السبت، 3 ديسمبر 2011

صورة المرأة السعودية في رواية "ترمي بشرر" لعبده خال


صورة المرأة السعودية في رواية "ترمي بشرر" لعبده خال
 راكان عارف الشمري






تخيلوا معي أن دكتورًا أخذ مجموعة من الطلاب في حصّة نشاط، وذهب بهم إلى معمل المدرسة وقام بتشغيل أفلام إباحية على قدرٍ عالٍ من الجودة في الإخراج، بل وبشاشة ثلاثية الأبعاد، وعرض لهم في هذه الأفلام رجلًا يغتصب صبيًا، أو رجلًا يزني بأمرأة، ويتخلل ذلك آيات من القرآن الكريم تحث على غض البصر، ويُظهرون أبطال هذه المشاهد بوجوهٍ كالحة يغشاها الهم، وبعد أن ينتهي يظهر لهم بطل هذه الأفلام يبكي ويلقي عليهم قطعةً أدبيّة في غاية السحر والبيان عن جرم ما اقترفوه وكرههم له !

تخيلوا أيضًا أن ذلك الدكتور أخذ أولئك الطلاب إلى مسرحية يظهر فيها البطل فاجرًا و(شريرًا) ونهايته في المسرحية (سوداء) بمرض أو هلاك أو جنون، أو بيضاء من توبة وإقلاع، لكن خلال تلك المسرحية عُرضت مشاهد لذلك الرجل وهو يفعل الفاحشة بامرأة أو صبي !

هل يشفع أمامكم تقبيح هذا الأمر في سيناريو ذلك الفيلم، أو تلك المسرحية؟!

وهل يشفع لكم إظهار بطل الفيلم أو المسرحية وهو مهموم من حاله، يشنّعها للمشاهد، ويظهر قبحها الشديد بأتقن ما يكون في الأداء وأقنع ما يكون في السيناريو؟!

بالطبع لا.

لذلك عندما أقوم بطرح رأيٍ ما عن رواية هابطة أجد من يقول لي: هل قرأتها؟ وبما أنني قرأتها أسأله باستغراب: يا رجل.. هل قرأتها أنت؟!!

هذا ما يطرأ على بال أي شخص يمر على بعض رواياتنا السعودية، بينما -للأسف- يختفي هذا التساؤل الاستنكاري عندما تمر على روايات حائزة على جائزة نوبل، ويتحول إلى سؤال مقصده الحث على قراءتها، لقيمتها الأدبية والأخلاقية.

في اليومين الماضيين جلست مع الكاتب عبده خال، أقصد مع روايته الحائزة على جائزة البوكر "ترمي بشرر"، والرجل صاحب أسلوب ساحر في سرد الأحداث وإبداع في التشبيه، لكنه ليس الوحيد في العالم، ولم يصل أسلوبه إلى الدرجة التي تعمي القارئ عن المعنى السامي من قراءة الروايات، وما لها من قيمة أخلاقية وفكرية، وتأثير عميق في نفس المهتم بهذا الفن.

الفكرة الأساسية لكتابة الرواية هي تحقيق شرط جائزة البوكر العالمية (في نسختها العربية) في تلك الدورة، وهو (حكاية عالم القصور وما يجري بها من إغواء وتدمير للنفوس)، لكن الفكرة الرئيسية التي دارت حولها هذه الرواية هي أن المرأة عندنا كائنٌ ضعيف وشهواني وشرير.. فقط، لن أتحدث هنا عن تفاصيل اللواط في الرواية.. وإنما أتحدث فقط عن الفكرة التي تطرحها الرواية عن المرأة السعودية، وإن كان هناك من يعترض فقط لأن الرواية جميلة الأسلوب، ومثيرة الأحداث، فليتنحى قليلًا؛ لأني أشعر أن هؤلاء خرجوا من قراءة مادة الرياضيات إلى قراءة هذه الرواية فقط كأول قطعة أدبية مروا عليها في حياتهم، فقدسوها في أنفسهم حتى كأنه لم يوجد في العالم غيرها، ولتذهب جاهزة نوبل للآداب إلى الجحيم.

