الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

الحث على لزوم الحلم عند الأذى

أنبأنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
لا حليم إلا ذو عثرة
ولا حليم إلا ذو تجربة

قال أبو حاتم رحمه الله
هذا الخبر في الضرب الذي ذكرت في كتاب فصول السنن
بأن العرب تضيف الاسم الى الشيء للقرب من التمام
وتنفي الاسم عن الشيء للنقص من الكمال
فلما كان الغالب على المرء أن لا يكون حليما حتى يكون ذا عثرة
نفي النبي صلى الله عليه وسلم اسم الحليم
عمن لم يكن بذي عثرة لنقصه عن الكمال

فالحليم
عظيم الشأن
رفيع المكان
محمود الأمر
مرضي الفعل

والحلم اسم يقع على زم النفس عن الخروج عند الورود عليها ضد ما تحب الى ما نهى عنه
فالحلم يشتمل على
المعرفة
والصبر
والإناة
والتثبت
ولم يقرن شيء الى شيء أحسن من عفو الى مقدرة

والحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام

ولقد حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ببغداد حدثنا يحيى ابن معين قال حدثنا الحسن بن واقع عن ضمرة قال
الحلم أرفع من العقل لأن الله تبارك وتعالى تسمى به

وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي ...
ألم تر أن الحلم زين مسود ... لصاحبه والجهل للمرء شائن ...
فكن دافنا للشر بالخير تسترح ... من الهم إن الخير للشر دافن ...
وأنشدني محمد بن إسحاق بن حبيب الواسطي ...
إذا شئت يوما أن تسود عشيرة ... فبالحلم سد لا بالتسرع والشتم ...
وللحلم خير فاعلمن مغبة ... من الجهل إلا أن تشر سن من الظلم ...

وأنشدني علي بن محمد البسامي ...
فارض بما حم من قضاء ... يصبك من ذلك الخيار ...
وعش حميدا رخى بال ... ما زانك الحلم والوقار ...

قال أبو حاتم رحمه الله
إن من نفاسة اسم الحلم وارتفاع قدرة أن الله جل وعلا تسمى به
ثم لم يسم بالحلم في كتابه أحدا إلا إبراهيم خليله وإسحاق ذبيحه حيث
قال إن إبراهيم لآواه حليم
وقال فبشرناه بغلام حليم

ولو لم يكن في الحلم خصلة تحمد إلا
ترك أكتساب المعاصي
والدخول في المواضع الدنسة
لكان الواجب على العاقل أن لا يفارق الحلم ما وجد الى استعماله سبيلا

والحلم سجية أو تجربة أو هما

حدثنا أبو حمزة محمد بن عمر بن يوسف حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا أبو أسامه عن هشام بن عروة عن أبيه قال
سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول لا حلم إلا بالتجربة

وأنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري ...
صاف الصديق بوده ... وإذا دنا شبرا فزده ...
واحلم إذا نطق السفيه ... فمن يرد جهلا يجده ...

أنبأنا محمد بن علي الصيرفي بالبصرة حدثنا ابن أبي الشوارب حدثنا أبو عوانه عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال
إنما العلم بالتعلم
وإنما الحلم بالتحلم
ومن يتوخ الخير يعطه
ومن يتوق الشر يوقه

وأنشدني الكريزي ...
إذا أنا كافيت الجهول بفعله ... فهل أنا إلا مثله إذ أحاوره ...
ولكن إذا ما طاش بالجهل طائش ... على فإني بالتحلم قاهره ...

أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار حدثنا يحيى بن معين حدثنا عثمان ابن صالح حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث
أن رجلا كتب الى أخ له أعلم ان الحلم لباس العلم فلا تعرين منه

قال أبو حاتم رحمه الله
العاقل يلزم الحلم عن الناس كافة
فإن صعب ذلك عليه فليتحالم
لأنه يرتقي به الى درجة الحلم

وأول الحلم
المعرفة
ثم التثبت
ثم العزم
ثم التصبر
ثم الصبر
ثم الرضا
ثم الصمت والإغضاء
وما الفضل إلا للمحسن الى المسيء
فأما من أحسن الى المحسن
وحلم عمن لم يؤذه
فليس ذلك بحلم ولا إحسان

