الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

التأمين د. يوسف الشبيلي


 التأمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
المبحث الأول
التعريف بعقد التأمين، وأنواعه، وخصائصه
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف عقد التأمين:
أولاً: تعريف التأمين في اللغة:
التأمين مأخوذ من الأمن ، والمادة الثلاثية (أم ن) هي مادة واحدة، وإن تعددت صور الاشتقاق؛ فالأمن: ضد الخوف ونقيضه. وفي التنزيل: "وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" ، " أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ".
والأمانة؛ ضد الخيانة.
والإيمان ضد الكفر، وهو بمعنى التصديق: ضد التكذيب.
ثانياً:تعريف التأمين في الاصطلاح:
يعرف التأمين بأنه: عقد بين طرفين أحدهما يسمى المؤمن والثاني المؤمن له (أو المستأمن) يلتزم فيه المؤمن بأن يؤدي إلي المؤمن لمصلحته مبلغا من المال أو إيرادا مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع حادث أو تحقق خطر مبين في العقد، وذلك في مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له إلي المؤمن.
وفي  العصر الحاضر  لا يقوم بالتأمين فرد نحو فرد بل تقوم به شركات مساهمة كبيرة يتعامل معها عدد ضخم من المستأمنين ، فيجتمع لها مبالغ كبيرة من أقساط التأمين، وتؤدي من هذه الأقساط المجتمعة ما يستحق عليها من تعويضات عند وقوع الحوادث المؤمن منها، ويبقى  رأس مالها  سندا احتياطيا، ويتكون ربحها من الفرق بين ما تجمعه من أقساط وما تدفعه من تعويضات.
ثالثاً: نشأته:

التأمين  بمعناه الحقيقي المتعارف عليه عقد حديث النشأة في العالم فهو لم يظهر إلا في القرن الرابع عشر الميلادي في  إيطاليا  حيث وجد بعض الأشخاص الذين يتعهدون بتحمل جميع الأخطار البحرية التي تتعرض لها السفن أو حمولتها نظير مبلغ معين (التأمين البحري)، ثم ظهر بعده التأمين من الحريق ثم التأمين على الحياة، ثم انتشر بعد ذلك التأمين وتنوع حتى شمل جميع نواحى الحياة فأضحت  شركات التأمين  تؤمن الأفراد من كل خطر يتعرضون له في أشخاصهم وأموالهم ومسؤولياتهم بل أضحت بعض الحكومات تجبر رعاياها على بعض أنواع التأمين.


المطلب الثاني:أنواع التأمين:

(أ) ينقسم التأمين من حيث شكله إلي  تأمين تعاوني وتأمين تجاري : 

1- التأمين التعاوني (أو التبادلي) (أو بالاكتتاب):

في هذا النوع من التأمين يجتمع عدة أشخاص معرضين لأخطار متشابهة فيدفع كل منهم اشتراكا معينا، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء  التعويض  المستحق لمن يصيبه الضرر، وإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإذا نقصت طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز، أو أنقصت  التعويضات  المستحقة بنسبة العجز، وأعضاء شركة التأمين التعاوني لا يسعون إلي تحقيق ربح، بل إلي تخفيف الخسائر التي تلحق بعض الأعضاء، فهم يتعاقدون ليتعاونوا على تحمل مصيبة قد تحل ببعضهم، وتدار  الشركة  بوساطة أعضائها، فكل واحد منهم يكون مؤمنا ومؤمنا له.

2- التأمين التجاري ذي القسط الثابت:

في هذا النوع من التأمين: وهو النوع السائد الآن الذي تنصرف إليه كلمة التأمين لدى إطلاقها، يلتزم المؤمن له بدفع قسط محدد إلي المؤمن، وهو الشركة التي يتكون أفرادها من مساهمين آخرين غير المؤمن لهم، وهؤلاء المساهمون هم المستفيدون بأرباح الشركة، ففي التأمين بقسط ثابت يكون المؤمن له غير المؤمن الذي يسعى دائما إلي الربح، بخلاف التأمين التعاوني الذي لا يسعي إلي الربح أبدا، وإنما غاية أفراده التعاون على تحمل المخاطر، وهذا الهدف  الإنساني  النبيل لا يوجد إلا في التأمين التعاوني ولا يوجد البتة في التأمين بقسط ثابت ، فالفكرة الاسترباحية البحتة هي الأساس هنا والفكرة التعاونية غلاف براق لها فقط.

(ب) وينقسم  التأمين  من حيث موضوعه إلي قسمين رئيسيين:

1- تأمين الأضرار:

وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في ذمة المؤمن له، والغرض منه تعويض الخسارة التي تلحق المؤمن له بسبب الحادث وهو ينقسم إلي قسمين:

- التأمين على الأشياء؛ ويراد به تعويض المؤمن له من الخسارة التي تلحقه في ماله كالتأمين من الحريق والسرقة.

- والتأمين من المسؤولية؛ ويراد به ضمان المؤمن له ضد الرجوع الذي قد يتعرض له من جانب الغير بسبب ما أصابهم من ضرر يسأل عن  التعويض  عنه، وأهم صوره تأمين المسؤولية الناشئة من حوادث السيارات أو من حوادث  العمل  .

