الخميس، 3 نوفمبر 2011

أنواع البيوع في الاسلام وأحكامها


الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن والاهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، وسخر له الكون وفضله على باقي الخلق عندما أعطاه عقلاَ ليتدبر به ويعرف كيف يميز بين الضار والنافع ، والخبائث والطيبات ، ليستغله في تحقيق معنى العبادة ، لأنها الهدف الأسمى من خلقه ، قال الله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات : 56
وإذا كانت معرفة الضار من النافع وتحري الطيبات من دون الخبائث يتطلب أفضل الوسائل والأساليب في مختلف مجالات الحياة ، فإن البحث عن هذه الوسائل والأساليب يعد من جوهر العبادة ، بل إنه لايمكن تحقيق أولويات وأهداف الشريعة من دون أن يتم هذا البحث .
ومن هذا المبدأ تعد دراسة البيع ومعه أحد أساليب الاستثمار الإسلامي ( المرابحة) وأثرها على تطور المصارف الاسلامية من حيث تعظيم المنفعة والفائدة على المصارف والمجتمع على حد سواء ، يعتبر أحد أهم عناصر النظام الإنمائي الاسلامي بشرط أن تقوم على أسس وضوابط الشريعة السمحة ، سواء كان ذلك على صعيد الأفراد أم على صعيد الجماعة أم على صعيد المؤسسات .

البيع

إن البيع والشراء من أهم مجالات التعامل التجاري ، وقد أكدت الشريعة الإسلامية على جوازها ضمن ضوابط وشروط محددة ، ولهذا سنقوم بإيضاح طبيعة العقد ومشروعيته وأنواعه حتى يكون الموضوع واضحاً نظرياً لدينا عند تناول التطبيق العملي لدى البنوك الإسلامية ، وذلك في عدد من المطالب .

المطلب الأول : تعريف البيع
المطلب الثاني : أركان البيع
المطلب الثالث : أنواع البيوع
المطلب الرابع : البيوع المستخدمة لدى البنوك الإسلامية



المطلب الأول
تعريف البيع
البيع في اللغة : مقابلة شيء بشيء ، فمقابلة السلعة بالسلعة تسمى بيعاً لغة كمقابلتها بالنقد ، ويقال لأحد المتقابلين مبيع وللآخر ثمن .
وقال بعض الفقهاء : إن معناه في اللغة تمليك المال بالمال وهو بمعنى التعريف الأول .
وقال آخرون : أنه في اللغة إخراج ذات عن الملك بعوض وهو بمعنى التعريف الثاني ، لأن إخراج الذات عن الملك هو معنى تمليك الغير للمال ، فتمليك المنفعة بالإجارة ونحوها لا يسمى بيعاً .
أما الشراء فإنه إدخال ذات في الملك بعوض ، أو تملك المال بالمال ، على أن اللغة تطلق كلاً من البيع والشراء على معنى الآخر ، فيقال لفعل البائع : بيع وشراء كما يقال ذلك لفعل المشتري ومنه قوله تعالى : [ وشروه بثمن ] . سورة يوسف ، آية 20 . فإن معنى شروه في الآية باعوه ، وكذلك الاشتراء والابتياع فإنهما يطلقان على فعل البائع والمشتري لغة .
إلاّ أن العرف قد خص المبيع بفعل البائع وهو إخراج الذات في الملك ، وخص الشراء والاشتراء والابتياع بفعل المشتري وهو إدخال الذات في الملك .