كبداية مبشرة(!)؛ فإنه لم تمر شخصية أنثى في هذه الرواية إلا وهي في سفالةٍ من العيش، وكأنها خُلقت وبينها وبين الفجور شعرة (وربما مجرد المرور من بيت أحدهن!) -كما يصور الكاتب هذا الأمر-، لذا.. وبعد أن قرأت الرواية وقبل أن أبدأ بإكمال صفحات (البرزخ)، التي هي أشبه بالملحق لها.. أخذت أستحضر شخصية المرأة في هذه الرواية من خلال الأحداث، فخرجت بالآتي:

تهاني: باعت نفسها لبطل القصة، وقبل ذلك كانت وإياه يحومان حول الثمرة المحرمة.
خيرية (عمة البطل): شريرة وحقودة ولها ميل للسحاق وتشرب الخمر ولها لسان شيطان.
أم البطل: لا شأن لها عظيم في الرواية، والبطل عندما يذكرها يكون أسلوبه جافًا ووضيعًا، خصوصًا حين تزوجت بعد وفاة والده، مع العلم أن البطل برر حقد عمته الشنيع على أمه بمنع هذه الأم زواج عمته.
مرام: عاهرة.
سعاد: في أول الرواية كانت طفلة، ووصفها الكاتب بـ (الطفلة العاهرة!)، فهي تجذب الأولاد نحوها وتسمح لهم بفعل الفاحشة بها على صغر سنها.
منى زوجة عثمان: وهذه أضحكتني كثيرًا، ظهرت فجأة والبطل في طريقه للمسجد وسمحت له أن يطارحها الغرام دون إحم ولا دستور، فقط لأن زوجها ذهب إلى مأمورية، ثم أحيانًا يتسلل ويقوم بفعل الفاحشة وأسرتها حولها.. وبعدها الوجه من الوجه أسود.
سميرة: وإن بدت أعقلهن فإنها كانت تحرس المكان للبطل كي يأخذ راحته مع تهاني في خلوتهما المحرمة.
موضي: رضيت بنكاحٍ صوري (مسخرة) بينها وبين عيسى.
ثم كأن الكاتب لم يكتف بهذا فأخذ موقفًا مقرفًا لنساء الحارة كي يعم الصورة السلبية عن المرأة السعودية بالغصب، ذكرني هذا الموقف بمشهد لا أنساه من مسرحية مصرية، كَسَر فيها خادم القصر أطباقًا فاكتشف أن ثمنها بعشرات الآلاف من الجنيهات، وحين سأل عن سر هذا الثمن أخبروه أن نابليون بونبارت قام بالتوقيع عليها، فقال ببراءة وباللهجة المصرية الجميلة: "نابليون بونبارت بتاع الحملة الفرنسية؟! الله! ساب الجيوش والمماليك والإنجليز، وأخذ يِمضي على أطباق؟!!"، ووجه الشبه أن نساء الحي حين تناقلن خبرًا طريفًا عن كون بطل القصة له رجل ثالثة (يقصدن ضخامة ذكره)؛ "سِبْنَ" بيوتهن وأولادهن وأسرهن وهمومن وأزواجهن وأخذن يلحقن صبيًا ليتشرفن برؤية ذكره الضخم وتتبع اللذة منه.. ياللقرف !
ثم كأن الكاتب لم يقتنع بما سطره فكتب قائمةً ملحقة في نهاية الرواية بأسماء نساء القصر، ويلفت نظرك حين تقرأ هذه القائمة أن نساء السعودية ليس بينهن وبين الفاحشة إلا شعرة بسيطة، فرحاب (أسلمت بكارتها لرجل أحبته).. هكذا بكل بساطة، ولمعة اغتصبها والدها وكانت مدمنة، وداليا موظفة في المستشفى لم تحتج إلا لبضعة هدايا حتى تصبح عاهرة، وتغريد ابنة عائلة غنية السبب الوحيد لعهرها أنها "تعاني من الشبق الجنسي"، وأفنان تعرفت على شاب مدمن في صغرها فأدمنت وصارت عاهرة، وصهايل لم يعجبها وضع أسرتها المادي فكان ذلك سببًا كافيًا للوقوع في الفاحشة لأجل شراء أكسسوارات من أوروبا، وعبير فتاة متعلمة من مدينة عفيف، ناجحة في حياتها لكنها وقعت في حب مدير الشركة الذي تعمل معه وعندما طرد انتقلت بحبها لشخص آخر بكل بساطة (يا حلاوة!)، أما أريج فسيرتها طريفة (ومشّ الحال) فهي "ولدت عام 1965 م، وكانت جميلة للغاية، ثم كبرت ولجأت لعمليات التجميل فتشوهت وطلبت من سيد القصر إبقاءها معه على أن تتحول إلى قوادة" وصلى الله وبارك(!)، أما ليالي فكانت شاعرة ولأن جمالها يفوق شاعريتها بمراحل فإنها كانت تقدم جسدها لمن ينشر قصيدتها، الأمر بهذه البساطة.. لا تركزون مرّة، وسأتوقف إلى هنا لأني صراحة ما أبغى أكلمكم عن الزوج الذي تغاضى عن عهر زوجته.

