الاثنين، 12 سبتمبر 2011

عادات الحضر والبدو غير محكّمة إذا خالفت الشرع





الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على النبي المجتبى وعلى آله وصحبه ومن اهتدى ... أما بعد :
من اختلال المفاهيم في هذا العصر الخلل في معرفة حقيقة القاعدة الفقهية المعتبرة وهي (( العرف معتبر )) أو (( العادة محكّمة )) , وفساد تصورها في أذهان الكثير من أهل الإسلام في هذا الزمان , حتى ظن البعض أن العرف والعادة قد يجعلان الحرام حلالاً والحلال حراماً ؟!
ومن ذلك قول الدكتور عبد العزيز قاسم : لا تنس أن المناطق الجغرافية متباينة، فضلا على موضوع المدن الكبيرة والصغيرة، وأخيرا المجتمع الحضري والقروي والصحراوي..ثمة تباينات كبيرة، ونجيب يتكلم عن واقع من مجتمع حضري في جدة .. عبدالعزيز قاسم

وقد ساق الدكتور عبد العزيز هذا الكلام في تعقيبه على من عقب على الكاتب نجيب يماني في مقاله عن العلاقة الزوجية وتسلط النساء على الرجال ونسب ذلك للمجتمع الحضري في جدة معللًا بتفاوت الأعراف, وهذا فاسد شرعًا فليس للعرف مدخلًا في ذلك, كما يظنه البعض, فالعلاقة الزوجية عند الحضر والبدو تحكمها الشريعة وعلاقة الأعراف بها واعتبارها يكون فيما لا يخالف الشرع ويعارضه فقط فإنّ شيوع بعض الممارسات المحرمة في باب العلاقة الزوجية بحسب تنوع المجمتعات لا يعني اعتبارها شرعًا, فتسلط المرأة على الرجل وقيامها بمهام القوامة لا يجوز, ولو كان الرجل ضعيف الشخصية أو عديم الرجولة , وكذلك ظلم الرجل للمرأة والتقتير عليها في النفقة أو باقي حقوقها لا يجوز ولو كان هذا عرفًا شائعًا في بعض المجتمعات بل ويتوسع البعض ويظن أن شيوع بعض المحرمات ككشف المرأة لوجهها أمام الأجانب واختلاطها المحرم بهم من العرف الذي يجوز عند الحضر ولا يجوز عند غيرهم !!
أو يجوز خارج السعودية ولا يجوز داخلها وهذا من أبطل الباطل , لأن عموم نساء المسلمين مأمورات بقوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ } وعموم الرجال والنساء مأمورون بقوله تعالى { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } وقد اتفق العلماء على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه كما نص عليه إمام الحرمين الجويني الشافعي (روضة الطالبين 7/24).
إذن ما المراد بالعرف المعتبر ؟
يطلق العرف لغة على كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه , ويطلق أيضاً على المعروف , وهو الخير والرفق والإحسان.
أما اصطلاحاً فهو ما اعتاد جمهور الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معناً خاص , بحيث لا يتبادر غيره عند سماعه.
وقيل العرف هو : ما استقر في النفوس واستحسنته العقول الصحيحة وتلقته الطباع السليمة بالقبول بما لا يرده الشرع.
وعلى هذا الأساس قرر أهل العلم قاعدة (( العادة محكّمة )) و (( العرف معتبر )) ودليل هذه القاعدة في التنزيل قوله تعالى { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وقوله عليه الصلاة والسلام : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " .
ولكن العرف ينقسم من حيث الصحة و الفساد إلى قسمين :
1)              العرف الصحيح : وهو ما تعارف عليه الناس , وليس فيه مخالفة للشرع ولا تفويت لمصلحة , ولا جلب لمفسدة.
2)              العرف الفاسد : وهو ما خالف الشرع أو فوّت مصلحة أو جلب مفسدة.
فوظيفة العرف في الشرع هي بيان حد بعض الأحكام الشرعية التي لم يجعل لها الشارع حداً , كنفقة الزوجة و القبض و الكفارات و حد السفر الذي يجوز فيه القصر وغيرها .لذا متى ما جاء العرف بمخالفة الشرع كان عرفاً فاسداً كما نرى اليوم من تعارف بعض الشعوب على خروج المرأة متبرجة أو سافرة أو خروجها للعمل من غير حاجة أو اختلاطها بالرجال على وجه محرم وغير ذلك من الأعراف الفاسدة التي لا يلتفت إليها ولا يعول عليها , بل يجب محاربتها والقضاء عليها.
فالعرف لو كان صحيحاً لا يأتي بتشريع جديد و إنما هو مبين لمراد سكت الشارع عن بيانه , وأحال بيانه لما يراه الناس من مصلحة لهم فيه , من دون الدخول في المحرم  .
فالعرف الفاسد ما هو إلا ظن وإن كثر متبعوه لقوله تعالى {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} وهذه صفة العرف الفاسد المخالف للشرع .
قال السرخسي (المبسوط 12/196) : كل عرف ورد النص بخلافه , فهو غير معتبر . انتهى
فالمعتبر في الأعراف والعادات ما كان مدار استعماله فيما لم تحده الشريعة بحد معين , ولا يناقض حكماً شرعياً .
قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى 13/27-28) : ومما ينبغي أن يعلم‏:‏ أن القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى أقوال أهل اللغة ؛ فإنه قد عرف تفسيره وما أريد بذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم؛ ولهذا قال الفقهاء‏:‏‏(‏الأسماء ثلاثة أنواع‏)‏ نوع يعرف حَدّه بالشرع كالصلاة والزكاة، ونوع يعرف حده باللغة كالشمس والقمر، ونوع يعرف حده بالعرف كلفظ القبض، ولفظ المعروف في قوله‏:‏ ‏{‏وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ‏. انتهى
والله أعلم وصلى اللهم على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
جمع / أبي طارق علي النهدي


ع ق 626

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..