وفي تأمين الأضرار يلتزم المؤمن بتعويض المؤمن له عند حدوث الكارثة في حدود مبلغ التأمين، أي أن المؤمن يدفع للمؤمن له أقل المبلغين؛ المبلغ المؤمن به، والمبلغ الذي يغطي الضرر الناشئ عن الحادثة، وليس للمؤمن له أن يجمع بين مبلغ التأمين ودعوى التعويض ضد الآخرين المسؤولين عن الحادث، وإنما يحل المؤمن محل المؤمن له في الدعاوى الكائنة له ضد من تسبب في الضرر.

2- تأمين الأشخاص:

وهو يتناول كل أنواع التأمين المتعلقة بشخص المؤمن له، ويقصد به دفع مبلغ معين للإنسان في وجوده أو سلامته، يحدده المؤمن باتفاق بينهما، ولا يتأثر بالضرر الذي يصيب المؤمن له، وللمؤمن له الجمع بين مبلغ التأمين من المؤمن والتعويض ممن تسبب في الضرر، فالمؤمن هنا لا يحل محل المؤمن له.



 ويشمل تأمين الأشخاص نوعين أساسيين:

1.     التأمين على الحياة، وله صورة متعددة أهمها:

(أ) التأمين لحالة الوفاة وقد يكون عمريا وقد يكون مؤقتا وقد يكون تأمين البقيا حسب الاشتراط.

(ب) التأمين لحال البقاء أو لحال الحياة؛ ومن أمثلته التأمين المضاد.

(ج)  التأمين  المختلط البسيط: وهو أن يلتزم فيه المؤمن بأداء المبلغ المؤمن إما في تاريخ معين للمؤمن له نفسه إذا ظل حيا في هذا التاريخ، وإما إلي المستفيد المعين أو إلي ورثة المؤمن له إذا مات قبل التاريخ، ويكون القسط في هذا النوع اكبر من النوعين السابقين، وهذا النوع هو أكثر شيوعا في التأمين على الحياة.

2.  التأمين من الحوادث الجسمانية: وهو النوع الثاني من نوعي التأمين على الأشخاص، ويلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ من المال إلي المؤمن في حالة ما إذا أصابه في أثناء المدة المؤمن فيها حادث جسماني، أو إلي المستفيد المعين إذا مات المؤمن له.



(ج) التقسيم الثالث: تأمين خاص وتأمين اجتماعي:

1-  فالتأمين الخاص  هو ما يعقده المؤمن على نفسه من خطر معين، ويكون الدافع إليه هو الصالح الشخصي.

2-  والتأمين الاجتماعي  هو ما كان الغرض منه تأمين الأفراد الذين يعتمدون في معاشهم على كسب عملهم من بعض الأخطار التي يتعرضون لها فتعجزهم عن  العمل  كالمرض  والشيخوخة  والبطالة والعجز. وهو يقوم على فكرة (التضامن الاجتماعي) ويشترك في دفع القسط مع المستفيد أصحاب العمل والدولة التي تتحمل هنا العبء الأكبر.

(د) التقسيم الرابع: تأمين إجباري وتأمين اختياري:

1- فالأول ما ألزمت به الدولة في قطر رعاياها كالتأمين الاجتماعي والتأمين على السيارات.

2- الثاني ما كان خلاف ذلك.



المطلب الثالث:خصائص  عقد التأمين  :

1-أنه عقد من عقود التراضي، باعتبار أن  الإيجاب   والقبول  ضروريان فيه فينعقد بمجرد توافق  الإيجاب والقبول  ، لكنه لا يثبت عادة إلا بوثيقة تأمين (بوليصة) يوقع عليها المؤمن.

2- وهو عقد ملزم للجانبين؛ حيث إنه ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل طرف من طرفيه قبل الآخر؛ وتنشأ هذه الالتزامات من اللحظة التي يتم فيها العقد بركنيه الإيجاب والقبول.

3- وهو عقد احتمالي؛ لأن خسارة أو ربح كل من  طرفي العقد  غير معروف وقت العقد .

4- وهو عقد زمني (أي مستمر) حيث لا يتم الوفاء بالالتزام المترتب عليه بصفة فورية، وإنما يستغرق الوفاء بهذا الالتزام مدة من الزمن هي مدة نفاذ العقد.

5- وهو عقد إذعان: حيث يتولى أحد طرفي العقد وضع الشروط التي يريدها ويوضعها على الطرف الآخر فإن قبلها دون مناقشة أو تعديل أبرم العقد وإلا فلا.

6- وهو عقد معاوضة من حيث أن كل واحد من طرفيه يأخذ مقابلا لما يعطي.

7- وهو عقد مسمى:  والعقود المسماة  هي التي تخضع للأحكام العامة من حيث انعقادها وآثارها.




المبحث الثاني

أقوال العلماء المعاصرين في حكم التأمين التجاري

لم يكن التأمين معروفاً عند فقهائنا المتقدمين، لأنه لم يرد فيه نص شرعي ولم يكن من بين الصحابة والأئمة المجتهدين من تعرض لحكمه.

وكان من أول من تكلم عن حكمه من الفقهاء الفقيه الحنفي ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار.