ولقد أنبأنا محمد بن عثمان العقبي حدثنا إسحاق بن زكريا حدثنا عبد الصمد ابن حسان حدثنا أو عمر المازني عن وهب بن منبه أنه قال
يا بني لا تجادلن العلماء فتهون عليهم فيرفضوك
ولا تمارين السفهاء فيجهلوا عليك ويشتموك
فإنه يلحق بالعلماء من صبر ورأى رأيهم
وينجو من السفهاء من صمت وسكت عنهم
ولا تحسبن أنك إذا ماريت الفقيه إلا زدته غيظا دائبا
ولا تحمين من قليل تسمعه فيوقعك في كثير تكرهه
ولا تفضح نفسك لتشفى غيظك
فإن جهل عليك جاهل فلينفعن إياك حلمك
وإنك إذا لم تحسن حتى يحسن إليك
فما أجرك وما فضلك على غيرك
فإذا أردت الفضيلة فأحسن الى من أساء اليك
واعف عمن ظلمك
وانفع من لم ينفعك
وانتظر ثواب ذلك من قبل الله
فإن الحسنة الكاملة التي لا يريد صاحبها عليها ثوابا في الدنيا

وأنشدني محمد بن حبيب الواسطي ...
إذا المرء لم يصرف عذابا من الأذى ... حياء ولم يغفر لأخرق مذنب ...
فلم يصطنع إلا قليلا صديقه ... ومن يدفع العوراء بالحلم يغلب ...

وأنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش ...
احفظ لسانك إن لقيت مشاتما ... لا تجرين مع اللئيم إذا جرى ...
من يشترى عرض اللئيم بعرضه ... يحوي الندامة حين يقبض ما اشترى ...

أنبأنا إبراهيم بن نصر العنبري حدثنا علي بن الأزهر الرازي حدثنا إبراهيم ابن رستم قال سمعت ابن المبارك يقول
دعانا عبد الله بن عون الى طعامه
فكنا نأكل
فجاءت الخادم ومعها صحفة فعثرت في ثوبها فسقطت الصحفة من يدها فقال لها ابن عون مترس آزادي
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا ابن عائشة قال
قال محمد بن السعدى لابنه عروة لما ولى اليمن
إذا غضبت فانظر الى السماء فوقك
والى الأرض تحتك
ثم عظم خالقهما

قال أبو حاتم رحمه الله
الواجب على العاقل إذا غضب واحتد
أن يذكر كثرة حلم الله عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعديه حرماته
ثم يحلم ولا يخرجه غيظه الى الدخول في أسباب المعاصي

والناس على ضروب ثلاثة
رجل أعز منك
ورجل أنت أعز منه
ورجل ساواك في العز

فالتجاهل على من أنت أعز منه
لؤم وعلى من هو أعز منك جنف
وعلى من هو مثلك هراش كهراش الكلبين ونقار كنقار الديكين
ولا يفترقان إلا عن الخدش والعقر والهجر
ولا يكاد يوجد التجاهل وترك التحالم
إلا من سفيهين

ولقد أحسن الذي يقول ...
ما تم حلم ولا علم بلا أدب ... ولا تجاهل في قوم حليمان ...
وما التجاهل إلا ثوب ذي دنس ... وليس يلبسه إلا سفيهان ...

وأنشدني أبن زنجي البغدادي ...
وما شيء أسر الى لئيم ... إذا شتم الكرام من الجواب ...
متاركة اللئيم بلا جواب ... أشد عليه من مر العذاب ...

وأنشدني الكريزي ...
تجرد ما استطعت من السفيه ... بحسن الحلم إن العز فيه ...
فقد يعصي السفيه مؤدبيه ... ويبرم باللجاجه منصفيه ...
تلين له فيغلظ جانباه ... كعير السوء يرمح عالقيه ...

أنبأنا محمد بن سعيد القزاز حدثنا الحسن بن محمد الأزدي الكوفي حدثنا عمر بن حفص بن غياث عن أبيه قال
كنت جالسا عند جعفر بن محمد ورجل يشكو رجلا عنده
قال لي كذا و فعل لى كذا
فقال له جعفر من أكرمك فأكرمه
ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه

قال أبو حاتم رحمه الله
ما ضم شيء إلى شيء هو أحسن من حلم الى علم
وما عدم شيء في شيء هو أوحش من عدم الحلم في العالم
ولو كان للحلم أبوان لكان أحدهما
العقل
والآخر الصمت
وربما يدفع العاقل الى الوقت بعد الوقت الى من
لا يرضيه عنه الحلم
ولا يقنعه عنه الصفح
فحينئذ يحتاج الى سفيه ينتصر له
لأن ترك الحلم في بعض الأوقات من الحلم