هذا قليل من كثير، فالنظرة للمرأة على أنها جسد متنقل يتضح في عشرات الصفحات، ولا غرابة في ذلك، فمن العبارات التي تصف المرأة في الرواية:

النساء كثمار الأرض، كل واحدة منهن لها تربتها التي تتشبث بها، ولها مذاقها المثير لشهوة القضم.
وصف النساء بلفظة (الفروج).
الأنثى خشبة صالحة لأي من المسامير المعوجة.
من ينام على صدور النساء، تخفق له قلوبهن.

وغير ذلك كثير، خصوصًا في وصف البطل لعشيقته حيث كان الحب والفاحشة في هذا الوصف وجهان لعملة واحدة، فوجهها في النهار شهواني وفي الليل "أكثر شهوة"، وخذ من الصفات والمخيلات الشهوانية التي تحوم حول جسد المرأة، وتجدها مبثوثة في صفحات الرواية.

وهذه النظرة الدونية للمرأة تتضح في الشخصيات الذكورية من الرواية، بداية بجد البطل لوالده لأصدقائه ورجال حارته الذين يتناقشون بينهم خاصة أمورهم الجنسية، فجده كان يستعرض كيف يمر على نسائه في ليلة واحدة، يتفاخر بهذا الأمر (على الصبح!) وأمام أصدقائه.

بعد كل هذا لدي صممٌ يصيبني عمدًا لتلك الحجّة الهزيلة التي يحتج صاحبها بأن (ما ذُكر في هذه الرواية موجود في مجتمعنا؟).

والجواب سهل يسير: الزخم يختلف، وهذا الازدحام الفاحش من البداية للنهاية يخلق تصورًا لا يمكن أبدًا أن تسقطه على مجتمعنا، بل وحتى المجتمعات المنحلة، فالأمر تجاوز أجواء القصر المقصودة أساسًا من تأليف الرواية إلى مساحة واسعة في أرجاء المدينة تتناثر فيها معاني الفحش وسهولته في قلوب النساء من أغنياء البلد أو فقرائها، ومن النساء الجاهلات إلى المتعلمات، ومن ربات البيوت المستقرة إلى الهاربات من البيوت، ليجتمع فحشهم في حدود الرواية لتخرج بتصور سيء عن أي مجتمع تخرج منه الرواية.

والمفارقة هنا، أن الأدباء والمتابعين للأدب أزعجوا المجتمع بقيمة الأدب وخطورته التاريخية والسياسية والفكرية، وأن الرواية تاريخ وتصوّر ورصد تاريخي ومرآة للمجتمع.. وخذ من كلمات التبجيل ورفع القيمة ونحوها، ثم حين تُنتقد رواية ما لخطورة ما تنقله عن المجتمع وللمجتمع من أفكار وتصورات، يأتي من يهون لك الأمر: لماذا تخافون من رواية؟!