وللعلماء المعاصرين ثلاثة أقوال في حكم التأمين، ونشير إلى هذه الأقوال بشيء من الإيجاز :

القول الأول: المنع مطلقاً:

ومن أبرز أدلة هذا القول:

1-      أنه عقد يقوم على المقامرة والغرر، لأنه عقد معلق على خطر تارة يقع وتارة لا يقع، فهو قمار معنى، ولأن كلاً من طرفي العقد لا يدري عند إنشائه ما سيأخذ ولا ما سيعطي، وبقدر ربح أحد الطرفين في العقد تكون خسارة الآخر، فالعقد دائر بين الغنم والغرم، وهذا حقيقة عقد الغرر.

2-      أن فيه ربا، لأن التأمين مبادلة نقود ( وهي أقساط التأمين) بنقود أخرى( وهي التعويض) بدون تقابض ولا تماثل.وفي حال التأمين على الحياة تحدد فوائد ربوية تدفع للمؤمن له مع ما دفعه من أقساط إن بقي حياً حتى نهاية مدة العقد.

نوقش هذا الدليل: بعدم التسليم بأن فيه ربا لأمرين:

الأول: أن المعاوضة حقيقة بين نقود تدفع أقساطاً للمؤمن ومنفعة هي تحمله تبعة الكارثة وضمانه رفع أضرارها، فأحد البدلين هو منفعة وهي ليست من الأموال الربوية.

والثاني: أن ما يدفعه المؤمن للمؤمن له ليس بدلاً عن الأقساط بدليل أنه قد لا يدفع شيئاً في كثير من حالات التأمين، ولا يدفع إلا حيث يقع الخطر وذلك إنما يكون على سبيل التبعية لتحمله تبعة الحادث، ولو صح هذا الاستدلال لأمكن وصف أي مقامرة بأنها ربا.

3-               أن فيه أكلاً للمال بالباطل، فالمؤمن يأخذ أقساط التأمين بغير مقابل إذا لم يحصل للمؤمن له أي ضرر.

القول الثاني: جواز التأمين:

ومن أبرز من ذهب إلى ذلك الشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ علي الخفيف رحمهما الله،

ومن أبرز أدلتهم:

1-               أن التأمين عقد جديد لم يتناوله نص شرعي ولا يوجد في أصول الشريعة ما يمنع جوازه، فيبقى على الأصل هو الحل.

2-      القياس على ما ذكره فقهاء الحنفية في ضمان خطر الطريق، وذلك فيما إذا قال شخص لآخر: اسلك هذا الطريق فإنه آمن، فإن أصابك شيء فأنا ضامن، فلو سلكه وأخذ ماله فإنه يضمن. ووجه الشبه بين هذا وبين عقد التأمين أن الضامن هنا ضمن مع أنه غير متسبب في الضر كما أنه يضمن شيئاً مجهولاً ومحتمل الوقوع، وكذلك المؤمن يصح تضمينه ولو لم يكن متسبباً إذا التزم بذلك، ولو كان التعويض مجهولاً.



ويناقش: بعدم التسليم بهذا القياس لأمرين:

الأول: أن تضمين الأحناف له فيما لو ثبت هذا لأنه هو السبب لكونه غره حتى سلك هذا الطريق الخطر.

والثاني:ولأن  ما ذكره فقهاء الأحناف فيما إذا ضمن بلا عوض ، أما هنا فالمؤمن يضمن بعوض.

1-      القياس على قاعدة الالتزام والوعد الملزم عند المالكية، وخلاصتها: أن من وعد غيره عدة بغرض أو تحمل خسارة أو نحو ذلك مما ليس بواجب عليه في الأصل فإنه يلزمه الوفاء بوعده لاسيما إذا دخل الموعود في السبب، كما لو قال : تزوج، وأعطيك المهر.

ويناقش: بأنه قياس مع الفارق لأن الوعد الملزم عند المالكية تبرع من الواعد ابتداء على غير عوض وبدون مقابل، بخلاف التأمين.

2-      أن التأمين يحقق مصالح متعددة فهو يمنح الأمان والاطمئنان للمستأمن، ويساهم في تحقيق مصالح اقتصادية بفضل تأسيسه على التعاون الذي يؤدي إلى توزيع أعباء المخاطر بين المستأمنين، وتحقيق التكافل فيما بينهم، وهذا من المصالح المرسلة التي جاءت الشريعة بحفظها.

 ويناقش بأن المصلحة إذا تعارضت مع نصوص الشريعة فهي ملغاة ولا يلتفت إليها ، فضلاً عن أنه من الممكن تحقيق مصالح التأمين بصورة التأمين التعاوني بدون الوقوع في المحاذير الشرعية.

القول الثالث:تحريم التأمين على الحياة وجواز التأمين فيما عدا ذلك:

كالتأمين الطبي والتأمين على الممتلكات ، وحجة هذا القول:

أن التأمين الطبي والتأمين على الممتلكات لا يراد منه الحصول على النقد وإنما يقصد منه تحمل التبعة، فإن كان تأميناً طبياً فبتحمل العلاج، وإن كان على السيارات فبإصلاحها وهكذا، فلايقصد منه المال لذاته.

