السبت، 12 نوفمبر 2011

ردا على مقالتها الأخيرة عن تفسير الأحلام


أهل الدين لم يقصروا يا حصة آل الشيخ


المحامي / أحمد الودعاني

كما نشر في مجموعة عبدالعزيز قاسم البريدية

الحمد لله القائل ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) والصلاة والسلام على النبي القائل (الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة ) وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار الذين اتبعوا سنته واقتفوا أثره و على من جاء بعدهم ممن اتبعهم وأحبهم وليس في قلبه غلا عليهم إلى يوم الدين .
أما بعد

فتعليقا على رأي الكاتبة حصة آل الشيخ - وفقنا الله وإياها لما يحب ويرضى وهدانا وإياها سواء السبيل – والذي نشرته جريدة الرياض يوم الخميس 14/12/1432هـ ، ونشر أيضا في مجموعة عبدالعزيز قاسم البريدية بنفس التأريخ ، وبعد قراءته (بتجرد) كما طلب الدكتور عبدالعزيز قاسم ولأن التجرد هو الأصل أقول مستعينا بالله :
1-   أتفق معها في أن تفسير الأحلام والرقية الشرعية تحولت إلى تجارة بل وأصبحت مهنة من لا مهنة له ومنصب من لا منصب له ، فكثيرا ما أجد من يكتب أمام اسمه مفسر الأحلام والراقي الشرعي وهو ليس من أهلها ، وحين تأملت في حال علماء الأمة سواء في القرون المفضلة أو ما بعدها لم أجد من كان يسمى بالراقي الشرعي أو مفسر الأحلام لأن التفسير ليس علما مستقلا بذاته بل هو مزيج من الفراسة والذكاء وفهم كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام والاطلاع على الشعر والحكمة وواقع الناس بل ولهجاتهم ، وقد يُدخل البعض استشكالاً على ذلك بأن التفسير موجود قبل الإسلام واشتهر في بعض العصور كما في عصر نبي الله يوسف عليه السلام فلا يُذكر تفسير الأحلام وتأويلها إلا وتسبق إلى الذهن قصة يوسف مع أبيه و إخوته (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)  و(هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) وقصته مع الغلامين وعزيز مصر (ودخل معه السجن فتيان) و(نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) ، فأقول إن الإسلام حين جاء أقر بعض ما سبقه سواء مما صح نقله إلينا من الأديان السابقة أو مما وجده من العادات النافعة كما أبطل الكثير منها وجاء بما يلغيها ويحل محلها ، فإن كان تفسير الأحلام ليس مختصا بهذه الأمة فالصلاة ليست مختصة بهذه الأمة والحج كذلك لكن لكل أمة صلاة وحجا غير الأمم السابقة ، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا والمطعم والمشرب ، وبالتالي فإنه سيكون لهذه الأمة في تفسير الأحلام قواعد وضوابط تختلف عن الأمم الأخرى في جوانب وإن وافقتها في جوانب أخرى أو في التسمية .
2-   وأتفق معها أن موقف العلماء والجهات الشرعية الرسمية بل والموقف الحكومي حيال تفسير الأحلام والرقية الشرعية موقف (سلحفاوي) إن صح التعبير ، وللاستدراك فهم على الرأس والعين وفي القلب نتقرب إلى الله بحبهم والدعاء لهم وأخذ العلم عنهم لكننا لسنا كالشيعة يرونهم معصومين لا يخطئون ولا يقصرون ، ونحسن بهم الظن فنقول أن التأخر في حل هذا الموضوع إنما هو بسبب كثرة المشاغل والاهتمام بما هو أكبر وأهم من أحداث ومستجدات ومع هذا فلا يعفيهم ذلك من المسؤولية أمام الله ثم أمام المسلمين والبشرية عموما فدين الإسلام جاء (هدى للناس) (رحمة للعالمين) (تبيانا لكل شيء )  ليخرج الناس من الظلمات إلى النور (ويهديهم إلى صراط مستقيم) ، ونشر الدين وتبيينه وتوضيحه وتصحيح المفاهيم الخاطئة حوله وإيقاف المتطفلين عليه وتبيين جهلهم وضلالهم وتحذير الناس مما أحدثوا وتنقية الدين مما ينسب إليه ؛ كل ذلك وغيره من مهام العلماء وإن كانوا قد قاموا به وأدوه فإننا نطلب منهم المزيد بقدر ما يتنامى الجهل ويزيد ، وأجدها فرصة لطلب الإسراع في تنفيذ توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله حين وجه بفتح فروع لهيئة كبار العلماء في جميع مناطق المملكة تضم علماء من المذاهب الأربعة يضطلعون بنشر العلم ومحاربة البدع والمحدثات وإيقاف الدخلاء والمغرضين والمتطرفين يمنة ويسرة لردهم إلى الوسطية والاعتدال ، كما أقترح فتح المجال للهيئات الشرعية المستقلة ودعمها من قبل أصحاب الأموال لإثراء الساحة الشرعية بالبحوث ومواجهة التحديات المعاصرة والاجتهادات الفردية الشاذة وفتح المجال للناس بأن يستفيدوا من بعض المغمورين من العلماء الكبار من آثروا البقاء بعيدا عن الأضواء ، فإن كانوا قد اختاروا لأنفسهم ذلك ورأوه الأصلح فإن الأصلح للأمة هو في إبرازهم وإخراجهم للناس وفتح المجال للأمة أن تجد إليهم سبيلا .
