الجمعة، 9 ديسمبر 2011

التضخم الإقتصادي وانواعه

الظاهرة تتأرجح بين الكبت والجموح والزحف

عرف الاقتصاديون التضخم على أنه
ظاهرة اقتصادية تتضح بارتفاع الأسعار الناجم عن اختلال التوازن بين العرض المتاح من السلع والخدمات والطلب الفعال عليها.

وهذا يعني وجود فجوة بين العرض المتاح والمحدود من السلع والخدمات والطلب الفعال أي المقترن بالقدرة على الشراء والذي يزيد على العرض المتاح. والقوانين الاقتصادية توضح أن زيادة الطلب على السلع والخدمات على العرض تؤدي إلى زيادة الأسعار، التي تعد المؤشر التقليدي على حدوث ظاهرة التضخم في أي اقتصاد.

لقد أحدث جون مينارد كينز، الاقتصادي الإنجليزي المعروف نقلة نوعية كبيرة في تفسير التضخم وتحديد كيفية حدوثه. فالتضخم وفقاً لكينز هو زيادة الطلب الفعلي على العرض المتاح من السلع والخدمات، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. فالتضخم مرتبط بحدوث تطورات في عدد من المتغيرات الاقتصادية أهمها:

ـ العرض المتاح.

ـ الطلب الفعلي.

ـ كمية النقود المعروضة للتداول.

ـ أسعار الفائدة.

ـ مستوى التشغيل في الجهاز الإنتاجي.

وهذا يعني أن التضخم يظهر عندما تظهر زيادة إضافية في الطلب الفعال لا يواكبها زيادة في إنتاج السلع والخدمات. لذلك فإن أي زيادة في الطلب الفعال تعبر عن نفسها بحدوث زيادة في الأسعار. فإذا ما ازدادت كمية النقود المعروضة للتداول تنخفض أسعار الفائدة ويزداد حجم السيولة النقدية، التي يحتفظ بها الأشخاص نتيجة لانخفاض سعر الفائدة.

وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الميل للاستهلاك، وانخفاض الميل للادخار، ومع انخفاض أسعار الفائدة وزيادة الميل للاستهلاك فإن المشروعات القائمة ترفع مستويات التشغيل، وتظهر استثمارات جديدة عندما يقوم المستحدثون بالحصول على قروض بأسعار فائدة منخفضة لتمويل مشروعات إنتاجية جديدة بسبب الميل للاستهلاك.

وتوضح النظرية الكينزية أن الزيادة في الطلب الفعلي نتيجة زيادة كمية النقود وانخفاض أسعار الفائدة تسبق الزيادة في الإنتاج نتيجة الاستثمارات الجديدة، وهذا هو السبب الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار وحدوث التضخم. كما أوضح كينز أن العلاقة بين التضخم والبطالة هي علاقة عكسية،

فإذا ارتفع معدل التضخم انخفض معدل البطالة والعكس صحيح، ذلك لأن ارتفاع التضخم يرتبط بزيادة الطلب الفعلي لما يتجاوز العرض المتحقق من السلع والخدمات في التشغيل الكامل للجهاز الإنتاجي، ومعروف أن حالة التشغيل الكامل تعني وصول معدل البطالة إلى حده الأدنى. كانت جميع النظريات التي ناقشت موضوع التضخم تركز دائماً على دراسة وتحليل العملية الديناميكية لتكوين الأسعار، والبحث عن العوامل والمسببات التي تؤدي إلى عدم استقرارها والآثار والنتائج المترتبة على ذلك.

أسباب التضخم

يمكننا تحديد أهم الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وحدوث التضخم وفقاً لما يلي: الزيادة في الطلب على السلع والخدمات من جانب الحكومة أو من جانب رجال الأعمال، أو القطاع العائلي. والنتيجة هي ضغط الطلب لا يقابله زيادة في إنتاج السلع والخدمات، فيحدث اختلال في التوازن بين العرض والطلب والفعال، فترتفع الأسعار ويحدث التضخم.

حتى في حال عدم حدوث زيادة في الطلب الفعال، فمن المحتمل أن ترتفع الأسعار أيضاً. وهذا قد يحدث عندما ترتفع التكاليف وبخاصة إذا ارتفعت الأجور عندما تزداد قدرة العمال على المساومة في تحديد أجور أعلى. والمطالبة بزيادة الأجور يمكن تبريرها إما بزيادة تكاليف المعيشة أو بارتفاع الإنتاجية. وعندما يستجيب أرباب العمل لمطالب العمال في رفع الأجور فهم يأملون أن يعوضوا ذلك برفع الأسعار. وهذا يؤدي إلى حدوث التضخم.