وأما التأمين على الحياة فإن المقصود منه النقود، فالربا فيه ظاهر لأن المؤمن له يدفع نقوداً قليلة مقسطة مقابل الحصول على نقود كثيرة مؤجلة.

الترجيح:

الذي يظهر – والله أعلم- أن التأمين التجاري محرم من حيث الأصل، وبهذا صدرت قرارات عدد من المجامع والهيئات الشرعية، ومن ذلك  قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 51 وتاريخ 4/4/1397هـ. وقرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الأولى شعبان 1398، والمجمع الفقهي الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، في القرار رقم 9(9/2) سنة 1406هـ=1985م.ونصه:"

بسم اللـه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

قرار رقم 2

بشأن

التأمين وإعادة التأمين

أما بعد:

فإن مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة  المؤتمر الإسلامي  في دورة انعقاد مؤتمره الثاني  بجدة  من 10 – 16 ربيع الثاني 1406 هـ/22 – 28 ديسمبر 1985م.



بعد أن تابع العروض المقدمة من العلماء والمشاركين في الدورة حول موضوع "التأمين وإعادة التأمين".

وبعد أن ناقش الدراسات المقدمة.

وبعد تعمق البحث في سائر صوره وأنواعه، والمبادئ التي يقوم عليها والغايات التي يهدف إليها.

وبعد النظر فيما صدر عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية بهذا الشأن.

قرر:

1 – أن عقد  التأمين التجاري  ذا القسط الثابت الذي تتعامل به  شركات التأمين  التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد. ولذا فهو  حرام  شرعا.

2 – أن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو  عقد التأمين  التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون. وكذلك الحال بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني.

3 – دعوة  الدول الإسلامية  للعمل على إقامة مؤسسات التأمين التعاوني، وكذلك مؤسسات تعاونية لإعادة التأمين، حتى يتحرر  الاقتصاد الإسلامي  من الاستغلال ومن مخالفة النظام الذي يرضاه الله لهذه الأمة.

والله أعلم"[1].

وبمثل ذلك صدر قرار مجمع الفقه التابع للرابطة[2]، وقرار مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

ومما ينبغي النظر فيه مأخذ التحريم، وبيان ذلك كالآتي:

1-               فالتأمين على الحياة محرم لأمرين، الربا والغرر، وقد سبق بيان ذلك.

2-      وأما ما عداه من أنواع التأمين التجاري الأخرى فجريان الربا فيها غير ظاهر، ولا يسلم من المناقشة،وإنما الواضح من هذه الأنواع أن فيها غرراً ، وعلى هذا فتنطبق على هذه الأنواع قاعدة الغرر في الشريعة، وتجري عليها أحكامه، وهذا يقودنا إلى الحديث عن الغرر وضوابطه في الشريعة.







المبحث الثالث

قاعدة الغرر في الشريعة وعلاقتها بعقد التأمين

وفيه ثلاثة مطالب




[1] مجلة المجمع 2/731
[2]



المطلب الأول: في حقيقة الغرر:

الغرر في اللغة اسم مصدر من التغرير ، وهو الخطر ، والخدعة ، وتعريض المرء نفسه أو ماله للهلكة[1]. وتعددت تعريفات أهل العلم للغرر:

فعرفه السرخسي بأنه: مايكون مستور العاقبة[2].

وعرفه القرافي بأنه: هو الذي لايدرى هل يحصل أم لا[3].

وعرفه السبكي بأنه: ما انطوى عليه أمره وخفي عليه عاقبته[4].

وعرفه شيخ الإسلام ابن تيميةبأنه: المجهول العاقبة[5].

وهذه التعريفات متقاربة فالغرر أن يدخل الإنسان في المعاملة وهو يجهل عاقبتها،والعقد في هذه الحالة يكون دائرا بين الغنم والغرم فإذا غنم أحد العاقدين غرم الآخر. والفرق بين الميسر والغرر أن الميسر يكون في اللعب والمغالبات بينما الغرر يكون في المبايعات، يقال: باع غرراً، ولعب قماراً.

المطلب الثاني: شروط كون الغرر مؤثراً:

الأصل في بيع الغرر هو التحريم. يدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الحصاة ، وعن بيع الغرر } .رواه مسلم[6].

 قال النووي : النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع ، يدل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة ، وقال : وبيع ما فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه ولا تدعو إليه الحاجة باطل [7].

وينقسم الغرر من حيث تأثيره على العقد إلى : غرر مؤثر في العقدة وغرر غير مؤثر . قال ابن رشد الحفيد : اتفقوا على أن الغرر ينقسم إلى مؤثر في البيوع وغير مؤثر[8] .

ويشترط في الغرر حتى يكون مؤثرا الشروط الآتية :

الشرط الأول: أن يكون الغرر كثيراً :

قال ابن القيم: " والغرر إذا كان يسيراً أو لا يمكن الاحتراز منه لم يكن مانعاً من صحة العقد، بخلاف الكثير الذي يمكن الاحتراز منه، وهو المذكور في الأنواع التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهاوما كان مساوياً لها لا فرق بينها وبينه، فهذا هو المانع من صحة العقد"[9].