3-   وأتفق معها في أن مثل هذا التفسير يحسب على المتدينين والمشايخ بل ويفتح بابا للمصطادين في الماء العكر أن ينسبوا أفعال هؤلاء إلى الدين والدين منهم براء ، ولكن وللأمانة أعلم أن كثيرا من العلماء تحدثوا عن هذا الأمر وبينوا أن هناك من يفسر بعلم وعن علم وهناك من يتسور المحراب ويحرف آي الكتاب ، كما بينوا أنه حتى من يفسر من أهل العلم قد يصيب في التفسير ويخطئ وقد يصيب في جزء من الرؤيا ويخطئ في جزء آخر كما حدث مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين قال له النبي عليه الصلاة والسلام (أصبت بعضا وأخطأت بعضا) ، وربما يقول قائل لماذا لا نعتبر هذا الخطأ والشذوذ في تفسير هذا المفسر حين ربط زواج فتاة باعتزال لاعب - إن تأكدت القصة – كخطأ من يخطئ في الفتوى ويشذ ويقول بجواز الدخول على النساء و فلي الرأس والاختلاط في العمل والتعليم ويقول بجواز المعازف  فتطبل له الصحف وتعتبره مجددا وتنشر ما قال بالتفصيل بل وتجري معه المقابلات والاتصالات وتنشر سيرته ويفتح له المجال في الصحيفة متى شاء بما شاء ليقول ما يشاء ، بينما يقفل المجال ويوصد الباب أمام العلماء - الذين نادتهم أختنا الكاتبة حصة وردت اللوم عليهم - حين يريدون تبيين جهل أولئك المتطفلين على الفتوى والرد عليهم؟ ولو تركت لي الإجابة سأقول : ربما لأن تلك الفتاوى الشاذة توافق توجه الصحيفة وفكر القائمين عليها ، وربما وقفت الصحيفة ضد من يجد من العلماء وسيلة إعلام حرة تنشر رأيه ضد هؤلاء الذين يتطفلون على الفتوى وقد تتجاوز الصحف ذلك فتقدح في هؤلاء العلماء وتستعدي السلطة عليهم وتشكك في نواياهم وتفسر كلامهم وتنقله مبتورا منزوعا من السياق ، وأنا لا أقول هذا دفاعا عن أحد لكن للحث على الإنصاف مع الجميع والالتفاف حول الحق والصواب والترفع عن التوجهات والاصطفاف ، فالحق أحق أن يتبع والصواب أولى بالاصطفاف معه ومع أهله حتى ضد الأقربين والأحباب فضلا عمن نتفق معهم في غالب فكرهم ، وقد ضرب العلماء في ذلك أروع الأمثلة حين يرجحون قول المذهب الآخر على ما جاء في مذهبهم اتباعا للدليل وتأكيدا بأنهم لا يتبعون إلا الرسول عليه الصلاة والسلام وما صح لديهم مما جاء به حتى لو خالف قول من يحبون أو ما كانوا يقولون به سابقا فلما بلغهم الدليل تركوا ما كانوا عليه قبل ورجعوا إلى الدليل على حد قول بعضهم ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) و ( إذا خالف قولي قول صاحب هذا القبر فاضربوا بكلامي عرض الحائط ) .