ولقد حدثني محمد بن المنذر حدثنا يزيد بن عبد الصمد حدثنا عبد الرحمن ابن إبراهيم حدثنا الوليد عن سعيد بن عبد العزيز
أن رجلا استطال على سليمان بن موسى
فسكت له سليمان وانتصر له أخوه قال
فقال مكحول ذل من لا سفيه له

حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري حدثنا الغلابي حدثنا محمد بن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه قال
قال أبو حنيفة لشيطان الطاق
ما تقول في المتعة
قال حلال قال فيسرك أن أمك تزوجت متعه
فسكت عنه ساعة ثم قال
يا أبا حنيفه ما تقول في النبيذ
قال حلال
قال وشربه وبيعه وشاؤه
قال نعم
قال فيسرك أن أمك نباذه
قال فسكت عنه ابو حنيفه

أنشدني علي بن محمد البسامي ...
إذا كنت بين الحلم والجهل قاعدا ... وخيرت أني شئت فالحلم أفضل ...
ولكن إذا انصفت من ليس منصفا ... ولم يرض منك الحلم فالجهل أفضل ...

وأنشدني محمد بن حبيب الواسطي ... إ
ذا أمن الجهال جهلك مرة ... فعرضك للجهال غنم من الغنم ...
فعم عليه الجهل والحلم والقه ... بمرتبة بين العداوة والسلم
فيرجوك تارات ويخشاك تارة ... وتأخذ فيما بين ذلك بالحزم ...

حدثنا محمد بن عثمان العقبي حدثنا يزيد بن عبد الصمد الدمشقي حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال
لا حلم لمن لا جاهل له

وحدثنا عمرو بن محمد حدثنا الغلابي حدثنا مهدي بن سابق قال
قال المأمون يحسن بالملوك الحلم عن كل أحد إلا عن ثلاثة
قادح في ملك
أو مذيع لسر
أو متعرض لحرمة

قال أبو حاتم رحمه الله
الحلم على ضربين
أحدهما ما يرد على النفس من قضاء الله من المصائب التي امتحن الله بها عباده فيصبر العاقل تحت ورودها ويحلم عن الخروج الى ما لا يليق بأهل العقل
والآخر ما يرد على النفس بضد ما تشتهيه من المخلوقين فمن تعود الحلم فليس بمحتاج الى التصبر لاستواء العدم والوجود عنده

كما حدثنا أبو حمزة محمد بن يوسف بن عمر بنسا حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبد الله بن صالح العجلي قال سمعت ابن أبي عتبة يقول
قيل للأحنف بن قيس التميمي
ممن تعلمت الحلم
قال من قيس بن عاصم التميمي أتاه آت وهو محتب
فقال ابن أخيك قتل أبنك
قال عصى ربه
وفت عضده
وقطع رحمه جهزوه وما حل حبوته
فمنه تعلمت الحلم

حدثنا محمد بن شاذل الهاشمي حدثنا أحمد بن الخليل البغدادي حدثنا علي بن الحسين بن شقيق أخبرنا عبد الله عن جعفر بن سليمان قال
كانت امرأة بالبصرة متعبدة
تصيبها المصائب فننكر من صبرها
حتى أصابتها مصيبة موجعه فصبرت
فذكرت ذلك لها
فقالت ما من مصيبة تصيبني فأذكر معها النار إلا صارت في عيني مثل التراب

حدثنا بكر بن أحمد بن سعيد الطاحي بالبصرة حدثنا عمرو بن إسحاق بن خلاد الجهضمي حدثنا خالد بن خداش حدثنا ابن وهب عن بكر بن مضر قال
كان أبو الهيثم مات ولده وبقى له بني صغير فمات
فأتاه إخوانه يعزونه وهو في ناحية المسجد
فقال لهم تركني حزن يوم القيامة
لا آسى على شيء فاتني
ولا أفرح لما أتاني

حدثنا محمد بن اسحاق الثقفي حدثنا القاسم بن الحسن الزبيدي حدثنا اسحاق بن ابراهيم قال
مات ابن لشريح فلم يصيحوا عليه
ولم يشعر به أحد
فقيل له يا أبا آمنه كيف هو
قال قد سكن علزه
ورجاه أهله
ولم يكن منذ اشتكى أسكن منه الليلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..