 وقال القرافي : "الغرر والجهالة - أي في البيع - ثلاثة أقسام : كثير ممتنع إجماعا ، كالطير في الهواء ، وقليل جائز إجماعا ، كأساس الدار وقطن الجبة ، ومتوسط اختلف فيه ، هل يلحق بالأول أم بالثاني ؟"[10].

وقال الباجي- مبيناً ضابط الغرر الكثير-:" الغرر الكثير هو ما غلب على العقد حتى أصبح العقد يوصف به"[11].  




[1] المصباح المنيرص324
[2] المبسوط13/68
[3] الفروق3/265
[4] تكملة المجموع9/257
[5] القواعد النورانية ص138
[6] أخرجه مسلم (2/3) وأبوداود(3376).
[7] صحيح مسلم بشرح النووي 11/156
[8] بداية المجتهد2(187
[9] زاد المعاد 5/820
[10] الفروق 3/265
[11] المنتقى5/41




الشرط الثاني: أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة :

فيشترط في الغرر حتى يكون مؤثرا في صحة العقد أن يكون في المعقود عليه أصالة . أما إذا كان الغرر فيما يكون تابعا للمقصود بالعقد فإنه . لا يؤثر في العقد . ومن القواعد الفقهية المقررة : أنه يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في  غيرها ، ولذا جاز بيع الحمل في البطن تبعاً لأمه، وجاز بيع اللبن في الضرع مع الحيوان، ومن ذلك أيضاً أنه لا يجوز أن تباع الثمرة التي لم يبد صلاحها مفردة ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، ولكن لو بيعت مع أصلها جاز ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر ، فثمرتها للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع }[1] وقد نقل ابن قدامة الإجماع على جواز هذا البيع ، وقال : ولأنه إذا باعها مع الأصل حصلت تبعا في البيع ، فلم يضر احتمال الغرر فيها[2].

الشرط الثالث:ألا تدعو للعقد حاجة :

فإن كان للناس حاجة لم يؤثر الغرر في العقد ، وكان العقد صحيحا .

قال ابن تيمية: " ومفسدة الغرر أقل من الربا فلذلك رخص فيما تدعو الحاجة إليه منه، فإن تحريمه أشد ضرراً من ضرر كونه غرراً، مثل بيع العقار جملة وإن لم يعلم دواخل الحيطان والأساس".[3] وقال الكمال عن عقد السلم : ولا يخفى أن جوازه على خلاف القياس . إذ هو بيع المعدوم ، وجب المصير إليه بالنص والإجماع للحاجة من كل من البائع والمشتري[4] .

وقال النووي : مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيراً جاز البيع، وإلا فلا"[5].

والدليل على هذا الشرط جواز بيع المغيبات في الأرض كالجزر والبصل ونحوها، وبيع ما مأكوله في جوفه كالبطيخ والبيض ونحو ذلك مع ما فيه من الغرر، وإنما جاز للحاجة المقتضية لشراء هذه الأشياء دون فتحها أو إخراجها من الأرض.

الشرط الرابع: أن يكون الغرر في عقد من عقود المعاوضات المالية :

وقد اشترط هذا الشرط المالكية فقط ، حيث يرون أن الغرر المؤثر هو ما كان في عقود المعاوضات ، وأما عقود التبرعات فلا يؤثر فيها الغرر . واختار هذا القول ابن تيمية وابن القيم، وغيرهما[6].




[1] أخرجه البخاري (فتح الباري4-368) ومسلم (شرح النووي 3/1158) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] المغني 4/231
[3] القواعد النورانية ص140
[4] فتح القدير6/206
[5] المجموع 9/258

[6]بداية المجتهد 2/402  مجموع فتاوى ابن تيمية 31/270 أعلام الموقعين 2/9
والدليل يؤيد ما ذهب إليه المالكية فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر فيختص النهي في المبايعات ويبقى ماعداها على أصل الحل. ويدل على ذلك ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام لما جاءه رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر أخذها من المغنم، فقال له:" أما ما كان لي فهو لك".[1] ووجه الدلالة ان النبي صلى الله عليه وسلم وهبه نصيبه من الكبة مع عدم العلم بقدر الموهوب[2].



المطلب الثالث: تطبيق الضوابط السابقة على عقد التأمين:

تبين مما سبق أن التأمين التجاري محرم لما فيه من الغرر، وذلك فيما عدا التأمين على الحياة، وعلى ذلك فمتى اختل شرط من شروط الغرر المؤثر فإن التأمين يكون جائزاً، ذلك أن الناظر في عقود الغرر التي جاءت الشريعة بإبطالها كحبل الحبلة وبيع الحصاة وبيع الملامسة والمنابذة ونحوها يدرك أن الغرر المحرم ما كان على سبيل اللعب والمقامرة حيث لا يثمر عائداً للبلد ولا يحقق مصلحة للفرد ولا للمجتمع، وليس ثمة حاجة تدعو إليه، بخلاف العقود التي لابد للناس منها وقد تنطوي على شيء من الغرر فليس من مبادئ الشريعة تحريم مثل ذلك.

