السلام عليكم :
هذه مقتطفات مهمة من كتاب عادل اللباد
(الإنقلاب .. بيع الوهم على الذات)
وهو
يحكى تجربته الشخصية كشيعي سعودى انخرط في العمل الشيعي المسيس ضد وطنه
السعودية ضمن التيار الشيرازي وبدعم من إيران في الفترة من 1980- 1994.
هذه
المقتطفات تكشف
للقارئ جدية العمل الشيعي ضد السعودية وأنه عمل منظم ومخطط له بدقة ومنذ مدة قديمة جداً، ولهذا لا تزال نتائج هذا العمل تطفوا على السطح بين الحين والحين، ويكشف عن الصراعات الداخلية سواء بين المعارضين الشيعة السعوديين، أو بين التيارات الشيعية بعامة.
بالطبع هذه المقتطفات لا تغنى عن قراءة الكتاب كاملاً ولذلك نرفق للقارئ المهتم الكتاب كاملاً.
على هذا الرابط
مقتطفات مهمة من كتاب عادل اللباد
(الإنقلاب .. بيع الوهم على الذات)
* فما
أن دارت رحى انتفاضة محرم الحرام عام 1400هـ حتى صبّ المنتفضون – من أبناء
العوامية- بعض غضبهم العارم – في حالة من التنفيس- بحرق مسكن عائلة
الصمعاني بعد أن أخذوا الشاحنات من سائقي شركة (كليتون) لحفر مجاري الصرف
الصحي – وقتذاك- فأغارت أولاً على مركز خفر السواحل بالرامس.. فغنمت ما فيه
من عتاد وأسلحة رشاشة خفيفة- بعد أن أطلق الجنود سيقانهم للريح.
أتذكر
حينما كان الشباب يجوبون الشوارع بتلك الأسلحة وكأنهم في عرض عسكري- بلا
أي خوف، وكأني بالعوامية أصبحت دولة مستقلة لها سيادتها وحدودها المحرمة
على دخول أي عسكري.
وقد
نقل لي أحد الأصدقاء أنه سمع من امرأة – وقنذاك- تنادي عدة مرات: إن
الشباب قد أسقطوا طائرتين في شمال العوامية على الشارع العام عند تقاطع
السد؟!!، وبالطبع لم تحصل هذه الحادثة وإنما هي ابتكار العواطف والإشاعات
اللامحدودة في مثل هذه الأوضاع، وقد تشير لشيء ما؟.
*
وهل كان بالإمكان الانفلات من إخطبوط لهيب الشرق، وتخطي عنق رياح الثورة
الإسلامية في إيران دون أن تجرفني في دوامتها، هل يمكن الهروب من موجة
الانتفاضة في القطيف التي تولدت من رحم المأساة، فانعكس صداها في كل مرآة
ثم يهدر شلال دم الشهداء من أبناء الوطن برصاص الحرس الوطني السعودي في
مدينة القطيف وصفوى الباسلتين. أخذت أحداث وأخبار الانتفاضة –اليومية-
تكتسح المجالس والبيوتات، وتفرض نفسها على العالم رغم غطرسة التعتيم
الإعلامي.
هجوم
الشباب لمحاولة نزع رجال السلطة، وجرح عدد منهم في هذه المحاولات، وسقوط
عدة شهداء أتوا يحملون أرواحهم على أكفهم من الأحساء لمناصرة أهالي "سيهات"
بيد أن شجاعة الجنود الباسلة لم تدخر نفساً للبرهنة على مهارتها وولائها
المستميت، فقامت وصوبت إلى صدور العزّل من الأهالي نيران الأسلحة
الأوتوماتيكية معبرين عن حجم الهستيريا التي أصابتهم.
وفي
عنفوان نهار اليوم الثامن من شهر محرم الحرام سنة1400هـ تصاعدت المواجهات
في مدينة القطيف وتحولت إلى صدام دموي شديد؛ حيث أثيرت حفائظ الجماهير إثر
اعتقال بعض الخطباء ونفيهم: منهم السيد مرتضى القزويني، فخرجت الحشود رافعة
قبضات التحدي وشعارات الثورة.. لتواجه بقنابل الغاز الكثيفة وكعوب البنادق
والعصي الكهربائية، لكن المسيرة تواصلت وهي تجوب شوارع القلعة لترجم مبنى
إمارة القطيف "عش الدبابير"، فأضحى المبنى تحت رحمة آلاف الحجارة السجيلية؛
مما دعا الحراس إلى الهرب تاركين خلفهم حقارتهم وذلهم وأسلحتهم على قارعة
الطريق!.
مازالت
الذاكرة تطل على نافذة انتفاضة المحرم لعام 1400هـ فقد أصيبت قوات السلطة
بالذهول والارتباك من عنفوان ذلك البركان الحسيني.. فردت بشكل هستيري أفرغت
فيه حقدها ولؤمها على الشباب المنتفض لأجل كرامته.. فبدأت بإطلاق النار في
الهواء، وقد وصلت تعزيزات إضافية بينها سبعون سيارة نصبت عليها المدافع
الرشاشة، بدأت تطلق الرصاص عشوائياً على الحشود الثائرة، ولكن لهب التكبير
راح يتمخض قوة ويحتد مع تصاعد العنف، فيسقط خمسة قرابين شهداء؛ يتقدمهم
الشاب المؤمن سعيد عيسى مدن القصاب 20 عاماً؛ الذي قدم من مدينة صفوى
ليشارك في انتفاضة مدينة القطيف، وكان من بين الشهداء الفتى اليافع بسّام
السادة 18 عاماً، وتوالى تساقط الزهور على درب الحرية راسمة خطاً جديداً
ومنهجاً فكرياً ترويه بالدماء القانية.
إن
أحداث الانتفاضة كانت تتناغم معها الجماهير، وتحسّ بها.. مما ولدّ التفاعل
مع الحدث –آنذاك- ذاتياً.. لا كما يُروّج له الآن.. حيث رفعت دماء الشهداء
كشعار يُتاجر به حسب المصلحة التي تدخل ضمن الربح والخسارة الناتجة من دنس
السياسة.. فإذا كانت الأحداث مع النظام غير مستقرة ترتفع أسماء الشهداء
عالياً.. وإذا استقرت الأمور.. تغلق نافذة الانتفاضة ويوضع على أسماء
الشهداء وعذابات السجناء والثاكلات والحقوق.. الشمع الأحمر؟!!.
*
على مشارف ليلة 9 محرم سنة 1400هـ انفجرت الصدامات العنيفة انطلاقاً من
حسينية الشيخ علي الخنيزي "داخل الديرة" في مدينتي العوامية، وتموّجت في أم
الحمام، وتاروت، وسنابس.. حتى أسفرت عن سقوط عدد كبير من الجرحى في أتون
الاشتباكات.
أما
في نهار يوم 9 محرم الحرام فهو يوم مفصلي؛ فقد شهد أكبر تظاهرة في تاريخ
المنطقة الشرقية على الإطلاق، إذ تدفق أكثر من أربعة وعشرين ألف متظاهر في
مدينة صفوى الباسلة لتشييع شهيدها المكلل بالسعادة سعيد عيسى مدن، حيث
تقاطروا من كافة القرى والمدن بمنطقة القطيف الواقعة على الشريط الممتد من
صفوى شمالاً حتى سيهات جنوباً، ومن تاروت شرقاً حتى الآجام غرباً.. بعد أن
لعب المنبر الحسيني دوره في توجيه الناس للتضامن مع شهيد صفوى، فتقاطرت
المواكب الحاشدة تلو المواكب من مدينة القطيف وسيهات والعوامية وأم الحمام
والبحاري وتاروت وسنابس والجارودية وغيرها.. بينما نعش الشهيد يطفو على بحر
من الأيدي إلى جانب صورته وقميصه – المضمخ بالدماء الزكية- المرفوع على
عصا طويلة.. وقد رفعت على الجانب الآخر الآية الكريمة ]وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ[ ([1]).
وقد
التفت السيول العارمة عند مقبرة صفوى الباسلة.. وما خمد أوار التظاهرة حتى
أسفرت عن اشتباكات دامية مع أجهزة الأمن والحرس الوطني .. قُدّم على
مائدتها أربعة شهداء، أما الجرحى ومن بينهم النساء فما أكثر عددهم.. وكان
من بين الشهداء الشهيد السعيد سعود حسين الزاهر من مدينتي العوامية.
"وقد
فتح الغضب العام الطريق أمام اندلاع مظاهرات حاشدة في نوفمبر 1979م، عندما
تحدى بضعة آلاف من الشيعة في مدينة صفوى الحظر الحكومي واندفعوا لإحياء
ذكرى عاشوراء، فتصدت لهم قوات الحرس الوطني بقسوة وقتلت على مدى أيام
متتالية أكثر من20 شخصاً، واستمرت للعام التالي سياسة القبضة الحديدية التي
مارستها الدولة مما أدت إلى اعتقال الكثير ودفعت بضع مئات منهم نحو
المنفى.." ([2]) .
* في
تلك الفترة.. بدأت أفواج الهجرة إلى إيران بالتضخم، وكان من بين أولئك
الشاب سعود علي حماد "قائد المجموعة"، التي ضمّت .. عبد الكريم سعيد النمر،
على عمار، جعفر محمد الربح، عبد الله السعيد.. الذين اكتشف أمرهم في دولة
قطر – وهم عائدون-، بعد أن أبلغت السلطات السعودية عنهم تم القبض عليهم في
المطار ليلة 23/9/1401هـ، ثم سُلّموا للسعودية وتمّ سجنهم في مباحث الدمام.
