ناصر بن زيد بن داوود
هناك الكثير من
مسميات الوظائف في جميع أجهزة الدولة يمارس شاغلوها أعمالاً لا تمت بصلة لمسمى
وظائفهم ، وقد يزاولون مهام أقل مما يدل عليه ذلك المسمى ، والسبب - والله أعلم -
لا يعدو أن يكون عيباً في أحد ثلاثة :-
1/ الموظف شاغل
الوظيفة ، والذي شغلها للحصول على مرتبتها ، لا للقيام بمهامها ؛ لأن قدراته لا
تتلاءم مع الوظيفة ، أو لأنه ممن ينشغل عن أداء وظيفته إلا بحوافز إضافية ، أو
بعقوبات متلاحقة ، أو بمراقبة صارمة ، وهنا يُقضى على الوظيفة بالبيات حتى يحين
موعد ترقية شاغلها ، فينظر فيمن يحل محله ، وهكذا .
2/ الرئيس المباشر
لشاغل الوظيفة ، بحيث لا يمكِّن الموظف من مباشرة مهام وظيفته النظامية ؛ حتى
ينفرد الرئيس بصلاحياتها ، أو حتى لا تنكشف أسرار تلك الوظيفة ، وليس أمام الرئيس
إلا أن يكلف الموظف بمهام أخرى ، أو يقصر عمل الموظف على جزء من مهامه النظامية ،
ويتولى هو الباقي ، أو يكلف به من يراه .
3/ الجهاز الإداري
الذي يعمل فيه شاغل الوظيفة ، وهذا يمكن أن يكون مقبولاً في بدايات إنشاء الجهاز ،
وقبل الاستعداد الكامل للتشغيل بكامل الطاقات ، أما أن تكون الإدارة فاعلة ،
والحاجة الملحة لكل مسميات وظائفها قائمة ، وتبقى بعض الوظائف الهامة في الجهاز
بدون تفعيل : فتلك المأساة التي تعود بالضرر على الجهاز وعلى الخدمات التي يؤديها
على النطاقين العام والخاص .
= ومن الوظائف
العدلية التي أصابها ذلك المرض العضال وظيفتي : المستشار ، والأمين العام ، مع
أنهما من أهم وظائف المحاكم وأنفعها للمسؤول وللخدمة التي تؤديها المحكمة
لمراجعيها .
= إن لي صلة بأحد
فضلاء المستشارين في إحدى المحاكم ، وهو من خيرة الشباب الطموح المتطلع للنفع
والقادر على أداء مهمته على نحوٍ فريد متقن ، وكنت أتحدث إليه - بين الحين والحين
- في موضوعات عدة ، فتبين لي أن رئيسه المباشر لم يمكِّنه من أداء وظيفته كما
ينبغي له ومنه ، وأن مرد ذلك اختلاف بينهما في الأفكار والمعتقدات نحو بعض المسائل
التي لا علاقة لها بالعمل القضائي ، مما يعني أن هناك إعمالاً لأيديولوجية مشوهة
من قبل ذلك الرئيس تجاه موظف قادر على أداء وظيفته كما ينبغي ، وأن كفاءة الموظف
وإشغاله للوظيفة بصفة رسمية هما الحائل بين الرئيس وبين إبعاد الموظف عن وظيفته .
- ولا يستبعد
أبداً أن تحاك المؤامرات على ذلك الموظف للإطاحة به ، وأقل ما يمكن حصوله في مثل
هذه الظروف أن يكون الموظف تحت المراقبة اللصيقة ؛ لاقتناص ما يمكن أن يقع فيه من
أخطاء ، أو ما يحصل منه من تقصير ؛ للنفخ فيه وتضخيمه تمهيداً للتخلص منه .
- وهذا الحصار
النفسي يجعل الموظف قلقاً في حاضره وعلى مستقبله ، وقد يورثه هذا عُقداً وأمراضاً
، بل إنه يُفقد الموظف ثقته في جهازه وقياداته ، فضلاً عن أن هذه الممارسات الشاذة
تعمل على تفريغ الوظيفة من خدماتها ، وتعطيل الموظف عن خدمة بلاده بأداء ما ائتمنه
عليه ولاة أمره ، وتلك لعمري هي الطامة .