وعلى ذلك فيمكن القول: إن الأصل في التأمين هو التحريم، ولا يجوز إلزام االناس بنظام تأميني قائم على المعاوضة الربحية بين المؤمن والمؤمن له، وأما الدخول في عقد التأمين بالنسبة للأفراد فيجوز في الحالات الآتية:

الحال الأولى: إذا كان التأمين تابعاً في العقد غير مقصود أصالة فيه:

فإذا وقع العقد على شيء وجاء التأمين تبعاً لذلك فيغتفر وجوده في ذلك العقد، ولا حرج على المسلم من الدخول فيه ، ولهذه الحال أمثلة متعددة، فمن ذلك:

1-      التأمين الذي تقدمه الشركات لموظفيها على أنه مزية من المزايا التي تعطيها للموظفين. فهذا التأمين جزء من مستحقات متعددة للموظف ولم يقع عقد الإجارة ( الوظيفة) عليه أصالة.

2-      التأمين على السلع عند شرائها –كالسيارات والأجهزة الكهربائية- ، سواء أفرد بمبلغ مستقل عن قيمة السلعة أو لم يفرد، بشرط أن يكون التأمين في صفقة واحدة مع شرائه للجهاز.

3-               التأمين على السيارة المستأجرة إذا أمن المستأجر على السيارة في عقد الإجارة نفسه، ولو زادة قيمة الأجرة بسبب التأمين.

4-               التأمين على البضائع عند شحنها إذا كانت الشركة الناقلة تقدم خدمة التأمين مع عقد الشحن نفسه.

ففي جميع ذلك يجوز الدخول في التأمين، وأخذ العوض عند استحقاقه.

وقد يرد على هذه الأمثلة اعتراضان:

الأول:أن الغرر المغتفر هو التابع الذي لا يمكن فصله عن أصله كما في الثمرة على النخل، أما هنا فالتأمين يمكن فصله عن أصله فلا يعد تابعاً.




[1] أخرجه أبو داود (2694) والنسائي (6/262) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو حديث حسن.
[2] أعلام الموقعين 2/9



والجواب: أنه لا يلزم أن يكون التابع مرتبطاً بأصله لا ينفك عنه ، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر السابق :{ من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر ، فثمرتها للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع } إذ الأصل فصل الثمرة عن النخلة بدون شرط، ومع ذلك جاز بيعها تبعاً لأصلها بالشرط.وهذا يدل على أنه لو اشترط المشتري تأمين السلعة على البائع فهو شرط صحيح إذا كان هذا الشرط مقترناً بالعقد.

والثاني:أن التأمين في الأمثلة المذكورة له وقع في الثمن بخلاف الحمل في البطن والثمرة في النخل ونحو ذلك مما يذكره الفقهاء من صور الغرر المغتفر فإن التابع ليس له ثمن.

والجواب: بعدم التسليم بأن التابع في الأمثلة التي يذكرها الفقهاء ليس له ثمن، بل إن له تأثيراً في قيمة أصله فالناقة الحامل بلا شك أغلى ثمناً من غيرها، ولهذا كان تغليظ الدية في القتل العمد بإيجاب أربعين خلفة –أي ناقة حاملاً-على الجاني. وفي بيع النخل بثمره للمشتري أن يشترط الثمرة أو لا يشترط، ولا شك أن الثمن يختلف بوجود هذا الشرط من عدمه.

والثالث: أن التأمين بذاته محرم بخلاف الحمل والثمرة واللبن ونحوها فإنها مباحة في ذاتها.

والجواب: أنه لا فرق بين التأمين وهذه الأشياء المذكورة في هذا الجانب، فالكل إذا أفرد بالعقد صار بيعه محرماً.

الحال الثانية: إذا كان التأمين تقتضيه الحاجة:

ويقصد بالحاجة أن يلحق الإنسان حرج ومشقة إذا لم يؤمن، ولا يلزم أن يصل إلى مرحلة الضرورة، بل يكفي وجود الحاجة لاستباحة هذا العقد ، كماتقدم.

ويشترط لهذه الحال أن تتحقق شروط الحاجة من حيث كونها حقيقية لا موهومة ، وأن تقدر بقدرها، وألا يوجد عقد آخر مباح تندفع به الحاجة.

وتختلف الحاجة باختلاف الأحوال والأشخاص والأمكنة والأزمنة، فما يحتاجه صاحب المركبة العامة غير ما يحتاجه صاحب المركبة الخاصة ، والحاجة إلى تأمين المسكن في البلاد التي تكثر فيها الكوارث يختلف عن البلاد التي يندر فيها ذلك.

ومن الأمثلة التي تدخل في هذه الحال:

1-               التأمين الطبي في البلاد التي تكون تكلفة العلاج فيها باهظة، ولا يتحملها المقيم بدون تأمين.

2-      تأمين المركبة إذا كان نظام البلد الذي يقيم فيه الشخص يلزم بذلك، ويجب أن يقتصر في ذلك على الحد الذي تندفع به الحاجة، وهو الحد الأدنى الذي يلزم به نظام البلد.

3-               تأمين المساكن والمراكز الإسلامية ضد الحوادث والسرقات والحريق إذا كانت الحاجة تقتضي مثل ذلك.

4-      التأمين للأعطال الطارئة على الطرق العامة عن طريق شركات المساعدة كشركة (AAA )، لاسيما أن هذه الشركة تقدم خدمات أخرى غير التأمين كالخرائط الإرشادية وتقديم المشورة عبر الهاتف وغيرذلك.