*
نفضت المساجد عن كاهلها كثبان الوهن والخمول، وشمرت عن ساعديها محتضنة
حماس الشباب المتوهج إلى الدين، وتلبي شغف المرحلة المتدفقة عن عزائم
الفتوة الطرية.. وهنا لا يخفى أن الدور الأساس لهذه الصحوة العارمة.. التقى
في عدة عناصر منها:
1ـ وهج الثورة الإسلامية في إيران.
2ـ
تنظيم الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية، أحد فصائل الحركة الرسالية
الأم.. الذي على رأسه جماهيرياً - الشيخ حسن موسى الصفار حيث كان يعمل
التنظيم منذ السبعينات الميلادية.
3ـ التفرقة والطائفية، واختلال ميزان تكافؤ الفرص.
4ـ
منع الحرية في إقامة الشعائر والمعتقد. ".. حيث عمد الحكام السعوديون
وأجهزة الرقابة المحلية على تقييد الشعائر والممارسات الدينية الشيعية
بصرامة، وشمل التقييد أوامر ضد إقامة الأذان للصلوات الخمس باستخدام
السماعات الخارجية، إضافة إلى الحظر المفروض على توزيع أو نشر أي كتابات
دينية أو سياسية، والقيود على بناء المساجد، وتدمير الأضرحة، وحل مراكز
التعليم الديني، ومقاضاة بل واضطهاد القائمين على الشعائر الدينية بما فيها
شعائر عاشوراء وزيارة الأضرحة.. والأكثر أهمية هو اختفاء كبار العلماء
المجتهدين من المؤسسة الدينية العليا نتيجة لخسارة المنطقة استقلالها" ([3]).
5ـ
الحرمان الذي ذاقه أبناء الطائفة منذ احتلال عبد العزيز المنطقة عام
1913م، وكان أهم أسباب الانتفاضة -حقاً- هو الشعور بالضيم والحرمان وتهميش
هذا المجتمع الأصيل الذي تضرب جذره في أعماق التاريخ.. ففيه شيّدت الحضارة
وابتكر الحرف وازدهرت الكلمة وانسابت البلاغة.. وقد كانت تمثل القطيف
الحاضرة امتداداً مشرقاً ونبراساً وهّاجاً ومعلماً نيّراً للبحرين القديمة
(أوال، الخط، هجر) بما فيها من مجد وحضارة ومقام أدبي.
*
مازلت أتذكر هذه العبارة التي دبجت على الجدران "السجناء" في أعناق
الجميع" بل إن الكتابة التي تعبر عن حالة الرفض اتخذت منحى آخر في بعض
الأحيان لإيصال الصوت والشجب.. فالكتابة على جسم الحمير وإطلاقها تجوب في
الشوارع والأزقة ما هي إلا تكتيك جديد لإيصال الرسالة لعدد أكبر من الناس،
وقد رأيت هذا المنظر عدة مرات، حمار كُتب على جانبه وأحياناً جانبيه "أنا
خالد أنا فهد" طبعاً حينما ترى دوريات المباحث والشرطة هذه الحمير تقوم
بطلائها.. وبعد فترة ليست بالطويلة تعاد الكتابة من جديد على نفس الحمير أو
غيرها، وهنا ترى الجهات المختصة أنه لابد من عمل شيء ينهي هذا التكتيك
المتقدم-آنذاك- فتقوم على الفور بإحراق كل حمار كتب عليه أيّ شعار؟!!.
* ارتسمت
صورة التقليد في ذهني شيئاً فشيئاً وبدأت تتضح تضاريس المسائل الفقهية
المتعلقة بهذا الشأن.. بيد أن الطقس له أثره في اختيار من تقلد من مرجع؟
نعم لغة الطقس كانت ترسم لنا طريق الاختيار، فهناك مرجعية تقليدية ليس لها
رأي ولا شأن في السياسة وما يحصل، ولا تخوض إلا في مسائل الدماء الثلاثة،
والمسائل العبادية، والمعاملات من حلال ومن حرام.. وهناك مرجعية تجمع بين
ما ذُكر وبين مواكبة العصر وما يدور فيه من صراعات وأيدلوجيات ومقارعة
الظلم والاستبداد والدخول في خضم السياسة والجهاد، وإبداء الرأي في كل ما
يتعلق بمعترك الحياة بلغة شبابية سلسة.
ودون
أدنى شك، أن من يعيش تلك الأجواء وتفاعلاتها لن يختار على المرجعية التي
تتبني المدرسة الثانية بديلاً.. ومن هنا كانت ماثلة أمامي صورة الإمام
المجدد آية الله العظمى السيد محمد مهدي الحسيني الشيرازي -قدس سره-، حيث
ملأ الدنيا وشغل العالم بأطروحاته الفقهية والفكرية المرتبطة بعرى كل جديد
وحَيوي.
* إن
الهجرة للدراسة الدينية بدأت قبل 1400هـ، وذلك في أواسط فترة التسعينات
الهجرية إلى مدرسة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم التي أسسها
الإمام الشيرازي -قدس سره- في الكويت بعد خروجه من العراق بعد صدور حكم
الإعدام في حقه من قبل نظام صدام حسين البائد.. ومن الأسماء التي هاجرت تلك
الفترة:
ـ الأستاذ محمد علي الصالح –العومية.
ـ الأديب محمد أمين أبو المكارم- العوامية.
ـ الشيخ يوسف المهدي- صفوى.
ـ الشيخ محمد الجعيد –القطيف.
ـ الشيخ محمود السيف- القطيف.
ـ الكاتب توفيق السيف- تاروت.
ـ الشيخ فوزي السيف- تاروت.
ـ الشيخ مصطفى الشيخ عبد الحميد المرهون- أم الحمام.
ـ الشيخ مصطفى المرزوق- الآجام.
*
تسنّى لي مع مجموعة من الزملاء لقاء بعض طلبة العلوم الدينية القادمين إلى
الحج من إيران.. فأخذوا بتوجيهنا وإرشادنا للعمل الرسالي.. حتى إن أحدهم
من قريتي العوامية وهو علي عبد الكريم العوى.. اختارني مع مجموعة من الشباب
للذهاب معه إلى مكان فضاء.. كحديقة أو برية بعيداً عن أعين الناس، ليرشدنا
بكلام خاص.. خرجنا معه نجوب الشوارع والأزقة بحثنا عن ذلك المكان؛ ففوجئنا
بما لم نتوقعه إذ إن كل الشوارع والأزقة التي دخلناها تفضي بنا إلى طريق
مسدود.. حتى كلَّ الجميع من الإجهاد.. لم نخبر علي العوى عن الإجهاد الذي
ألمّ بنا.. فأرجا بنفسه هذه الرحلة-التنظيمية – إلى وقت آخر لم يجد طريقه
إلى عالم الوجود.
لم
تتحقق تلك الجلسة التي كنت أتمناها إلا أن عليّاً لم يستنكف في توجيهنا
بين الفينة والأخرى في السكن الذي نقطنه، علماً أن هذا اللقاء هو الأول لي
مع الطلبة العائدين من إيران للحج، وكم كان مفيداً وجاداً فأنا كنت أنظر
إلى الطلبة الذاهبين إلى الدراسة الدينية نظرة تقديسية وأجعلهم في صف
الملائكة.. فما أن يتفوه أحدهم بكلمة أحسّ أنّه يتكلم بصدق بل ويطبق كل ما
يتكلم به ؟!!.
*
(دحلة الجن) اسم الحي الذي نسكنه بمكة المكرمة، وهو لا يبعد كثيراً عن بيت
الله الحرام.. بينما كنا سائرين في تلك الشوارع الواسعة والمهيأة لاستيعاب
آلاف الحجاج .. وإذا بالمسيرة المليونية-مسيرة البراءة من المشركين- التي
يقوم بها الحجاج الإيرانيون، حيث تسد الآفاق، وتعطل حركة السير.. وقد انضم
إليها عشرات الألوف من الحجاج الأفارقة والآسيويين والخليجيين.. وقد هالني
–بغبطة وارتياح- صورة الإمام الخميني –قدس سره- الضخمة وقد تسلقت البنايات
المرتقعة بطولها، وكذلك صورة خليفته آية الله الشيخ حسين منتظري – إذ مازال
آنذاك مرضياً عنه – وهو أمل الخميني كما قال عنه الإمام نفسه حينما زكّاه
لخلافته!
شعارات
ـ الموت لأمريكا.
ـ الموت لإسرائيل.
ـ يا أيها المسلمون اتحدوا اتحدوا.
ـ بالروح بالدم نفديك يا إمام.
الشعارات
تجلجل أصداؤها في المسيرة المليونية.. فينعكس ذلك على الروح، فيقشعر البدن
إجلالاً وهيبة.. تشعر أن ناصية الكون بيدك، وأنك أكبر من كل طاغوت وجائر..
تفاعلاتك ليس لها حدود، وبحماسك تقدر أن تخترق به الأرض وأن تبلغ الجبال
طولاً.
بلا
شعور انخرطت ومن معي في عالم وروح تلك الأجواء المفعمة بالحماس والتفاعل..
