الخميس، 1 ديسمبر 2011

امتحان الله تعالى للإسلاميين في الانتخابات (1)


الشيخ / محمد صالح المنجد



الحمد لله ، أما بعد :
فقد اقتضت حكمة الله تعالى وسننه في خلقه : أن يُحدث كلَّ هذا التغيير في عالم المسلمين العربي في زمن قصير ، وبكيفية مباغتة ، وآثار مدهشة ، نتج عنها ارتفاع شأن الصف الإسلامي ، وعلوِّ صوته ، وبروز شعبيته ، مما أثمر عن تفوّق في نتائج الانتخابات التي دخلتها بعض الأحزاب والتجمعات الإسلامية .
ومعلوم أن هذه المسألة تحتاج إلى معرفة حكم الانتخابات ، والتصويت ، والبرلمانات ، والمشاركة في الحكومات ، وعقد التحالفات ، وغير ذلك مما لا يتسع له المجال ، ولا تبلغ القدرة لتبيينه الآن ، ولكن أذكر ههنا كلماتٍ وتنبيهات ، نصيحةً في الدين ، وسعياً لإصلاح شأن إخواننا المسلمين :
إن الله تعالى يمتحن الإسلاميين في مواقفهم ، وتكتب ملائكته كلماتهم وتصريحاتهم قبل وأثناء وبعد الانتخابات التي دخلوها .
وقد تفاوتت أحوالهم في ذلك ، فمنهم من قال قولا حسناً يُشكر عليه ، ومنهم من زلت ألسنتهم وأقدامهم ، ومن ذلك ما سمعناه من قول بعضهم هداهم الله : لن نمنع الخمر .. لن نمنع الملاهي الليلية .. لن نمنع شواطئ التعري .. الخ
ونقول ردا :
هذا سقوط في الفتنة ، والسكوت خير من هذا والله
ففرق عظيم بين أن تَسكت عن الشيء وتتحيّن الفرصة المناسبة لمعالجته ، وبين أن تُعلن الباطل وتُصادم الشريعة لطمأنة مخالفيها واسترضاء الغرب والشرق .
وبعض هؤلاء يقول : نخشى أن تصيبنا دائرة ، وإن نتبع الهدى معك نُتخطّف من أرضنا ، سينقلب الناس علينا ، لن يتحمّل الشعب الأحكام الإسلامية !!.
فنقول : لا تنسوا أن الناس اختاروكم لدينكم ، ووثقوا بكم لأنكم تطلبون تحقيق عدل الشرع في البلد ، وحصلتم على الأغلبية و(الثقة الشعبية!) من أجل إقامة الدين الذي تدعون إليه وتتميزون به ؟ فلا تهنوا ولا تضعفوا ، وإن توليتم فعسى أن يأتي الله بقوم آخرين ، أو يأتي بالفتح أو أمر من عنده ، فيمكّن لعباده بلادا آمنة حاكمة بشرعه ، وقيادة راشدة تسوسهم بنوره وهداه .
وفيما يلي ذكر لبعض الطرق الشرعية في معالجة الأوضاع والتي تُفيد ـ إن شاء الله ـ من وصل إلى الحكم أو شيء منه ويريد نصرة الدين :
أولا : البدء ببناء قواعد الإيمان في نفوس الشعب ، وذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم المؤيد في طريقته في الدعوة والسياسة والحكم بالوحي من ربه .
فقد روى البخاري (4993) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ( إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنَ القُرآن سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ ، لَقَالُوا : لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا ، وَلَوْ نَزَلَ : لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا ).
قال الحافظ رحمه الله في بيان أوليات الدعوة : " الدُّعَاء إِلَى التَّوْحِيد , وَالتَّبْشِير لِلْمُؤْمِنِ وَالْمُطِيع بِالْجَنَّةِ ، وَلِلْكَافِرِ وَالْعَاصِي بِالنَّارِ , فَلَمَّا اِطْمَأَنَّتْ النُّفُوس عَلَى ذَلِكَ أُنْزِلَتْ الْأَحْكَام , وَلِهَذَا قَالَتْ " وَلَوْ نَزَلَ أَوَّل شَيْء لَا تَشْرَبُوا الْخَمْر لَقَالُوا لَا نَدَعهَا " وَذَلِكَ لِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ النُّفُوس مِنْ النَّفْرَة عَنْ تَرْك الْمَأْلُوف " .
وتهيئة البيئة الشعبية للعمل بأحكام الشريعة يستلزم خطوات كثيرة وأعمالا مضنية هي في الحقيقة لبّ العمل الذي يجب أن يكون أول ما يشتغل به الإسلاميون إذا وصلوا إلى الحكم من البيان والتعليم والدعوة بل هو قاعدة المكسب الحقيقي من بلوغهم وذلك للوصول إلى تحكيم الشرع مجتمعيا في النهاية .
 ثانيا : إصلاح دنيا الناس طريق لإصلاح دينهم .
فينبغي لمن تولى أمر المسلمين في بلد أن يسعى في  إصلاح وتوفير ما يحتاجه الناس في دنياهم ومعاشهم ؛ ليطمئنوا ويتفرغوا لإصلاح دينهم .
وفي الدعاء النبوي : " أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا " .
ومن الأمور المهمة في إصلاح دنيا الناس :
* توفير الوظائف ، ومحاربة البطالة .
* الحد من التضخم وغلاء الأسعار .
* تعيين الأكفاء في المناصب
* محاربة الرشوة والمحسوبيات
* استرداد العقول المهاجرة
* النظر في المظالم وإنصاف المظلومين
* فتح سبل العمل الاجتماعي الخيري
* توفير الإعانات وحل أزمة السكن
* توفير القروض الخيرية ومعالجة أزمة الديون
* إصلاح القطاعات المختلفة خاصة : التعليم ، والصحة ، والبلديات ..
* إصلاح القضاء وتحقيق العدل .
* توفير الخدمات العامة : الكهرباء ، الماء ، الاتصالات ، المواصلات .. وغيرها .

  ثالثا الاستفادة من التدرج في التشريع .
فمعلوم أن تحريم الخمر مرّ بمراحل من : تمييزها عن الرزق الحسن ، ثم بيان أن إثمها أكبر من نفعها ، ثم تحريم صلاة السكران ، ثم التحريم الشامل القاطع .
وكذلك تحريم الربا ، فبدأ بذكر أنه لا يربو عند الله بخلاف الصدقة ، ثم تحريم أكله أضعافا مضاعفة ، ثم تحريمه الشامل القاطع قليله وكثيره .
ومن المعلوم أن التشريع قد استقر ، والأحكام قد تقررت وانتهت ، وأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال تطبيق التدرج المذكور في التحريم ، فكيف سنستفيد منه إذن ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..