مشروعية البيع :
إن مشروعية البيع ثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع .
في الكتاب : ورد في القرآن الكريم [ وأحل الله البيع وحرم الربا ] . سورة البقرة ، الآية 275 .
وفي سورة النساء : [ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ] . سورة النساء ، الآية 29 .وقوله تعالى : [ فاشهدوا إذا تبايعتم ] . سورة البقرة ، الآية 282 .
فهذه الآيات صريحة في حل البيع وإن كانت مسوقة لأغراض أخرى غير إفادة الحل، لأن الآية الأولى مسوقة لتحريم الربا ، والثانية مسوقة لنهي الناس عن أكل أموال بعضهم بعضاً بالباطل ، والثالثة مسوقة للفت الناس إلى ما يرفع الخصومة ، ويحسم النزاع من الاستشهاد عند التبايع .
في السنّة : فالنبي (ص) قد باشر البيع وشاهد الناس يتعاطون البيع والشراء فأقرهم ولم ينهاهم عنه .
ومنها قوله (ص) : ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ) ، رواه البخاري . وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يجب على الإنسان من العمل في هذه الحياة ، فلا يحل له أن يهمل طلب الرزق اعتماداً على سؤال الناس ، كما لا يحل له أن يستنكف عن العمل ، سواءً كان جليلاً أو ****اً ، بل عليه أن يعمل بما هو ميسر له .
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام : ( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح سواءً بسواء ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أن استزاد فقد أربى ، فإذا اختلفت هذه الأجناس فيبيعوا كيف شئتم ) رواه مسلم ، فقوله فبيعوا كيف شئتم صريح في إباحة البيع .
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام : ( أفضل الكسب بيع مبرور ، وعمل الرجل بيده ) رواه أحمد والطبراني وغيرهما ، والبيع المبرور هو الذي يبر فيه صاحبه فلم يغش ولم يخن ولم يعص الله فيه ، وحكمه حله ما يترتب عليه من تبادل المنافع بين الناس ، وتحقيق التعاون بينهم .
فينتظم بذلك معاشهم ، وينبعث كل واحد إلى ما يستطيع الحصول عليه من وسائل العيش ، فهذا يغرس الأرض بما منحه الله من قوة بدنية وألهمه من علم بأحوال الزرع ويبيع ثمرها لمن لا يقدر على الزرع ولكنه يستطيع الحصول على الثمن من طريق أخرى ، وهذا يحضر السلعة من الجهات الثانية ويبيعها لمن ينتفع بها ، وهذا يجيد ما يحتاج إليه الناس من صناعة ليبيع عليهم مصنوعاته ، فالبيع والشراء من أكبر الوسائل الباعثة على العمل في هذه الحياة الدنيا ، وأجل أسباب الحضارة والعمران .
الإجماع : وقد أجمع الأئمة على مشروعية البيع وأنه أحد أسباب التملك.
كما أن الحكمة تقتضيه ، لأن الحاجة ماسة إلى شرعيته ، إذ الناس محتاجون إلى الأعواض والسلع والطعام والشراب الذي في أيدي بعضهم ولا طريق لهم إليه إلاّ بالبيع والشراء .
في القانون الوضعي : البيع تمليك مال أو حق مالي لقاء عوض .
البيع عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر في مقابل ثمن نقدي .
المطلب الثاني
أركان البيع
أركان البيع ستة وهي الصيغة والعاقد والمعقود عليه ، وكل منهما قسمان لأن العاقد إما أن يكون بائعاً أو مشترياً ، والمعقود عليه إما أن يكون ثمناً أو مثمناً والصيغة إما أن تكون إيجاباً أو قبولاً ، فالأركان ستة والمراد بالركن هنا ما يتوقف عليه وجود الشيء وإن كان غير داخل في حقيقته ، وهذا مجرد اصطلاح، لأن ركن الشيء الحقيقي هو أصله الداخل فيه ، وأصل البيع هو الصيغة التي لولاها ما اتصف العاقدان بالبائع والمشتري ، ولكل ركن من الأركان أحكام وشروط سنذكرها على الترتيب الذي يلي :