وقد كانت المرة الأولى في حياتي التي انضممت فيها إلى مسيرة.. وبهذا الحجم
المذهل.. شعرت أن الأرض لا تحملني من الفرح.. تضخمت لدي روح الانتماء بشكل
صارخ.. ساعة من الزمن حلقت تلك الشعارات إلى عالم غريب لأول مرة تشرئب
نفسي إلى ربوته وتتفيأ ظلاله، وأزاحت عن روحي ألف جدار، وسمّرت بصري إلى
مدى بعيد لا تحده حدود ولا تخيفه قيود..
في
مقابل هذه التموّجات المليونية.. هناك طرف آخر يرصد أنفاسها، ويحصي
خطواتها .. ألوف من قوات مكافحة الشغب والمخابرات السعودية صنعت سياجاً
بهرواتها وأسلحتها.. تحاول أن تفشل على التموجات المليونية خطتها في
المسير.. وكأنها تعد العدة إلى مجزرة أنهت فصولها الأخيرة بعد أربع سنوات..
بالتحديد في حج عام 1407هـ، حيث باشرت في رسم المشهد المأساوي.. ولكن بأي
لون وكم عدد الذين صبغوا بدمائهم القانية ذلك المسرح المهيب.. وكم من زهور
بريئة لم تتجاوز الرابعة والخامسة من العمر سحقت تحت سنابك الموت.. ناهيك
عما خطه الرصاص الأمريكي في أجساد الشهداء في تلك الحمّى الهستيرية
المتعطشة لإخماد الثورة في دماء الشعوب..
انفضّت
المسيرة الزاخرة.. فانسربنا أنا ومن معي في أنهرها متخفين عن العيون
معبئين بزخم أكبر من أعمارنا بسنين.. وقد وقع في أيدينا كتب وأدعية
ومنشورات وصور رجال دين وعملة معدنية رسم على أحد وجهيها صورة الإمام
الخميني وكتب على الوجه الآخر الشعار الذي ترتفع به الأصوات أبداً: "يا
أيها المسلمون اتحدوا اتحدوا".
* هل تريد السفر إلى الجمهورية الإسلامية..؟
بهذا
السؤال أشعل السفير السيد (هت م ي) فتيل القنبلة، لتوقظ من جديد الأمل
الغافي، وتحفّز الطموح في قمقمه على إزاحة طمي أيّ عقبة في الطريق..
ـ
ما عليك إلا أن يضحّي أحد أصدقائك بجواز سفره، لنستبدل الصورة فقط.. نضع
صورتك على نفس الجواز، وتستخدم اسمه وكل بياناته الشخصية..
ليس لتردد أيّ ذرة عالقة تمنع قرار الموافقة.. رأيت أن هذا الإغراء هبة من الله – عز وجل- حباني بها وقد لا تكرر.
*
في الأيام القليلة التي سبقت السفر امتشقنا التجولَ للترويح عن النفس
والتعرف على بعض المعالم.. في مكتبة الرسول الأعظم لأول مرة أرى فارق
الحرية بين الكويت والسعودية.. حيث تعرف الأشياء – هناك- دون أضدادها؟
في
السوق وأنا أتجول مع قصي النمر.. صُدمت .. تفاجأت فلأول مرة في حياتي يقع
بصري على نساء سافرات يضعن أحمر الشفاه ويحجبن بشعرهن الغجري شعاع الشمس.
خالجني شعور: أن التسوق في أماكن تؤمّها النساء السافرات يناقض التدين
والتقوى.. لم أفصح له بشيء –خجلاً- غير أنه رأى الامتعاض يتجول في عيني.
ولجنا
أحد المتاجر الفخمة لبيع الملابس والأحذية، فأخذ قصي يقلّب بعض البنطلونات
والأقمصة؛ ثم يسألني: ما رأيك في اللون والمقاس، فأجبته مجاملة: "تمام
تمام" رأى أن الإجابات تترنح على طرف لساني على غير هدى.. ثم أردف قائلاً:
تأكد مما تقول؛ لأن هذه البذلة لك فاخترها بعناية وذوق.. تأكد من المقاسات
واللون الذي يناسبك..
اعترضت
عليه.. أنني لا أرتدي هذا النوع من الملابس.. حيث كنا صغاراً نظن أن الذي
يلبس البنطلون والقميص تأخذ الميوعة (والدلع) نصيبا منه!!
فقال
لي بكل هدوء: إن اللباس الرسمي والمتداول في سوريا وإيران هذا اللباس..
وما الضير في ذلك.. ؟ عليك أن تنفتح على كل ما هو جديد، وتساير العالم في
كل صحيح.. ثمة أمور بعد الآن سوف تتفاجأ بها.. خذها بكل مرونة.. لن تخرجك
عن تدينك.. فإيران لا شك أنها جمهورية إسلامية؛ قامت على دماء الشهداء
والمظلومين والتضحيات.. وأن قائدها الإمام الخميني وعلماء الدين وغيرهم لا
يخرجون عن كونهم بشراً.. وهم ليسوا في منـزلة العصمة.. سوف ترى هناك
المحجبات والسافرات والجيد والرديء.. وأن الذين تعاشرهم في إيران –من
الجماعة- ليسوا ملائكة..؟!
*
هل يعقل أنك وصلت أخيراً إلى بر الأمان.. أحقاً أنك في بلد الثورة، في
ديار أبي أحمد، هل وصلت أخيراً إلى الحد الفاصل بين الخيال والحقيقة، أأنا
في حلم؟ هل الذي أراه على الجدران حقيقة؟.. شخابيط.. شعارات تحيّي الإمام،
وقادة الثورة"
*
كُشف الستار وبدأت الخطوط تتضح وتفصح عن نفسها.. دروس ثقافية مركزة، ودروس
في حسن التصرف والإدارة الذاتية، دروس في كيفية التدبر في القرآن الكريم
الموضوعي والموضعي) .. دروس في تاريخ الحركات والمنظمات الثورية، مثل منظمة
بادر ما ينهوف والألوية الحمراء وحياة غيفارا، دراسة حياة وعمليات كارلوس
الشهير في عالم الاختطاف والقتل؛ الذي لاحقه الانتربول الدولي طيلة عقود من
الزمن حتى كُبش في صفقة صال لها لعاب السودان سنة 1994م.. فضلاً عن الدروس
الخاصة التنظيمية التي يتلقاها كل ثلاثة أفراد مع مسؤولهم التنظيمي .
* يرى
كثير من الإيرانيين أنفسهم كما يرى الشعب الألماني نفسه، بعد ما عمّق وزرع
أدولف هتلر في ذهنه أنه شعب آري من أفضل شعوب الأرض عرقاً، وبهذا يجب أن
تخضع له جميع الأمم، بل تصبح كل الشعوب عبيداً له، يأمر فيطاع .. ولا تختلف
كثيراً الغالبية العظمى من الإيرانيين عن هذا التوجه والنظرة؛ لاسيما تجاه
العرب دون النظر إلى توجهاتهم وانتماءاتهم وطوائفهم إلا بما يخدم مصالحهم
وقد يدخل ضمن ذلك المذهب إن وجدت مصلحة أو فائدة كقاسم مشترك.. وإلا تنتفي
–بالنسبة لهم- هذا الدائرة أيضاً.. لذا تجد النَّفَسَ الفارسي يطغى ويتفرعن
لما يجد أحدُهم أحدنا.. وقد طُردتُ أنا مرة لما كنت أنتظر دوري في مخبز،
فحينما عرف مَن في الطابور أنني عربي.. وقد حصل لبعض الزملاء مواقف مشابهة
في أماكن مختلفة عند معرفة الطرف المقابل بأننا عرب.. ومما يصعّد الفظاظة
والغلظة مواقف حكام دول الخليج والدول العربية تجاه الجمهورية في إيران،
فتنعكس كل تلك المواقف المذهبية والسياسية عليك أيها المسكين رغم انتمائك
للمذهب الذي ينتمون إليه.. فحينما حدثت مجزرة الإيرانيين على أيدي السلطات
السعودية في الحرم المكي سنة 1407هـ 1987م.. بدأت العذابات تسيل علينا
وكأننا نحن الذين خططنا ونفذنا تلك المجزرة..!!
فكنا
نحتال على ذلك النفس الشعوبي المريض بان تُعمل لنا بطاقات هوية عراقية
تعلّق – بمشبك—على جيوب أقمصتنا على أننا من المجلس الأعلى المقاوم لحكم
صدام أو منظمة العمل، مما تخفف عنا تلك النظرة الدونية المحتقرة.. وذاك في
أحسن الأحوال.. وأحياناً إذا لم تتوفر البطاقة العراقية قلنا: بأننا
لبنانيون من الجنوب ومن حزب الله.. وإلا حينما تفشل تلك المواربة بأن
تفضحنا لهجتنا أو لغتنا الفارسية الركيكة جداً أو سحناتنا السمراء.. فالويل
لنا والثبور!!.
* صفقة إيران كونترا (جيت).
فجأة..
صدر خبر زيارة مندوب الولايات المتحدة الأمريكية (ماكفرلين) في تحقيق حسن
صبرا رئيس الشراع اللبنانية.. وأين كانت الزيارة.. هل إلى بغداد، لزيادة
مساعدات صدام حسين في حربه الغاشمة على الجمهورية الإسلامية في إيران، فذاك
أمر ليس له أهمية.. فقد وقف العالم كله يغذّي ماكينة صدام العدوانية على
إيران..؟
إذن..
كانت الزيارة في فندق (آزادي).. وأين يقع فندق (آزادي) من العالم؟!، هل
يقع في بغداد، أم السعودية، أم الأردن، أم في القدس، أم القاهرة.. أم..
أم..؟.
