التفحيط

( الموت المفاجئ ) ( الموت السريع جدا )  ( الموت منتحرا )



السيارة نعمة من نعم الله ، وأي نعمة .. فكم قضت من حاجة .. وكم أسعفت من مريض .. وكم أغاثت من ملهوف .. فقال سبحانه : ( وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم . والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالا تعلمون ) .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " ويخلق ما لا تعلمون مما يكون بعد نزول القرآن ، من الأشياء التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو ، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم " انتهى كلامه .

في هذا الزمان رأينا كيف يحوّل بعض شبابنا هذه النعمة إلى نقمة .. رأيناهم بالموت يلعبون .. وبالأرواح يغامرون .. وبالأبرياء يضحون .. وللأموال يبددون .


لعبة الموت ( الـتـفـحـيـط ) ظاهرة كثر الحديث حولها لكن سمعنا من مآسيها الكثير والكثير فهي تستحق الحديث عنها حفاظا على شبابنا وممتلكاتنا وأسرنا لذا قسمت الموضوع كالآتي :


أولا / مظاهر التفحيط لدى الشباب .
ثانيا / أضرار التفحيط .
ثالثا / حكم التفحيط شرعا .
رابعا / أسباب التفحيط .
خامسا / العلاج وبعض الحلول لهذه الظاهرة .

أولا : مظاهر التفحيط لدى الشباب :


ماذا يفعل هؤلاء الشباب في الشوارع ؟ وما الذي يدور خلف الكواليس ؟
شاب متهور .. يقوم بحركات قاتلة .. يصوب سيارته إلى مجموعة من الجماهير .. التي اصطفت يميناً وشمالاً .. في الطرقات .. وبعد المباريات .. وعند المدارس والساحات .
يشجعون ويضحكون .. ولكن .. سرعان ما يندمون ويبكون .
ويلقب المفحطون أنفسهم ، أو يلقبهم غيرهم بألقابٍ غريبة .. أحدهم لقب نفسه ليمونة .... العقرب .. فروج .. وآخر يلقب بالـخنزير .. أكرمكم الله ..


ومن العادات السيئة التي ظهرت مؤخراً .. التجمعات والمواكب في الشوارع .. عشرات السيارات تجتمع سوياً وتدور في الشوارع بسرعة واحدة .. وغالباً ما يتقدم المسيرة أو التجمع سيارة أو سيارتان تقومان بالتفحيط أمام الموكب .


ثانيا : أضرار التفحيط :

1/ قتل النفس :


قال تعالى : ( ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة )

فالمفحط وهو يقوم بهذه اللعبة .. يغامر بروحِه التي يحيا بها ..وحواسِّه التي يشعر بها ..وأطرافِه التي يتحرك بها .
في أحد شوارع الرياض .. يقوم أحد المفحطين المشهورين بالتفحيط .. وبعد لحظات تصطدم سيارته بأحد الوايتات .. وفي حادث مؤلم تدخل السيارة تحت الوايت فيموت الشاب في الحال ، وينقل الشباب الذين معه إلى العناية المركزة .

2/ التعدي على الآخرين .. بإتلاف أرواحهم .. وتحطيم أبدانهم .. وترويعهم في طرقاتهم :

كم من رجال ونساء .. وأطفال أبرياء .. تحولوا إلى أشلاء بسبب تهور المفحطين .
كل من يركب مع المفحط ، أو يتـفرج عليه ، أو يسير في الشارع بأمان عرضة لهذا الخطر العظيم .

رأينا شاباً ركب مع أحد المفحطين في أحد شوارع الرياض .. وبدأ التفحيط .. وبسبب السرعة الرهيبة اختل توازن السيارة .. فصارت تزحف على جنبها مسافة طويلة .. ثم اتجهت إلى الرصيف .. صعدت الرصيف .. ثم ارتطمت بقوة بالعمود .. وكانت الضربة من جهة الراكب ففارق الحياة .. أما السائق فنزل ولاذ بالفرار مع رفاقه .