الركن الأول : الصيغة
الصيغة في البيع هي كل ما يدل على رضاء الجانبين البائع والمشتري وهي أمران :
الأول : القول وما يقوم مقامه من رسول أو كتاب ، فإذا كتب لغائب يقول له : بعتك داري بكذا أو أرسل له رسولاً فقبل البيع في المجلس فإنه يصح ولا يغتفر له الفصل إلاّ بما يغتفر في القول حال حضور المبيع .
الثاني : المعاطاة وهي الأخذ والإعطاء بدون كلام كأن يشتري شيئاً ثمنه معلوم له فأخذه من البائع ويعطيه الثمن وهو يملك بالقبض ، ولا فرق بين أن يكون المبيع يسيراً كالخبز والبيض ونحوهما مما جرت العادة بشرائه متفرقاً أو كثيراً كالثياب القيمة .
وأما القول : فهو اللفظ الذي يدل على التمليك والتملك ، كبعت واشتريت ويسمى ما يقع من البائع إيجاباً ، وما يقع من المشتري قبولاً ، وقد يتقدم القبول على الإيجاب ، كما إذا قال المشتري : بعني هذه السلعة بكذا .
ويشترط للإيجاب والقبول شروط منها : أن يكون الإيجاب موافقاً للقبول في القدر والوصف والنقد والحلول والأجل ، فإذا قال البائع : بعت هذه الدار بألف فقال المشتري : قبلتها بخمسمائة لم ينعقد البيع ، وكذا إذا قال : بعتها بألف جنيه ذهباً ، فقال الآخر : قبلتها بألف جنيه ورقاً ، فإن البيع لا ينعقد إلاّ إذا كانت الألف الثانية مثل الأولى في المعنى من جميع الوجوه فإن البيع ينعقد في هذه الحالة ومنها : أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد ، فإذا قال أحدهما : بعتك هذا بألف ثم تفرقا قبل أن يقبل الآخر فإن البيع لا ينعقد ومنها : أن يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض ، أما الفاصل اليسير وهو الذي لا يدل على الإعراض بحسب العرف فإنه لا يضر .
ومنها : سماع المتعاقدين كلام بعضهما ، فإذا كان البيع بحضرة شهود فإنه يكفي سماع الشهود بحيث لو أنكر أحدهما السماع لم يصدق ، فإذا قال : بعت هذه السلعة بكذا ، وقال الآخر : قبلت ، ثم تفرقا فادعى البائع أنه لم يسمع القبول أو ادعى المشتري بأنه لم يسمع الثمن مثلاً فإن دعواهما لا تسمع إلاّ بالشهود .

الركن الثاني : العاقدان
وأما العاقدان سواءً كان بائعاً أو مشترياً فإنه يشترط له شروط ، منها : أن يكون : مميزاً فلا ينعقد بيع الصبي الذي لا يميز ، وكذلك المجنون ، أما الصبي المميز والمعتوه اللذان يعرفان البيع وما يترتب عليه من الأثر ويدركان مقاصد العقلاء من الكلام ويحسنان الإجابة عنها ، فإن بيعهما وشراءهما ينعقد ولكنه لا ينفذ إلاّ إذا كان بإذن من الولي في هذا الشيء الذي باعه واشتراه بخصوصه ، ولا يكفي الإذن العام .
فإذا اشترى الصبي المميز السلعة التي أذن له وليه في شرائها انعقد البيع لازماً ، وليس للولي رده ، أما إذا لم يأذن وتصرف الصبي المميز من تلقاء نفسه فإن بيعه ينعقد ، ولكن لا يلزم إلاّ إذا أجازه الولي ، أو أجازه الصبي بعد البلوغ ومنها : أن يكون : رشيداً ، وهذا شرط لنفاذ البيع فلا ينعقد بيع الصبي مميزاً كان أو غيره ، ولا بيع المجنون والمعتوه والسفيه إلاّ إذا أجاز الولي بيع المميز منهم ، أما بيع غير المميز فإنه يقع باطلاً ولا فرق في المميز بين أن يكون أعمى أو مبصراً .
ومنها : أن يكون : العاقد مختاراً فلا ينعقد بيع المكره ولا شراؤه لقوله تعالى : [ إلاّ أن تكون تجارة عن تراض منكم ] . سورة النساء ، الآية 29 .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( إنما البيع عن تراض ) رواه ابن حيان .