الحال الثالثة: إذا كان التأمين تعاونياً:
لأن الغرر الذي في العقد مغتفر لكونه من عقود التبرعات، والتأمين التعاوني يختلف في أهدافه وآثاره عن التأمين التجاري، فالتعاوني يهدف إلى تحقيق التكافل والتعاون فيما بين المستأمنين وهو بهذا يحقق مقصداً


--

من مقاصد الشريعة الإسلامية بخلاف التامين التجاري فإن الهدف منه الاسترباح والمعاوضة فلذا كان محرماً.

ومن صور التأمين التعاوني المعاصرة:

1-               التأمين الاجتماعي الذي تقدمه الحكومات والهيئات العامة للمواطنين.

2-               البرامج التقاعدية والادخارية التي تستثمر فيها الأموال المدخرة في وسائل استثمارية مباحة.

3-               التأمين الطبي الذي ترعاه الدولة وتتقاضى رسوماً ربما تكون في كثير من الأحيان رمزية.

4-               الجمعيات التعاونية والتأمين المعمول به في النقابات المهنية ونحوها.



المبحث الرابع

الفروق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني

وصيغة مقترحة لشركة تأمين تجاري

المطلب الأول: الفروق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني:

ذهب عامة العلماء المعاصرين إلى تحريم التأمين التجاري وجواز التأمين التعاوني، وقد أخذ بهذا القول معظم هيئات الفتوى الجماعية، كهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ومجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة ، ومجمع الفقه التابع للمنظمة ، وغيرها ؛ وذلك لما يشتمل عليه التأمين التجاري من الغرر والمقامرة وأكل المال بالباطل ، بخلاف التأمين التعاوني فإن مبناه على التكافل والتضامن . وإن الناظر بعين الإنصاف في واقع صناعة التأمين اليوم ليدرك ما في هذا القول من التوسط والاعتدال ، ومدى موافقته لمقاصد الشريعة الإسلامية ، يتحقيق مصالح الناس وسد حاجاتهم دون غبن أو ضرر . وإحصائيات التأمين أوضح شاهدٍ على ذلك ، ففي نظام التأمين التجاري تتكدس الأموال الطائلة لدى شركات التأمين في مقابل تعويضات تعد يسيرة مقارنة بما تحققه من أرباح ، مما نتج عنه استئثار الأقلية الثرية بمزايا التأمين وخدماته ، بينما الأكثرية الفقيرة محرومة منها لكونها غير قادرة على تحمل أقساط التأمين ، وقد أوهمت تلك الشركات الناس أن لا مجال لتفتيت المخاطر إلا بهذا الأسلوب، وهو أمر تكذبه تجارب التأمين التعاوني التي طبقت في عددٍ من الدول المتقدمة فكانت أكثر نجاحاً وتحقيقاً لأهداف التأمين من شركات التأمين التجاري.

ويتضح الفرق بين هذين النوعين في كون نظام التأمين التجاري قائماً على أساس أن تتولى إدارة التأمين شركة مستقلة عن المؤمن عليهم ، وتستحق هذه الشركة جميع أقساط التأمين في مقابل التزامها بدفع مبالغ التأمين عند استحقاقها ، وما يتبقى لديها من فائض أقساط التأمين فإنها لا تعيده للمؤمن لهم ، لأنها تعتبره عوضاً في مقابل التزامها بالتعويضات المتفق عليها ، وإذا لم تفِ الأقساط المحصلة لدفع كل التعويضات فلا يحق لها الرجوع عليهم بطلب زيادة أقساط التأمين .
بينما في التأمين التعاوني يجتمع عدة أشخاص معرضين لأخطار متشابهة، ويدفع كل منهم اشتراكاً معيناً، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه الضرر، وإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإذا نقصت طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز، أو أنقصت التعويضات المستحقة بنسبة العجز.ولا مانع من أن يتولى إدارة التأمين التعاوني جهة
مستقلة عن المؤمن لهم أنفسهم وأن تتقاضى أجوراً أو عمولات مقابل إدارتها للتأمين ، ولا يمنع كذلك من أن تأخذ جزءاً من أرباح استثمارات أموال التأمين بصفتها وكيلاً عنهم في الاستثمار.  

وبهذا يظهر أن شركة التأمين في كلا النوعين قد تكون شركة منفصلة عن المؤمن عليهم ، كما أنها في كليهما قد تكون شركة ربحية – أي أنها تهدف إلى الربح- ، ويظهر الفرق بين النوعين في ثلاثة أمور رئيسة :

الفارق الأول ( في قصد المؤمن عليهم): فالأقساط المقدمة من حملة الوثائق في التأمين التعاوني يقصد منها التعاون على تفتيت الأخطار ، تأخذ هذه الأقساط صفة الهبة (التبرع) .

أما التأمين التجاري فهو من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية .

الفارق الثاني ( في الالتزام): ففي التأمين التجاري هناك التزام تعاقدي بين شركة التأمين والمؤمن لهم ، إذ تلتزم الشركة تجاه المؤمن عليهم بدفع التعويضات ، وفي مقابل ذلك تستحق كامل الأقساط المدفوعة ، بينما في التأمين التعاوني لا مجال لهذا الالتزام ، إذ إن التعويض يصرف من مجموع الأقساط المتاحة ، فإذا لم تكن الأقساط كافية في الوفاء بالتعويضات طلب من الأعضاء زيادة اشتراكاتهم لتعويض الفرق ، وإلا كان التعويض جزئياً بحسب الأرصدة المتاحة.

الفارق الثالث ( في محل الاسترباح): فلا تهدف شركة التأمين التعاوني إلى الاسترباح من الفرق بين أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن لهم وتعويضات الأضرار التي تقدمها الشركة لهم ، بل إذا حصلت زيادة في الأقساط عن التعويضات المدفوعة لترميم الأضرار ترد الزيادة إلى المؤمن عليهم، أو تبقى هذه الزيادة لدى الشركة كاحتياطي لعمليات التأمين اللاحقة ولا تدخل في المركز المالي للشركة .

بينما الفائض في التأمين التجاري يكون من استحقاق شركة التأمين في مقابل التزامها بالتعويض تجاه المؤمن لهم.

الفارق الرابع( في كيفية إدارة التأمين): ففي شركة التأمين التعاوني تكون العلاقة بين حملة الوثائق( المؤمن عليهم) وشركة التأمين (المؤمن) على الأسس التالية:

‌أ-        يقوم المساهمون في الشركة بإدارة عمليات التأمين، من إعداد الوثائق وجمع الأقساط، ودفع التعويضات وغيرها من الأعمال الفنية، في مقابل أجرة معلومة وذلك بصفتهم القائمين بإدارة التأمين وينص على هذه الأجرة بحيث يعتبر المشترك قابلاً لها .

‌ب-      يقوم المساهمون  باستثمار( رأس المال) المقدم منهم للحصول على الترخيص بإنشاء الشركة، وكذلك لها أن تستثمر  أموال التأمين المقدمة من حملة الوثائق، على أن تستحق الشركة حصة من عائد استثمار أموال التأمين بصفتهم المضارب.

‌ج-      تمسك الشركة حسابين منفصلين، أحدهما لاستثمار رأس المال، والآخر لحسابات أموال التأمين ويكون الفائض التأميني حقاً خالصاً للمشتركين ( حملة الوثائق).

‌د-       يتحمل المساهمون ما يتحمله المضارب من المصروفات المتعلقة باستثمار الأموال نظير حصته من ريح المضاربة، كما يتحملون جميع مصاريف إدارة التأمين نظير عمولة الإدارة المستحقة لهم
‌أ-        يقتطع الاحتياطي القانوني من عوائد استثمار أموال المساهمين ويكون من حقوقهم وكذلك كل ما يتوجب اقتطاعه مما يتعلق برأس المال. ([1]).

بينما العلاقة بين حملة الوثائق وشركة التأمين، في التامين التجاري، أن ما يدفعه حملة الوثائق من أموال تكون ملكاً للشركة ويخلط مع رأس مالها مقابل التأمين. فليس هناك حسابان منفصلان كما في التأمين التعاوني.

المطلب الثاني:مقترحات لصيغة شركة تأمين تعاوني:

لعل من أبرز ملامح هذه الصيغة ما يأتي:

أ. أن يتولى إدارة التأمين التعاوني شركة مساهمة، يكون للمساهمين فيها مركز مالي منفصل على وجه الحقيقة عن المركز المالي لعمليات التأمين.

ب. للشركة المساهمة أن تخصم جميع المصاريف الإدارية والتشغيلية من مجموع أقساط التأمين، وأن تتقاضى أجوراً مقابل إدارتها لعمليات التأمين بصفتها وكيلاً بأجر، ولها كذلك أن تستثمر أموال المؤمن لهم في استثمارات مباحة، وتستحق بذلك نسبة من أرباح تلك الاستثمارات بصفتها شريكاً مضارباً.

ت. على الشركة أن تتجنب الدخول في استثمارات محرمة كالسندات وغيرها، سواء أكان ذلك في الاستثمارات الخاصة بالمساهمين أم بالاستثمارات الخاصة بعمليات التأمين.

ث. التزام الشركة تجاه المؤمن لهم بالتعويض على نوعين؛ جائز وممنوع. أما الجائز فأن تلتزم الشركة بإدارة أعمال التأمين بأمانة واحتراف، ومتى قصرت في ذلك فإنها تتحمل تبعات ذلك التقصير والتعويض عنه. وأما الممنوع فأن تلتزم التزاماً مطلقاً بالتعويض سواء أكانت الأضرار من الشركة أم من غيرها، فهذا يتعارض مع قاعدة التأمين التعاوني. وبدلاً عن ذلك فللشركة أن تكّون احتياطيات من فائض أقساط التأمين، ولا تدخل هذه الاحتياطيات ضمن قائمة حقوق المساهمين بل تكون خاصة بأعمال التأمين.

ج. للشركة أن ترتبط بعقود إعادة تأمين لتفتيت المخاطر، بشرط أن تكون هذه العقود من قبيل التأمين التعاوني.

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد



                                                          د. يوسف بن عبد الله الشبيلي


















([1])    ندوة البركة الثانية عشرة للاقتصاد الإسلامي، قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي ص212.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..