هو
في طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية في إيران.. وقد التقى هناك بمسؤولين
مهمين، ربما كان على رأسهم رئيس الجمهورية –آنذاك-، ولماذا هذا اللقاء؟!،
وكيف يجتمع الأعداء!!.. ومازالت جراح احتجاز الرهائن الـ 90 لم تندمل
بعد؟!.. من ضمنهم 65 أمريكياً، لما استولى حوالي500 طالب إيراني على
السفارة الأمريكية بطهران، وقد دامت الأزمة- آنذاك- 444 يوماً.. من الرابع
من تشرين الثاني/ نوفمبر 1979م وحتى العشرين من كانون الثاني/ يناير1981م،
وقد كان من تداعياتها احتراق طائرات الهيلوكبتر الأمريكية بمن فيها في
(صحراء طبس) لما أرادت تحرير الرهائن، حتى تم تحريرهم بطرق سياسية.؟
هي
المصالح إذن.. "فلا عداوة دائمة، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة".. فـ
(إيران جيت) صفقة صواريخ (تاو) الأمريكية، ومن بعدها صواريخ (هوك) التي
عقدتها أمريكا (الشيطان الأكبر)- حيث كانت عبارة عن مخطط سري، قامت إدارة
الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بمقتضاه ببيع أسلحة لدولة عدوة هي إيران،
واستعمال أموال الصفقة لتمويل حركات (الكونترا) المناوئة للنظام الشيوعي في
(نيكاراغوا-) لقد تمت الصفقة بواسطة إسرائيل، العدو اللدود للجمهورية
الإسلامية في إيران؛ في ذلك الوقت الحرج، وقد رفعت (الصفقة) رؤوساً، وأسقطت
أخرى من كلا الطرفين، لقد تهاوى الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان بعد
انفجار الخَبَر.. أما كبش فداء إيران، فكان تدحرج رأس مسؤول حركات التحرر
في إيران السيد مهدي الهاشمي زوج ابنة آية الله الشيخ حسين المنتظري ومدير
مكتبه.. ولكن ما هي التهمة التي أسبغت على هذا الرأس الكبير –الذي كان له
دور بارز في انتصار الثورة –وقد حكم عليه بتهمة كانت في سبات عميق، ولم
تستيقظ إلا في سنة 1986م.. التهمة: هي اختطاف ثم اغتيال آية الله نجفي
أبادي على أيام الشاه، وقد كان نجفي ضد ثورة الإمام الخميني -قدس سره-
يومئذ.. حقاً لقد اختطف نجفي أبادي في سبيل الثورة الإسلامية؛ لأنه كان
عاملاً مثبطاً لها، وقد توفي في السيارة التي حشر في غمارتها الخلفية جراء
هبوط حاد في القلب بسبب عمره المديد.. لا بأس بذلك، لقد أغفت عيونها التهمة
مدة سبع سنين أو تزيد.. حتى استفاقت لتقضي حاجة في نفس يعقوب.. !!، فهناك
من رأى أن رأس مهدي الهاشمي كان صفقة مع أمريكا للتخلص من حركات التحرر؛ أم
لأنه كشف سرّ تلك الزيارة في فندق (آزادي) إلى مجلة الشراع.. حيث أحيطت
بجدران من الكتمان.. وذلك يعني الخيانة للدولة الفتية.. وهي يعني كشف السر
بالضرورة ضرب لشعارات الثورة الإسلامية التي رفعتها أمام العالم
والمستضعفين ضد الاستكبار العالمي وعلى رأسه الشيطان الأكبر (أمريكا)،
مثيرة الحروب وعدوة الشعوب..!!، فكيف يسوّغ للمسؤوليين في إيران التعاقد
والتصافح في (آزادي) تحت الطاولة.. والملايين تضجّ بالموت لأمريكا .. الموت
لإسرائيل.. في حين كانت إيران تعلن أنها طردت (ماكفارلين)، وأنه جاء بـ
كعكة (كيكة) ليهديها الإمام الخميني.. فرُدّ خائباً، حتى تغنّى الشعراء في
إذاعة طهران ليتناولوا ذلك الحدث الشجاع (طرده) حتى قال الشاعر الشعبي..
"وتاليها بالذلة أنطرد ماكفارلين"؟!!
انتهت المحكمة، وأسدل الستار.. وضرب الخط الثوري ومن معه بالقشة التي قصمت ظهر حركات التحرر الثورية؟.
* هناك
تحليلات تميل إلى أن اعتقال السيد مهدي الهاشمي (مدير مكتب آية الله الشيخ
حسين منتظري) لم يتم ويعدم لأنه سرّب بعض المعلومات عن صفقة أسلحة سرية،
بل إنه كان أحد بنود المفاوضات الأمريكية الإيرانية، حيث طالبت واشنطن من
طهران برفع الدعم عن الحركة الإسلامية مقابل صفقة أسلحة أو صفقات أسلحة في
المستقبل وإعادة العلاقات بين الطرفين، على كل حال الهاشمي قد اعتقل وبدأ
وضع الشيخ المنتظري يتأرجح في إيران حيث أجبر على الاستقالة من منصب نائب
الإمام الخميني وفرضت عليه الإقامة الجبرية، وبرز في سماء إيران نجم هاشمي
رفسنجاتي كرمز للاعتدال والوعي السياسي والبرجماتية حسب المصطلح السياسي.
على
أن الأثر الكبير الذي أحدثه اعتقال الهاشمي هو أن الحركة الرسالية
بمدارسها ومواقعها السرية والمعلنة بدأت تلملم شملها من إيران، وبدأت تلك
التجمعات والمواقع التي لا تعد ولا تحصى تترك الجمهورية الإسلامية الراعية
للحركات الثورية باتجاهات مختلفة إلى سوريا والهند، وعادت العشرات من
العناصر إلى البلاد، والأشد من كل ذلك حدث انقلاب عام في نمط التفكير إذ لم
تعد إيران تلك الدولة التي تحتضن الجميع في أرضها، حيث أن التحقيق مع
الهاشمي هدد بالتحقيق مع المرتبطين به أولهم قادة الحركة الرسالية
بفصائلها، خاصة وأن توجهاً لدى حكومة إيران قد برز حينها يسعى لإزالة كل ما
من شأنه تعكير صفو العاقلات الإيرانية والخليجية، التي تسعى الحكومة
لإعادتها وتعميقها.
بدأ
الجميع يسافر تاركاً إيران، التي أصبحت مرحلة انتهت لا يمكن أن تتكرر،
وينبغي الآن البحث عن مكان آخر لمزاولة الأنشطة الرسالية، فلا الهند تصلح
لذلك ولا سوريا، فالأول بلد غير مسلم تحكمه قوانين صارمة وصعبة يغلب عليها
الطابع المادي، أما الثانية فهي دولة ترحب بكل عربي يقطن أرضها وتعامله
معاملة المواطن وربما أفضل، لكن الإمكانات الموجودة فيها لا يمكن أن تقارن
بالإمكانات السابقة في إيران، وبذلك وقفت قيادة الحركة موقفاً لا تحسد
عليه، إذ لم يكن أمامها سوى إيقاف عدد كبير من الأنشطة التي تستوعب كماً
هائلاً من الأفراد، لذلك تم إعادة العشرات من العناصر إلى البلد دونما
تخطيط مسبق، لذلك وقع بعضهم في شرك الاعتقال، والجماعات الكبيرة التي
توجّهت إلى الهند وسوريا لم تكن لتستطيع أن تتحدى الظروف المادية التي كانت
أقوى منها، فعادت البقية إلى بلادنا، عدا مجموعة ارتأت أن تبقى في عالم
الهجرة فكان المكان المناسب لها في سوريا ولكن بصورة ملتزمة بالوضع هناك
الذي لا يسمح بالمجاهرة أو رفع صوت ضد أي دولة عربية فضلاً عن القيام بأي
عمل سياسي معارض لتلك الدولة.
وهكذا
سارت الأوضاع من سيئ إلى أسوأ، كل يوم يغلق موقع ويخرج عناصره، حتى انتهت
كافة المواقع باستثناء، مكتب أو مكتبين، كآخر معطيات حقبة الدعم الإيراني
للحركة، وكان آخر قرار صدر من الحكومة الإيرانية هو إغلاق المدرسة الأولى
[حوزة القائم] من عشرات سنوات من العمل في تربية الكوادر والكفاءات
الحركية، ليخرج كل طليعتها إلى سوريا ليواصلوا دراستهم حيث كانت لديهم
مدرسة أخرى، بينما قسم آخر منهم عاد إلى البلاد أو ذهب إلى قم المقدسة
ليواصل الدراسة هناك، بمن فيهم أول مدير للمدرسة الشيخ فوزي السيف (أبو
محمد)، وذلك الشخص كان يعتبر الدراسة في قم ضرباً من الرجعية والتخلف.
وانعكست
المعاناة المادية بشكل واضح على العمل الحركي نفسه، إذ بفعل هذه المعاناة
تحوّل بعض الحركيين إلى أصحاب بقالات أو عمال حرفيين في السباكة أو
الكهرباء أو النجارة، أو العمل في أنشطة تجارية محدودة.. والأسوأ من هذا أن
هذه المعاناة ساهمت في شيوع حالات من الانتهازية والانحرافات التي تبدو
طبيعية بعد أن انحسرت بعض القيم الأخلاقية كالتعاون والإيثار والعطاء
والأخوة.. لتحل محلها قيم المصلحة والمال وترتيب الوضع المادي، حتى بات
البعض معروفاً بجشعه وسرقته وتسوّله باسم الإسلام والعمل، بينما هو في
الواقع من أجل سد الرمق، فالكل بات يبحث عن وسيلة للعيش.