الركن الثالث : المعقود عليه
يشترط في المعقود عليه ثمناً كان أو مثمناً شروط منها :
أ - أن يكون طاهراً فلا يصح أن يكون النجس مبيعاً ولا ثمناً ، فإذا باع شيئاً نجساً أو متنجساً لا يمكن تطهيره فإن بيعه لا ينعقد ، وكذلك لا يصح أن يكون النجس أو المتنجس الذي لا يمكن تطهيره ثمناً ، فإذا اشترى أحد عيناً طاهرة وجعل ثمنها خمراً أو خنزيراً مثلاً فإن بيعه لا ينعقد .
ب - أن يكون منتفعاً به انتفاعاً شرعياً فلا ينعقد بيع الحشرات التي لا نفع فيها .
ج - أن يكون المبيع مملوكاً للبائع حال البيع ، فلا ينعقد بيع ما ليس مملوكاً إلاّ في السلم ، فإنه ينعقد بيع العين التي ستملك بعد .
د - أن يكون مقدوراً على تسليمه ، فلا ينعقد بيع المغصوب لأنه وإن كان مملوكاً للمغصوب منه إلاّ أنه ليس قادراً على تسليمه إلاّ إذا كان المشتري قادراً على نزعه من الغاصب ، وإلا صح ، وأيضاً لا يصح أن يبيعه الغاصب لأنه ليس مملوكاً .
هـ- أن يكون المبيع معلوماً والثمن معلوماً علماً يمنع من المنازعة ، فبيع المجهول جهالة تقضي إلى المنازعة غير صحيح كما إذا قال للمشتري : اشتري شاة من قطيع الغنم التي أملكها أو اشتري مني هذا الشيء بقيمته أو اشتري مني هذه السلعة بالثمن الذي يحكم به فلان ، فإن البيع في كل هذا لا يصح .
و - أن لا يكون مؤقتاً كأن يقول له : بعتك هذا البعير بكذا لمدة سنة .ومن الجدير بالملاحظة أنه في النظام الاقتصادي الإسلامي تخضع اركان وشروط عقد البيع في تنظيمها لقواعد الفقه الإسلامي المتعلق بالمعاملات .
وعند تطبيق هذه العقود لدى البنوك الإسلامية في عمليات التمويل ، فإن هذه العقود تخضع كذلك في تنظيمها للقواعد العامة للقانون الوضعي في الدولة التي يتم فيها التعاقد .

