثلاثة مليارات دولار.
"داتا" الحروب في قرن ونصف
شهد العالم 213 حرباً أهلية بين العامين 1816 و1997 وقعت 104 منها بين 1944 و1997. وشهد العالم 90 حرباً أهلية بين 1945 و 2007 بحسب دراسة أجرتها جامعة "هارفرد" تحت عنوان "حروب لا تنتهي: المجتمع الدولي، الدول الضعيفة، واستمرارية الحرب الأهلية". في هذا السياق تعتبر الدول الكبرى مثل الولايات المتّحدة ثم بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا المصدر الأول للسلاح في الشرق الأوسط.
ويؤكّد التقرير السنوي للمركز الدولي لأبحاث من أجل السلام في ستوكهولم أن على لائحة الدول المستوردة للسلاح بين الأعوام 2006-2010 الهند والصين وكوريا الجنوبية وباكستان واليونان والإمارات العربية وإسرائيل وتركيا والسعودية، فيما تترأس لائحة المصدرين أميركا وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين، وتلعب الصين دورا مزدوجاً في سوق السلاح العالمي، إذ إنها تبيع السلاح وتشتريه في وقت واحد، وهي دولة مصدّرة ومستوردة معاً، فهي تشتري أسلحة بحرية وجوية متقدّمة من روسيا وتبيع أسلحة أقلّ تقدماً للدول النامية.
نماذج الحروب التقليدية تبدّلت وطبيعتها أخذت أشكالاً أكثر تطوراً عن ذي قبل، لم يعد العدو نفسه ولا عادت الأسلحة هي ذاتها ولا المعارك تشبه سابقاتها لجهة العديد والعتاد وأساليب القتال. صحيح أن قاعدة الحروب تقوم على مفهوم أساسي هو الحسم في تدمير قوة الخصم، سواء كانت حروباً داخلية أم تدخلات إقليمية أم دولية، إلا أن الحرب التقليدية المعروفة بمعنى فتح جبهات قتالية بين الحدود والدول انتهت، ليشهد عالم اليوم صعوداً لنماذج جديدة هي حروب وسط الناس، حروب أهلية محلية. وصحيح أن الحروب لا تزال تُخاض على أربعة مستويات رئيسة هي: السياسي والاستراتيجي والميداني والتكتيكي، لكن عنصراً حاسماً دخل على المعادلة مفسحاً المجال أمام تغيير النموذج التقليدي وبالتالي الإسهام في إنهاء الحرب بشكلها المعروف، هو العنصر النووي الذي دخل العام 1945 وأصبح سائداً بين عامي 1989 و1991 وهو سلاح من شأنه في ما لو استخدم على نطاق فاعل أن يقلب مفهوم الحروب وأساليبها بشكل جذري.
السؤال الآن في خضم هذه التفاصيل كلها هو: هل كان يُمكن لصناعة الدمار في العالم أن تلقى مثل هذا الازدهار من دون مخطّطات لزرع فتن ونزاعات؟
عن نشرة فكر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..