أعود فأقول من الإنصاف أن لا ينسب ما يفعله السفهاء والجهال والمتدينين شكلا بـ(لحية) - كما تقول الكاتبة - إلى الدين ، فهل يصح أن ينسب تضييع لاعب كحسين عبدالغني لفرصة ذهبية إلى أن فريقه بلاعبيه وطاقمه وإدارته فاشل أم يكفيهم إذا سئلوا أن يقولوا ضاعت فرصة ذهبية وإن شاء الله نعوضها في المرات القادمة ، ومثل ذلك حين يقع مثل هذا التفسير للأحلام بما يكون فيه ضرر على الرائي أو الرائية أو بعض المتلقين فإنه يُرفع الحرج عن العلماء إذا قاموا ببيان أن مثل هذا التفسير غير صحيح وأن على هذا المفسر أن يتقي الله في التفسير وأن يقول لما لا يجد له تفسيرا لا أعلم وأن يتبع الهدي النبوي في ذلك فقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عائشة رضي الله عنها أنها فسرت لامرأة بأنه يموت زوجها وتلد ولدا فاجرا فبكت المرأة ودخل النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته بأمرها فقال لها (إذا عبرتم للناس فاعبروا على خير) ، ولا يعني هذا أن نكيف التفسير كما نشاء بل يعني أن ندل الرائي على ما قد يدفع عنه شر الرؤيا بما فصله النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر يقول فيه (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا ، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا ، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ) وفي رواية ( الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره ) فمن دل الرائي على هذا الحل والعلاج النبوي فإنه قد أبرأ ذمته حتى لو لم يفسر الرؤيا ، وهذا إن كفى في علاج مثل هذا الموقف فإنه لا يفي ولا يكفي في تبيين الحق للناس ولا يغني عن محاربة هذه المظاهر والوقوف ضد أصحابها وضبط هذا الأمر بالتواجد في الميدان وتعليم الناس والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم وإيجاد برامج وندوات ولقاءات ومحاضرات توعوية واجتماعات دورية لدراسة مثل هذه الأمور والنظر فيما وصلت إليه وما طرأ عليها وما جد فيها وعمل البحوث فيها وعنها .
4-   أما وقوفها ضد تفسير الأحلام جملة وتفصيلا وقولها (ما الفرق بين هذا الدجل – تعني تفسير الأحلام - وقراءة الطالع والفنجان، إنها واحدة المضمون متحدة الهدف، وما كانت قصة رؤيا يوسف عليه السلام إلا تحقيقاً لهدف إلهي،ألهمه الله لنبيه، وهو محض إلهام إلهي لا يمكن أن تطبق عليه قوانين علمية ممنهجة وموضوعية( فهو ما لا أوافقها عليه لأنها بعد أن استغاثت بالعلماء لعلاج هذه المشكلة لم تترك لهم المجال لعلاجها بل أدلت برأيها في موضوع تقول أنها فيه من العوام وهذا من الاعتداء على التخصص بل واستشهدت بكلام قينان الغامدي ولا أدري هل تعده من العلماء أم من العوام ؟ ولو أنها استشهدت بكلام عالم شرعي حول الموضوع لهان الأمر وقلنا مسألة خلافية بين العلماء لكنها اكتفت كما تقول بمقال الزميل قينان فهو مرجعها الوحيد في هذه المسألة ، ولإزالة اللبس الذي حصل أقول لها متسائلا : إذا كانت رؤيا يوسف عليه السلام كما تقولين ما هي إلا تحقيق لهدف إلهي ألهمه الله لنبيه أو هو محض إلهام لا يمكن أن تطبق عليه قوانين علمية ، فماذا عن رؤيا الغلامين وماذا عن رؤيا عزيز مصر ؟ وماذا عن الرؤى التي فسرها النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة والتي فسروها بين يديه ؟ وماذا عن قول الله تعالى (لهم البشرى في الحياة الدنيا ) وقول المفسرين فيها أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له ؟ وماذا عن تبويب أصحاب الصحاح والسنن والموطأ بأبواب خاصة في كتبهم عن تفسير الأحلام وتأويلها (باب تعبير الرؤى ) (باب في تأويل الرؤى) (باب ما جاء في صدق رؤيا المؤمن) (باب رؤيا المؤمن جزء من 46 جزء من النبوة) وغيرها كثير ؟ وكنت أتمنى منها أن توسع المسألة بحثا ، قبل أن توسع العلماء توجيها وحثا ، وأن يكون البحث بتجرد لتخرج بخلاصة تفيد الناس وقبل ذلك ترضي الله الذي رضاه غاية تدرك إن كان رضا الناس لا يدرك ، أما الفرق بينها وبين الطالع والفنجان فلأنه جاء في القرآن وصحيح السنة ما يدل على تفسير الأحلام وتأويلها والسؤال عنها وتفسير النبي عليه الصلاة والسلام لها وتفسير بعض أتباعه لها واستفاض الأمر بين الصحابة والتابعين وتابعيهم والأمة كلها إلى عصرنا هذا ، أما الفنجان والطالع والكف فهات ما يسندها ولو حديثا ضعيفا ، فهل تبين الآن الفرق بينهما ؟ .