 
المطلب الثالث
أنواع البيوع
أولاً – تقسيم البيع باعتبار المبيع :
ينقسم البيع باعتبار موضوع المبادلة فيه إلى أربعة أقسام :
1 - البيع المطلق : هو مبادلة العين بالنقد وهو أشهر الأنواع ، ويتيح للإنسان المبادلة بنقوده على كل ما يحتاج إليه من الأعيان ، وينصرف إليه البيع عند الإطلاق فلا يحتاج كغيره إلى تقييد .
2 - بيع السلم : ويسمى السلف ، هو مبادلة الدين بالعين أو بيع شيء مؤجل بثمن معجل .
3 - بيع الصرف : وهو بيع جنس الأثمان بعضه ببعض ، وعرف بأنه بيع النقد بالنقد جنساً بجنس أو بغير جنس ، أي بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، وكذلك بيع أحدهما بالآخر .
وإنما يسمى صرفاً : لوجوب دفع ما في يد كل واحد من المتعاقدين إلى صاحبه في المجلس .
وشروطه أربعة :
أ - التقابض قبل الافتراق بالأبدان بين المتعاقدين منعاً من الوقوع في ربا النسيئة لقوله (ص) : ( الذهب بالذهب مثلاً بمثل يداً بيد ، والفضة بالفضة مثلاً بمثل يداً بيد ) .
ب - التماثل عند اتحاد الجنس : إذا بيع الجنس بالجنس كفضة بفضة أو ذهب بذهب فلا بد فيه من التماثل أي التساوي في الوزن والمقدار دون النظر إلى الجودة والصياغة .
ج - أن يكون العقد باتاً وألا يكون فيه خيار الشرط لأن القبض في هذا العقد شرط وخيار الشرط بمنع ثبوت الملك أو تمامه كما عرفنا .
د - التنجيز في العقد وألا يكون فيه أجل ، لأن قبض البدلين مستحق قبل الافتراق والأجل يؤخر القبض .
فإذا اختل شرط من هذه الشروط فسد الصرف .
4 - بيع المقايضة : وهو مبادلة مال بمال سوى النقدين ويشترط لصحته التساوي في التقابض إن اتفقا جنساً وقدراً فيجوز بيع لحم بشاة حية لأنه بيع موزون بما ليس بموزون ، وخبز بدقيق متفاضلاً لأنه بيع مكيل بموزون .
ولا يجوز بيع التين الرطب بالتين اليابس إلاّ تماثلاً ، ولا يجوز بيع الحنطة بالدقيق أو البرغل مطلقاً ولو متساويين لانكباس الأخيرين في المكيال أكثر من الأول ، أما إذا بيع موزوناً فالتماثل واجب .
ثانياً – تقسيم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن :
ينقسم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن إلى ثلاثة أنواع :
1 - بيع المساومة : هو البيع الذي لا يظهر فيه رأس ماله ، أي البيع بدون ذكر ثمنه الأول .
2 - بيع المزايدة : هو أن يعرض البائع سلعته في السوق ويتزايد المشترون فيها فتباع لمن يدفع الثمن أكثر .
ويقارب المزايدة الشراء بالمناقصة ، وهي أن يعرض المشتري شراء سلعة موصوفة بأوصاف معينة ، فيتنافس الباعة في عرض البيع بثمن أقل ، ويرسو البيع على من رضي بأقل سعر ، ولم يتحدث الفقهاء قديماً عن مثل هذا البيع ولكنه يسري عليه ما يسري على المزايدة مع مراعاة التقابل .
3 - بيوع الأمانة : هي التي يحدد فيها الثمن بمثل رأس المال أو أزيد أو أنقص وسميت بيوع الأمانة لأنه يؤمن فيها البائع في إخباره برأس المال ، وهي ثلاثة أنواع :
أ - بيع المرابحة : وهو بيع السلعة بمثل الثمن الأول الذي اشتراها البائع مع زيادة ربح معلوم متفق عليه .
ب - بيع التولية : وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به من غير نقص ولا زيادة .
ج - بيع الوضيعة : وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به مع وضع (حط) مبلغ معلوم من الثمن ، أي بخسارة محددة .
هذا وفي حالة كون البيع يتم لجزء من المبيع ، فإنه يسمى بيع (الاشتراك) وهو لا يخرج عن الأنواع المتقدمة المذكورة من البيوع .
ثالثاً – تقسيم البيع باعتبار طريقة تسليم الثمن :
1 - بيع منجز الثمن : وهو ما يشترط فيه تعجيل الثمن ، ويسمى بيع النقد أو البيع بالثمن الحال .
2 - بيع مؤجل الثمن : وهو ما يشترك فيه تأجيل الثمن .
3 - بيع مؤجل المثمن : وهو مثل بيع السلم وبيع الاستصناع .
4 - بيع مؤجل العوضين : أي بيع الدين بالدين وهو ممنوع في الجملة .
رابعاً – تقسيم البيع باعتبار الحكم الشرعي :
ينقسم البيع باعتبار الحكم الشرعي إلى أنواع كثيرة منها :
1 - البيع المنعقد ويقابله البيع الباطل .
2 - البيع الصحيح ويقابله البيع الفاسد .
3 - البيع النافذ ويقابله البيع الموقوف .
4 - البيع اللازم ويقابله البيع غير اللازم (ويسمى الجائز أو المخير) .
أ - فالبيع اللازم : هو البيع الذي يقع باتاً إذا عري عن الخيارات ، كبعتك هذا الثوب بعشرة قروش ، وقبل المشتري .
ب - والبيع غير اللازم : وهو ما كان فيه إحدى الخيارات ، كبعتك هذا الثوب بعشرة قروش ، فقال المشتري : قبلت على أني بالخيار ثلاثة أيام .
ج - والبيع الموقوف : ما تعلق به حق الغير كبيع إنسان مال غيره بغير إذنه .
د - أما البيع الصحيح النافذ اللازم : فهو ما كان مشروعاً بأصله ووصفه ، ولم يتعلق به حق الغير ولا خيار فيه وحكمه أنه يثبت أثره في الحال .
هـ- أما البيع الباطل : فهو ما اختل ركنه أو محله أو لا يكون مشروعاً بأصله، ولا بوصفه وحكمه أنه لا يعتبر منعقداً فعلاً .
و - والبيع الفاسد : هو ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه ، كمن عرض له أمر أو وصف غير مشروع مثل بيع المجهول جهالة تؤدي للنزاع ، كبيع دار من الدور أو سيارة من السيارات المملوكة لشخص دون تعيين ، وكإبرام صفقتين في صفقة ، وحكمه أنه يثبت فيه الملك بالقبض بإذن المالك صراحة أو دلالة .
- الضابط الذي يميز الفاسد عن الباطل :
1 - إذا كان الفساد يرجع للمبيع فالبيع باطل .
2 - أما إذا كان الفساد يرجع للثمن ، فإن البيع يكون فاسداً ، أي أنه ينعقد بقيمة المبيع .
أنواع البيع الباطل :
وهي ستة أنواع كالآتي :
1 - بيع المعدوم .
2 - بيع معجوز التسليم .
3 - بيع الغرر .
4 - بيع النجس والمتنجس .
5 - بيع العربون .
6 - بيع الماء .