= أما أمانات
المحاكم : فتلك الوظيفة المعطلة ، التي لو أنها وجدت قوالبها التي تصب فيها مهامها
لأنتجت وأثمرت عملاً قضائياً مشرفاً ، وَلَسهُل على أصحاب الفضيلة القضاة نظر
قضاياهم ، ولتيسر على أصحاب القضايا متابعة معاملاتهم ، ولنا أن نتصور محكمة يعمل
أمينها العام وجهازه الإداري المتخصص الأمور التالية :-
1/ استقبال أصحاب
الدعاوى ، والتحري عن الاختصاص النوعي والمحلي قبل تقييد القضايا .
2/ التأكد من
تحرير أصحاب الدعاوى لدعاواهم ، وتوجيههم بتكميل نواقص ملفاتها ؛ من وكالات ووثائق
ومستندات تعضدها .
3/ التوزيع العادل
للقضايا على دوائر المحكمة ذات الاختصاص ، والإشراف المباشر على تسليمها لتلك
الدوائر في أقرب فرصة ممكنة .
4/ تبليغ الدعاوى
للمدعى عليهم وفق أحكام النظام .
5/ المتابعة مع
المدعى عليهم حتى ورود أجوبتهم ، واستيفاء مذكرات الجواب ومستنداتها ؛ كما هو
الحال مع لوائح الدعاوى .
6/ إعادة تبليغ
المدعين بأجوبة المدعى عليهم ، والمتابعة معهم لتلقي التعقيبات عليها .
7/ عند اكتمال
المرافعة التحريرية بين المتداعين تحدد الأمانة الجلسة الأولى لنظر الخصومة .
8/ يقوم الجهاز
الاستشاري في الأمانة باختصار المذكرات المتبادلة بين الخصوم ، وتقديمها للدائرة
المختصة بنظر القضية ؛ لتكون على علم كامل بموضوع الدعوى وحججها ومواقف أطرافها ،
ولتقف الدائرة على الرأي القضائي المقترح من الجهاز الاستشاري .
9/ مباشرة التشاور
مع الدوائر القضائية فيما يحتاجونه من رأي أو تفسير بشأن ما يشكل عليهم من قضايا،
ويمكن أن يكون ذلك بمشاركة المستشار المباشر للقضية عند اللزوم.
10/ تلقي محاضر
الدعوى عند طلب الدوائر أي إجراء تكميلي عليها ، وتنفيذه على الفور ، والمتابعة مع
جهته حتى استيفاء لازمه .
11/ تلقي ملفات
الدعاوى بعد الحكم فيها ، لتنظيم قراراتها ، وتدقيقها ، واستيفاء لوازمها ،
ومتابعة تكميل إجراءاتها ؛ بإحالتها إلى محكمة الاستئناف ، أو إلى قاضي التنفيذ .
12/ الإشراف
المباشر على حسن تنظيم الملفات في الحفظ ، وترتيبها وفق نظام يسهل معه جلبها عند
طروء الحاجة إليها .
13/ الإشراف على
حضور وانصراف الموظفين ، وتوجيه الموظف لما يناسبه من عمل ، وإعداد البديل الجاهز
؛ ليحل محل من يتعذر عليه مزاولة عمله من موظفي الدوائر لعذر مفاجئ .
14/ مراقبة سير
العمل كما يجب أن يكون عليه ، واقتراح سبل التطوير اللازمة لتحسين الأداء وتسريعه
وإتقانه ؛ سواء : من ناحية التجهيزات المساعدة ، أو من أوجه التدريب المقترحة
للموظفين .
= ولو أن أمانات
المحاكم قامت بواجباتها على النحو السابق : لأمكن القضاة أن يتفرغوا لعملهم
القضائي ويقوموا بواجبهم كما يحبون هم أولاً ، وكما يؤمله منهم أصحاب الحاجات
ثانياً ، وكما يريده منهم ولاة أمرهم وفقهم الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..