3/ الخسائر المادية في الممتلكات العامة والخاصة بسبب الحوادث الناتجة عن التفحيط :

أيها الإخوة .. هناك أموال طائلة .. وثروات مهدرة .. تنفق سنوياً بسبب تهور المفحطين .
حوادث التفحيط شنيعة .. وآثارها مضاعفة .
ففي أحد الحوادث تصطدم سيارة المفحط بسيارة أخرى ، فترتطم هذه السيارة بثلاث سيارات أخرى تقف على جانب الطريق .. حتى إن السيارات تزحزحت عن مكانها بسبب قوة الصدمة .. وكانت النتيجة تلفياتٍ كبيرةً بالسيارات الخمس

4/ أن التفحيط مفتاح لجرائم متعددة .. من سرقات .. وأخلاقيات .. ومسكرات ومخدرات :

ما إن يدخل الشاب عالم التفحيط .. إلا ويتعرف على مجموعة من المنحرفين الذين يفتـحون له أبـواب الشرور .
يقول أحد المفحطين : كان الشباب يدعونني إلى أشياء كثيرة .. يقولون كيف تفحط ولا تدخن معنا .. كيف تفحط ولا تسكر .. كيف ولا تفعل كذا وكذا .. فكنت أجاملهم ، وأضـع السيجارة في يـدي وأنا في الواقع لا أدخن .
ويقوم بعض مروجي المخدرات بالتعرف على المفحطين .. ويعرضون عليهم الأموال في مقابل إيصال المخدرات .
كما إن كثيراً من المفحطين يقومون بالتفحـيط بسرعات عالية وهـم تحت تأثير المخدرات أو المسكرات .

5/ معاناة أسرة المفحط :

فقد تسبب كثير من المفحطين في معاناة آبائهم وأمهاتهم وأفراد أسرتهم .. إما بسبب كونه مطلوباً للجهات الأمنية .. أو بسبب مراقبة المنزل .. أو بسبب الحوادث المترتبة على قيامه بالتفحيط .. أو بسبب السمعة السيئة التي تلحق الأسرة بفعله .
يقول أحد المفحطين : كانت أمي تبكي خوفاً علي .. والله إنها إذا سمعت صوت الإسعاف بكت وظنت أن الشرطة قادمة للقبض علي .وإذا عدت متأخراً في آخر الليل وجدتها تنتظرني ، لم تذق طعماً للنوم خوفاً علي .لا حول ولا قوة إلا بالله

6/ ما يعيشه المفحط من قلق واضطراب :


قلق خائف .. لا يستقر حاله .. ولا يستطيع أن يجلس في مكان عام خوفا من الأجهزة الأمنية .

7/ تعطيل الحركة المرورية .. ووجود الازدحام .. واختناق السير في شوارعنا .

8/ ما يسببه التفحيط من تجمعات الشباب التي تكون سبباً في الفوضى ، والتعدي على الناس والممتلكات ، وانتهاك الأنظمة .

ثالثا : حكم التفحيط شرعاً :
أفتى علماء المسلمين في هذا العصر بحرمة التفحيط ، فقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء رقم ( 22036 ) في 27/7/1422هـ ما نصه : ( التفحيط ظاهرة سيئة .. يقوم بارتكابها بعض الشباب الهابطين في تفكيرهم وسلوكهم .. نتيجة لقصورٍ في تربيتهم وتوجيههم ، وإهمالٍ من قبل أولياء أمورهم ، وهذا الفعل محرم شرعا ، نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتلٍ للأنفس وإتلافٍ للأموال وإزعاجٍ للآخرين وتعطيلٍ لحركة السير ) .


رابعا : أسباب ودوافع التفحيط :


1/ ضعف الإيمان :

كيف يرضى المسلم حقاً أن يؤذي نفسه أو إخوانه بهذه الأفعال . ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام ( المسلم ـ أي المسلم الكامل ـ من سلم المسلمون من لسانه ويده ) .. فإذا رأيت إنساناً يؤذي عباد الله فاعلم أنه ضعيفُ الإيمانِ والصلةِ بالله تعالى .


2/ حب الظهور والشهرة والإحساس بالنقص :

كثيراً من المفحطين يفتن بالشهرة.. فالشباب يرونه إنساناً محترفاً .. سواق .. ملك الطارة .. فيتسابقون إلى التعرف عليه .. وهذا يجعله يدمن على التفحيط ولا يقلع عنه .
هذا شاب عمره سبعة عشر عاماً موقوف في دار الملاحظة يقول :
أفحط لتشتهر سمعتي عند الشباب .. ويعرفوا أني سواق .. فقمت بسرقة سيارة ، وبعد قيامي بالتفحيط بها تم القبض علي .


3/ الفراغ :


شباب .. يتسكعون في الأحياء .. ويجوبون الشوارع بلا مهمة .. وبلا هدف .. هذا هو حال كثير من المفحطين ..
الفراغ نعمه حولها بعض الشباب إلى نقمه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ } [أخرجه الإمام البخاري].