أنواع التضخم

هناك أنواع متعددة من التضخم يمكن التمييز بينها من خلال ظروف أو أسباب حدوثها وزمان ومكان حدوثها. وقد ذكرت الأدبيات الاقتصادية عدة أنواع للتضخم منها على سبيل المثال:

1- التضخم العادي أو الزاحف اُِْيَه ةَنٌفُّيَُ.

2 التضخم المكبوت Repressed Inflation.

3 التضخم الجامح Hyper Inflation.

إضافة إلى التضخم المتسلل، والتضخم المستورد، التضخم الركودي.

*التضخم العادي أو الزاحف: وهو الناجم عن تزايد الطلب الفعال على السلع والخدمات ومن أهم أسباب حدوثه:

ـ الزيادة الطبيعية للسكان وتطور احتياجاتهم، دون أن يواكب ذلك زيادة في عرض السلع والخدمات لتلبية هذه الاحتياجات.

ـ تمويل قسم من الإنفاق العام عن طريق إصدار النقود بدون غطاء من الإنتاج أو المعادن الثمينة.

ـ تأخر استجابة الجهاز الإنتاجي للزيادة في الطلب الفعال.

ويتسم هذا النوع من التضخم بحدوث ارتفاع بطيء ولكنه مستمر في مستوى الأسعار.

* التضخم المكبوت (المقيد): التضخم المقيد أو المكبوت هو عبارة عن حالة يظل فيه المستوى العام للأسعار منخفضاً بوسيلة أو بأخرى، لكن هذا الثبات يكون على حساب تراكم قوي يمكن أن يسبب ارتفاعاً (انفجارياً) في الأسعار في مرحلة لاحقة.

ويسود هذا النوع من التضخم في البلدان ذات الاقتصاد المخطط والتي تهيمن الدولة فيها على الاقتصاد. ويحدث التضخم المكبوت في حال زيادة الطلب الفعال عن العرض المتاح من السلع والخدمات وبخاصة عندما تصدر الدولة نقوداً وتضعها في التداول دون غطاء من الإنتاج أو من الذهب أو من العملات الأجنبية (القطع النادر).

والمنطقي في هذه الحالة أن ترتفع الأسعار، لكن الدولة المسيطرة على الاقتصاد تلجأ إلى التحديد الإجباري لأسعار السلع والخدمات بأقل من السعر الذي يمكن أن يسود في حالة تفاعل العرض والطلب بشكل حر دون تدخل من الدولة. وهذا ما كان يحصل في الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية في ظل النظام الاشتراكي.

ولمواجهة زيادة الطلب تقوم الدولة بتحديد حصص استهلاكية (مخصصات) لكل فرد من السلع والخدمات. وهذا ما يسمى بالتضخم المكبوت. وعندما تلغي الدولة قرار التسعير الإجباري للسلع والخدمات، فإن القوة الشرائية المتاحة للأفراد تتحول إلى طلب فعال محموم يؤدي إلى حدوث تضخم كبير وارتفاع انفجاري للأسعار.

* التضخم الجامح: وهو حالة اقتصادية تدمر فيها القوة الشرائية للوحدة النقدية، وقد تصل الأسعار في ارتفاعها إلى أرقام فلكية، وتزداد سرعة دوران النقود، وتعطل وظيفة النقود كمخزن للقيمة، وتستخدم كوسيط للتبادل فقط. ذلك لأن النقود لم يعد لها قيمة تقريباً. وينشأ التضخم الجامح كحالة خاصة شديدة التطرف عندما تؤدي الزيادة العادية في الطلب الفعال وبخاصة في مرحلة الانتعاش أو في المراحل الانتقالية من نظام اقتصادي إلى نظام آخر،

أو في فترات الحرب وما يعقبها. وتعد السلطات النقدية والمالية في الدولة المسؤول الأول عن حدوث وتطور التضخم الجامح والمدمر، لأنها تستسلم لدورة التسارع في التضخم حتى يصل التضخم الجامح ومن خلال قيامها بإصدار النقود بلا غطاء من الإنتاج أو الذهب، ولأنها هي التي تملك سلطة اتخاذ القرار، وتملك استخدام الأدوات المالية والنقدية الكفيلة بمحاربة التضخم والسيطرة عليه.

آثار التضخم

يمكننا توضيح أهم الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للتضخم وفقاً لما يلي: يتعرض أصحاب الدخل المحدود لأكثر الآثار السلبية للتضخم، وذلك بسبب انخفاض الدخل الحقيقي الذي يحصلون عليه نظراً لارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للوحدة النقدية. تسارع العملية التضخمية (السباق بين الأسعار والأجور):

إن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك الحقيقي لذوي الدخل المحدود وبخاصة العمال الذين يحصلون على دخولهم من العمل (الأجور). لذلك سيحاول العمال زيادة أجورهم النقدية لتعويض الارتفاع في الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة، وإذا حصل العمال على زيادة الأجور سيؤدي ذلك إلى ارتفاع التكاليف المتغيرة للإنتاج، ولذلك سيحاول المستحدث أو المنظم زيادة الأسعار من جديد.