ومن
ضمن تداعيات الأزمة –بعد اعتقال الهاشمي وإعدامه- أن الكثير من عناصر
الحركة باتوا يعيدون النظر في أفكار الحركة الإستراتيجية (كالاستقلالية)
مستدلين على أن أكبر دولة في العالم بكل إمكانياتها لا تستطيع أن تعيش
منفصلة عن العالم ومستقلة بذاتها، بل تضطر لدخول حروب من أجل النقط الذي
يسيّر عجلات مصانعها، وتوصلوا إلى أن العلاقة مع إيران لم تكن سليمة وإن
المكابرة التي اتخذها قادة الحركة في علاقتهم مع إيران، لم يكن لها أي داع،
وظهرت حالات فردية من السخرية من الأفكار التي كانت تزرق لدى أفكار
الأفراد مثل إن قيادات الحركة أكفأ من وزراء الدولة في إيران!!
* بين السفارة الإيرانية والسعودية
ولد
هذان البيتان في سيارة الأُجرة أثناء عودتي مع والدي -رحمه الله- من زيارة
قمت بها إلى السفارة الإيرانية في دمشق لبعض الأمور المتعلقة.. فبدا لي
أننا لسنا في سفارة الجمهورية الإسلامية في إيران التي تعكس وجه بلدها
وحكومتها، فتجد سوء الخلق والصلافة –للوهلة الأولى- تستقبلك بين يدي حارس
البوابة.. أما في داخل السفارة، فأصبحت ووالدي ككرة قدم.. كلٌّ يقذفنا على
الآخر بركلات من الاحتقار والازدراء.. وكان الوالد يهمهم مستنكراً وهو ينظر
إليّ: "هدوله الإسلام والعُلَماء.. عجيييب عجييب"؟!، حتى خرجنا بخفي
التساؤلات التي ما كنت أود أن ترتسم في ذهن والدي، فضلاً عن الإهانة التي
وجهّت له!!.
عرّجنا
بعد ذلك نحو سفارة دولة البحرين.. وأنهينا ما جئنا لأجله بأيسر جهدٍ.. ثم
قصدنا السفارة السعودية –وكنتُ متثاقلاً متشائماً-، فصعقت من كرم ذلك
الاستقبال.. فحرارة استقبال حرّاس البوابة الرئيسة أذابت جليد التثاقل
والتشاؤم من أولّ ابتسامة وترحيب.. وقد أوصلونا إلى مكتب الاستقبال داخل
السفارة.. هَبّ لنا كل من يعمل داخل مكتب الاستقبال مرحبين ومحيين.. وبعد
أن أجلسنا رئيس المكتب على الأريكة المجاورة لمكتبه في اليمين، جاءنا رجل
يرتدي ثوباً وشماغاً أحمر... يشدّ وسطه حرامٌ أسود؛ يمتد منه لسانان على
هيئة علامة ضرب يحيطان أعلى الكتفين، جاء هاشاً باشاً حاملاً (دلة) القهوة
وصحن التمر اللامع.. وهو يقول: ".. هلا بأهلنا، يا هلا بالسعوديين في
بلدهم.. تقهو.. تقهو.." استمتعت بكرم الضيافة سيما والدي.. ثم أقبل علينا
مسؤول المكتب بكلّه، وقبل أن يسأل عن حاجتنا قال: "أنتم الآن في قطعة من
بلدكم.. وحاجتكم مقضية إن شاء الله.."!!. أنهينا ما جئنا لأجله في أسرع من
البرق، وقد سررت لسرور والدي -رحمه الله-.
* أيّها الأوغاد أذناب الكلاب
إن
هذا العنوان.. هو صدر مطلع قصيدة هجائية كتبها الشاعر زاهر، من مدينة
صفوى، في هجاء الوفد الذي قدم من السعودية لمقايضه ومطالبة المعارضة –آنئذ-
بالعودة إلى البلاد وترك التحريض على الدولة سنة 1408هـ.. وقد عددهم
الشاعر زاهر بأسمائهم واحداً واحداً.. سابغاً عليهم أقذع الهجاء.
كان
الوفد يتشكل من الملا عبد الكريم الحمود، وعبد الحميد المطوّع وكلاهما من
مدينة سيهات، وسلمان الناصر (أبو ناجي) من الآجام.. وقد جلس معهم –حينئذ-
الأمين العام لمنظمة الثورة الإسلامية، الشيخ توفيق تقي آل سيف، فخرج الوفد
مطروداً إلا من خفي حنين، ومما دار في الاجتماع أن الشيخ توفيق قال للوفد:
".. هل تريدون أن تعرفوا بحجم مطالبنا أم مطالبكم.. إننا نريد حكم
دولة.."!!، وقد عصفت بالوفد موجة من الاستنكار والسخرية والاستهزاء لمّا
تفشّى الخبر داخل وخارج البلاد.. وقد ركبتهم التهم المعلبة بكل يسر
وسهولة.. وكان من أيسرها أن هؤلاء عملاء النظام..؟.
الصفّار يعبئ الجماهير
كان
لمحاضرات الشيخ حسن الصفار دويُّ وكاريزمية مؤثرة جداً لا تقاوم.. حتى ممن
لا يتفق معه في الرأي أو التوجّه من عامة الناس وخاصتها.. رأيتُ كثيراً من
الزّوار في تلك الفترة يتلثمون بالشماغ ويحضرون لسماع مجالسه الرنانة –
لاسيما في شهر محرم الحرام – في حسينية الزهراء عليها السلام بجوار السيدة
زينب عليها السلام، بعضهم كان يتخذ ذلك حيطة وحذراً من أعين الجواسيس
المبثوثة للشيخ الصفار، والبعض الآخر يحضر كي يطلع عن آخر الأخبار، والقسم
الأخير يحضر كي يريق دمعة على أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
* بداية تحوّل رجالات المنظمة
إن
حرب الخليج الثانية وما تلاها من أجواء سببت انعطافة حادة في تفكير وتوجه
رموز منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية.. وقد تناغم كل ذلك في
لقاءات جمعت بعض الرؤوس، منهم الأمين العام للمنظمة توفيق السيف مع رئيس
تحرير مجلة المجلة عثمان العمير –حينئذ- في لندن، وقد تأكد لجماعة المنظمة
أن سياسة الدولة –بعد الآن- هي الانفتاح والحوار مع المعارضة الشيعية، بل
وإعطاء الأقليات حقوقها المشروعة بالكامل، وقد بدا التأثير بهذه اللقاءات
ولقاءات أخرى جمعت أولئك مع سفير السعودية في ذلك الوقت الدكتور غازي
القصيبي في ديوانيته العامرة في لندن عاصمة الضباب، فضلاً عن تأثر فكر
الشيخ حسن الصفار بأفكار وتوجيهات المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين (رئيس
المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان) حيث كان يتبنى هذا النوع من
التوجّه والمصالحة، وعدم التصادم مع الأنظمة، وربما كان للتغيرات العالمية
التي سبقت هذه الأجواء دور مهم في رسم تلك الخطوات، منها سقوط الاتحاد
السوفيتي بعد ما خرجت نظرية (البيريسترويكا والجلاسنوت) بخصوص الإصلاح
الاقتصادي والاجتماعي والانطلاق بالاتحاد السوفيتي نحو نظرة اقتصادية
جديدة.. للرئيس الروسي السابق مخيائيل جورباتشوف.. من هنا قرر رؤوس منظمة
الثورة مسألة التفاوض مع النظام لئلا تفوت الفرصة الحلم!!، وكان كل ذلك سنة
1410هـ - 1990م أو قبلها بمدة، وعلى إثر ذلك تم تغيير اسم منظمة الثورة
الإسلامية إلى الحركة الإصلاحية، واسم (مجلة الثورة الإسلامية) الناطقة
باسم منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية إلى (مجلة الجزيرة
العربية) فضلاً عن تغيّر نبرة الطرح في المواضيع والأخبار عامة، وقد قُتل
شعار المنظمة التي تحمله شرّ قتلة، وهو عبارة عن رسم يظهر يَديْن تحملان
سلاح كلاشنكوف يقع على يسار غلاف مجلة الثورة فوق رسم الكعبة، بل إن لغة
الخطاب لرموز المنظمة راحت تركز على الفكر الحسني بدل الحسيني؟!!..
الدكتور فؤاد الإبراهيم: الفكرة منذ 1404هـ /1984م
في
لقاء جمعني بالدكتور فؤاد الإبراهيم – حيث كان أحد أعضاء اللجنة المركزية
في المنظمة وهم: توفيق السيف – أمين المنظمة-، الشيخ حسن الصفار، حمزة
الحسن، جعفر الشايب، عيسى المزعل، الشيخ موسى أبو خمسين، الشيخ محمد
المحفوظ، صادق الجبران- ينقل: أن فكرة التغيير في الطرح والشعارات كانت
(مخمرة) منذ سنة 1404هـ 1984م، (فمن نحن حتى نستطيع أن نسقط النظام
السعودي..)، غير أن أجواء الحرب، والشعارات التي تعم الأرض من الجمهورية
الإسلامية حالت دون التصريح بما نضمر؛ وما إن توقفت الحرب العراقية
الإيرانية في 1408هـ 1988م حتى طفحت تلك الآراء بقوة لتفرض واقعاً على مسار
المنظمة في مسألة الاقتصار على الأمور الواقعية كمسألة الحقوق.
