انتصر للقياس انتصارا ملتبسا
الغذامي يصطف مع الشرعيين ضد
حاكمية العقل
محمد عبد الله الهويمل
أعمدُ إلى التعليق على موقف طارئ ,وربما جديد لدن الدكتور عبد الله
الغذامي في كتابه (الفقيه الفضائي) .ولأن الكتاب لم ينل حظه الافتراضي من الفحص
والتحليل كما هو شأن سالف كتبه, فإني لن أفيض كما أفضت سابقاً .بل سأتولى زاوية
مهمة مرّ عليها قارئ الكتاب دون تثير لديه أي سؤال يمس الحالة الغذامية ذاتها. حيث
أشار الغذامي في فصله عن الاجتهاد والاختلاف إلى مسألة العقل ,أو مادة العقل
تحديداً, ومدى إمكانية وجودها أصلاً كطرف مستقل في معادلة التفكير. وأنه مخترع
ثقافي صنعته اللغة ,ومنحته الصفات الكبرى. والطارئ علينا نحن - قُراءه – أن يفرد
الغذامي هذا الهامش لتوضيح موقفه من العقل وردته إلى مرجعيات أخرى لتصنيف العقل ,وما
هيته وجوهريته. ولأن موقف الغذامي من العقل غير مُتناول نقدياً فسأبسط بعض عبارات
الغذامي الحرفية في كتابه (الفقيه الفضافي) لأدمج القارئ في الصورة لمزيد من الدقة
في التلقي ... يقول الغذامي :(ولست أخفي هنا موقفي التشككي من وجود شيء يمكننا أن
نسميه "العقل")... (كنت وما زلت أميل في أبحاثي إلى رفض فكرة العقل
وأراها مخترعاً ثقافياً صنعته اللغة ثم نسبت إليه صفات كبرى وعظمي وراحت تتعبد هذه
الصفات عبر الاستخدام المفرط لكلمة العقل والعقلاني والمعقول).. (ما هو معقول عندي
هو كل أمر توفرت عليه ثقافتي الشخصية من حيث الكم ثم من حيث نوعية...).. (كل معقول
عندي لا بد أن يقابله معقول مضاد أو في الأقل مختلف عند شخص آخر غيري).. (كل معقول
في حقيقته مستخلص ثقافي ظرفي).. (أن ننسب إليه القدرة على حل المشاكل ليس سوى وهم
كبير أو بالأحرى هو تأجيل دائم للإشكال).
وعرض الغذامي مؤيداً لآراء الجرجاني بشأن مترادفات العقل مع الذهن والنفس
والأنا وتوقفاً ملياً عند أبي حامد الغزالي مصادقاً على تحديداته للقياس لتمثل
لوظيفة العقل ومما سبق يتبين أن:
1-أن الغذامي يضمر منذ أزله أن العقل منتج ,وليس جوهراً قائماً بذاته ,لكنه
لم يصرح بهذا في كل كتبه ,أو لم يخصص مناسبة هذا الأمر .ربما حتى تنضج الفكرة ولكن
هذا لا يعفيه من طرحها مبكراً ,لأن طرحها المتأخر جعله في آخر صف الشرعيين إذ هم
أول من صدع بهذا الاعتراض وتبلور موقفهم إزاء هذا (التعبد) تجاه العقل .وهذا
التأييد المتأخر صوتي لا قيمة له كقولك للشاعر المجيد (صح لسانك).
2-أن هذا الموقف للغذامي نضج أثناء كتابه (الفقيه القضائي) .وهو كتاب يناقش
مسألة شرعية أي هو درس شرعي نضج أثناء
تناول قضايا ذات صلة بالحلال والحرام خلال
مناقشة مدونات لعلماء معتبرين كابن القيم والشاطبي والغزالي. فهذا الموقف حُسم لدى
الغذامي بمؤثر شرعي.
3-أكثر المؤثرين في تنظير الغذامي بشأن العقل هو أبو حامدالغزالي, وكتابه
(معيار العلم), حيث أخذ القياس الدور الوظيفي للعقل, على الرغم من أن الغزالي كان
من أشد محاربي الفلسفة ومتعلقاتها العقلانية ,وهو الجانب السلفي في شخصية الغزالي,
وهو من ناصره الغذامي والسلفيون.
4-الغذامي لم يوضح خطأه في تأخير كشف رأيه إزاء العقل.
5-الغذامي لم يشر إلى الوحي في مقابل العقل في سياقات التنافس الذي افتعله
العقلانيون بينهما على الحكم على الظواهر والأشياء .واكتفى بالقياس الذي لا يتصادم
مع الوحي ظاهراً إلا إذا دخل الهوى في توجيه المصحة بدعوى القياس. وعندها تتحقق
الاستقلالية العقلية عن الثقافة التي وقف الغذامي ضدهاويعود ساعتها الى المربع
الأول وحاكمية العقل.
6-على الغذامي أن يشبع تصوره حيال العقل ويطرحه للقارئ ,فما كتبه رؤوس
أقلام دخلت مشروعه من باب الطوارئ.
7-على الرغم من الانتصار الملتبس والحذر للقياس الا أن الموقف في مجمله
تأييد ,ولو طفيف للموقف الشرعي ضد
الحاكمية المفرطة للعقل .
8-قد يشك شاك بأن احتفائية الغذامي بالقياس جاءت على حساب المصدرين الأهم
(القرآن والسنة) ,سيما أنها جاءت في معرض تأييده العارم للاختلاف الفقهي.
ع ق 739
ع ق 739
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..