4/ تقليد ومحاكاة رفقة السوء :

وهذا أمر بارز في حياة المراهقين .. حيث إن كثيراً من السلوكيات الخاطئة ، إنما يكتسبها المراهق من طبقة الأقران .
وأشير هنا إلى قضية التحدي الذي يقع بين الشباب .
فهذا أحد الشباب يقول : كنت أسير بسرعة مائة وتسعين كيلو متر .. فتحداني أحد الشباب أن أفحط بهذه السرعة ( منتهى الجنون) .. يقول : قبلت التحدي ، ومع أول محاولة انكسر العكس وانقلبت السيارة .. وبعد الحادث ، لم أستطع الخروج لأن الحديد قد التف علي بسبب الصدمة .. أمضيت لحظاتٍ مخيفة داخل السيارة.. كنت أنتظر احتراقَ السيارة أوانفجارَها في أية لحظة .. حتى حضر رجال الأمن ، فقصوا الحديد وأخرجوني .. ولكن مع كل أسف .. توفي أحد الشباب الذين كانوا معي .


5/ ضعف رقابة الأسرة .. وغفلة كثير من الآباء عن أبنائهم :

فبعض الآباء ينتهي دوره بشراء السيارة لولده .. فلا يكلف نفسه متابعةَ سلوك الولد .. ومنعَه من السيارة إذا أساء استخدامها .



6/ بعض ما يعرض في وسائل الإعلام والاتصال والألعاب الإلكترونية :


يتأثر كثير من الشباب بأفلام المطاردات والعنف التي تعرض في بعض القنوات .. فيحاول الشاب تقليدَ الحركات التي يشاهدها في الفيلم .
كما ينتشر بين الشباب أفلام فيديو لمشاهد تفحيطٍ مسجلةٍ من شوارعنا عبر الكاميرات .. وهذه الأفلام ، قد يشاهدها الشاب في باديء الأمر لمجرد التسلية .. لكنها سرعان ما تثير في نفسه الرغبة في التفحيط .


7/ الغنى والترف :
كثير من الشباب لا يَقْدِر هذه النعمةَ .. أعني السيارة .. ولا سيما إذا كان قد حصل عليها بسهولة دون كد . يعني اكيد هديه من الوالد .


8/ العلاقات الشاذة .. ومحاولة بعض الشباب لفتَ انتباه الأحداث :

فبعض الشباب يقوم بالتفحيط ليلفت انتباه شاب من الاحداث وسيم ليستدرجه لعلاقة حب شاذة او لفعل الفاحشة والعياذ بالله . ولهذا يكثر التفحيط عند المـدارس .. وفي تجمـعات الشباب .



خامسا : العلاج وبعض الحلول لهذه الظاهره :


1/ لابد من رفع الوعي بين الشباب .. والتذكير بأضرار هذه الظاهرة .

2/ التفحيط ظاهرة جماهيرية في الغالب
.. فالشباب المتجمهرون المتفرجون .. عليهم جزء من المسؤولية والإثم فيما يحدث من المآسي بسبب التفحيط .
أخي الشاب .. إنك بتجمهرك تغري المفحط بالاستمرارِ في التفحيط من جهة .. وتعرض نفسك للتلف من جهة أخرى . فانت بيدك العلاج بعد الله ابتعد عن ساحات التفحيط حتى ننتهي من هذه الظاهره .

3/ على الآباء دور كبير في التصدي لهذه الظاهرة .. في حسنِ تربيتهم . ومراقبتِهم سلوك أبنائهم .. وعدمِ تمكين الصغار منهم من قيادة السيارة ، فإن كثيراً من الآباء يشتري الموت لأبنائه وهو لا يشعر .

4/ على الجهات الأمنية دور كبير في التصدي لهذه الظاهرة ..
فوصيتي إليهم بذل المزيد من الجهود المباركة .. وتكثيف التواجد في الساحات والاجتماعات ..وعدم التساهل أو المجاملة في تطبيق العقوبات .. وعدم دخول الواسطه في مثل هذه الامور ..

5/ نناشد القائمين على الإعلام في بلاد الإسلام أن يتقوا الله في أبنائنا ..
وأن يقوهم شر هذه الأفلام .. التي تعلم العنف والإجرام .. وأن يكون للبرامج الإذاعية والتلفزيونية والصحافة دور فعال في التصدي لهذه الظاهرة .

6/ لمدارسنا دور كبير في التصدي لهذه الظاهرة .. برفع الوعي بين أبنائنا .. ومتابعتهم وتقويم السلوكيات التي تصدر ممن يقومون بهذه الظاهرة .. والتعاون مع الجهات المختصة للقضاء عليها .

7/ لابد من احتواء أوقات الشباب .. وامتصاص طاقاتهم في النشاطات النافعة ، أو البرامج الترفيهية البريئة .. عبر المراكز والمخيمات والملاعب وغيرها