فؤاد الإبراهيم وبداية الحوار
يقول:
حينما نهضت حركة السلفيين في السعودية –بعد حرب الخليج الثانية- وكان على
رأسهم سعد الفقيه ومحمد عبد الله المسعري.. فقمت بالاتصال –شخصياً-
من مكتبنا في لندن بـ عبد الله المسعري والد محمد المسعري بعد اعتقاله، وقد
عرضتُ عليه خدماتنا ومساعداتنا.. فقال عبد الله: اعملوا ما تستطيعون
عليه.. فكنتُ، والكلام لفؤاد: أكتب بيان المساندة وأرسل نسخة بالفاكس لوالد
محمد المسعري ونسخة ثانية للسفارة السعودية في لندن.. وبعد أن علمت
السلطات السعودية السلفية عن بداية تشكل علاقة عمل وتعاون بين المعارضة
الشيعية في الخارج والمعارضة السلفية في طور تشكلها.. ضُرب ناقوس الخطر!!،
فبينما كنت في شقتنا –المكتب- في لندن اتصل بي عثمان العمير –رئيس تحرير
(مجلة المجلة)- وقال: أنا مكلف مباشرة من قبل الملك فهد لمد جسور العلاقة،
وعمل حوار معكم، ومعرفة مطالبكم..
من الثورة إلى التراث
راحت
تتقّزم مطالب منظمة الثورة الإسلامية شيئاً فشيئاً حسب معطيات التوجّه
المستميت في نظرته الأحادية الجانب.. فبعد ما كانت المطالب إسقاط النظام لا
أقلاً على مستوى المنطقة الشرقية- كما كان يصرّح بها أمين عام المنظمة
الشيخ توفيق في كثير من المحافل منها حفل تأبين الشهيد أحمد الخميس، من
(الحلة) الذي استشهد في سجن مباحث الدمام سنة 1987م، والشيخ حسن الصفار
الذي كان يعض –دائماً- بنواجذه على خيار إسقاط النظام، كما كان يحدثنا في
أحد لقاءاته في السيدة زينب عليها السلام في مبنى (الصوص).
لقد
تضاءلت بحياء تلك المطالب.. ثم بدأت التحولات التي تعكس توجهات المنظمة..
فقد أنشأت (مؤسسة البقيع للتراث)، حيث أعدّ مكتب خاص فوق حسينية الزهراء
عليها السلام لجمع المخطوطات التراثية، ثم تحوّلت الأقلام التي كتبت (صراع
الأجنحة في الأسرة المالكة، و(قيام العرش السعودي)، و(الشيعة في المملكة
العربية السعودية)، و(أعلنا الولاء بالدم)، و(السياسة والنفط).. تحولت إلى
فلكلور شعبي راح يجتر التراث.. وكأنه للتوقد قد تنبه لأهميته، فبعد ما كان
الشيخ الصفار يثير الأسئلة الملتهبة في ذهن المجتمع كما جاء في كتابه
(الثائر والسجن) سنة الطبع 1406هـ 1996م، وهو دراسة في حياة الإمام موسى بن
جعفر الكاظم u حيث يورد في مقدمته يدخل منها إلى رسالته التي يريد أن يوصلنا:
"..
إمام يقضي سنوات طويلة من عمره في السجون والمعتقلات ويدير شؤون الرسالة
من خلف القضبان والأسوار، ويضرب أروع الأمثلة في الاستقامة والصمود..".
كيف
نسقط سلاح الاعتقال؟، وكيف يتحول إلى مدرسة للبطولة والصمود؟، وما هو
برنامج المؤمن السجين للاستفادة من فترة اعتقاله؟، ويدخل ضمن منهج التحوّل
ما كتبه الصفار تحت اسم (الشيخ علي البلادي القديحي) الطبعة الأولى سنة
1410هـ 1990م، وقد وضعت بعد ذلك صورة علماء ورموز الشيعة في القطيف
والأحساء عند مدخل حسينية الزهراء عليها السلام ([4]).
محمد المحفوظ: الحكومة لا تلتزم بالوعود
يقول
الكاتب محمد المحفوظ: إن الحكومة السعودية لا تلتزم بالوعود.. وجدنا أن
مهمة اسقاط النظام ليس مهمة الشيعة وحدهم.. فقمنا بعمل خاص بنا يؤكد هوية
وحق الشيعة –الذي كانت الحكومة السعودية تسعى في دثره وإلغائه-، وهو مسألة
التراث، فقد كان الاهتمام بالتراث من سنة 1984م، بيد أن نتائجه لم تظهر إلا
في أواخر الثمانينيات الميلادية.. كان هدفنا تثبيت أن الشيعة في السعودية
يعانون التمييز الطائفي عند الآخرين، وفي الدوائر السياسية والحقوقية في
العالم..
المنظمة مع الأب المدرسي والطلاق
حينما عقّ الابن أباه، ونسي فضل وجوده في الحياة.. راح الأب يتمثل هذه الأبيات:
دعا
السيد محمود تقي المدرسي قادة الحركة الإصلاحية لاجتماع عاجل في طهران،
ولما استقر أطراف الاجتماع، بدأ العلامة السيد المدرسي الحديث الصريح مع
الطرف المقابل مطالباً بالتالي: العودة إلى الوضع السابق، أي إلى الحركة
الأم الرسالية، ودون تغيير في اسم المنظمة ولا مجلة الثورة الإسلامية، ورفع
شعار حرق المراحل.. وعلى ذلك يتم النقاش والتفاوض.. بيد أن أمين عام
الحركة الإصلاحية الشيخ توفيق السيف تشبّث بالتغييرات التي أجراها قاطبة،
وقد زاد المعيار.. أن الحركة الإصلاحية لا تعود إلى الحركة الرسالية الأم
–البتة- وهي مستقلة، وتقرر أجندة عملها بنفسها، فهي أدرى بالوضع السياسي
وما تحتاجه الساحة داخل السعودية.
من
هنا حسمت الحركة الوضع، وبدأ الانشقاق والانفصال التام، وإعلان حالة
الطلاق، أو انتهاء الوصاية بشكل نهائي.. وكان ذلك في أواخر سنة 1410هـ
1991م، مما سبب حالة من التنافر والتنابز والتراشق بين بعض أفراد الجماعة
الواحدة، لاسيما بين فصيل الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين وأفراد من
الحركة الإصلاحية، كما امتدت ألسنة الارتباك إلى كثير من طلبة العلوم
الشرعية حول ضبابية انتمائهم.. فالنسبة الساحقة منهم من الجزيريين، وقد أدى
انشاق الحركة الإصلاحية عن الحركة الأم ذات الكثافة والطابع العراقي إلى
تلك الحيرة..
وربما
كان الانفصال حتمياً ولابد من حدوثه يوماً من الأيام، وقد سبق فصيل
المنظمة فصيل الجبهة الإسلامية، برمزه وقيادته السيد هادي المدرسي
بالمطالبة بالانفصال والاستقلالية غير أنه عدل عن ذلك الطموح والطلب، إن
الاستقلالية عن الحركة الأم تدخل في صالح الحركة الإصلاحية وتوجهاتها
الجديدة.. فأما تلك الموارد الخالية التي تصدر للخارج والتضحيات الجسيمة من
الطائفة الشيعية في السعودية لم يكن المردود بالشيء المذكور على المجتمع
في القطيف والأحساء، وبتعبير أدق ينتفي وجه المقارنة بين ما يقدمه الناس من
عطاءات في كل شيء وبين ما يكلؤهم من ذلك الكرم؟، إلا أن عثرة الحركة
الإصلاحية جاءت لمّا قامت بكل تلك التغيّرات الاستراتيجية –في ليل- بشكل
مفاجئ ودون إعارة أي اهتمام أو مشورة لمؤسسى – الحركة الأم- الحركة
الرسالية التي ولدت منها وتعلّمت أبجدية العمل والسياسة.. ولكنها السياسة..
قاتل الله السياسة " فلا صداقة دائمة، ولا عداوة دائمة ولكن مصالح دائمة".
انعدام الدستور سبب خلافات الحركة ([5])
في
الوقت الذي كانت الحركة تنتقد بعض الحكومات العربية بأنها لا تحكم بلادها
بدستور تتضح من خلاله مهمات وصلاحيات الحاكم والمحكوم وواجباتهما وحقوقهما
نجد أن الحركة الأم ليس لها دستور مكتوب، بل إن جملة الخلافات الحركية بين
محمد المدرسي (القائد) وقادة الفصائل الأخرى خصوصاً حسن الصفار ومحسن
الحسيني يتمثل حول هذا الأمر، إذ أن انعدام الدستور في الحركة أدّى لعدم
تحديد صلاحيات القائد وعدم القدرة على محاسبته أو الاختلاف معه، وهذا الأمر
قريب لعدد من الحالات في البلاد العربية.
ومن
المعروف أن المدرسي يتبني طروحة (ولاية الفقيه)، وكان يعارض كتابة دستور
للحركة لأنه يعتقد أن الدستور يعود لقرارات وتوجيهات ومحاضرات القائد، فهو
يتبنى طروحة القرار الفردي، ضمن شعور شخصي بأن هذه الحركة إحدى ممتلكاته
الخاصة يتصرف بها كيف يريد، وهذا الأمر لا يختلف كثيراً عن شعور أي حاكم في
البلاد العربية الذي يظن أن بلاده ملك شخصي له..