المطلب الرابع
البيوع المستخدمة لدى البنوك الإسلامية
اتجهت البنوك الإسلامية بنشاط ملحوظ لاستخدام البيوع في عمليات التمويل التي تقدمها ، ولتجاوز الصعوبات التي واجهتها في أنواع التمويل الأخرى كالمضاربة والمشاركة ، ومن البيوع التي استخدمتها هذه البنوك ووجدت بها وسيلة ملائمة لأغراض التمويل الإسلامي ، بيع المرابحة وبيع الأجل .
ومن خلال المقارنات مع أساليب التمويل الأخرى في المباحث السابقة تبين لنا أن المراجعة قد احتلت الحجم الأكبر بين أساليب التمويل المستخدمة ، لسهولة التعامل بها ووضوح تطبيقاتها .
وبيع المرابحة : أحد بيوع الأمانة والتي سبق بيانها في الفرع السابق ، ومثله بيع التولية وبيع الوضيعة ، ولأهمية سنفرد له مبحثاً مستقلاً فيما بعد ، وبيوع الأمانة يجوز عقدها بالدفع العاجل أو السداد الأجل .
وبيع الأجل : هو البيع الذي يتفق فيه العاقدان على تأجيل دفع الثمن إلى موعد محدد في المستقبل ، وقد يكون الدفع جملة واحدة ، أو على أقساط ، ولا بد فيه من معلومية الأجل ، ولا مانع من اشتمال الثمن على زيادة ضمنية عن ثمن البيع الحال ولكن لا يزيد مقدار الثمن المؤجل إذا لم يدفع في موعده .
والبيع المؤجل الثمن أو البيع بالنسيئة هو بيع ائتماني لأن سداد الثمن فيه يتم بتاريخ لاحق على إبرام العقد وتسليم المبيع للمشتري ، بخلاف البيع العادي ، وسواءً دفع الثمن مرة واحدة أو على أقساط في آجال محددة وبوجود دفعة أولى أو بدونها ، ففي كل الحالات يستفيد المشتري من الأجل الممنوح له من البائع .
ويخضع بيع الأجل للشروط العامة في العقود ، وتلك الخاصة بعقد البيع ، وأخرى متعلقة به وهي :
أ - تحديد الثمن الذي قد يكون هو نفسه المطلوب في البيع الناجز ، وقد يكون بزيادة عليه .

ب - الاتفاق على مبدأ التأجيل وتاريخ السداد وكيفيته .
ج - إذا وقع الاختيار على السداد بالأقساط وليس دفعة واحدة ، وهي الحالة الغالبة عملياً ، فيجب تحديد مقدار كل قسط وتاريخ استحقاقه .
د - وهناك من يضيف شرط تسليم المبيع للمشتري لأن استحقاق الثمن يبدأ من وقت التسليم .
ويدخل في إطار هذا البيع :
1 - بيع السلم : أو البيع المعجل الثمن المؤجل التسليم ، وهو بيع من نوع خاص .
2 - البيع بالتقسيط : وهو أحد أشكال القروض الاستهلاكية التي تقدمها البنوك والشركات المتخصصة للأفراد من أجل شراء السلع المعمرة .
وبالرغم من الاختلاف على مشروعيته ، فإن الفقه المتعلق بمعاملات البنوك الإسلامية حسم فيه واعتبره جائزاً وبإمكان البنوك استخدامه دون حرج .



المبحث الثاني
المرابحة

وسنتناول هذا المبحث في ثلاثة مطالب ، الأول في بيع المرابحة العادية ، والثاني طبيعة المرابحة ومشروعيتها والثالث شروط صحة المرابحة .

