الأحد، 18 ديسمبر 2011

المقال الذي هزّ قصر الناصرية 1961

يناير 1961: المقال الذي هزّ سراي الناصرية

ع ق  1036
محمود صباغ




سراي الناصرية بالرياض – قصر جلالة الملك سعود
في 6 يناير 1961 أصدر الملك سعود مرسوماً ملكياً بإنشاء مجلس التخطيط الأعلى دفعاً لسياسة الإنماء الاقتصادي التي درجت عليها حكومة سعود الجديدة (الحكومة الشعبية). كان إعلام المُعسكر المقابل يقابل القرارات الجديدة بدعاية مضادة تعلو أو تخفت، لكنها وصلت الى ذروتها فيما  جاء في افتتاحية عكاظ التي كتبها أحمد عبدالغفور عطار (العدد 33)، في 14 يناير 1961، مُتهماً الملك سعود بالشيوعية !

ويروي أحمد عبدالغفور عطار في مذكراته الصحفية المخطوطة، دور خصمه حمد الجاسر، في تأليب قصر الناصرية على مقاله. “فما كاد عدد عكاظ يصل الى الرياض .. حتى رقص طرباً، وأسرع الى الشيخ عيد بن سالم أقرب المقربين الى الملك سعود، ومكث في غرفة الانتظار وطال به، فكتب ورقة ذكر له فيها أنه “جاء لأمرٍ هام غاية في الخطورة”، وأن أحمد عبدالغفور عطار، كتب مقالاً بجريدة عكاظ، ينتقد المرسوم الملكي الخاص بالتخطيط، ويتهم الملك بالشيوعية، وبعث الورقة الى عيد بن سالم، فأدخله واختصر معه، ثم خرج عيد بن سالم عجلاً ووجهته القصر الملكي”، كما يروي العطار.

لقد علِم العطار بمضمون اللقاء من عبدالقادر جزّار، الذي كان حاضراً بغرفة الانتظار.

مضى عيد بن سالم الى القصر الملكي، وكان الملك في اجتماع مع الأمراء، ومن ضمنهم الأمير طلال بن عبدالعزيز وزير المالية، وعرض عليهم عكاظ ومقال العطار في مجلس التخطيط.


كان مقال العطار قد احتوى على اتهامات صريحة تمس الملك سعود وسياسة مُعسكره: “ان التخطيط من الكلمات التي أصبحت شعاراً لمن يسيرون في الطريق الماركسي”، بعد أن يسند رأيه بقرائن قانونية، تعترض على تداخل السلطات وإطلاقها في يد الوزراء: “واشتغال الوزراء بعضوية المجلس الأعلى تتيح لهم أن يخطوا خطوات سريعة، فكل وزير من هؤلاء مزحوم الوقت بأعمال وزارته .. فوزير المالية – مثلاً – سيشترك في البحث والدراسة والتنقيب، ثم يشترك مع مجلس الوزراء، ثم ينفذ كوزير مسؤول، ثم يراقب؛ فهو الدارس، وهو المراقب، وهو المُنفذ”.

وثار سراي الناصرية، وغضب الملك سعود غضبة شهيرة وسط جمع الأمراء والوزراء، جرّاء الاتهام الذي ساقته عكاظ.

وكان من الحاضرين السيّد أحمد عبيد (كان وقتها نجم الصحافة الأوحد، وصاحب الزاوية اليومية المُلتهبة والشهيرة؛ صوت الشعب).. ووَقف أحمد عبيد، بشجاعته المعروفة، يُدافع عن العطار، ويذكّر بوطنيته وإخلاصه، وأنه صاحب خُلق ودين.. فـ”خف الهياج، ورأى الملك والأمير طلال الذي كان المُسيطر على الملك والحكومة أن يُقابلني السيد أحمد عبيد ويتفاهم معي”، كما يروي العطّار.

واتصل القصر بالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، وأبلغها سخطها على العطار ومقاله، التي أرسلت بدورها برقية تطلب فيها الى العطار سرعة مقابلة المدير العام للإذاعة.

قابَل العطار المدير العام للإذاعة الأستاذ جميل الحجيلان في 20 يناير، وتحدث معه، ونقل اليه غضب القصر عليه، فسأله العطار عن العمل؟ .. فطلب منه الحجيلان كتابة بيان توضيحي ينشره في عُكاظ، ليتوسط من بعدها له عند الملك .. ويعترف العطار أن موقف الحجيلان منه “كان موقفاً كريماً”. وجاء السيّد أحمد عبيد الى منزل العطار مبعوثاً من جلالة الملك والأمير طلال ليخبره أمرهما بالشخوص معه الى الرياض لمقابلة كلاً من الملك والأمير طلال .. كان عبيد كما يصفه العطار “آية في النُبل والكرم والإباء والخلائق الفاضلة، وسيّد من حمل قلماً في هذه البلاد”.

وجاء بيان العطار الاعتذاري، في عكاظ، في اليوم التالي، (العدد 34) بتاريخ 21 يناير 1961م، حاسماً بعدم “تعمد الإساءة” – أعمل فيه العطار “فذلكته” و”مراوغته” اللغوية مُعتبراً أن “ما أبديته حول كلمة التخطيط كان وقفاً على الناحية اللغوية البحتة، وهو رأي قابل -ككل الآراء- لأن يوصف بالصواب، أو يوصم بغيره”.

سافر العطار الى الرياض، والتقى الأمير طلال أولاً في مكتبه بوزارة المالية، في حضور السيد أحمد عبيد، والشاعر حسن القرشي الذي كان يعمل وقتها في وزارة المالية.

قال الأمير طلال: “الواقع أن مقالك مجلس التخطيط الأعلى قد أهاج الملك والقصر وكل الأمراء، وأُصارحك أنني كنت أشد أسباب هياجه، وبلغ غضب الملك حداً لا يُوصف، لولا السيّد أحمد عبيد الذي وقف يُدافع عنك دفاعاً مجيداً، وهو وحده الذي وقف مدافعاً عنك، وقد اقتنعت بدفاعه فدافعت عنك”.

ثم أردف الأمير طلال: “أتظن أننا نحن الذين ابتكرنا  استعمال كلمة التخطيط؟ كلا، إن العهد الماضي (يقصد وزارة الأمير فيصل) هو أول من استعمل لفظة التخطيط. ان فيصل أول من استعملها، وأنت راضٍ عن فيصل كل الرضا”. وقد اتجه الامير طلال نحو القرشي قائلاً له: “هات المُعاملات التي وردت فيها كلمة التخطيط في عهد فيصل” .. وهمّ في استعراضها أمام العطار.

يذكر العطار انه في مساء يوم اللقاء اتصل به على غرفته بالفندق عبدالغني آشي وهو أحد منسوبي وزارة المالية ومن جلساء الأمير طلال، والتقاه، فعرض عليه رغبة الأمير في أن يكون شريكه في جريدة عكاظ، مُقدماً خطة توسعية، في تحويلها الى صحيفة يومية، وافتتاح مكاتب لها في الرياض وبيروت، اضافة الى مبلغ شهري مقطوع للعطار يصل الى خمسة آلاف ريال، مقابل تدخل الأمير في سياسة الصحيفة، واختيار المُحررين.. يروي العطار “لكني اعتذرت للآشي، وحاول معي كثيراً أن أقبل عرض سموه، ولكني اعتصمت بالاعتذار، فقد كنت مُدركاً سياسة سموه التي تختلف في المبدأ عن سياستي، وتركت الرياض الى جدة”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..