ورغم
أن هذا الواقع هو القائم في الحركة الأم انتقل إلى كل الفصائل فإن هناك
أحاديث تكاد لا تنتهي عن (الجماعية في القرار)، والقرار الجماعي، وأن قرار
الحركة لا يتخذ إلا بعد النقاش والمداولة.
محمد المحفوظ: أسباب الانشقاق
يشير الكاتب الأستاذ محمد المحفوظ: أن أسباب الانشقاق عن قمة الهرم من حيث الفكرة التالي..
عدم تطور النظام الإداري للحركة الأم مع تطور وتصاعد عمل الفصائل.
العمل
السياسي، إذ لم تكن هناك خصوصية في العمل، فلكل بلد خصوصية وطابع، وينبغي
أن تكون أجندة العمل ذات طابع مرن من القيادات يراعى فيها تلك الخصوصية.
التباينات الفكرية، حيث لا تستطيع أن نمارس العمل تحت نظام ولاية الفقيه التي يأخذ ويعمل بها السيد المدرسي.
سألتُ
المحفوظ علي: أن ما حصل من تغيير واستقلال الفصيل عن الحركة الأم لم يكن
بالطريقة الحضارية، إذ تم في ليل، ودون معرفة رأس الهرم إلا بعد أن رُتبت
الأوراق، وهل يصح أن توصي ابنك على بيتك أثناء سفرك فيبدل فيه ما يشاء؟
ما الإشكال في ذلك بناءً على تلك النقاط؟، ثم إنه لا مانع لديّ أن يقوم ابني بتبديل باب أو نافذة في البيت عند غيابي..
هل تقبل أن يبني جداراً ويزيل غرفة؟.
نعم أقبل مادمت أمّنته على المنـزل في أثناء غيابي..
أسباب الخلاف والانشقاق ([6]) .
لقد
جرت تلك الأحاديث الكبيرة والحركة تعيش وضعاً شبه مستقر، خاصة أن الخلافات
كانت تجري تحت الأرض، ولم يحدث أي انقسام ظاهري طوال فترة التواجد في
إيران، ويعد سنوات ثلاث في سوريا، لكن هذه الخلافات تنخر الحركة من الداخل
وتعمل فيها عمل المعول، حتى انفجرت بشكل حاد في ظل أوضاع صعبة للغاية،
فالحركة كانت في حالة إعياء يوم انفجرت خلافات قادتها، أي أنها بحاجة إلى
الوحدة أكثر من أي وقت آخر إلا أنه ما كان محذوراً قد وقع، لأن الحركة يوم
انتقلت إلى سوريا لم تكن تريد إظهار الخلافات فلقد كانت تتعامل معها كتعامل
الحكومات العربية التي تظهر الوحدة وتضمر الخلاف وتمارسه..
في
البداية برزت الخلافات على إدارة عناصر التنظيم من الأفراد القادمين من
السعودية ومن بعض مناطق الخليج، هل يبقون في المدرسة ويتخرجون علماء دين؟،
أم يخضعون لإدارات أخرى؟، ويتكون الواحد منهم بكفاءات أخرى غير كفاءة رجال
الدين، فسارت الخلافات تحت حقيقة "كلّ يجر النار إلى قرصه)، خاصة وأن
الأعداد القادمة من المملكة ودول الخليج في تزايد تام، إلى أن انتهت هذه
الأوضاع باعتقال سلطات الحكم في إيران مهدي الهاشمي ليضع الجميع في مصير
واحد، إذ لم يبق أمام الجميع إلا خيار الدراسة الدينية وخيارات أخرى
محدودة، وحينما انتقل الجميع إلى سوريا،كانت المعاناة واحدة والمصير
مشتركاً أو متشابهاً، بدأت الخلافات تأخذ منحى آخر، ليس على أفراد التنظيم
الذين تناثروا وإنما على أرض السعودية أو بالأحرى (الأموال) القادمة منها،
فأخذت المنافسات على اكتساب عناصر من المملكة وتشغيلهم في الداخل لجمع
إمكانات مادية، لذلك اضطر فصيل البحرين الذي ينبغي أن يتوجه إلى المواطنين
في هذا القطر لأن يفتح له حسينية خاصة [حسينية الإمام علي]، ويستقبل السياح
السعوديين من أجل إقناعهم بالتبرع، بل قام هذا الفصيل بإنشاء خط تنظيمي
داخل السعودية لهذا الغرض (المال)، الأمر الذي ظل يثير حفيظة فصيل السعودية
في الحركة الذي أخذ يطالب بوضع قانون للحركة وصياغة دستور يحدد الصلاحيات
المسؤوليات، فلم تستجب القيادة المتمثلة في محمد تقي المدرسي (السيد أبو
صالح) الأمر الذي فاقم من الخلافات والتي دفعت فصيل السعودية إل التخلي عن
العمل للحركة ككل، وقام على الفور بصياغة دستور خاص، وإجراء انتخابات
داخلية، ووضع فقرة للمجاملة تقول: إن هذا الفصيل جزء من الحركة المركزية
الأم، لكنه في تطور لاحق تم إلغاء هذه الفقرة، حيث بات السعوديون المهاجرون
ليسوا على علاقة مع الحركة، ورغم كثرة الحوارات والنقاشات حول هذا الموضوع
فلم يتوصل الطرفان إلى حل.. إذ تبيّن أن أبرز خلافاتهم على الأموال التي
تأتي من السعودية، وإن أخذت أشكال ومسميات أخرى.
كما
أثرت هذا الموضوع مع أحد قادة الحركة فصيل السعودية (أبو جاسم) توفيق
السيف عن محاور الخلافات في الحركة فقال بكل صراحة: هناك عدة مصادر
للخلافات بيننا، تأتي الأموال في المرتبة الأولى، ثم تأتي الرغبة في
السيطرة في المرتبة الثانية. فقد سبق أن أثرنا هذا الموضوع مع الأصدقاء،
بأنه إذا أرادت الحركة العمل في هذه المنطقة فينبغي أن نتفق على صيغة
معينة، لا نكون نحن خارج المعادلة أو الطرف الأضعف.
نظرتنا إلى الفرد الرسالي تغيرت ([7])
[توفيق
السيف]: إن نظرتنا إلى الفرد الرسالي تغيرت كلياًً، فإذا كنا نرى أن الفرد
الرسالي في السابق هو جندي تحت الطلب، يعمل في أي مكان شاءت القيادة أن
تـزج به فلها الحق، هذه النظرة قد تغيرت لدينا حيث إن الفرد الرسالي هو ذلك
الإنسان الذي يعمل لصالح وطنه بإرادته وحريته.. فعمل الحركة عمل دنيوي
يعتمد على رغبة الإنسان فيه، وجانب التقرب إلى الله يعتمد على نية وإخلاص
الإنسان.
(أبو صالح) وأسرته يرون أننا جزء من ممتلكاتهم الخاصة
حينما
قام صدام حسين (رئيس العراق) بغزو الكويت وما أحدثه من انقلاب عام في
المفاهيم والعلاقات في العالم العربي، أظهر هذا الحدث شرخاً كبيراً في فصيل
العراق بالحركة، حيث ظهر انقسام آخر جعل من الحركة مجموعة أسماء ومؤسسات
كانت في يوم منسجمة مع بعضها .. هنا أراد محمود أن يعرف المزيد من التفاصيل
حول هذا الأمر فأثار سؤالاً مع أحد عناصر فصيل العراق.
ـ سمعتُ أنكم اتفقتم مع (أبو صالح) السيد تقي المدرسي.. وانتهت المشكلة.. والأمور سارت كما في السابق؟.
ـ ومَن قال لك هذا؟ (أجاب بنوع من التعجب المصحوب بالسخرية).
ـ أليس هذا صحيحاً.
ـ لا لم يحصل ذلك!!.
ـ لماذا؟.
ـ لأن الخلاف القائم بيننا لا يُحل، فهو عقدة باقية صامدة ونحن نتفتت.
ـ عقدة.. وما هي هذه العقدة أستاذي؟.
ـ عقدتنا (أبو صالح) وأسرته..
ـ أرجو الإيضاح أكثر.
ـ
إن مشكلتنا ليس في أن حركتنا ضعيفة، أو ليس فيها كوادر، أو لا تقدر على
مجاراة الأحداث الكبرى في هذا العالم، إن مشكلتنا أن (أبو صالح) زعمينا
وقائدنا وأسرته يرون أننا جزءاً من ممتلكاتهم الخاصة، وأن كل شخص منا
بالضرورة أحد الخدم لهم، ينبغي عليه الطاعة.. إنهم في الواقع يريدون قيادة
مجموعة من الهمج الرعاع، بمعنى أنهم يريدون الصعود إلى الأعلى على أكتافنا
ولا يهم أن نسقط نحن في الوحل أو نموت!!.