5-   إن كان تخصيص أكاديمية لتعليم تأويل الأحلام والرقية مبالغة وتطرفا ويؤثر سلبا على المجتمع كما تقول الكاتبة فإن محاولة تشكيك الناس في تفسير الأحلام وأنها لا فرق بينها وبين والتنجيم والفنجان والكف ليعد تطرفا ومبالغة في الجهة المقابلة تؤثر سلبا على المجتمع ربما بما هو أشد ، لأن الأول اجتهد في أمر له أصل شرعي ورأى أن المصلحة تقتضي التصدي لهذا الأمر والعناية به لأنه يمس اهتمام الكثير من الناس فكل الناس ينامون وكثير ممن ينام يرى في منامه أحلاما إن لم يرها اليوم يراها غدا وبعضها يزعج الرائي فيود معرفة تأويله ليرتاح ومنها ما يفرحه فيود الاستبشار بمعرفة تفاصيله ومعناه ، بينما هي تحاول أن تلغي أمرا شرعيا وتعطل أدلته من الكتاب والسنة وفعل سلف الأمة وعلمائها في كل العصور ، فأيهما أولى بأن نستنجد بالعلماء ليقولوا له اتق الله ويبادروا لمناصحته وتوجيهه وإن أبى فبتبيين ما وقع فيه من خطأ وخلل ووهم حتى لا ينخدع الناس بطرحه وسوء فهمه .
6-   وأشترك أنا وهي في النداء إلى العلماء والمسؤولين عن هذا الأمر لكن هي تريد إلغاء هذا الأمر وأنا أريد أن يولى هذا الأمر العناية الكافية تعلما وتعليما وبحثا ودراسة والاهتمام به ضمن منهج الحديث في الجامعات بما فيه الكفاية ، لأنني أجزم أن سبب انتشار هذه الخزعبلات والمصائب من جهة تفسير الأحلام وجهة الرقية إنما نشأت من عدم الاهتمام بها بالشكل المطلوب ولو وجدت حظها من التعليم والتدريس لخفت المشكلة لأن أي علم يشبع بحثا وتعليما وتعلما يقل فيه الدخلاء لأن بروز الجهال وتصدرهم والتفاف الناس حولهم لا يظهر إلا إذا قل العلم وفشا الجهل ، ولذلك فإن علاج هذا المعضلة هو بنشر العلم الصحيح واجتماع الجهات الحكومية والشرعية العليا بالممارسين في هذا المجال وتدارس المواضيع ومناقشتها مناقشة علمية بهدف التصحيح والتطوير وتقديمها بالصورة الصحيحة ، أما محاربة تفسير الأحلام والرقية بهذه الطريقة التي تدعوا إليها الكاتبة حصة آل الشخ فأجزم أنها ستحدث ردة فعل وتفتح مجالا للجهال وأنصاف المتعلمين والمتعالمين وتجار الوهم ، وأجزم أن هذا السبب هو الذي جعل الدكتور يوسف الحارثي يفكر في فتح أكاديمية مختصة في هذه الجزئية مع أنه يكفي أن يضاف المنهج إلى بعض سنوات الدراسة في الجامعة ويعطى شيئا من العناية والاهتمام ، وقد اتصلت سلفا بالدكتور يوسف وسألته عن سبب فتح أكاديمية في هذا المجال فقال لي أن هدف الأكاديمية هو تطوير المفسرين الموجودين ومعالجة الأخطاء التي لديهم و ليست لتعليم من يجهل هذا العلم ليصبح مفسرا أو راقيا  وإنما هي لنشر ثقافة التعامل مع الأحلام والرقية بما ورد في الكتاب والسنة وما ثبت عن سلف الأمة فليس بالضرورة أن يتخرج من درس فيها مفسرا أو راقيا لكنه سيصبح فاهما في هذا المجال مطلعا على ما جاء فيه وبالتالي لن يقدر تجار الوهم وأدعياء التفسير والرقية الضحك عليه والتلاعب بعواطفه أو أخذ ماله .