طيب يا جماعة ارسوا على بر، مرة تعلون من شأنها وتذكرون روايات كان لها شأنًا سياسيًا وفكريًا، ثم إذا نقلت تصورًا فاحشًا عن المجتمع ترددون: لماذا تخافون(!)، هي تعكس جزءًا من المجتمع نحتاج إلى النظر إليه بالمجهر(!).. إلخ هذه الاسطوانة، مع أنني لم أتشرف برؤية المساحة الأخرى من المجتمع.

واضحكوا على من يدافع عن هذه الروايات المسيئة والمليئة بما يسوء عن مجتمعنا وفي ذات الوقت، والله في ذات الوقت، يضجّ المجتمع والإعلام في الصحف والمنتديات والمواقع من كتاب المقالة والأدباء ورسامي الكاريكاتيرات وحتى تواقيع المنتديات ضد (المسلسلات الخليجية) لأنها صورت المجتمع الخليجي بصورة يعلم الله تعالى أن أقل بكثير من الصورة التي تعكسها الروايات.. .

ومن المفارقات كذلك أن يحتج أحدهم بأن كل ما قيل في هذه الروايات على لسان شخصية، وهي الحجة التي بسببها أسيء إلى الذات الإلهية تقدس ربنا وتعالى، وإلى الأنبياء والمرسلين، بينما بشيء من المنطق والعقل والعيش في هذه الحياة(!) ستعلم أن كل ما قيل ومن قال هو من رأس الكاتب وإبداعه ومن نظرته للمجتمع ورأيه، وبما أنني أحب التبسيط في الأمثلة، فما رأيك أن أكتب رواية خيالية من 30 صفحة يقول فيها البطل حسن: أن والدتك (وأذكرها بالاسم) عاهرة. فهل ستبحث عني لتقوم باختبار قوتك في الضرب والركل عليّ، أم تجلس كالأبله وتقول: ما عليكم.. لقد قالها على لسان شخصية خيالية اسمها (حسن)، وبدوري سوف أخترع قصة خيالية بطلها فيصل.. كي يذهب وينتقم لي من حسن.

وما رأيك أن يكتب أحدهم رواية تتطاول على  رئيس الدولة، وعلى زوجته وعائلته، ولا بأس أن يضع بعد كل إساءة مليون علامة استفهام (كحجّة أخرى)، ثم إذا قبضوا عليه قال لهم: أنا قلتها على لسان شخصية اسمها هشام الداشر، ووضعتها في صيغة استفهام؟ فهل تتوقع أن يكون رد الاستخبارات: أوه.. ما عليش، خلاص رح لأهلك واحنا راح نألف رواية يقوم فيها رجال استخبارات خياليين بالقبض على شخصيتك.

إذن صرنا في مجتمع محششين.

لكن ماذا أقول غير بيت المعري:

تناقضٌ مالنا إلا السكوت له *** ونستعيذ بمولانا من النار

أخيرًا أوصيكم ألا تلتفتوا للمتطرفين الوحوش، وألا تسلموا عقولكم لغيركم، وأن تكونوا أحرارًا فيما تقرؤون، وأن تعلموا أن ما كتبه عبده خال في هذه الرواية هو جزء من مجتمعنا، وأن نساء السعودية (عائلتك تدخل ضمنيًا فيها) بهدية جميلة ممكن تذهب مع أي شخص للقصر وتسلم له نفسها.. وبعد التقاعد تصبح قوّادة، واتركوا عنكم مزاعم الخصوصية السعودية... إلخ إلخ.

طبعًا من يستغرب من الفقرة الماضية وأنها تناقض كل ما ذكرته في المقال، لماذا لا تستغربون من هذه الرواية وهي تصور الفاحشة وتفصل فيها وتكررها وتبدع في أوصاف الجسد ولحظات الوصال الجنسي.. ثم في آخر صفحتين يدخل البطل المسجد ويسمع قوله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم.. الآية) ويقشعر بدنه وتنتهي القصة، كما تتخيل عزيزي القارئ أن ينتهي فيلم إباحي بنصيحة لغض البصر وحفظ الفرج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..