المطلب الأول
المرابحة العادية
المرابحة صورة من صور البيع ، وعلى وجه التحديد من بيوع الأمانة ، وهي البيوع التي تستند على الثقة بين المتبايعيين وتعتمد رأس المال أساساً للثمن ، ومنها بيع التولية والوضيعة .
وكما أوضحنا فيما تقدم ، يجوز إبرام هذه البيوع بالدفع العاجل أو السداد بالأجل .
وقد اتفق المسلمون على جوازها استناداً إلى عموم الأدلة التي تبيح البيع بصفة عامة ، ووضعوا لها من الشروط والضوابط بحيث تبقى في إطار الصدق والأمانة الذي تدور عليه هذه البيوع .
والأهم في هذه البيوع هو بيع المرابحة ، والذي استخدمته البنوك الإسلامية كأداة للتمويل لديها ، ولتقوم هذه الأداة الإسلامية المشروعة ، فيما بعد وبشكل رئيسي ، مقام نظام التمويل بالفائدة لدى البنوك التقليدية ، وقد احتل نظام التمويل بالمرابحة للأمر بالشراء ، الدرجة الأولى بين أدوات التمويل المستخدمة لدى البنوك الإسلامية .
وسنتناول في هذا المطلب موضوع المرابحة العادية من حيث طبيعتها وشروطها وضوابطها وتطبيقاتها العملية في عدد من الفروع فيما يلي :


المطلب الثاني
طبيعة المرابحة ومشروعيتها
المرابحة لغة : مصدر من الربح هي الزيادة .
وهي مفاعلة من الربح ، وهو النماء في التجارة (التجر) .
وفي الاصطلاح الفقهي : عرفها المالكية بأنها : ( مبيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم ) .
وعرفها الحنابلة بأنها : ( بيع برأس المال وربح معلوم ) .
وعرفها الحنفية بأنها : ( بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح ) .
وعرفها الشافعية بأنها : ( عقد يبنى الثمن فيه على ثمن البيع الأول مع زيادة ) .
مشروعيتها : يستمد بيع المرابحة مشروعيته من القرآن والسنّة واتفاق الفقهاء حوله من حيث المبدأ .
في القرآن : قال تعالى : [ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ] . سورة البقرة ، الآية 198 .
وذلك أن المرابحة تمثل ابتغاء للفضل أي الزيادة ، كما أنها تدخل في عموم عقود البيع المشروعة لقوله تعالى : [ وأحل الله البيع وحرّم الربا ] . سورة البقرة، الآية 275 .في السنّة : كما أجاز الرسول عليه الصلاة والسلام بيع السلعة بأكثر من رأس مالها في قوله عليه السلام : ( البيعان بالخيار ما لم يفترقا ) .
وأيضاً : ( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره ، خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ) . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح سواءً بسواء ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم ) .
اتفاق الفقهاء : هناك أيضاً فتوى صادرة عن مؤتمر المصاريف الإسلامية الثاني تقول : ( إن المواعدة على بيع المرابحة للأمر بالشراء ، بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف مسؤولية الهلاك قبل التسليم ، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي ، أما بالنسبة للوعد وكونه ملزم للأمر بالشراء أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعاً ، وكل مصرف مخيّر في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه ) .