7-   أما قولها : ( أكثر الاتصالات على هذه البرامج نسوية، وليس ذلك بغريب؛ فكلما كان الخناق أضيق على الشخص، ودائرة الاعتقال أوسع كان البحث عن المفر أكبر، فالتضييق على النساء يجعل البحث عن المخلِّص - ولو بالوهم- من قائمة السجانين وتكالب القيود أكثر، كونهن يحلمن يوماً بفك قيد، أو فتح باب معتقل أحد سجون الضمير والحق والإنسانية(
فأقول : نعم ، أكثر السائلات عن الأحلام من النساء ، ولكن ليس للسبب الذي ذكرته وأشارت إليه من أن النساء مسجونات ويطمعن في الخروج من السجن وفك القيود ، لأن هذا السبب الذي ذكرته إنما هو استنباط منها بما وافق تفكيرها ورغبتها وهواها وما تتمناه وتحث عليه من تحرير المرأة من سجن المجتمع الذكوري وفك قيودها التي يفرضها عليها المجتمع المتدين والعادات والتقاليد والأعراف وهو الموضوع الذي تكتب فيه وعنه ومنه وإليه فقد تشبعت به وأصبح هو حدود تفكيرها وتفسيرها لما يعرض لها ، ولهذا أعجب ولا ينقضي عجبي حين تقول أن النساء أكثر من يتصل على برامج تفسير الأحلام بسبب الرغبة في فك القيود والخروج من السجن ، بينما هي تعلم ونعلم جميعا أن النساء هن الأكثر في كل شيء فهن أكثر من يتصل ببرامج التلفاز عموما الأحلام منها وغير الأحلام وأكثر من يتصل ببرامج السحر والشعوذة ومعرفة المستقبل والأبراج وأكثر من يتصل على برامج المسابقات ويشاهد القنوات وأكثر من يرتاد المستشفيات وهن أكثر من يتواجد في الأسواق وأكثر من الرجل في الإنفاق عند حضور المناسبات والحفلات وأكثر من يتصل ببرامج الفتاوى ويشارك في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي لكن للعلم ليس هذا في السعودية فحسب بل هو في كل العالم وبهذا يسقط السبب الذي ذكرت الكاتبة أنه وراء كثرة اتصال النساء ببرامج الأحلام لتصل من خلاله إلى أن المرأة السعودية مظلومة مكبوتة مقيدة ومسجونة وكأنه لا يتصل على هذه البرامج إلى المرأة السعودية ، والحقيقة أن السبب في ذلك هو طبيعتها العاطفية وحبها للتفاصيل وخوفها من المستقبل واهتمامها بأن تظهر بالشكل الأفضل والأجمل كما أن المرأة هي الأكثر تأثرا بالدعاية والتسويق والتشويق ومن المعلوم أن القنوات تبني الكثير من برامجها على التشويق والتأثير والتسويق والإثارة ، وأجد تفسيرا آخر لكثرة اتصال النساء بتفسير الأحلام وبرامج السحر أو التوقعات كما تسمى استخرجته من خلال سماعي لأسئلتهن وطرحهن ومخاوفهن وهو أن غير المتزوجة تنتظر بشارة بالزواج والمتزوجة تتخوف من زواج زوجها عليها أو حبه لسواها وغير الحامل تنتظر بشارة بالحمل والحامل تنتظر البشارة بالمولود الذي ترغبه والمتخرجة تنتظر الوظيفة والموظفة تنتظر الترقية والتي بينها مشكلة هي وزوجها أو أهله أو امرأة أخرى تريد الانتصار والتفوق عليهن ، والله أنها سألتني امرأة غير سعودية تقول اليوم سنتجمع في بيت العائلة وأخوات زوجي يكرهنني ويتحالفن مع زوجات إخوانهن الآخرين ضدي فما هي الطريقة التي أحرق أعصابهن بها وأجعلهن يذقن المر دون أن أقول شيئا لأنني لا أستطيع المواجهة !!!