وهذا يؤدي إلى زيادة التضخم فزيادة الأسعار يؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة أكثر، فيطالب العمال بأجور أعلى، وبهذه الطريقة يحدث السباق بين الأجور والأسعار وتكتسب عملية الارتفاع التضخمي في الأسعار قوة دافعة. وإذا استمر ذلك فإنه سيؤدي إلى حدوث التضخم الجامح، الذي بمثل سباق محموم بين الأجور والأسعار.

قسم كينز المجتمع إلى ثلاث طبقات رئيسة هي:

فئة الرأسماليين المستثمرين،

فئة المنظمين أو المستحدثين،

فئة العمال كاسبي الأجور والمرتبات.

وعندما نرغب بتوضيح آثار التضخم والتغير في الأسعار، يمكننا أن ندرس كيف تؤثر التغيرات في الأسعار أو في قيمة النقود على الفئات الثلاث المذكورة أعلاه. فإذا ارتفع مستوى الأسعار، يكون المتضرر من جراء ذلك فئة المستثمرين وأصحاب الدخول الثابتة، لأنهم سوف يشترون بدخلهم سلعاً وخدمات أقل من ذي قبل.

ويستفيد من ارتفاع مستوى الأسعار فئة رجال الأعمال والمنظمين وذلك بسبب ارتفاع أسعار منتجاتهم وثبات تكاليف إنتاجهم أو تخلفها في الارتفاع. لأن الأجور والمرتبات مثلاً تكون محددة باتفاقيات لا يمكن أن تعدل فوراً، وكذلك مصاريف الإيجار والفائدة تظل أيضاً كما هي. أما الفئة التي تحصل على دخلها لقاء عملها الأجور والمرتبات فإنها تخسر عندما ترتفع الأسعار. لأن أجورهم ومرتباتهم لا ترتفع بالتناظر مع الأسعار، مما يؤدي إلى انخفاض أجورهم الحقيقية.

ويتوضح أثر التغير في الأسعار على المدينين والدائنين وفقاً لما يلي: عندما ترتفع الأسعار، يستفيد من ذلك المدينون لأن الديون تسدد عن طريق بيع السلع والخدمات. وفي حال كون المدين منتجاً، فإنه يتنازل عن كمية أقل من إنتاجه لتسديد مبلغ معين من الدين. وفي حال كون المدين عاملاً، فإن كمية العمل اللازمة لتسديد دين معين ستكون أقل في حال ارتفاع الأسعار.

أما في حال انخفاض الأسعار فإن المدينين يخسرون، لأن عليهم تخصيص كميات أكبر من السلع والخدمات لتسديد دين معين. ويكسب الدائنون لأن النقود التي يستردونها ستمكنهم من شراء كميات من السلع والخدمات أكثر مما كانت تشتري حين إقراضها. وكذلك العمال يخسرون، لأن كمية العمل اللازمة لتسديد دين معين ستزداد في حال انخفاض الأسعار.

(وعلى العموم، يمكننا أن نقول بوجه عام، ان جميع المدينين يكسبون من ارتفاع الأسعار ويخسرون من انخفاض الأسعار، طالما أن التزاماتهم النقدية الثابتة تعني أكثر بدلالة السلع والخدمات عندما تنخفض الأسعار، وأقل عندما ترتفع الأسعار. والدائنون من الناحية الأخرى، يكسبون عندما تنخفض الأسعار، ويخسرون عندما ترتفع الأسعار).

وسيكون أثر ارتفاع الأسعار على جماعة المستهلكين سلبياً، والسبب في ذلك أنهم يحصلون على كميات أقل من السلع والخدمات بنفس المبلغ من الدخل النقدي الذي يحصلون عليه. ويكسب المستهلكون في حال انخفاض الأسعار، لأنهم يشترون كميات أكثر من السلع والخدمات، بنفس الدخل النقدي الذي يحصلون عليه ويكونوا قادرين على تحسين مستوى معيشتهم.

إن تغير الأسعار الزائد عن الحد في أي من الاتجاهين سيكون له أثر سيئ على المشروعات الاقتصادية، طالما أنها تثير الكثير من الشكوك بخصوص التوقعات المستقبلية. لذلك فالمحافظة على استقرار نسبي في الأسعار يعد أمراً ضرورياً لتحقيق تنمية مستدامة.

منقول من جريدة البيان الاماراتية في عدد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..