هنا
محمود رأى أن الموضوع فيه الكثير من الحساسيات والنيل من أشخاص كبار
ومقدسين لديه، لكنه في الوقت نفسه أراد أن يصل إلى بعض الحقائق حتى لو كانت
صعبة؛ لذلك تظاهر بشيء من عدم الرضا على الكلام الذي يقوله هنا القيادي
العراقي؛ لذلك بادره بالاعتراض:
ـ الا ترى –أستاذي- أن كلامك ينطوي على بعض الحدّية؟
ـ
صدّقني ليس لدي أي حدية، ولكني أتألم وأنا أرى حركتنا تذوب من الداخل
وتتفتت وتسقط وتتهاوى بهذه الطريقة، أضرب لك نموذجاً، (أبو جواد) شخص عزيز
علينا جميعاً مع تقديري لكفاءته العلمية، لكني لا أميل أن يكون قائداً عليّ
لمجرد أنه أخ (أبو صالح) وأنا الذي أفنيت عمري في هذا الطريق. كذلك الحال
بالنسبة لأخيه (أبو مهدي) الذي كان يقدّم نفسه زعيماً لحركة معارضة في
البحرين.. فكيف يأتي ليصبح زعيماً في العراق رغم أن هذا الأمر خطأ سياسي
فاضح.. إننا نخسر كثيراً جرّاء هذا التوجّه الخاطئ.. حيث إننا وبعد هذه
التضحيات يأتي الزعيم ليفرض أخوته قادة علينا رغم أنهم جميعاً بعيدون عن
العمل ومعاناته وصعوباته، ينبغي أن تفهم أننا لسنا ضدهم أن يكونوا قادة،
ولكن ليكونوا قادة بالشكل الصحيح، لنرتفع جميعاً في سبيل ديننا وطننا.
بعد
ذلك استرسل القيادي العراقي و(محمود) يصغي باهتمام الاستزادة بعد أن قرر
الصمت، فالصمت خير الأعمال لاكتساب المعارف والمعلومات خاصة وأن المتحدث قد
غضب وبدت عليه التأثر النفسي، وهذا كفيل بتقديم كل المعلومات..
يقول القيادي العراقي
ـ
ألا تدري أننا لا زلنا ندفع ضريبة علاقتنا مع (أبو صالح) وأسرته كخسائر
سياسية كالتحالف مع دولة هامة في المنطقة مثل إيران، لأن الزعيم لا يريد أن
يقيم هذه العلاقة من منطق الاستقلالية وكأنما العلاقات السياسية تمسّ
الاستقلالية.. هذا فضلاً عن أن بعض الإشكالات ترد علينا من قبل أطراف في
المعارضة العراقية بسببهم ولا نستطيع ردّها، مثل أن هؤلاء القيادات ليسوا
عراقيين وإنما هم إيرانيون إن مثل هذا الإشكال يخرّب بعض علاقتنا مع
القِوى، فما الذي يضر لو أن شخصاً عربياً مثّل الحركة أمام هؤلاء، وليكن
البقية خلف الستار، إلا أن هذا المطلب مرفوض لدى قادتنا الذين يحملون أسماء
إيرانية واضحة مثل (خرساني، ورهبر بور)، ليسوا عرباً – ومن هذه المعادلة
يضعنا في أمر حرج، لكنهم لا يعون هذا الأمر ويصرّون على بروز أسمائهم في كل
محفل، حتى أن أحدهم تعارك في بيروت مع أحد الإخوة على إلقاء كلمة الحركة
في احتفال الحركات المعارضة بحجة أن الشيخ (محمد مهدي شمس الدين) و(السيد
فضل الله) قد ألقيا كلمات فينبغي أن نلقي كلمة موازية لكلتيهما !!.
وخلص إلى القول:
ـ
إننا نعيش حالة من الضعف في وقت نحن بحاجة إلى المزيد من الوحدة والتفاهم،
إلا أن القادة الموقرين لم يستطيعوا التفاهم معنا العراقيين، ولا مع
الإخوة السعوديين، ولا الإخوة البحارنة، ولا أدري أين المستقبل سيكون؟ ([8]) .
* التبليغ في قرى حلب
في
شهر محرم الحرام سنة 1412هـ 1992م توجهت برفقة الشيخ أبي أحمد الأحسائي
والشيخ أبي جهاد السيهاتي إلى قرى حلب لقراءة مجالس العزاء على أبي عبد
الله الحسين u،
من تلك القرى المتناثرة على ربوات حلب الشهباء حلب سيف الدولة وأبي فراس
الحمداني.. قرية (الفوعة) ، (الزهراء) ، (نُبّل).. وكان نصيبي منها الأولى،
وصديقاي الثانية والثالثة..
تلك
القرى العذراء تكتظ بمن سحرتهم الأمانة والمنهج الصافي الذي لا تكدره
الشوائب.. شيعة محمد وآل محمد يزرعون تلك القرى بنور الولاية.. ففي الوقت
الذي تجدهم في غاية البساطة في كل شيء.. تجد العضَّ بالنواجذ على قيمهم
ومعتقداتهم رغم ما ألـمّ بهم من حيف وسيف سلطات الجور السالفة لثنيهم عن
معتقداتهم .. فبعد أن ينفض مجلس العزاء الذي أقرؤه كنت أدعى كل يوم للغداء
في بيت، وكل ليلة في منـزل للعشاء والسهرة إلى منتصف الليل مع إبريق الشاي
الأحمر الذي تتعبد في محرابه الشفاه، حيث كان الشباب ورجال البلد مع عمدتهم
(المختار) يتحلقّون وينتشون بحديث الروح حديث الولاية، وكانت لأحاديثهم
المفعمة بالصفاء حلاوة وطلاوة.. كان الآباء والأجداد ينسجون ذكرياتهم الألم
والعذاب حينما كانوا يقيمون مجالس العزاء في السنين الغابرة.. يعقدونها في
أقبية في الأرض، ثم يوكلّون مجموعة من الشباب للحراسة؛ ولإعطاء من في
المأتم الإشارة للحيطة والحذر عند استشعار أي خطر قد يداهمهم على حين
غفلة..
قرية
(الفوعة) لا يزيد تعداد سكانها عن 2000 نسمة، تأكل مما تزرع، وتخبز مما
تعجن.. وما أدراك عن لذة طعامهم الذي يصنعونه بأيديهم الحاذقة، والذي لن
نجده في معظم المطاعم الراقية.. حينما تتناول وجبة الفطور الذي يترأسه
(المربّى) أحد أطباقها الشهية، فلا تريد أن يضمحل أي جزء منه إلا على طرف
لسانك.. فرائحة الزهر والزعفران وأشياء أخرى تتغلغل في أجزاء مسامه، أما
القشطة فحدّث بكل خيال، ولن تصل إلى سر خلطته الطبيعية ولو حرصتَ، أما
طريقة قلي البيض البلدي فهي –كذلك- فريدة من نوعها؛ سيما إذا نثر عليه بعض
الحشائش والمخللات الطازجة، أما الحليب فلا يبعد بيني وبين الأبقار التي
تسرح في الحقول إلا خمس دقائق ريثما يغلي.
وأهل
(الفوعة) أصحاب فكاهة وخفة دم.. فمن قصصهم الفكاهية التي راح يكررها لي
مختارُهم لحثّي وتشجيعي على الأكل وعدم الزهد على مائدة الطعام.. أحد طلبة
العلوم الدينية ذهب في رحلة إلى إحدى القرى لأيام؛ مع بعض الشباب..
فاستضافتهم القرية.. وكان كلما جاء وقت الطعام أكل طالب العلوم لقمتين
وتنحّى إلى والوراء؛ فيتنحّى معه صحبتُه خجلاً قبل أن يشبعوا.. فدعاه
الشباب ذات مساء إلى نزهة خفيفة في مراتع القرية، وعندما وصلوا إلى جسر
ينحدر تحته وادٍ سحيق.. أخذوا بتلابيب الشيخ وأمالوه نحو المنحدر- وهو يصرخ
من الخوف والهلع- مهددين ومتوعدين له أن لا يتنحّى عن الطعام إلا إذا
قاموا عنه جميعاً.. وإلا...؟.
وعندما
دُعوا مرة أخرى إلى وليمة .. وبدأوا في الأكل .. تراجع الشيخ متنحياً بعد
لقمتين.. فقال أحدهم: إن يوم الجسر كان عظيماً.. فتنحنح الشيخ قائلاً وهو
يعود إلى المائدة : ]قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي
مِنْ أَمْرِي عُسْرًا[ .
([1]) سورة آل عمران (169).
([2]) تقرير "المسألة الشيعية في المملكة العربية السعودية" الصادر عن المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات LCGفي بروكسل عام 2005م".
([3]) تقرير "المسألة الشيعية في المملكة العربية السعودية" الصادر عن المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات LCG في بروكسل عام 2005م.
([4])
لقد جاء اليوم الذي كتب فيه الصفار كتاباً (عن اللقاء الوطني) سنة 1424هـ
2003م، ووضعت صورة الصفار واقفاً والملك عبد الله على غلاف الكتاب، وهو
عبارة عن اللقاء الذي جمعه مع مختلف الأطياف برعاية الملك عبد الله.. وذلك
للحاجة الماسة للدولة بعد أن اهتز العالم من تحتها من جراء أحداث 11
سبتمبر، وكتب غيره في نفس الاتجاه.
([5]) سلمان العيد – وقفات مع الحركة الإسلامية الشيعية ، ص 74-75.
([6]) سلمان العيد الهروب من المنفى قصة اغتراب وعودة محمود من المنفى –فصل 18 ص11-12.
([7]) نفس المصدر فصل 18-ص13.
([8]) سلمان العيد –الهروب إلى المنفى – قصة اغتراب وعودة محمود –فصل17ص 14-18، مخطوط بتاريخ 1414هـ/1994م.
من أخيكم الأنصاري |
الأربعاء، 19 أكتوبر 2011
(الإنقلاب .. بيع الوهم على الذات) /عادل اللباد (تحميل)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..