المطلب الثالث
شروط صحة المرابحة
المرابحة بيع كالبيوع تحل بما تحل به البيوع ، فحيث يكون البيع حلالاً فهي حلال ، وحيث كان البيع حراماً فهي حرام ، ولكن يلزم لصحة المرابحة بالإضافة إلى الشروط العامة في العقود ( كالأهلية والمحل والصيغة ) بعض الشروط الأخرى منها ما يلي :
1 - أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشتري الثاني ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح ، والعلم بالثمن الأول شرط لصحة البيع فإذا لم يكن معلوماً فهو بيع فاسد .
2 - أن يكون الربح معلوماً لأنه بعض الثمن ، والعلم بالثمن شرط لصحة البيع.
3 - أن لا يكون الثمن في العقد الأول مقابلاً بجنسه من أموال الربا ، فإن كان كذلك بأن اشترى المكيل أو الموزون بجنسه مثلاً بمثل لم يجز بأن يبيعه مرابحة ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة ، والزيادة في أموال الربا تكون ربا لا ربحاً .
4 - أن يكون رأس المال من المثليات كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاربة ، فإن كان قيمياً مما لا مثل له من العروض لم يجز بيعه مرابحة، لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح .
5 - أن يكون عقد البيع الأول صحيحاً ، فإن كان فاسداً لم تجز المرابحة ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح ، والبيع الفاسد يثبت الملك فيه بقيمة المبيع إن كان قيمياً أو بمثله إن كان مثلياً ، لا بالثمن المسمى لفساد
التسمية ، والمملوك بالقيمة لا يباع مرابحة ، لأن القيمة مجهولة لا تعرف إلاّ بالتقويم ، والمرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح والثمن الأول هنا مجهول القيمة .
وتوجد شروط أخرى متعلقة بكل من بيان العيب ، وما قد يطرأ على المبيع من الزيادة أو النقصان ولأن بيع المرابحة من بيوع الأمانة ، فيمتنع فيها على البائع خيانة المشتري في ثمن البيع صفة وقدراً ، أو في المبيع من حيث سلامته أو تعيبه .
وقد شرح أئمة المذاهب الإسلامية والفقهاء المسلمون من بعدهم هذه الأمور بالتفصيل الدقيق مع ضرب الأمثلة عليها ، ليرجع إليها من يريد الاستزادة في هذا الموضوع .
ومما سبق ذكره من شروط خاصة بالمرابحة ، يتبين وجوب أن يكون المبيع حاضراً يراه المشتري ، أو أن يكون قد رآه وعرفه ، وأن يعرف المشتري مقدار الثمن الأصلي ومقدار الربح الذي سيدفعه زيادة عن الثمن الأصلي ، إن كان المبيع حالاً .
وأن يعرف مقدار الثمن الآجل إن كان بيع المرابحة مرتبطاً بالأجل ، لأن الثمن الآجل يكون أعلى من الثمن الحال عادة .


------------------------------------------
المصادر والمراجع



1. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة ، دار ابن هشام ، القاهرة
2. العلامة علي حيدر ،درر الحكام في شرح مجلة الاحكام، دار الجليل بيروت ، المجلد الثالث.
3. القانون المدني الأردني ( م 465).
4. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني/التامينات اشخصية والعينية، دار احياء التراث العربي، سنة 1970.

5. عمر عبد الله كامل ، القواعد الفقهية الكبرى وأثرها في المعاملات المالية ، دار الكتب ، القاهرة 2000.
6. عبد الستار أبو غدة ، اوفوا بالعقود،منشورات مجموعة دلة البركة، 1977.
7. عائشة المالقي ،البنوك الاسلامية( التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق)، المركز الثقافي العربي، ط1 ، سنة 2000.
8. الفتاوى الشرعية، الجزء الثاني، البنك الإسلامي الأردني، الفتاوى الصادرة عن ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي المنعقدة في المدينة المنورة بتاريخ 17-20 رمضان 1403هجري .
9. محمد بن كرم ابن منظور، لسان العرب،دار صادرن بيروت.
10. عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي،المغني ،الرياض، مكتبة الرياض الحديثة،1401هـ .
11. علاء الدين بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتاب العربي، ط2،بيروت ،1394هـ .
12. يحيى بن شرف النووي، روضة الطالبين، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، قطر.
13. مسلم بن حجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، المكتبة العصرية، صيدا ، بيروت ، سنة 2004.
14. فتاوى المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، المنعقد في دولة الكويت ما بين 6-8 جمادى الأخرى 1403هـ الموافق 21-23 آذار سنة 1983.
15. مصطفى طايل،القرار الاستثنماري في البنوك الاسلامية، مطابع غاشي، طنطا، سنة 1999.
16. محمد صلاح الصاوي، مشكلة الاستثمار في البنوك الاسلامية، دار الوفاء، المنصورة، ط1 ، سنة 1990.
17. عبد الرزاق الهيتي، المصارف الاسلامية بين النظرية والتطبيق، دار اسامةللنشر، الاردن، عمان،ط1 ، 1998، ص 512 .
تم بحمد الله وصلى الله على حبيبه وعبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

منقول للفائدة والله تعالي أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..