8-   وأخيرا ، أستنكر استنكارها حين قالت (أستنكر سكوت أهل الصلاح والدين، بل ودفاع بعضهم عن استمرار مسلسل الدجل ونشر الخرافة والخزعبلات، وهم يعلمون أن التعلق بغير الله في رجاء أمر، أو دفع ضرّ هو الشرك بعينه، إذ يمس عقيدة المؤمن بالله ويشكك في قادر سواه على كشف الغيب ومعرفة المستقبل الذي يتم التلاعب حوله بجملة "والله أعلم" الجملة الختامية التي تظهر الإيمان باللسان، فأين منه إيمان الجنان؟!!)
أهل الدين والصلاح لم يسكتوا وإن كان قد قصر بعضهم ولم يعطوا الموضوع حجمه الحقيقي وكذلك لم يسارعوا في غربلة الموضوع وتصفية الغث من السمين والطيب من الخبيث ، وحتى لا أكرر فقد أشرت إلى ذلك في الفقرة (2) كما أشرت في الفقرة(3) و (4) و(5) و (6) إلى التفريق بين تفسير الأحلام المبني على الكتاب والسنة وكلام علماء الأمة وبين ما يفعله بعض الجهال وتجار الوهم ، وبينت أن مشكلة كثرة الدجالين والمتعالمين إنما نشأت من التقصير في الاهتمام بتأصيل هذا العلم والعناية به وإشاعة الثقافة الصحيحة لتفسير الأحلام والرقية حتى نقفل الباب أمام المتنفعين الباحثين عن الشهرة والمال والجاه كما أقفلنا الباب أمام أصحاب الفكر المتطرف الذين وجهوا أسلحتهم للداخل بنشر العلم والفهم الصحيح لمعنى النصيحة ومعنى الدعوة والجهاد والتدين ، وأما قولها (وهم يعلمون أن التعلق بغير الله في رجاء أمر، أو دفع ضرّ هو الشرك بعينه ، إذ يمس عقيدة المؤمن بالله ويشكك في قادر سواه على كشف الغيب ومعرفة المستقبل) فأقول ليس في سؤال مفسري الأحلام ما يجعل السائلين يتعلقون بغير الله وليس فيه توسلا بهم لجلب خير أو دفع ضر ، لذا فإنه لا يمس عقيدة المؤمن إلا ما ثبت بالكتاب والسنة أنه يمسها وقد ثبت بالكتاب والسنة وجود تفسير الأحلام ، بل إن التشكيك فيما جاء في الكتاب والسنة هو الذي يمس عقيدة المؤمن ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الناس وخلق الأحلام وهو الذي علم الناس تأويلها وتفسيرها والرسول عليه الصلاة والسلام بينها ووضحها وأذن للصحابة أن يعبروا الرؤى بين يديه وكان بعد صلاة الصبح كما ثبت عنه يقول للصحابة (من رأى منكم رؤيا) ، ومن هنا نقول إن القرآن والسنة التي أخبرت بأن الغيب المطلق لله وأن من يدعي علم الغيب كافر هي التي جاءت بتفسير الأحلام وتأويل الرؤى بضوابط (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)؟ ، فالغيب المطلق لله سبحانه وتعالى وهناك ما يسمى بالغيب النسبي فعلماء الفلك يخبرون بتقلبات جوية بناء على توقعات ورصد ومتابعة فبعضها يصيب وبعضها يخيب ، وكذلك علماء الطب بناء على معطيات معينة يحددون المرض الذي في جوف الإنسان وهم لا يرونه ليس هذا في الطب الحديث فحسب بل حتى في الطب القديم ، ومثلهم من يفسر الأحلام تأتيه رؤيا لها دلالات وتحوي رموزا فيفسرها تارة يصيب وتارة يخطئ ، وهو حين يقول الله أعلم لا يبرئ نفسه وإنما يرد العلم لله وأن هذا ما تبين له من خلال الرؤيا بل وتعني هذه الجملة أن ما فسره قد يكون صحيحا وقد يكون خاطئا ، وأضيف على سبق أن ذكرته من الفروق بين تفسير الأحلام والكف والفنجان أن ذلك يجزم بهذه القراءة ولم يتلقاها لا من كتاب ولا من سنة ولا يرد العلم في نهاية كلامه إلى الله ، أما المفسر فإنه تلقى من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ومن علماء الأمة ويرد العلم في نهاية تفسيره إلى الله وأن ما فيه من صواب فهو من الله وما فيه من خطأ فهو من نفسه وجهله .
وختاما أسأل الله أن ينفعنا بما نقول ونكتب ونسمع ونقرأ وأن يوفقنا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

وكتبه المحامي / أحمد الودعاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..